الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية في البحث النقدي

سعدون هليل

2013 / 2 / 13
الادب والفن


الماركسية في البحث النقدي
الراهنية، التاريخ، النسق


كتب الفيلسوف الماركسي المعروف، جورج لابيكا عن فلسفة ماركس قائلا: "يجب ان نعترف بأن الماركسية، ونعني بها فكر ماركس المتحرر والمسترجع لقوته الاصلية، ضرورية اكثر من أي وقت مضى."
فالماركسية حية لان الرأسمالية، التي قامت الماركسية بتشخيصها افضل تشخيص، هي حية بدورها، ولقد استشف سارتر ذلك عندما كتب في "نقد الفكر الجدلي": "الماركسية غير قابلة للتجاوز لان الظروف التي ولدتها لم يتم تجاوزها.
ونظرا ان الماركسية هي فلسفة العصر، وليس هنالك فلسفة متقدمة في هذا العصر يمكن ان نستعين بها في تحقيق حلم الانسانية. ويعلم الجميع ان الماركسية ما زالت تؤدي دورها كأداة نظرية لتغيير الواقع. فإن المنهج المادي التاريخي الماركسي ينظر الى هذا التاريخ، نظرة شمولية لا ترى فيه جانبا دون اخر، بل جوانبه كلها، وهو لا يقتصر في تفسير التاريخ على العوامل الاقتصادية والاجتماعية وحدها، كما يتوهم البعض، بل ينظر نظرة شمولية في مختلف العوامل المؤثرة في مسار الحركة التاريخية والاجتماعية.
ينقسم كتاب المفكر وعالم الاجتماع السوسيولوجي د. فؤاد خليل " الماركسية في البحث النقدي.. الراهنية، التاريخ، النسق" الى ثلاثة مباحث، ومقالة عن الماركسية وثنائية الخصوصية والكونية. وملحقان – 1- عن ازمة اليسار في هشاشة موضوعية ولما يبرح اليسار الالتباس والترسيمة – 2- اراء في الدولة مع خاتمة.
قدم الكتاب الباحث والناقد فواز طرابلسي. يشير الناقد فؤاد في تقديمه "لست ادري كم مرة اعلنت فيها وفاة الماركسية واقيمت المآتم. ولكني اعرف انه في كل مرة، يتبين ان الجثة في صحة جيدة وان المرحومة قامت من بين الاموات قبل اليوم الثالث. واعرف ان آخر مرة اشهر فيها حفار القبور معاو لهم كانت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي".
ويتوقف الناقد فواز طرابلسي، عبر مفاصل ثلاثة: الاول هو اعادة الاعتبار النقدي للنظرية الماركسية بها هي نظام معرفي موجه نحو التغيير. والثاني، تحريرها من المركزية الاوربية. والثالث السعي لحل اشكالية العلاقة بين الماركسية والعالم العربي.
يدرس فؤاد خليل في المقدمة، ان الماركسية هي في الاساس حركة فكرية نقدية، واداة لتغيير العالم، مثلما هي نظام فكري منفتح على التساؤلات الدائمة. وما تزال الماركسية تؤلف مرجعا ضروريا لصوغ نظرية تستجيب لمتطلبات عصرنا. وتعبر فلسفة البراكيس، عن قطيعة الفكر الماركسي مع الخطب الفلسفية المسيطرة. وهي تتناقض مع الشمولية والسلطوية، ومع المادية القديمة التي تتحدث عن الفرد التأملي امام الظروف المجتمعية، وعن المجتمع البرجوازي كمجموعة من القوانين الاجتماعية والاقتصادية الطبيعية المستقلة عن ارادة الافراد او فعلهم. وفي مقابل هذه المادية تتعامل البراكيس مع المجتمع كشبكة ملموسة من العلاقات المجتمعية وكبنية منتجة من الاشخاص من خلال نشاطهم التاريخي وامتلاكهم للطبيعة بواسطة العمل.
ويتوقف الباحث، ويتناول الباحث في المبحث الاول: "الماركسية بين الراهنية والقول النقدي" يدرس الماركسية بالمفهوم المادي في نظرتها الى التاريخ والمجتمع وقد تبين في ضوئه انها تتصف بطبيعة انسانية عامة. لان جوهر نظامها المعرفي يقوم على فكرة المساواة بين بني البشر. وهو ما يجعلها ملازمة للحاضر المجتمعي باستمرار طالما ان المجتمع الطبقي ينتج الظلم والاستغلال والتفاوتات المختلفة بين طبقاته ومكوناته، الماركسية، في نظر فؤاد خليل هي نظرية سوسيولوجية، شمولية، تناولت المجتمع بكل جوانبه. وهي عندما تدرس ظاهرة ما، لا تدرسها من داخل سياق وبنية. وكل تحليل من هذا النوع سوف يظل حاضرا في الفكر السوسيولوجي ويشكل مرتكزا لاحدى مدارسه، ولاحد اتجاهاته البارزة. النظرية الماركسية هي نقدية وتغييرية في آن واحد فالنقد في نظرها يحيل الى الكشف عن الزيف الايديولوجي في المفاهيم والافكار التي تسوع الواقع الطبقي القائم وتدعو الى استمراريته، وهو فضح وتعرية للاقنعة الايديولوجية التي تحجب حقيقة هذا الواقع. انه بهذا المعنى ممارسة نظرية في التغيير او فعل تغييري بادوات المعرفة. ويكشف خليل في دراسته هذه ان الماركسية، شكلت منذ نشأتها جزءا من الفكر العالمي حيث "شغلت الناس وملأت الدنيا" على امتداد قرن ونصف الزمن، او بمعنى آخر، لقد حفزت السجال على الساحة الفكرية وامدته بزخم قوي سواء تعرضت للنقد ام للتأييد.
ويتوقف الباحث، عند مفهوم الماركسية بوصفها كذلك، اتسمت بامتياز معرفي لم ترق اليه اغلبية النظريات السوسيولوجية الاخرى سواء بمفاهيمهما أي بادوات تحليلها، ام بـ المنهجي الديالكتيكي ذي الطابع الشمولي. لقد اخذت الماركسية بمفهوم انتاج الحياة المادية او انتاج الخبرات والحاجات المادية، منطلقا لما في تحليل المجتمع البشري ومسار تطوره الاجمالي. ومفهوم الانتاج المادي كما هو معلوم، يمثل اصلا مشتركا بين بني البشر، وهو يشرط استمرارية الوجود المجتمعي نفسه، أي انه مشترك لا يضاهيه أي مشترك بشري اخر.
فالمجتمع البشري قد يستمر من دون سلطة او دولة او من غير فن او دين او اساطير، لكنه لا يستمر البتة من دون انتاج حاجاته من الغذاء والملبس والمسكن. ويرى الباحث، ان العلاقة بين البناءين، تقوم العلاقة بين الوجود المجتمعي، والوعي المجتمعي على القواعد الديالكتيكية نفسها.
فالوجود المجتمعي يحدد الوعي المجتمعي ويشترط مستوى تطوره، لكن من دون ان يلغي استقلالية النسبي. وفي المقابل يملك الوعي المجتمعي من خلال درجة استقلالية النسبي ان يتحكم بالوجود المجتمعي وان يؤثر في عناصره التكوينية باشكال ومظاهر مختلفة.
فالماركسية تكون قد ساهمت على نحو مبكر في تأسيس علم اجتماع المعرفة والثقافة وما تزال تشكل احدى مرجعياته النظرية والمنهجية المعاصرة ويعرض د. فؤاد خليل مفهوم الايديولوجية للماركسية، فمن المعروف ان الايديولوجيا هي وعي زائف، ووعي غير صادق لا يطابق حقيقة الواقع، لكن الزيف لا يطبع جميع الايديولوجيات. فهنالك الماركسية ايديولوجيا طبقة البروليتاريا. وهي ايديولوجيا علمية تملك ان تحول هذه الطبقة الى قوة مادية تناضل من اجل تحقيق اهدافها. ويشير الفيلسوف الماركسي التوسير "ان تكون شيوعيا في الفلسفة هو ان تصبح مقاتلا ومتضلعا بالفلسفة الماركسية".
ويناقش الباحث في نهاية الفصل الطبقة في المفهوم الماركسي، والدين، والايديولوحيا والتاريخ، ويشير خليل ان التاريخ بالنسبة للماركسية هو مجرى الصراع الطبقي. ونحن نعتقد ان لا ماركس ولا انجلس ادعى هذا الصراع الطبقي هو الدافع الوحيد للصراعات بين البشر، ولم يعتبر الطبقي نفيا للواقع. ويتحدث الباحث في المبحث الثاني من الكتاب عن فلسفة هيغل وماركس ويرى ان فلسفة التاريخ عند هيغل مرجع بارز في المشروع الثقافي الغربي. والعودة اليه يؤكدها فكر العولمة المعاصر. هذا الفكر الذي اعلن نهاية التاريخ وموت الايديولوجيا استعان بهيغل وفلسفته. ويشير الباحث ان مفهوم التاريخ عند ماركس، يرتكز على ثلاثة منطلقات: الاول: التاريخ وهو عرض لتحرير الانسان من شروط انتاجه الطبيعية. الثاني: مضمون التاريخ هو التقدم كسيرورة واقعية للانتاج. الثالث: غاية التاريخ الوصول الى مملكة الحرية الانسانية. ويقصد الباحث ان عملية تحرر الانسان من الطبيعة والسيطرة المتنامية عليها، تبدأ من تحرر الانسان من الوضع السائد، عندما يعيش البشر البدائيون حياتهم، ومن العلاقات الاولية والتلقائية كما نمت على الطبيعة، والتي تبرز من خلال تقدم المجموعات البشرية. ثم تنمو حيث تتعقد العلاقات التي يدخل فيها البشر نتيجة للتخصص في العمل. ويرى ماركس، انه اذا كان العالم القديم قد انطلق من المدينة والارض الصغيرة التابعة لها فان العصور الوسطى انطلقت من الريف.
وينتهي بحث هذا الفصل، بقول ماركس "لا تختلف الديالكتيكية في اساسها عن الطريقة الهيغلية فحسب، بل هي ايضا عكسها بالضبط، فحركة الفكر التي يجسمها هيغل تحت اسم المعنى صانع الواقع الذي ليس هو سوى الشكل الظاهري للمعنى "الفكرة". اما بالنسبة لي فالامر على العكس، اذ ان حركة الفكر ليست الا ارجاعا لحركة الواقع نقلت وحملت الى دماغ الانسان. لقد انتقدت الجانب الصوفي من الديالكتيك الهيغلي منذ ما يقارب الثلاثين عاما، أي في الوقت الذي كان فيه رائجا على الموضة. ولذلك صرخت علنا باني تلميذ لهذا المفكر الكبير ومضيت في الفصل الخاص بنظرية القيمة الى درجة وجدت معها نفسي اغازل طريقته الخاصة في التعبير. وعلى ان هيغل في لعبته الهزلية هذه قد شوه الديالكتيك بالصوفية، فإن ذلك لا يقلل ابدا من كونه اول من عرض حركته عرضا مجملا ان الديالكتيك الهيغلي يمشي على رأسه ويكفي ان يعاد وضعه على قدميه كي نسترد له وجهه المعقول جدا".
وقد ركز الباحث على ان ماركس قلب فلسفة التاريخ عند هيغل "الفكرة الممتازة هي القوة المسيطرة في التاريخ، وهي التي تعقل الافكار والمفاهيم" ويشير ان البشر هم منتجو تصوراتهم وافكارهم. لكن البشر الواقعيين الفاعلين كما هم، مشروطون بتطور معين لقواهم الانتاجية، والعلاقات التي تقابلها، بما في ذلك الاشكال الاوسع التي يمكن لهذه العلاقات ان تتخذها. فالوعي لا يمكن قط ان يكون شيئا آخر سوى الوجود الواعي ووجود البشر هو تطور حياتهم الواقعية، واذا كان البشر وجميع علاقاتهم يبدون لنا في الايديولوجيا بكاملها موضوعين رأسا على عقب كما في غرفة مظلمة، فإن هذه الظاهرة تنجم عن عمليات تطور حياتهم التاريخية" تحضرني هنا مقولة لهيغل: " الحرية هي وعي بالضرورة" لقد تسلح ماركس بمفهوم الانتاج المادي للحياة اساسا في بناء التاريخ وتحديد المراحل التي تعاقبت داخل مجراه سواء ما كان منها في نطاق الحلقة الاوربية ام في النطاق العالمي الاشمل.
وفي المبحث الثالث الذي يحمل عنوان: "الفكر الماركسي: بين ان يكون عربيا او معربا" يحدد المؤلف ان الحديث عن الفكر الماركسي العربي واشكالية النهضة منذ ولادتها، والعائدة الى ازمة الانتقال في المجتمع العربي كما هو ضوء على حركية الفكر العربي الذي اخذ الفكر الماركسي يندرج فيه "بتعبيراته السياسية" مع بداية الربع الاول من القرن العشرين. فالفكر العربي انذاك كان قد انطبع في اجماله بالاصلاح الديني والليبرالي بعد الحرب العالمية الاولى نشأت ظروف دولية وعربية جديدة، جعلت الفكر الماركسي يتولد وسط مناخ فكري وسياسي منفتح على كل جديد تحريري، ومؤثرات لكل فكر ينافح عن القضية الوطنية ويتصدى لاشكال التبعية والتخلف في المجتمع العربي. ويستخلص خليل من كل ذلك ان الادبيات الماركسية تشهد غزارة في بعض الكتابات لكل من: احمد صادق سعد، بندلي جوزي، حسين عروة.. الخ ويتناول الباحث دور وتجديد الفكر الماركسي، ويتوقف على بعض المنهجيات منها : - 1- المنهج الديالكتيكي قد يصح على صعيد حركة توالد الافكار، انما على صعيد الواقع المجتمعي يفسر جانبا من جوانب حركته. فحركة التناقض في الافكار لا تتماثل مع حركة التناقض في الواقع وان تأثرت بها. – 2- المنهج المادي التاريخي هو منهج في المعرفة العلمية. وعلميته تنبع من مفهوم انتاج شروط الحياة المادية. -3- ان التأصيل الذي اجرته الماركسية لهذا المفهوم في حقلها التاريخي المخصوص جعلها تندرج في الفكر العالمي كعنوان بارز فيه. – 4- الماركسية اليوم حقل رئيس هو ازمة الرأسمالية والديمقراطية في العالم ويدرس خليل مفهوم الفكر الماركسي العربي من منظور تاريخي معاصر، ويرى ان المجتمع العربي في طوره الانتقالي الراهن يطرح قضية "التحديث" كأولية يندرج في متنها:
1- النظام العربي واشكالية بناء الدولة الوطنية الحديثة، السلطة العصبية وسلطة الدولة.
2- ازمة غياب الديمقراطية في الحياة السياسية العربية الحرية والاستبداد.
3- حقوق الانسان والاقليات في الوطن العربي.
4- عقلنة الرأسمالية في الدولة العربية وترشيدها الانتاج وبناء المجال الوطني الموحد.
5- اشكالية اندراج الثقافة العربية في الثقافة العالمية المعاصرة الخصوصية والكونية.
ثم يختتم الباحث هذا المبحث بمقالة بعنوان: "الماركسية وثنائية الخصوصية الكونية، كما يرى تشكيل الحقل الموضوعي لتوليد الفكر الماركسي العربي ولادة اصيلة تجعله يسهم في بلورة هذا المشروع في طوره التاريخي الراهن.
ولعل ما قدمته من عرض سريع، حرصت فيه على ترك المؤلف يتكلم بنفسه، يكون حاضرا للرجوع الى الكتاب ككل متكامل، للوقوف من جهة على الجهد العلمي الرصين، والمكابدة التي تحملها قبل اخراجه للناس، ومن جهة ثانية لفتح باب النقاش على مصراعيه لمناقشة وتعميق القضايا المطروحة.

الماركسية في البحث
اسم الكاتب: الدكتور فؤاد خليل
الناشر: دار الفاررابي
عدد الصفحات/ 293








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته