الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغريبة السوريين

فواز قادري

2013 / 2 / 23
الادب والفن


تناثر السوريون كالدموع على جسد الكوكب، كل دمعة لها قصة، وكل قصة لها آلاف الأحفاد اليتامى، جراح وغصّات وذاكرة تلوّح بمناديلها البيضاء للأمكنة التي تلوّنت بدم ساكنيها. هذا الكوكب الفاقد لكل ما هو إنساني، رغم مكاييجه الكثيرة التي يصبغ بها عورة جشع وطمع دوله الكبرى، وخنوع أنظمة تقمع شعوبها ولا تستطيع أن تكون إلا لعبة في يد هذه الدول التي تتحكم بمصير العالم ولا تخرج عن طاعتها، من اجل أن تبقى جاثمة على رؤوس شعوبها، شراهة مصالح ونفوذ هذه الدول تجاوزت كل حد (أمريكا وروسيا ومن يدور في فلكها) تسندها القوة وشريعة قوانين حقبة ما بعد الحرب العالمية الثاني والتي كرّست شكل تقاسم العالم.

كلّ مكاييج الكوكب الإنسانيّة جداً! لم تستطع أن تخفي دمعة طفل سوريّ أو قطرة واحدة من دمه الذي يصرخ في وجدان البشريّة المتظاهر بالطرش. يتناثر السوريون وتفرّخ المأساة لقطاء وجع على قارعة الكوكب، على كل خارطاته أثر من أرواحهم ووجدهم المكسّر وخوفهم وأحلامهم، من طاحونة هروبهم من موت إلى موت في أحشاء البلاد التي لا تستطيع منحهم إغماضة يقدر الحلم أن يلج منها إليهم! إلى المخيمات التي تفرّخ أشكالا من القصص تحتاج كل قصة منها مؤرّخاً بارعاً وخبيراً بتاريخ الألم! إلى آخر هذه التغريبة التي تلتهم السوريين لحماً وعظماً في منافي هذا الكوكب المسكين والعاجز!

نورا

نورا التي من حنين وخوف وأسئلة كافية لإقلاق آلهة الأولمب وآلهة السفوح والوديان، نورا التي تتكوّر على أطفالها الخمسة وحيدة، في أحد المدن التركيّة، نورا لا تستطيع أن تنسى اللحظات الأخيرة التي اقتادوا فيها زوجها "رائد خرّيط" مع أقاربه إلى الموت، الموت الذي يمحو أثر جثث الشهداء، فلا قبور ولا زهور ولا من يأخذ بالخاطر ويطبطب على الروح، بكلمة أو بدمعة. نورا رغم خساراتها الكثيرة، لا تستطيع أن تنسى ولا تشعر بالامتنان إلى ذلك الجندي الذي تلكّأ بأخذ ابنها الصغير مع أبيه إلى غياب نهائي، الجنديّ الذي انتظر خروج الضابط إلى بيت آخر، ليعيد الطفل إليها، ويقول لها: خبّئيه حتى لا يراه الضابط، وكأنه يعرف مسبقاً، مصير الأبرياء الذين ذهبوا مع زملائه بلا عودة. نورا لاتعرف كيف ترمّم أيّامها وقلبها؟؛ رغم الناس الطيّبين الذين تقيم بينهم، والذين يحاولون أن يخفّفوا عنها. ولاتعرف كيف تمسح الخوف في النهار من أعين أولادها، ولا الكوابيس من نومهم المتقطّع، نورا مازالت تنتظر أن يستيقظ ضمير العالم، وهي لا تعرف أنّها تنتظر ميّتاً، والميّت صعب أن يعود إلى الحياة!

ولاء

منذ أن عرفتها، لم تكفّ "ولاء" عن لوم نفسها على تركها لأهلها، وهي القادمة حديثاً إلى ألمانيا، كانت تحكي والدمعة في عينيها: كيف أنجو بنفسي وأتركهم للموت؟ ألف كيف وكيف ردّدتها، كانت دمشق حاضرة في حديثها وحديث شقيقتها " شام". لم نكن نعرف شيئاً عن الانفجار الذي حصل قريباً من سكن أهل الفتاتين، قبل أن تخبرنا سعاد بذلك، ونحن نحكي عن وجعنا المشترك، عن سورية من أقصى الجرح إلى أقصى الألم، ونحكي عن خوفنا على دمشق، دمشق زهرة الدنيا، الهاتف كان عجزاً عن توصيل صراخ أمّهما وهي تصف ماحدث، وكأنّ دمشق هي التي كانت تصرخ مثلما صرخت مدن سوريّة كثيرة قبلها.

هل أخاف عليكِ يا دمشق من جزّار سورية؟ مرعوب أنا على عطر ياسمين الأرواح، مرعوب على التفّاح والمشمش والبشر، مرعوب على أحجار التاريخ، على ضحكة أطفالكِ حتى لاتتحوّل إلى خوف ودموع، على النساء والشيوخ والمطر، مرعوب أنا يا دمشق.. قلبي عليكِ.. قلبي عليكِ.

دمشق.. تنزف الياسمين

إلى: شام وولاء

ياسمينتان دمشقيّتان تبكيان على صدري
امتلأ البيت بعطر شآمي حزين
امتلأ قلباهما بشظايا الدمع
لم يكن زجاج البيوت وحده الذي تطاير
ولا حمام يبحث عن غيمة زرقاء حالمة
تطاير بلّور عيون كانت تضحك قبل قليل
وكتب ودفاتر عليها دماء الصغار.
كانت شام تبكي على الشام
بيديّ ألملم القليل من انسكاب روحها
فتزهر مناديل ورقيّة
سفحت على بياضها سواد عينيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد