الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا : التغيير وأدواته

عادل أحمد

2005 / 4 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أعتقد أننا لسنا في حاجة لإثبات أن التغيير في المنطقة عامة وفي سوريا خاصة قادم لا ريب ؛ فمنطق العصر والأحداث ، منطق الصيرورة التاريخية للعالم تدلل أن عالما قديما بأفكاره ومثله وأيديولوجياته انهار ويكاد يصل إلى نهاياته في مقابل عالم جديد أخذ وجوده يترسخ .
ولا تكمن المفارقة هنا في موت عالم وولادة عالم آخر ، وإنما في كون القوة الجديدة المسيطرة على العالم الجديد والمتحكمة به من خلال العسكرة ، اعتمدت في صعودها السريع على منجزات العالم القديم وبالأخص منه نتائج الحرب الباردة وسباق التسلح العلمية والتقنية ، ومستفيدة إلى أقصى حد ممكن من ثورة الاتصال والمعلومات .
كانت سوريا أحد البيادق الهامة في رقعة الشطرنج الدولية . بنهاية الحرب الباردة وسقوط النظم الاشتراكية، وبروز الولايات المتحدة كقطب أوحد،وما نتج عن ذلك من انهيارات وانزياحات ، وبروز مهمات ثانوية جديدة شاركت فيها دول الباحات الخلفية والجانبية خدمة للقطب الجديد ، من أفغانستان إلى حرب الخليج الأولى إلى احتلال العراق وصولا الى بدء التنفيذ الفعلي لمخطط الشرق الأوسط الكبير . في هذا السياق فقد البيد ق السوري أهميته ، وتراجع دور سوريا كلاعب إقليمي ، وبعد أن استنفذت مهماته تحول كما غيره من البيادق الصغيرة ليصبح عبئا على اللاعب الأساسي وكابحا أمام تحرك بيادق أخرى أكثر أهمية وفائدة ،وهنا ، في هذه اللحظة التاريخية – السياسية اتخذ قرار التضحية به ،وليس القرار 1559 وما تبعه إلا تعبيرا مكثفا عن هذا القرار .
انطلاقا من هذا قلنا أن التغيير قادم لا ريب . تغيير تريده الولايات المتحدة والغرب عموما ، لا حبا بالشعب السوري ولا انتصارا له ( أين كان ضميرهم طيلة عقود ثلاثة ماضية أن فيها هذا الشعب وعاش تحت وطأة القهر والاستبداد )ولا حبا بالديموقراطية وحقوق الإنسان وانتصارا لهما ، وإنما طلبا لنظام أكثر عصرية وقبولا وقدرة على تنفيذ الاملاءات التي لا تنتهي ؛ والتي ستحول سوريا إلى منتجع سياحي يقصده من هب ودب من غلاة العالم وليدار كغيره من الدول العربية من حكام إسرائيل . ولأن النظام السوري أغمض عينيه عن رؤية معاناة الشعب ، وأصم أذنيه عن سماع أناته المتلاحقة بداية ، كما أغمض عينيه عن رؤية المتغيرات المتسارعة في المنطقة والعالم ،وتجاهل أن عليه أن يتأقلم مع العصر ، لسنوات طويلة تاليا . فانه وكما يبدو أفاق من غيبوبته ، وبدأ يدرك أن عليه أن يغير أو يتغير ، ومن هنا بدأ التسارع في حركته ( خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ) وعلى هذا الأساس يجب أن نفهم سرعة وتتالي الرسائل الصادرة عنه والدالة على قرب وإمكانية التغيير .
وبهذا الصدد ، ولكي تكون آفاق التغيير مفتوحة وايجابية ، فانه على النظام السوري / والذي أدرك ضرورة التغيير حتى بالنسبة إليه /أن ينطلق من نقطة أساسية، وهي أن الاستهداف الخارجي لسوريا إنما المقصود به حقيقة هو سوريا الدولة، الوطن ، الشعب وصولا إلى تحضيرها- سوريا – للقبول المطلق للاملاءات الأمريكية بما يخدم مشروعها الخاص بالمنطقة . إن هذا كله ، ولإفشال هذا الاستهداف ، وصون سورية الوطن والشعب ، يفترض تغييرا جذريا يحقق مطامح المواطنين ويطلق حرياتهم في العمل من أجل وطن حر وسيد ، تغييرا يحقق المصالحة الوطنية ، الاندماج الوطني ، وصولا إلى نظام وطني ديموقراطي تعددي ترفرف فوق ربوعه راية الحرية ، وتختفي من سمائه غيوم الاستبداد والقمع .
وبدهي أن إنجاز هكذا تغيير ، لا ولن يقوم به حزب البعث أ ومؤتمره العتيد، إن حزبا أو سلطة تحمل تاريخا مديدا من الخيبات المتكررة والهزائم ، حزبا وسلطة أقصيا البشر عن دائرة الحرية والفعل وعاثا فسادا في المجتمع لا يمكنهما أن يصلا إلى هذه النقطة . وبالتالي فان الإرادة الخيرة / فيما لو توفرت / تقتضي من السلطة إشراك جماهير الشعب وقواه السياسية ومنظماته المدنية في هذا التغيير . إن أبسط الأدوات هي اللجوء إلى لغة الحوار الجدي والفاعل والديموقراطي مع الجميع وبلا استثناء ، حوار مسبوق بإلغاء كل ما من شأنه عرقلة هذا الحوار أو تعطيله، بدءا من إلغاء قانون الأحكام العرفية والقانون 49 وصولا إلى المادة الثامنة من الدستور السوري ، وإطلاق حرية الصحافة والأحزاب ... بهذه الطريقة وبها إلى حد بعيد يمكن لمن يريد أن يظل مرتديا عباءة البعث والسلطة أن يجد له مكانا بين الناس وربما ، ربما في قلوبهم .
أما ما يدعم آفاق التغيير الايجابية ، ويعجل في سيرورته ، ويكسبه طابعا وطنيا وشعبيا شاملا فهو أن تعمد قوى المعارضة الوطنية والديموقراطية وهيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وكل الفعاليات الأخرى إلى التداعي من أجل عقد مؤتمر وطني شامل لها تتفق فيه على برنامج حد أدنى ، تتعامل من خلاله مع السلطة ، وتضغط عليها من أجل الوصول الى مؤتمر وطني عام يجمع السلطة والمعارضة ويحدد آفاق التغيير ومكوناته وآلياته .
بهذه الصورة المحتملة يمكن لسوريا أن تسير نحو دولة الحق والقانون ، دولت التعدد السياسي والديموقراطية ، دولة موحدة الرؤى ومحصنة ضد الخارج .
إما هكذا ، أو أن مستقبل سوريا سيبقى سؤالا مفتوحا ومحتملا لكل الإجابات .

اللاذقية 1/4/2005 عادل أحمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا