الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الناقد علي الفواز

سعدون هليل

2013 / 3 / 6
الادب والفن


حوارمع الناقد علي حسن الفواز
حاوره: سعدون هليل

"النقد هو الاقرب الى مرحلة صناعة الأسئلة "

علي حسن الفواز ولد في بغداد درس اللغة العربية والاقتصاد وعلم الاتصال والاعلام نائب الامين العام لاتحاد الاددباء والكتاب في العراق اصدر الكتب التالية في الشعر "فصول التأويل" "مرايا لسيدة المطر" "مداهمات متاخرة" الوان باسلة..في النقد له "من يفتح الصناديق السرية للعائلة الشعرية" "الشعرية العراقية اسئلة ومقاربات" في الدراسات الفكرية له "فنطازيا الدولة".. "انطولوجيا شعراء البصرة" "مراثي المكان العراقي في الرواية العراقية" " اسئلة الثقافة..ودراسات في نقد الدولة والجماعة . وفي هذا الحوار تطرق الناقد الى موضوعات عدة تتعلق بهموم الشأن الثقافي العراقي.
*علي الفواز شاعر وناقد معروف...ماهي العتبات التي جعلتك شاعرا وناقدا؟
_ احساس مبكر بالكشف عن الاشياء الغامضة، تلذذ باللغة، بجملها وصورها، وسحرية الحكايات التي كانت عامرة بالشعر، فضلا عن تأثيرات البيئة الاجتماعية، بيئة القراءة الاولى، بيئة مليئة بالحكايات السحرية، وسيرة المقدس..كلها اثارت لديّ شراهة البحث عن اسرار اللغة، واسرار الحكايات والشخصيات واسفارهم وحروبهم ولياليهم وغزوات عشقهم ومغانمهم.
الشعر كان اولا، لانه توهج اللغة والروح، واندفاع المخيلة الطفلة لكي تلامس العالم، وتلتذ باستعاراته الجمالية..كنت اعشق قصائد الحب والفخر، فقرأت مبكرا جدا كتب جورجي زيدان وجبران والمنفلوطي، والتي كانت هي طريق الحرير لعوالم اخرى...
مرحلة النقد اظنها الاقرب الى مرحلة صناعة الاسئلة، ومرحلة الشك بما حولي من طبيعة صامتة، ومن عوالم مأخوذة باوهامها، لذا كانت فكرة النقد قريبة من فكرة الاحتجاج والرفض والبحث عن وجه اخر للعالم...
قرات كتب الفلسفة وانا صغير، اثارت شهيتي للتعالي، ولصناعة اوهام ثقافية، وللوقوف عند اسئلة ظلت تشدني الى رعبها وقلقها...مثلما اثارت لديّ رغبة للمعرفة، معرفة الوجود، معرفة الحرية، معرفة الجسد، النص، الافكار، الصراع الطبقي، وغيرها..
* اغلب المثقفين يرتبطون اليوم في الصحافة، ماهو تقييمك للواقع الثقافي في الممارسات الصحفية وخاصة النقد؟ كيف يؤثر ذلك على المستوى الثقافي؟
_الصحافة فضاء ثقافي فاعل، وهو حاضن حيوي للحراك الثقافي، خاصة وان سمة الصحافة في العراق ظلت ادبية اكثر مما هي اعلامية او سياسية، بسبب كثر العاملين فيها من المثقفين اولا، وبسبب طقوسها، وحتى طبيعتها في التعاطي مع ادبية الخطاب السياسي والاجتماعي..لكن الواقع الان فقد الكثير من ايقاعه وتقاليده، بسبب اتساع الفضاء الاعلامي، وغياب الكثير من التقاليد المهنية في العمل، وشحوب الهوية الادبية في الصحافة، ورغم وجود العديد من الادباء في وسائل الاعلام الاّ ان دورهم غير فاعل بسبب طبيعة الهيمنات والموجهات( الجديدة) التي فرضت نفسها على الواقع العراقي. كما ان اتساع تكنلوجيا الاتصالات واستخداماتها القى بظلاله ايضا على واقع الصحافة، فاغلب الصحف باتت فضاء مفتوحا لنسخ ماتبثه مواقع الانترنت من اخبار ومعلومات ونشاطات ثقافية، وهو ما افقد الجانب الثقافي جزءا حيويا من حضوره وجدّته وديمومته..
*ايهما اكثر امتاعا وتشويقا واستفزازا في مشغلك النقدي القصة ام الشعر ام الفكر؟
_طبعا الفكر، لانه الطريق الاكثر وعيا للاشتغال الجاد والكاشف في المناطق الاخرى..النقد في الشعر وفي السرد لم يعد نقدا لغويا فقط او اشتغالا اسلوبيا عائما، بل صار علما له منظومات اجرائية ومفاهيمية، وله مناهجه ونظراته، وهذا مايجعل الفكر بوصفه توليدات معرفية منطقة اكثر حراكا وانفتاحا لتعميق فاعلية النقد، ولتحسين صورة الناقد القديم، وللتعاطي مع الاسئلة النقدية على انها مناطق اشتباك دائم..
*كيف تنظر للابداع الثقافي بعد سقوط النظام؟ وماهي اهم الانجازات الادبية في رأيكم؟
_ماحدث بعد 2003 يعد انهيارا لزمن معقد في التاريخ العراقي، ليس لزمن السلطة او الحكم الاستبدادي، بل لانهيار منظومة تاريخية من القيم الاجتماعية والسياسية والايديولوجية، ولمفهوم الدولة النمطية والمجتمع والجماعات، اذ ساهمت احداث التغيير واحتلال العراق عسكريا في تضبيب(اللحظة الوطنية) ولنشوء ارضية قابلة لابراز صراعات عميقة التجذر في التاريخ، تلك التي تخندقت حولها جماعات مأزومة، وهو ما انعكس على البيئة الثقافية التي كشفت هي الاخرى عن هشاشتها وتابعيتها، اذ تحول المثقف الى كائن فرجة بامتياز، والى صانع صراعات واوهام لم تسطع ان ترتقي الى مستوى التحديات الكبرى، خاصة وان هذا المثقف لم يرث نظاما مؤسسيا او مدنيا حرا، فهو جزء من منظومة الحكم، ومنظومة الايديولوجيا، او جزء من العزلة، عزلة المنفى او العطالة او الموت. ثقافة المواجهة كانت ثقافة ذات مرجعيات سياسية/ نضالية، وذات توجهات لم تسطع ان تصنع لها سياقا ثقافيا فاعلا، ولاحتى ذاكرة مؤسسة يمكن الركون اليها او استعادتها بوصفها فعلا ثقافيا...
تحققات المشهد الثقافي رغم فوضويته تتجسد في تمظهرات الحرية العامة، واتساع الفضاءات الثقافية المتنوعة، واستعادة روح الحراك الثقافي الذي ظل عاجزا للاسف امام المهيمنات التي ظلت تولدها اشكال تقليدية للحكم والايديولوجيا، واشكال تقليدية للثقافات الحزبية التي صنعت لها اطر ومؤسسات ساهمت بشكل او باخر في تشويش حداثة السياق الثقافي العراقي..فضلا عن بروز جيل جديد من الادباء الذين يملكون هاجس التمرد على التاريخ والمؤسسة والنص التقلدي، مثلما هو بروز الظاهرة المدنية لطبع الكتاب الثقافي من خلال مجموعة من الكتبيين الشباب.
*ماهي برأيك مهمة الثقافة اليوم في عالم يصعب تغييره؟
_قد تبدو المهمة صعبة ومعقدة، وذات ابعاد اخرى، لان العالم الان يتمرس بالكثير من انماط الثقافات الصيانية، صيانة في العقائد والايديولوجيات وفي الافكار، مثلما يخضع الى مجموعة من الموجهات التي فرضت سياقاتها على الصناعات الثقافية، وعلى وظائفها وادوارها.. الواقع العراقي محتشد بازمات كثيرة، بعضها جزء من عقد الماضي، وطبيعة الحاكمية السياسية التي فرضت اشكالها الاستبدادية المرعبة، وبعضها خرج الى لعبة المواجهات التي اقترنت بازمة اللحظة الوطنية المعاصرة، لحظة البحث عن وجود ومغانم، ومصالح، او التورط بصراعات فئوية..وهذا ما اكسب هذه اللحظة ملامح شائهة انعكست على التداول الثقافي، وعلى دور المثقف العراقي في مواجهة التحديات الجديدة..
لذا فان البحث عن وجه اخر لوظيفة الثقافي، يعني البحث عن مجموعة من الفعاليات المؤسساتية الرسمية والمدنية، التي يمكن ان تساهم في اعادة فحص الظواهر الثقافية ووضعها في السياق النقدي والتنويري، والعمل على خلق رأي عام من شأنه ان يدفع باتجاه الضغط على تشريع العديد من القوانين التي تخص البنيات الثقافية، وعلى امكانية تبني مواقف تدعم العمل الثقافي من قبل الجهات الرسمية، فضلا عن العمل على التأمين اللوجستي لانشاء المجلس الاعلى للثقافة في العراق ليكون مؤسسة ثقافية داعمة في تنشيط العمل الثقافي وتنظيمه وتوسيع مدياته..
*النقد الغربي استطاع ان يحمل همّ الواقع الغربي، ونجح في احتواء النص الابداعي، بل وتوجيهه احيانا، ما موقع النقد عربيا من حيث حجم الابداع كما ونوعا؟ وهل تصح مقولة بعض النقاد بان النقد تجاوز الابداع؟
_للنقد الغربي ظواهر واسئلة لايمكن مقارنتها بظواهر النقد العربي واسئلته، لان النقد الغربي يرتبط بمعطيات واليات ومواقف، والتي تعبّر عن خصوصية هذا النقد في التعاطي مع اشكالات الثقافة الغربية، والتي تمثل في جوهرها منظومة من القيم والاتجاهات والفلسفات والمرجعيات التي تتمثل لكل تمظهرات الثقافي الانساني، والثقافي النقدي والثقافي المعرفي والتعليمي، فضلا عن الثقافي التنويري والذي ارتبطت مرجعياته بوجود المؤسسات المدنية والحقوقية التي تعزز القيمة الرمزية للمثقف، ولوظيفته الاخلاقية والجمالية في صناعة الوعي..ولعل من ابرز تمظهرات هذه الثقافة هو انفصالها عن الديني والسلطوي، اي انها ثقافة الحرية والارادة والخيار..ولكن ثقافتنا العربية للاسف ظلت ثقافة تابعة، تابعة للرمزي والابوي والسلطوي والديني، وهذا التمثل التابعي عطّل عند الثقافي فاعلية المواجهة، والقدرة على صناعة المضادات الفاعلة والمحركة، ولعل ابرز مايجسد هذا الدور هو الفشل الثقافي العربي في التعاطي مع الاسئلة الثقافية في المرحلة المسماة ب(الربيع العربي) اذ وجد المثقف نفسه متورطاً في لعبة الفرجة، وهشاشة الدور التغييري والتنويري، ولعل انهيار المؤسسات القديمة عزز وظيفة الفرجة، وكرس التشظي الثقافي العربي الباحث عن بيئة اكثر صلاحية لمواجهة مايجري..
النقد العربي لم يستطع متابعة فضاءات الابداع المفتوحة، خاصة وسط اشكالات معقدة، سياسية وثقافية وتسويقية، فالكتاب العربي يعاني من تعقيدات ازمة السوق، وازمة صناعة عناصر المتابعة، والمؤسسة النقدية شائهة بين الدرس الاكاديمي المغلق، وبين مهيمنات الثقافي الرسمي، فضلا عن غياب النقدي بوصفه نقديا للتابو السياسي والرمزي والايديولوجي...وحديث النقد وتجاوزه للابداعي تظل لعبة خداع دائما، لان النقد هو نص، والابداع نص ايضا، وتمظهرات الفعالية النقدية هي روح الاشتباك النصوصي، وحتى العلوم النقدية وحديث مناهجها يجسد في اساسه حيوية الاشتباك مع النصوصي واستدعائه، لكن مايميز النقدي المعاصر هو انفتاحه غير المسيطر عليه ازاء المناهج الغربية التي تحولت الى مناهج مهيمنة، واطاحت بالتاريخ السياقي للنقد القديم...
*كيف ترى ظاهرة النقد في العراق مقارنة بالنصوص الإبداعية الكثيرة، باعتبارك احد النقاد المعروفين في الساحة الثقافية العراقية؟
_لايمكن وضع قياس محدد لهذه الظاهرة، ولا حتى تحديد اطار يرسم اشكالا وخرائط للمتابعة التي تحكم علاقة النقد بالنصوص، لان الكتابة النقدية وسط غابة الكتابات الابداعية باتت اقرب للانتقائية، واقرب الى مايعزز هذا الاتجاه النقدي او ذاك، ورغم وجود الاخوانيات والعلاقات الخاصة في بيئة ثقافية مضطربة، الاّ ان المعطى النقدي في الثقافة يعد من ابرز التجليات الواضحة، خاصة في التقعيد النظري من جانب، وتوسيع المديات الاجرائية للمناهج النقدية الحديثة، واستسهال البعض الكتابة فيها وعنها او حتى استنساخها، مع وجود منظومة الاتصالات الهائلة والوجوه الالكترونية للخطاب الثقافي، والتي تحولت الى منطقة مباحة للفساد المعرفي، وللتلصص على الاخرين..
تشظي المكان العراقي ساهم في تغريب هوية النقد، مثلما كانت هشاشة البيئة الجامعية وضعف دورها في الدرس النقدي سببا في تعويم ظاهرة النقد، وارتباك مؤسسته المؤثرة..لكن رغم ذلك هناك وقفات جادة لنقاد شباب، ولاسماء مهمة في المهجر تسعى وبدأب كبير على تشغيل المنطقة النقدية الحرة لتكون منطقة حقيقية لتبادل المعرفة ولفحص مايجري من حولنا.
*هناك اسماء معروفة في عالم النقد.علي جواد الطاهر، عناد غزوان، فاضل ثامر، ياسين النصير، ملك المطلبي، محسن الموسوي..ماذا اعطوا للنقد في رايك؟
_هؤلاء نقاد مؤسسون، واصحاب ريادة، لكنهم ايضا لهم زمنهم الثقافي، ورؤيتهم المنهجية، بعضهم ظل محافظاً على النمط السياقي للنقد، وحرصه على النظرة العلمية الاخلاقية التقويمية للناقد مثل المرحوم الطاهر والمرحوم عناد غزوان والخياط وغيرهم..وهذا مهم في تأصيل الدرس النقدي وتفاعلاته الثقافية والمنهجية، وهناك جيل اخر مثل فاضل ثامر وشجاع العاني وياسين النصير وطراد الكبيسي ومالك المطلبي وعبد الجبار عباس وباسم عبد الحميد حمودي وغيرهم، لكنهم ذهبوا الى مشارب شتى، بعضهم لم يجدد ادواته وظل جزءا من طرائقيته القديمة ونظرته الانطباعية للنص الادبي، وبعضهم حاول ان يقيم تفاعلا جادا مع الجديد، وان يديم ادواته ومفاهيمه في النظر الى المنهج والمفهوم والمصطلح مثل اشتغالات الناقد فاضل ثامر وياسين النصير ومالك المطلبي وحاتم الصكر.. لكن هناك جيلاً اخر يتسم بحيوية تلمس الاسئلة الجديدة في النقد بوصفه علما ومعرفة ومركزاً ثقافيا ومنهم عبد الله ابراهيم وسعيد الغانمي وحسن ناظم وناظم عودة وعلي حاكم وغيرهم، وطبعا هذا التحول الكبير في فهم المعطى النقدي انعكس على اسماء اخرى تبحث لها عن وجود وهوية في المشهد الثقافي الجامعي او غيره..لكن فقدان الحواضن الحقيقية والفاعلة في الجامعة او في المؤسسات المدنية قد يضيّع الكثير من ملامح هذه الاجيال الباحثة عن وجودها والتي اجدها تملك مؤهلات واستعدادات فاعلة مثل جاسم محمد جسام، علي حداد ورعد الزبيدي وعصام العسل وبشير حاجم وعلوان السلمان وعلي كاظم داود واثير الهاشمي وضياء الثامري ورحمن غركان وغيرهم، مثلما هو تأثير البيئة الاعلامية الثقافية التي عومّت صورة الناقد وتركته عند الصفة الوظيفية للمتابع والقارىء اليومي.
*هل تعتقد ان النص السردي العراقي بمنجزه المنشور حتى الان قادر على ان يعكس صورة الواقع العراقي؟
_ليس بالضرورة ان يعكس المنجز السردي الواقع، بل يعبّر عن حيويته وعن تحولاته، وعن الكشف عن انساقه المضمرة، مثلما يرسم خارطة جديدة لهذا الواقع من حيث تمثلها لخطابات وظواهر وصراعات..فضلا عن ان النص السردي لم يعد ابنا للمكان النمطي، ولم يعد جزءا من موجهاته او مهيمناته، بل اصبح ابنا متمردا على المكان العمومي، وعلى ابوته الفرويدية. النص تحول الى تاريخ للتخيل، او وثيقة للتخيل، وهذه الوظيفة اعادت الروائي او القاص الى الحياة مرة اخرى، ولكن بمسارات مختلفة وبمعالجات مختلفة..الواقع تشظى عن الكثير من التفاصيل، الاشياء المركزية الحاكمة في المتون تحولت هي الاخرى الى هوامش فاعلة، لانها تخص الانسان البطل والضحية في آن معا، مثلما تخص الجسد والهوية، بوصفهما خطوطا ساخنة لمواجهة الانسان في صراعاته مع المهيمنات...
فاذا قيل ان قراءة المكان المصري يمكن اكتشاف اسرارها من خلال روايات نجيب محفوظ، وان المكان البغدادي يمكن تلمس هواجسها وملامحها الشاحبة من خلال روايات غائب طعمة فرمان، فان الرواية الحديثة هي روايات تلمسات للانسان الوحيد، الانسان في عريه الروحي، الانسان الذي تكشف عن احزانه وثائق الاخرين، هي السمات الوجودية للكتابة الجديدة ولانخراطه الغرائبي في التعبير عن معطيات الواقع السائل والفاقد لثباته...
*علي الفواز..اين تقع الرواية العراقية من مثيلاتها االعربيات، وما مدى التلاقي والافتراق.
_الرواية العراقية بدأت تطرح نفسها بقوة في العقود الاخيرة، وتحمل معها توجهات اكثر اثارة واكثر استجابة لحداثة السؤال الثقافي، ولمعطى ماتحمله هذه الرواية من سمات تعبر عن بروز قوة الكتابة السردية بشكل عام، وبوصف هذه الكتابة تعدّ تمثلا للمخيال السردي وهويته، ولتهديد النمط التقليدي للشكل الثقافي الذي يجسده تاريخيا الشعر العربي..
التجارب الجديدة في كتابة الرواية تطرح نفسها الان كنموذج متجاوز لنمطية الكتابة، وتعكس من جانب اخر الرغبة في تقديم الرواية العراقيةعلى اساس انها صورة لمنظور التجديد في الكتابة، وفي تمثلها لحراك ثقافي، ولتفاعل واضح مع التجارب العربية والتجارب الانسانية الاخرى التي اتسعت ترجماتها بشكل مثير..
فلم تعد مصر هي ام الرواية، ولم تعد الاسماء الكبيرة في لبنان وسوريا هي العلامة للمنجز الروائي، اذ انفتحت جغرافيات ثقافية لهذا النمط الكتابي في بلدان الخليج العربي، وفي بلاد المغرب وغيرها..والتجربة الروائية العراقية الجديدة شهدت هي الاخرى تحولات كبرى، وحضورا اثار حوله جدلا واسعا، واستقطابا للجوائز ولتسابق دور النشر العربية لطبعها، وحتى لترجمتها للغات الحية..ففضلا عن الاسماء المهمة في الرواية مثل لطفية الدليمي وعبد الخالق الركابي واحمد خلف وعبد الرحمن مجيد الربيعي وعبد الستار ناصر، وفاضل العزاوي، ومحمد خضير وجمعة اللامي وجهاد مجيد وعالية ممدوح وبتول الخضيري وحنون مجيد وغيرهم، فان اجيالا جديدة اخذت دورها في الحضور الروائي الذي انفتح على رؤى مغايرة، واسئلة مغايرة مثل حميد المختار وعبد الستار البيضاني وشوقي كريم حسن وامجد توفيق وهدية حسين وارادة الجبوري وعالية طالب وبرهان شاوي وشاكر الانباري ولؤي حمزة عباس وعبد الامير المجر وغيرهم..ولكن ما اثارته الاجيال اللاحقة من كتّاب الرواية كان الاكثر اثارة في تاريخ هذه الرواية خاصة مع تجارب مميزة للروائي علي بدر واحمد سعداوي ومرتضى كزار وحميد الربيعي، وضياء الخالدي ومحمد الحمراني وناظم العبيدي وضياء الجبيلي وغيرهم..السمة التجديدية في الكتابة الروائية العراقية تتجسد في العودة الى الواقعية، الواقعية الوثيقة، الواقعية التي يصنعها مخيال سردي شره للكشف عن مستويات عميقة للوجود والافكار والصراعات، اذ يحضر التاريخ بوصفه وثيقة تفترض الفحص، والقراءة، قراءة الانساق والكينونات بوصفها مجموعة صراعات...وهذا التجديد يمكن عدّه تجاوزا في نمطية الكتابة الروائية العربية واشتغالاتها التقليدية حول المقدس والجسد والمنفى والسجن وغيرها..
*كيف ينظر الناقد الفواز الى مفهوم ادب الداخل والخارج، سيما وان عشرات الكتب صدرت، وان عشرات من المثقفين قد غادروا البلاد وواصلوا الكتابة في اصقاع الدنيا؟
_هذه المصطلح اجرائي، ولايمكن تثبيته في السياق المفهومي للنقد القابل للتغاير والانزياح وتبديل ملابسه العائلية والاستعراضية..اذ ان اجرائياته ارتبطت بمرحلة معقدة من مراحل الثقافة العراقية، وتحولت ثقافة المهجر، والحرب والاستبداد الى مجالات مفتوحة صنعت اساسا مناف داخلية اكثر من منافي خارجية والقت بظلالها على انماط الكتابة وعلى اغراقها بالنزعات الرمزية والهروبية، حتى بات الرقيب الثقافي السلطوي دقيقا وشكاكا في البحث عن المضمر والخفي في هذه النصوص لمنع طبعها..
مايميز كتابات(الخارج) هو هروبها من هذه السلطة والرقابة والشك، والى اكتشاف جمالية التمرد على الخوف، والتلذذ بكشوفات الحرية، ومواجهتها- ولو على بعد- كل عوامل القهر والرعب والطغيان، ما وجدناه في بعض كتابات ادباء المهجر وهم قلة طبعا عالما اخر من حيث القيمة الفنية والجمالية، مثلما وجدنا فيها افقا للتأثر ولو البسيط بحيوات الاخر، لكن مع ذلك ظلت الكثير من هذه الكتابات مسكونة بالحنين، والنوستالجيا المرعبة، وطبعا مثل هذه الاحساسيس الاستعادية تنعكس سلبا بشكل او باخر على مساحات الكشف الفني و البنى الكتابية، وعلى ابراز قيمة الرسالة والفكرة وعلى امكانية النظر بعيون مفتوحة لطبائع الصراع واسبابه الحقيقية التي صنعها وكرسها الاستبداد السياسي والايديولوجي، وكل الثقافات التي تؤمن بقوة المراكز الابوية والدينية والاجتماعية...
*هل تعتقد ان لدينا ازمة ثقافة ومثقفين؟
_لدينا ازمة مؤسسات ثقافية، وازمة ادارة ثقافية، وازمة دولة في النظر الى التنمية الثقافية. هذه الازمات هي التي تترك الاثر على الواقع وعلى ضعف دور المثقف في الشارع وفي المؤسسة وفي صناعة المؤثر..
المؤسسات الثقافية هي مؤسسات خدمة عامة ليس الاّ، وان نظرتها للثقافة لاتعدو هذا الجانب الذي يفتقر لوجود البرامج والخطط والمشاريع التي يمكن ان تؤثر على فعالية السياق الثقافي..وازمة الادارة تشبه كل ازمات الادارات الاخرى التي كثيرا ما تضع الفعالية الثقافية امام الاختناقات والمسلكيات دائما وفي كل شيء..وازمة الدولة الثقافية هي ازمة تهميش الوظيفة الثقافية في سياق تحولاتها وفي النظر الى دورها الساند للتحولات الديمقراطية، وفي الدفاع عن المشروع الوطني وتنوير الناس واشاعة قيم العدل والحرية والحقوق والسلام والحوار، والتي هي قيم ثقافية كبرى تحتاج بالضرورة الى برامج تسندها الدولة ماديا وتنظيميا، وان تضعها ضمن خططها وضمن موازاناتها العامة لكي تكرس كتقاليد ووظائف.
*مارأيك في مستوى المجلات الأدبية التي تصدر في العراق الآن مقارنة بالمجلات الأدبية في العالم العربي؟
_للاسف من الصعب المقارنة في هذا المجال، لان العمل الثقافي خاصة على مستوى المطبوعات صار جزءا من نظام مؤسسي، وجزءاً من برامج فاعلة ومخطط لها على مستوى التسويق الثقافي، وعلى مستوى صناعة الرسالة الثقافية، وعلى مستوى استقطاب الفعاليات والاسماء الثقافية، وكذلك على مستوى التعاطي مع سياقات ثقافية ومحاور واسئلة باتت تشكل اليوم هموما كبرى للمثقف وللمجتمع، ولتنمية الحراك الثقافي وتلمس الاشكالات والتحديات الكبرى مثل العولمة، الصراعات الطائفية والقومية، منظومات الدولة والهوية، قيم الحداثة ومابعد الحداثة، وغيرها من الاشكالات المفاهيمية والاصطلاحية...
كما ان صناعة المجلات والمطبوعات لدينا تدار بطريقة تقليدية جدا على مستوى التنظيم والاختيار والتسويق، فكم من مثقفي العرب تصلهم المطبوعات العراقية؟ وكم هو حجم مشاركة الكتاب العراقي والمجلة العراقية في معارض الكتاب العربية والدولية؟ وكم هي نسبة وصول واشتراك المطبوع والمجلة في الجامعات العراقية الواسعة الطيف الان، والتي فيها اكبر نسبة من مستهلكي الثقافة؟
هذه الاسئلة هي المعطيات التي تكشف حجم ازمة صناعة المادة الثقافية على مستوى المجلات التخصصية، وعلى مستوى تسويقها والتعريف بها على مستوى الجمهور المستهدف والجمهور العمومي...
*ماهي امنياتك في بناء مجتمع مدني؟ وهل تحلم بمدينة افلاطون؟
_امنياتي نحو مجتمع مؤسسات ومجتمع حقوق، اذ ان هذا المجتمع هو الذي سيصنع الاسس المادية والعملياتية للمجتمع المدني، لان اي مجتمع من دون مؤسسات ونظم حقوقية سيكون مجتمعا مهددا من قبل كل القوى النكوصية، وجماعات ماقبل الدولة التي تملك مراكز مضادة، ونظرة لمفهوم الحرية والحق والعدل والحكم والمؤسسة..ومن هنا اجد ان توصيف هذا المجتمع في سياق قوته الحقوقية هو الذي سيؤطر قوة المجتمع وسيجعله عند عتبة البناء المدني، اي البناء المواطني الذي تنتظم فيه العلاقات العامة بين الناس في ضوء وجود النظام الاجتماعي، وليس المهيمنات والموجهات التي تصنعها قوى ماقبل الدولة، وحتى ما قبل الحداثة.. شخصيا لاانحاز ولا احب المجتمع الهلامي الافلاطوني!! لانه مجتمع اوهام ومراكز من نوع اخر.ما احتاجه هو مجتمع عقلاني يمكن العيش فيه، والتعاطي مع يومياته ومسؤوليته بامان دونما خروقات او هموم او ترقبات او حروب...
*ماالدور الي يجب أن يتمتع به المثقف وما مهمة الثقافة في عالم يصعب تغييره؟
_مهمتها ان تواصل دورها العضوي في صناعة الوعي، وفي تعزيز قيم التنوير والجمال والحرية، وفي مواجهة الاستبداد والقبح، لان اليأس او البقاء في دور المثقف التابع كما كرسته الانظمة الاستبدادية يعنى الاستسلام للعجز والفرجة، والتالي القبول باعادة انتاج المراكز القديمة..فضلا عن ذلك فان مهمة الثقافة تحتاج ايضا الى تنظيم لكي تكون وظيفتها فاعلة، لان فكرة اللاتغيير تعني ان هناك قوى طاغية تملك الكثير من مفاتيح القوة والرعب، وان التغيير يعني ازاحتها الى مناطق اخرى..
الواقع الثقافي يحتاج الى مهام استثنائية وخارقة لكي نكون بحق عند عتبات اخرى يمكن من خلالها ان نصع عالماً اكثر جمالا واكثر اطمئنانا..
*كيف ترى ظاهرة النقد في العراق مقارنة بالنصوص الابداعية الكثيرة، باعتبارك احد النقاد المعروفين في الساحة الثقافية العراقية؟
_من الصعب الحديث عن ملاحقة النصوص، لكن من الممكن مراقبة الظواهر التي بدأت تتشكل، والتي في ضوئها يمكن التعاطي مع فكرة ناضجة لاي متابعة للابداعات الثقافية، فضلا عن اننا نفتقر لوجود المحرر الثقافي الذي يجيد فن المتابعة اليومية، ويجيد الكتابة المختزلة عن الاصدارات الجديدة والتعريف بها، فضلا عن عدم وجود الكثير من التقاليد في وسائلنا الاعلامية التي تعني بفكرة المتابعة الثقافية لاصدارات المبدعين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا