الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية

آکو کرکوکي

2013 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تمرير الموازنة العامة في البرلمان العراقي، وفق مبدأ الأغلبية، كان له الدور الأبرز، في إسقاط ورقة التوت، عن عورة الكثير من الإدعاءات الواهية لبعض الأطراف، وساهم في إظهار الحقائق الموضوعية، عارية، كما أخرجها الخالق الى الوجود!

لاشك إن مبدأ الأغلبية في ذهن القارئ الكريم، يرتبط بشكلٍ مُباشر بجدلٍ أرتفع نبرتهُ قبل مدة، حين عُرِض في أكثر من مناسبة، من قبل الطرف الشيعي، والمالكي تحديداً، كـأحد الحلول المطروحة لحكم العراق. وضمن إطار هذا العرض يُسّوق الحجج المؤيدة له أيضاً، والتي تبدأ بإعتبار مبدأ الأغلبية، هو الطريق الأسلم نحو الديمقراطية، لِتنتهي بلعنة التوافق السياسي أو ماهو دارج بين العوام بـ"المُحاصصة الطائفية".

وقبل الخوض في تعداد الحقائق، التي تعرّت نتيجة لِتمرير الموازنة، فلابد من الإشارة الى:

إنَّ السير في الطريق الأسلم الى الديمقراطية، يتطلب قائمة من الظروف، والأمكانيات المواتية لهذا الغرض، أما مبدأ الأغلبية لوحده، فلا يجد نفسه، إلا في ذيل تلك القائمة. وهي أمكانيات وشروط إجتماعية، وإقتصادية قبل أن تكون سياسية.

كمثل توفر بنية إجتماعية متجانسة، تكون الأختلافات فيه على الرؤى، والبرامج، والأيدولوجيات السياسة، وليست على أسس الإنقسامات القومية، والمذهبية، والدينية. وتوفر مُجنمع يمتلك الكثير من الديناميكية، والتعددية على الأساس المدني، وفي توزع السلطة، والثروة في داخله. ومجتمع يقع بين الطبقة الثرية، والفقيرة منه، طبقة أخرى، أكثر عدداً، يُسمى الطبقة المتوسطة.

أما على الصعيد الإقتصادي فإن الدول المعتمدة على الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي، أنتجت في أغلبها الدكتاتوريات لا الديمقراطيات. وسياسياً فإنه يمكن التفكير في ممارسة الديمقراطية فقط، في الدول التي تمتلك السيادة، والإستقلالية، في قراراها السياسي، وتمتلك مؤسسات قضائية، وأمنية، وخدمية، تؤمن له سيادة القانون، وأستقلالية الدولة وعملها، عن المناكفات السياسية، وبعكس العراق تماماً.

لايمكن للتجربة العراقية، أن تفي بإي من هذه الشروط أعلاه ، عدى ما أختارهُ التحالف الشيعي –إنتقاءاً- ومن ذيل القائمة، للعمل وفق مبدأ الأغلبية. لِتُكرس في النهاية، حُكم وسيادة الطائفة الشيعية، على الطوائف والمجاميع القومية، والدينية الأخرى. وإستراتيجياً ...لربما هو هذا المطلوب شيعياً، وبالتحديد إيرانياً اليوم، بالضد من الموجة السنية المتصاعدة في المنطقة، لإسقاط حكم الشيعة في سوريا، ولبنان، والعراق، وفي إيران. أما ديمقراطياً فإن مبدأ الأغلبية يقع في ذيل الأولويات، ودون الأخريات، لايكون له من أهمية أو معنى.

هذه الحالة الإجنماعية، والإقتصادية، والسياسية، المُزرية للعراق، كانت معروفة للقائمين على العملية السياسة منذ البداية، فكان اللجوء الى حل الديمقراطية التوافية كبديل، يُنقذ الموقف، وماء الوجه، ويحفظ هذا الكيان العراقي المهترء، من التمزق بأي شكل من الإشكال. لكن مواقف وممارسات الكثير من الأطراف السياسية، كانت كفيلة، لِتوجه لهذا الحل، ضربات قاتلة ومميتة، وجاء تمرير الموازنة، ليدق المسمار الأخير، في نعش هذا التوافق، والشراكة الميتة أصلاً.

إن إعلان وفاة التوافية، أو الشراكة، هي ليست الحقيقة الوحيدة، التي عرّتها إمرار الموازنة، بل إن هناك قائمة من الحقائق الأخرى التي يمكن إستنتاجها من تداعيات هذا الأمر.

يبدأ القائمة الأخيرة، بخلع المشكلة القومية في العراق كل ثيابها. تلك المُشكلة التي يجسدها على أرض الواقع، مسئلة أقليم كوردستان، ووضعها ضمن الدولة العراقية. والمعروف إن المُشكلة الكوردستانية، هي أساساً مُشكلة أقليمية، قبل أن تكون مشكلة عراقية حصراً، لإنها تتوزع جغرافياً، على عدة دول في المنطقة. وفي مقابل المطالبات بإنشاء كيانات كوردستانية مُستقلة، فإن الحل الآخر يدعو الى العيش كمواطنين في دول "ديمقراطية"...كمثل الدعوات المطروحة الآن لحل تلك المسئلة في تركيا، أو في المستقبل القريب في سوريا ، أو كما هو مطروح منذ زمن في العراق.

ويتغاضى الحل الأخير ولربما "عمداً" عن حقيقة:

إنّ الكوردستانيين، ونتيجة لتوزعهم على عدة دول، تحولوا الى أقلية عددية، في مقابل القوميات الأكثرية السائدة. والدخول في أي لعبة ديمقراطية، وفق قاعدة أو مبدأ الأغلبية، يكون بالنسبة لهم، بمثابة اللعبة الخاسرة، ومنذ البداية. خاصة والقوميات السائدة تلك، لاتؤمن بمبدأ التوافق السياسي، وكما يظهر ذلك جلياً في العراق.

المُشكلة الطائفية بين العرب السنة، والعرب الشيعة، والتي تجردت من ملابسها تماماً، ومنذ 2005 والى اليوم، فإنها كانت دائماً الحاضرة الغائبة، في ممارسة مبدأ الأغلبية، فإمرار الدستور مثلاً، وإدارة البلاد، على أساس أغلبية التحالف الكوردي- الشيعي، كانت حجة كافية لِشعور السُّنة بالنفور من العملية السياسية، وتمردهم عليها.

ليس فقط إقرار مبدأ الأغلبية، يثير الحساسيات، وبفضح الحقائق وحسب، فبالقدر نفسه، تمُيط اللُعبة الديمقراطية اللثام، عن الكثير من الحقائق المخفية الأُخرى. وفي حين يمكن إعتبار الديمقراطية أهم إختراع سياسي، توصل إليه البشرية مذ عرف الأغريق الحضارة، حيث هي في جوهرها، حاملة لمفهومٍ مرادف للحرية، ولحكم الشعب. فإنهُ وفي المقابل، تغدو الديمقراطية، كابوساً ثقيلاً على قلوب أغلب الساسة، وخاصة الساسة من أمثال اللذين يحكمون العراق، بمختلف إنتمائاتهم. فهم آخر من يبحث عن الطريق الأسلم، نحو الديمقراطية الحقة.

ولو أستمر حديثتا عن الديمقراطية في الفضاء الكوردستاني، فإن عملية تمرير الموازنات المالية -وفق مبدأ الاغلبية- في برلمان أقليم كوردستان، وفي برلمان العراق الإتحادي، خلق موقفين متناقضين، للحزبين التقليديين الحاكمين في الأقليم. فبين ممُارسة مبدأ الأغلبية في تمرير موزانة أقليم كوردستان من قبلهم، والشكوى من نفس الآلية –أي مبدأ الأغلبية- في تمرير موازنة العراق، يتوضح للمُراقب -إزدواجية المعايير- لهذين الطرفين. ويضاف الى هذا، إن عدم إلتزام الجانب العراقي بالتوافق السياسي، والدستور، والتصرف ضمن مبدأ الأقلية والأغلبية، أضعف سياسة الحزبين الحاكمين، اللذانِ مافتئا يروجانِ، لما يسميانهِ، بالشراكة والتوافق، والعراق الديمقراطي، لِيُثبت الواقع عكس إدعاءاتهم تماماً.

ولربما تجلى هذا الضعف، في البيان الهزيل لرئاسة الأقليم، الذي لم يجد أي مادة دستورية تتحدث عن التوافق، والشراكة، فلجئت يائسة الى "الإنشاء" المكتوب في "ديباجة" الدستور، لكي تبني دفاعها الخاسر عليه. ولم تمتلك الشجاعة الكافية، لتعلن إنسحابها من عملية سياسية، باتت تشتكي منها بمرارة، لكنها صارت ماضية في المشاركة فيهِ، ومنتحها الشرعية المجانية، طوال عقدٍ كامل ودون توقف.

في الواقع، فإن المضي في هذا النوع من الإستنتاجات، لهذا الحدث الجزئي "تمرير الموازنة"، سيؤدي بنا في النهاية، لوضع قائمة طويلة جداً، من الحقائق الأخرى، والنتيجة المُستخلصة والأكثر أهميةً من كل هذا:

هو إن الأحداث الجزئية، مُرتبطة بالأساس بإزمات حادة، تحكم العلاقة بين مكونات العراق، من سنة، وشيعية، وكورد، وتوركمان، وغيرهم، ولايتحقق الديمقراطية بإجراء إنتخابات، ولا يتأتى من حكم الأغلبية، وهذا يضع حداً كافياً، لِخُرافة الديمقراطية العراقية، وينهي أيضاً خُرافة التوافق والشراكة، ولربما حتى العيش المشترك...وإنَّ غداً لِناظرهِ لقريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس