الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤلات حول مستقبل العلمانية في المنطقة العربية

عبد عطشان هاشم

2013 / 3 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل العلمانية لها مستقبل في منطقتنا ؟ سؤال شائك يقود الى مفارق متوازية مع بعضها ولايمكن بسهولة التنبوء بمأل العلمانية اذ تعتمد الاجابة على جملة من العوامل المعقدة محليا ودوليا رغم ان العالم يسيربهذا الاتجاه شئنا ام ابينا ، ولكن تعلمنا دائما ان المنطقة العربية تسير خارج المنطق والتاريخ احيانا وتعاكس العالم كله في سيرها للوراء فلا يمكن رسم الملامح المستقبلية لهذه المنطقة بسهولة المنطق الرياضي حيث 1+ 1= 2 ، رغم ذلك فهذا لايعني انه لايمكن تلمس معالم الافق المستقبلي للعلمانية في المنطقة العربية من خلال قراءة الواقع الحالي للمجتمعات العربية بعد القطاف الاسلامي المر.
في البدء ينبغي ان نقول بثقة بأن الحركات الاصولية الاسلامية ذاتها قد ساعدت بدون قصد على طرح قضية العلمنة والدولة المدنية بقوة وجرأة غير مسبوقة لم نر مثلها على مدى العقود المنصرمة وباتت العلمانية حديث الناس غير المسيسين وطلاب الجامعات وشبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المختلفة وغيرها سواء تناولت هذا الموضوع بالسلب او الايجاب ورغم التقصير الواضح من لدن الحركات المدنية والعلمانية في استثمار هذه الديناميكية الاجتماعية الجديدة لتبسيط مفهوم العلمانية وتنقيته من غلاف التدنيس والكفر الذي البسته اياه التيارات الاسلامية الاصولية والسعي للخروج من شرنقة النخبوية وبلورة هذا التطبيق على الصعيد الشعبي كضرورة وطنية تحمي البلد من التفكك والصراعات الطائفية البغيضة (العراق مثلا) فان من الواضح ان مسألة العلمانية باتت تؤرق الحركات الاصولية الى حدود التطرف الذي يدفعها الى الاغتيال والتصفيات الجسدية كما حدث في اغتيال الناشط المدني شكري بلعيد في تونس.
وفي اعتقادي فان اهم الاسباب الموضوعية التي كانت تثبط حركة العلمانية وتضعها في زاوية الاتهام ، هي :
• الارتباط الظاهري بين العلمنة وبين الدكتاتورية : لجأ بعض الحكام في البلدان العربية مثل مبارك وزين العابدين بن علي ، والقذافي وصدام والاسد الى اظهار حكمهم بمظهرعلماني والحقيقة ان العلمانية براء من هذه التهمة ، فجميع هؤلاء هم عسكريون قادوا انقلابات بصورة او باخرى في بلدانهم وبنوا انظمة شمولية قامت على التفرد ومبدأ الحزب الواحد وغياب الانتخابات النزيهة والشفافية في ادارة الدولة ولجأوا الى العلمانية لغرض قمع الحركات الدينية في بلدانهم والمحافظة على مراكزهم في السلطة .
• الالحاد الديني للعلمانية : ارتبطت هذه الظاهرة بالتيار الماركسي والتيارات اليسارية الاخرى بصورة او باخرى حينما وفد هذا التيارعلى البلدان العربية بعد الثورة البلشفية في روسيا ، والحقيقة ان التيار الماركسي تيار غير علماني فقد اصبحت الماركسية دينا بعد وفاة لينين وغدت رحما لابشع الدكتاتوريات التي اقترنت بتصفيات مروعة لملايين البشر او وضعهم في زنزانات نائية تفتقر لابسط المستلزمات الانسانية فضلا عن الغاء التعددية السياسية واستبدال الانتخابات العامة بانتخابات الحزب الواحد وقمع الافكار المناهضة للحزب واعتبارها مرتدة وخائنة (تروتسكي مثلا) مما يستدعي الى الاذهان ماتفعله الاديان عادة مع من يختلف معها فكريا ، ولكن عكس ذلك فان مشكلة العلمانية عمرها ماكانت مع الله ولكن مشكلتها مع من يعتبرون انفسهم بعد الله على حد تعبير محمد الماغوط.
• الفشل الذريع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية وتصاعد نسب الامية والفقر والبطالة لمستويات قياسية : حتى اصبحت جيوش العاطلين والفقراء المحبطين والاميين هي المجال الحيوي للحركات الاصولية الممولة جيدا من دول خليجية معروفة ، لكي تبذر وعود الامل بالحل الاسلامي الذي ينقذ هذه الجماهير من وضعها البائس وليس ذلك فحسب بل يدخلها الجنة ان هي سلمت مقاديرها الى رجال الدين.
رغم ذلك فقد تحول الفشل التاريخي الذي منيت به احزاب التيار الاصولي ، والذي يتفاوت بين بلد واخر حسب ظروفه ، الى محرك لنهوض تاريخي جديد للعلمانية ، فكل نقاط الضعف للتيارات الاصولية هي نقاط قوة للدولة المدنية الليبرالية ، فضلا عن ذلك فان التيار العلماني يسير مع اتجاه حركة التاريخ ويتوافق مع مصالح دول العالم المؤثرة اقتصاديا وهو وحده القادر على انشاء دولة حديثة جامعة لكل فئات الشعب تضم كل المواطنين باختلاف انتمائهم الديني والاثني وتقديم حلول عصرية وواقعية لمعظم المشاكل والمعضلات التي تواجه المجتمعات العربية.
سيكون هناك تفاوت واضح في مستقبل كل بلد وفقا للظروف الخاصة به ، فالعلمانية ليست مكافأة ننتظر من يقدمها لنا ، بل هي محصلة لنضال شعبي منظم ودائب من جانب القوى المستفيدة من التحول للعلمانية ومؤازر من القوى الدولية ومنظمات حقوق الانسان فالعلمنة في الغرب لم تتحقق الا بنضال معقد وشائك استمر قرونا و لكن عصر العولمة الان يوفر ظروفا مثالية لم تتوفر لاية حركة نضالية على امتداد التاريخ ويجب استثمارها بكفاءة لتحقيق تحول تدريجي يستوعب التطلعات الدينية والروحية للناس ويعزل الحركات الاصولية والمتاجرين بالدين في خندق العزلة التاريخية والمجتمعية باتجاه بناء مجتمع المواطنة والمؤسسات المدنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 3 / 17 - 11:55 )
السؤال : ماذا عملت العلمانيّه للبلاد الإسلاميّه؟... نريد نتائج مبنيّه على إحصائيات دقيقه و موثقه .

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س