الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان عاش جل حياته حيواناً

حاتم بن رجيبة

2013 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الإنسان عاش جل حياته حيواناً



هذه الجملة المقتضبة والحكيمة التي نبعت من أنامل الكاتب الجليل نجيب محفوظ تزعزع وعي كل مثقف ومفكر حديث لتذكره بحقيقتين جوهريتين :

الأولى هي أن هذا الإنسان الذي يتباهى بامتيازه على أبناء عمه بالفكر المبهم والذكاء والإنسانية ليضع نفسه فوقهم ويدعي على لسان بعض من سموا أنفسهم أنبياءً أنه نزل منذ اللحضة الأولى مختلفاً مصطفًى متحلياً بهذه الإمتيازات لم يتحصل على هذه القدرات إلا بمحض الصدفة وفي زمن متأخر للغاية في تاريخه .

الإنسان عاش حيواناً ملايين السنين حتى بعد أن انفصل عن القردة ،فلم تبرز قدراته التحليلية والفكرية بشكل واضح إلا في حقبة جد متأخرة تجلت مع الفلاسفة اليونان قبل ثلاث آلاف سنة .

هذا الكائن عاش ملايين السنين حاله حال الذئب والضبع وسائر الوحوش . عاش على الغريزة يتخبط في صراع البقاء الفيزيولوجي في أسفل هرم يوسلو للإحتياجات . عاش يكافح من أجل تأمين غذائه وتكاثر نسله وصد كل خطر على حياته ولم يجد الوقت والقدرة على التفكير في أصله ومنشئه وخالقه وفي الكائنات الأخرى والنجوم والسماء والكون إلا في حقبة متأخرة كما ذكرت .

ثانياً أن الإنسان الحديث هو في حد ذاته في جله حيوان وأن البشر سواء كانوا في مجتمعات متقدمة ومصنعة أو بدائية متخلفة جلهم يعيشون على الفطرة بدائيين وأن صفة الإنسان لا يمكن منحها إلا نخباً قليلة قادرة على التعمق في التفكير المبهم والتحليلي والتعلم من الآخرين ومن التاريخ والبحث عن الأصل والهدف ...

تخطئ هذه النخبة خطأ فادحاً عندما تعتقد أن السواد الأعظم من الجماهير مثلها آدميون يسعون إلى تحقيق الذات وإلى التخمين في أصلهم وفي أصل الكون وخالقه وأنهم يجيدون التفكير الغامض التحليلي .

تصيب النخبة عندما ترى الجماهير ذئاباً وسباعاً لا تلوي إلا على تأمين لقمة العيش وعلى تأمين حرمتها الجسدية وعلى التناسل .

كلما هددت هذه الجموع في تلبية هذه الحاجيات ستنقض عليك وتفترسك وستبحث عن نخبة (أو زعماء ) آخرين يؤمنون لها هذه الحاجيات البدائية والجوهرية ؛ تماماً كما تعيش الذئاب فكلما كان زعيمها موفقاً في قيادتها في مهام الصيد و تأمين بقائهم الجسدي كلما قبلوه ولم يطردوه و لم ينصبوا غيره .

إن أردت قيادة هذه السباع فعليك بتأمين غذائها بسياسة إقتصادية ناجعة توفر لهم مواطن الرزق والدخل الكافي لاقتناء الغذاء واللباس وإمكانية التزاوج ورعاية النسل وبسياسة أمنية تقي بعضهم شر البعض الآخر .

هؤلاء سيفترسونك حتى وإن تشدقت بأحكام الرب المقدسة ، سيفترسونك حتى وإن تشدقت بفلسفة ماركس ورغبتك في الدفاع عن الكادحين والفقراء ، سيفترسونك حتى وإن تشدقت بالمبادئ الإنسانية كحقوق الإنسان والإخاء والتآزر ألخ إن لم تؤمن رغبات الحيوان فيهم .

الزعيم الناجح يقود الحيوانات الجائعة إلى جنان الغذاء ويؤمن لها التزاوج لتتكاثر ويوفر لها الأمن على حياتها .

إياكم أن تنظروا اليهم كآدميين فلاسفة ومفكرين ! إياكم أن تتغاضوا عن الجانب الحيواني والمظلم والمتوحش فيهم فينهشونكم !

تذكروا دائماً أن الفكر المبهم كالدين والفلسفة والعلوم هي في الأساس وسائل تخدم طلبات الوحش في الإنسان . إياكم وأن تجعلوا من الوسيلة هدفا ! الرب وسيلة والفلسفة وسيلة والعلم وسيلة خلقت لإشباع الغريزة .

يا ساسة وطلبة الزعامة غازلوا الذئب في كيان كل ناخب وسيصوت لكم بدون أي جدل واحتراز !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على