الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موجز صراع

أحمد فرحات

2013 / 3 / 19
الادب والفن


ليس أكأب من قضبان السكة الحديد المهجورة ، أتتبعها ركضا وورائي تعدو الكلاب الضالة والقطط والبهائم الباحثة عن المراعي وألوان المهرجانات والآلات الموسيقية وكلمات الأغاني وعصي الطبول والألحان الهاربة من زخات الرصاص ظنا منهم أنها قضبان قطار نوح الذي سيقودهم إلى المدينة المتبقية بعيدا عن الحرب أو أنني نوح الحرب الأهلية غير مدركين أني أمارس تمرينا قديما من تمرينات الحضارة للبحث عن معنى لكن القضبان تمتد في طريقها عبر محطات فارغة نبت عليها عشب أسود متفحم و يأس من عودة قدماء المنتحرين مرورا بجثث ركاب سابقين لا تزال طازجة التفاصيل وآثار مدن كانت تفور بالحب والكراهية على أرصفة المحطات وشاسيهات عربات حديدية صدئة ووداع يجثم في الهواء كالدخان وأكوام من جهد العمال مجرفة على الجانبين مع المسامير والنحاس والمفكات وطنابير الفرامل وصولا إلى أرباح المصانع في أركان السكك المسكونة بضوضاء لم تنته بعد. عثرت على ربطة خس حزينة وغاضبة من كل الأفواه التي تعفنت بالكلمات ولم تمضغها ، جلست وحولي الجمع المرافق نستمع إليها وهي تأن وتتأوه وتطالبني أن أهبها لهذه البطون " سيجدون في كل خير الأرض..صدقوني أنا اختصرت كل شيء ، أنا وليدة ماض سحيق ظل يتدحرج حتى انتهى إلى هنا ، لقد نجوت من كل صراع لم يحقق هدفا واحدا من أهدافه هاربة من الجميع وكنت أنتظر من الماضغين الغناء والعدل لكنهم اهتموا بالمسلسلات ونشرات الأخبار والكتب والصياغات الركيكة لبيانات الأحزاب والجبهات ، أنا يائسة من طريقي ، يائسة من الأسطورة الفاشلة ، أسطورة الزرع والحصاد ، كلْ مني وتذوق ، تذوقوني وامضغوني فالذي يحدث هنا لا يستحق الجهد " ، أخذت أقطعها عودا عودا وأطعمها لهم تنفيذا لوصيتها ثم سمعنا رفرفة طائرات ورقية تطلق فوق القضبان أقلاما موجهة تنفجر برسائل تحث على الاستسلام مما دفعني إلى الهرب وحدي وترك الجمع في حيرة الشتات وهم يتفرقون يمينا ويسارا وأعلى وأسفل خائفين من الرقابة والتتبع وغفوت أسفل كوبري مهدم واستأجرت حلما أعود به إلى مدينة نصر وبلا سابق إنذار أمطرت السماء أقفال حديدية إيطالية الصنع من ماركة شيزا كانت تسقط فوق البيوت والخنادق مصحوبة بلحن بنك فلويد " We Don t Need No Education " ، كانت الجملة الموسيقية المرددة ترج كل شيء وأقرأ في صفحة السماء نصا لأحد كتاب ما بعد الحداثة ينتقد فيه بشدة كلاسيكيات الماركسية و توجهات اليساريين وفي شريط الأخبار مقتطفات من كلمات معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري ، ثم مقطتفات أخرى من كلمات رئيس الحكومة السورية المؤقتة أمريكي الجنسية ، أمسك الجيتار وأنا جالس على طرف المبنى وأغني " Mother Do you think they ll the bomb " ، أمي هل تعتقدين أنهم سيحاولون تحطيم خصيتي ؟ ، أمي هل ستمزق قلب ولدك الصغير ، أووووووو آآآآااا إنها مجرد مضيعة للوقت ، أمي !! ، يا ولدي لا تبك على شيء اسمع كلامي حسب ، أستجيب لأمي وأستأجر حلما طويلا يأخذني إلى العراق ، كل البيوت كانت مطلية باللون الأصفر كالرمال ، أحتمي في بيت عتيق مع قصي وعدي ولدي صدام ، يعطونني مسدسا روسيا ويقولون لي لا تثق بأي عاهرة أو تمنحها حبك فقط جرب المسدس على هذه الأهداف بالتتابع وكل شيء سوف يصبح على ما يرام ، أحذرهم من شدة القصف ، أدور معهما في جولة داخل مدينة أسفل بغداد ، مقاه ومطاعم ممتلئة بفتيات فارسيات ، تطلب مني إحداهن أن أصطحبها بعيدا عن هذين القاتلين لثأر قديم على حساب بينهم ، أقول لها إن خط السكة الحديد العربي صار مهجورا وكئيبا ولن يذهب بنا إلى مكان ، أخشى أن أقتل في هذا الصراع ، كنت مثقفا بيتوتيا أكتفي باللايك والشير ثم صرت فجأة موزعا في حروب أهلية كثيرة ملأت الشرق بدخان تبغ أمريكي رديء ، وكان الهدف من نظريتي أن نستولي على البنوك وشركات التأمين ومصادرة جميع المصانع ووسائل الإعلام ومنح الحرية للمعايير بعيدا عن معيار التنافس على الأرباح ، وكنت متهما بالطوباوية ، وكنت مغفلا في كل الأحوال ، وكنت رجلا هادئا يضاجع زوجته ويطعم ولده والقط والكلبة ، فتركتها في خيبتها وخوفها وأصررت أن أناصر القاتلَين في المعركة غير المتكافئة التي سيروحان ضحيتها لاحقا ، أقول لهما إن هذا المسدس لن يكفيني ، في الليل يتسلل لي جندي بكلاشينكوف ويخبرني أنهم سيقومون الليلة بعملية مهمة يجب أن تحرس الردهة التي تضم غرفة الأم ( ساجدة ) والأخوات البنات ، وحين جاءني خبر مقتلهما لم يعد لي مهرب من الخيانة ، أسرعت إلى الفتاة الفارسية ذات العينين الواسعتين البضة المنتفشة المؤخرة ، هربت بها من الخندق و استوقفت سيارة مرسيدس بيضاء بالسلاح وقلت في نفسي إن الذي ينتظر الفرصة الملائمة ليقول شيئا لن يقول شيئا على الإطلاق ، وهبتها السيارة والمسدس وعدت إلى الجنود الذين يرتدون الزيتي مرتجفا لكنهم كانوا يتكلمون بغير العربية الآن ، كل الجنود كانوا عملاء ، خشيت على مصير الحرب الأهلية في مدينة نصر أن تنتهي إلى ذات المصير ، خلال العودة رأيت مخازن 26 مصنع للسيارات تحتوي على عشرة ملايين سيارة معدة وجاهزة للبيع سألت الحارس فقال هذا ما فاض عن إنتاج السنة الفائتة ، قلت ولم لم يستول عليه أحد ، قال إن الكل هنا منشغل الآن بما يحدث ، أدركت حقا خطورة الحدث على مدينة نصر ، حطمت آخر جدار سد طريقي ، وعبرت منه إلى بيتي ، تدثرت بالبطانية وأنا أرتجف من الحزن ، أنا حزين للغاية ، قلت بما أنهم لا زالوا يسخرون من كل شيء فعلناه ، بما أنهم أوغاد متآمرون ، سأكون ترسا فاعلا في المنظومة ، سأزيد من حدة الفوارق حتى تدمي أعينهم وهم يشاهدون ، سأحتكر جميع المخلفات والصبر و السلوان ، سأبيع وهم الشبع ، سأختال على المرتزقة الفقراء وأنا أوزع عليهم حصتهم من الدموع ، سأدور على الخنادق والمعسكرات أجمع منهم الطلبات والأمنيات و ما يشاء لهم الهوى ، وأعاملهم بشاعرية ربطة الخس الحزينة وأفتتح سوبر ماركت أملؤه بأمانيهم كلها ، وأرفع الأسعار تدريجيا ، حتى يعجزوا ولا يعود أمامهم خيار سوى أن يطلبوا المزيد من أمراء الحرب أو أن يستولوا على ما أملكه ، وبما أن قطاعا عريضا من المثقفين يؤمنون باقتصاد السوق الحر المنضبط بقوانين عادلة ، فإني سأطلب منهم أن يستعينوا بالصبر والصلاة ، وأملؤ زجاجات المياه و قرب الرجال بالبنزين الذي أسرقه من أحلامهم ، فينطلقون بصيحات قوية هادرة في الساحات وأعدو على القضبان الخربة للسكة الحديد ، ويعدون خلفي حتى ينفد منهم البنزين فيطلبون فأذلهم جميعا ذلا لم يشهدوه من قبل. الحرب الأهلية أشاعت بيننا الحب والحقيقة ، ومبنى متهدم أجلس على طرفه بجيتاري أدندن " Ohhhhh I need a dirty woman "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/