الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاهرتي

أحمد فرحات

2013 / 3 / 20
الادب والفن


الشهوة تضحك لي ليلا وتواصل الفحيح ، تتسلل وسط الأطفال والقتلى والأوجه المغبرة من بين الأنقاض و أنات المصابين الغليظة ، ومع تراكم الأتربة في الغرفة على كل شيء تبدو الشيء الوحيد اللامع ، الشيء الوحيد الذي لا زال يتقبل وجوده هنا ، الآمنة التي لا تخشى العواقب ، المستقرة رغم الإرث العفن الذي يلوث خلاياها اللزجة ، تلك التي لا تكف عن التجدد وتستمريء المزيد ، الاندفاع المقنن في العروق المسوغ للفعل الأخير المجرم وانتهيت معها محاصرا و جثة بالداخل ترقد في البانيو ، في لحظة سابقة على هذه كانت لدينا علاقات طيبة ، العاهرة الذكية التي استغلت الحرب وحققت مكاسب بلا مفاوضات على الأجر ، بينما قذائف الهاون كانت تمطر الأحياء كانت تغرق في تقبيل المحرومين وتمنح الأبدان لذة منسية ، الرعاع وجنود الاحتياط كانوا يتناوبون عليها ، وعلى قدر الجفاء والابتذال كنا نستدعي السنوات السابقة معا ، قبل أن يصبح العنف مذهبنا جميعا ، قبل أن يتحكم التلعثم من الألسنة و فرط صدمات القذائف والإفاقات المتكررة يصيب الرجال بالعجز ، الجسد المسجى أمامي بلا حب يفقد وزنه تدريجيا ، ويحول اللون الخمري إلى رعب طازج شهي ، يستحثني إلى المجيء ، وتكرار المجيء ، فأتسلل إليها عبر نافذة محطمة ، لانجيري أسود خلق يضمد اليوم والليلة وسرير يفتح صفحة الحكاية مع كل هزة ، وأسمع الخرسانة المتهدمة ، موجات التبعثر ، الغبار المذرو ، الصرخات ، عبر آهاتها تحت القصف ، الجسد الذي امتص الصراع ، المقبرة الحية اللينة ، حركة وتقلص وتشنيجة يمتد بها أمد الطموح ، كم من طموح اندفن بين فخذيها ، عندما كنا البشر الذي نعرف كان الشهيق نغما ، الآن شهيق مكتوم يليق بنا ، حيث الخجل ، لكنني لم أخجل من هذا الابتذال المتكرر ، كان لدي من سُمك الوعي ما يكفي لمواجهة الحرب وتوابعها وحدي ، وفي الوجه ، بلا أي مواربة ، كنا نتطارح في أوج الخراب ، وأتركها تبكي على المفقودين ، وأعود لتجدد دموعها على إنسانيتها المهدرة وعدم قدرتها على الفرار ، وتعترف أنها أدمنت كونها عاهرة الحرب الوحيدة ، الوسام المتبقي لها من الأحياء ، تفاصيل الرقة الذائبة مع رائحة البارود ، المني الأسود الداكن ، الخفافيش التي منحتها الثدي القاسي الصبور ، وكعادتها تفيق فزعة وتتأكد من بقاء لسانها في الفم ، وتحدثني بصوت خفيض كوسواس كيف أتت إلى هنا ، كيف انتهى بها الحال إلى الذوب في حضن الدمار كبديل ، وكنت سعيدا مبتهجا غضا كطفل بشريكتي في الجريمة ، تحدثني عن هيجل والميتافيزيقا والهجرة التي أدت إلى ارتفاع أسعار شقق الإيجار في الأحياء التي لم تطلها الحرب والصراع الطبقي الدفين الذي جعل الحرب تأتي على أحياء وتتجاهل أحياء أخرى ، هذا التصنيف والتمييز الجديد الذي صرنا موسمين به مؤخرا ، اسم الحي يشير إلى كونك أحد الضالعين في المجازر أم لا ، اسم الحي يشير إلى تاريخك الطبقي والنضالي ، اسم الحي يشير إلى كونك لازلت الإنسان الذي يثقون به أم تحولت إلى الوحش الجديد ، كانت تتهافت علي وأتهافت عليها كممسوسين بلعنة واحدة ، وكنت أغفر لها كل شيء ، وتتسع طاقتي رغم الهروب والسرقة وتسجيل أحاديث المرتزقة والجنود وجمع المخلفات ، أنا كشبح وهي كمأوى ، أنا كمأوى وهي كشبح ، نتبادل ، وتضحك ، تدخن ببرجوازية أعقاب السجائر التي أمنحها لها ، وتمن علي بعلبة من خزانتها كل حين ، كانت الصداقة الأخيرة التي نجحت في إقامتها مع البشر ، ونستحم في البرك ، ونتجاوز ، ونتناول العقاقير ، ونتضاجع كأخ وأخت مرة ، كزوج وعشيقة ، كزوجة وعشيق ، كعاهرة وقس ، كيوم وليلة ، كموت ونشور ، كملاك وشيطان ، كوحي وقصيدة ، كلاشيء ، ثم أتسلل إليها عبر النافذة المحطمة لأجدها راقدة في البانيو ورصاصة في رأسها ، وكعدمي لا يؤمن بالتراجيديا أشعل لفافة تبغ ، وأقلب خزانتها وألملم المتبقي في جوال ، أسابق نفسي حتى لا يفاجئني زائر ، لص أنا ، وغد ، مغادر وقح ، لكن هذه الحرب لن تجرني إلى أي عاطفة ، وفي الليل أعاود المجيء لأجد جنديا يبكي بجوار الجثة ، ورغم سلاحه فإنه يشاركني الجنازة الرمزية ، ويحتضنني ولا يكف عن البكاء ، ويصارحني أنها كانت في السابق قبل الحرب.......أفيق من صدمة القذيفة وأبحث في الركام ثم أترنح قليلا وأستعيد ما حدث ، في الحرب الأهلية كنت أبحث عن عاهرة ، وكانت هي تبحث عن مأوى...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا