الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تهملوا نملتكم النشيطة !

سالم بخشي المندلاوي

2013 / 3 / 21
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


كانت نملة نشيطة جداً ، حيث تسبق الجميع في نهوضها الصباحي المبكر ، و تظل تدبّ في أرجاء المنزل و تؤمّن حوائجه و تقضي مصالح جماعتها على مدار الساعة . و تستمر على هذا المنوال دون كلل أو ملل حتى ساعة متأخرة من الليل ، و كأن الراحة أو الاسترخاء أوالدعة، آخر ما يمكن أن تفكر فيه . و لو لا أن النوم سنة الخلائق في الكون ، لما نامت في حياتها لحظة واحدة .
كانت تعمل بإخلاص و بنكران للذات و بشعور نبيل و مرهف من أجل تسيير شؤون عائلتها . و لم تكن تشتكي أو تتململ أو تطالب بشيء،بل كانت تستقطع من حصتها في كثير من الأحيان و تجود به سعيدة لغيرها . لقد تعودت أن تفعل ذلك بصمت دون منة أو ضجة أوترويج ، كجندي مجهول !
كان جماعتها غافلين و لم يقدّروا عملها ، و لم يفكّروا يوماً أن يساعدوها ، و كأنهم تعوّدوا منها هذا العطاء و الإيثار دون مقابل . ونسوا في بعض الأحيان ... بل كانوا أغلب الأحيان لا يهتمون بمبادلتها شيء من العطاء و التضحية ، فظلت الأمور تسير على هذا المنوال حتى شائت الظروف أن تمرض هذه النملة في أحد الأيام مرضاً أستوجب ملازمتها للفراش ؛ لعدم قدرتها على النهوض و القيام بمهامها اليومية .
لم نستوعب الدرس و ندرك قيمة وجودها في حياتنا ، إلا في اليوم التالي لمرضها . حيث جلسنا صباحاً ليذهب كل منا في شأنه . لم نجد فطورنا الصباحي و قد تعوّدنا أن نجده جاهزاً مع الشاي الحار . علينا أن نعدّ فطورنا الصباحي من الآن فصاعداً ... ولكن ليس هذا اليوم لأننا سنتأخرنا كثيراً عن الدوام . يمكن أن أصبر أنا ولكن ماذا بشأن الأولاد !
أين جوّربي اللعين الآن ؟! لقد تعوّدت أن أجده نظيفاً مرتباً بالقرب من حذائي . لقد نسيت أن أغسله أو أجد له بديلاً نظيفاً البارحة كما كانت تفعل زوجتي قبل مرضها . سأذهب إلى العمل بجوارب الأمس و لكن ماذا بشأن الصغار ؟!
جذبتني إحدى الصغيرات تريد مني أن أسرّح لها شعرها ، و أختها تريد أن ألبسها صدريتها المدرسية ، و الثالثة ، تبكي وتريدني أن أحفّظ لها درسها،و أخرى تريد أن... هل كانت أمهم بالفعل تنجزلهم كل هذه الطلبات بمفردها ... أعانها الله إذن !
عندما عدت وقت الظهيرة ، كان عليّ أن أعد الغذاء للعائلة . أين المقدحة ؟ أين المقلاة ؟ أين الزيت ؟
لا أجد طبقاً نظيفاً ، يجب أن أغسل الصحون أولاً قبل كل شيء . طرق الباب ، فتحت وجدت أحد بناتي الصغيرات و قد عادت من مدرستها . عليها أن تصبر ؛ فلم أحضّر شيئاً للأكل لحد الآن . بعد لحظات عادت أختها فأخوها ... حتى عاد السادس و الأخير ، لم أنجزغسل الصحون بعد . حاول أحدهم مساعدتي لكن سرعان ما أنزلق صحن خزفي صيني من بين أصابعة فتهشم على أرضية المطبخ . أعرض عن مساعدتي بعد أن عنّفته . نشب شجار بين الأطفال . لم أتعود يوماً أن أنهي شجاراً ناشباً بين أولادي ، كنت أترك الأمر لأمهم أن تفعل . حاولت أن أفعل الآن لكنني لم أزد الطين إلا بله ! طرق الباب من جديد ... نشب شجار جديد ...أحدهم فتح التلفاز و قد رفع من صوته كأنه يريد أن يسمع الجار السابع ... نهرته زاعقاً . و عندما ذهبت لأفتح الباب ، انزلقت قدمي على أرضية المطبخ المبللة والتوى كاحلي ؛ أخذت ألعن الجميع و أصرخ متوعداً و قد أصابني النصب و الإرهاق ...
فجأة سكنت الأصوات و سكت الجميع و كف الصغار عن الشجار!
إنها نملتنا ... ما أن لمحناها حتى شعرنا بالطمأنينة و السكون . كانت قد نهضت من فراشها لنجدتنا و هي تتحرك بوهن متسائلة :
(( ألا تجيدون القيام بشيء دوني أيها البؤساء ؟! )) .
أحطنا بها جميعاً كالسوار مبتهجين فرحين و قد استوعبنا الدرس و كنا مدركين هذه المرة لقيمة وجودها في حياتنا ؛ فأخذنا نساعدها ما أستطعنا و نعمل سوية معها و تعاهدنا أن لا نتركها من جديد ، تعمل لوحدها . فتحية لها و لكل النملات الأخريات من الأمهات الحنونات اللائي يعملن على شاكلتها بصمت من أجل إسعاد الآخرين !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالقمع والضرب.. إيران تفرض -الحجاب- على النساء وتعتقل المخال


.. ملكة جمال الذكاء الاصطناعي…أول مسابقة للجمال من صنع الكمبيوت




.. انهيار امرأة إيرانية خارج محطة مترو -تجريش- في طهران بعد اعت


.. صاروخ إسرائيلي يقتل عائلة فلسطينية من ثمانية أفراد وهم نيام




.. نساء الرقة: منظومة المرأة الكردستانية مظلة لجميع نساء العالم