الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ستكون ذاكرتنا القادمة؟

فواز قادري

2013 / 4 / 6
الادب والفن


أعتقد لستُ وحدي من الذين يعيشون في الخارج، ومازالت تحاصره تلك الأمكنة والأشياء الصغيرة والحميميّة التي شكّلتنا: البيت، الحارة، الحي، المدينة، الوطن. على الدوام أجدني مزدحماً بها، وأستعذبها وأغالي أحياناً في معانيها ومكانتها، حتى تصبح عندي مقياساً للأشياء والأمكنة: نكهة الأطعمة، شكل رغيف الخبز، رشفة الماء، رائحة عرق الأجساد، رعشة الهواء، لون السماء، زقزقة العصافير، ظلال الأشجار. الكثير من مخزون هذه الذاكرة مازلتُ أحمله معي أينما ذهبتُ، ساحات اللعب، الطرقات، المشاوير، أنوء بشتّى الذكريات الغير قابلة للنسيان، فكيف بأعزّ من ربطتني بهم حياة ذات معنى! بدءاً من الطفولة التي حفرت في القلب أسماء بعض الأصحاب إلى أبد الروح، مروراً بالصِّبا والشباب والرجولة، وهذه الأخيرة كوّنت ذاكرتي الأحدث، الذاكرة التي جعلت خياراتي في الحياة شبه نهائيّة. ولكوني هنا أتحدث عن الذاكرة الجمعية للشعب السوري، التي تتشكّل الآن، لهذا سأتجاوز إغراء الحديث عن ذكرياتي. الذي يحدث للشعب السوري، جعل سورية صغيرة بحجم قلب، وكبيرة إلى درجة نظنّها هي الكوكب، لا تفارقنا في حلّ وترحال، تلازمنا في كل الأوقات، ترافقنا إلى سرير النوم، نجلسها على طاولة الطعام، تذهب معنا إلى أعمالنا ومشاويرنا، نهذي باسمها في اليقظة والمنام (لستُ أتحدث هنا عن الشهداء اليوميين أو عن مشاريع الشهادة، من يعيشون تحت رحمة الطائرات والقصف الذي لا ينتهي وكل أشكال الموت).
هكذا هي صورة سورية في ذاكرتنا الماضية، وفي هذه الذاكرة الكثير من المآسي التي تعايش معها أهلنا وتجرّعوها وصبروا عليها، ذاكرة موشومة على أعمار أجيال من السوريين. ولكن ما أن بدأت الثورة السورية، وأحس النظام بدنوّ نهايته، على يد هذا الشعب نفسه الذي تحمّل كل شيء وصمت طويلاً، حتى أظهر من الوحشية ما لا يصدّقه عقل، ولا رأته عين ولا سمعه عاقل، جرائم لا سابق لها في التاريخ، ارتكبها حاكم بحق الشعب الذي يحكمه، بحق البشر والطبيعة والحيوان والحجر.

أية ذاكرة تتشكّل الآن عند الأطفال السوريين؟ وكم من السنين ستمرّ حتى ينسون القليل منها؟ وكم من المرّات سيحكونها لأحفادهم، كم مرّة ستدمع الأعين وستعلق اللقمة في الحلق؟ كم من الأسماء التي لا يعرف مصيرها ستتردد على ألسنة الأهل والأقارب والجيران؟ كم من الجثث التي لن يُعرف أًصحابها؟ وكم من الجثث سيفرح أهلها في العزاء بعد اكتشافها؟ كم من القبور ستُفتح؟ وكم من الجثث التي سيعاد دفنها في مقبرة العائلة؟ كم من الأمّهات ستنشف دموعهن وتكلّ أعينهن من البكاء؟ كم من الزوجات سينمن وحيدات في أسرّة باردة؟
أيّة ذاكرة تُكتب الآن بالدمع وبالدم والآه؟ سيأتي اليوم الذي سنقول فيه كم كان ثمنك غالياً أيتها الحرية؟ ولكنك جديرة به "وبتستاهلي أكثر من هيك"


هذا الربيع علامة فراشة حزينة
لم تستدل أجنحتها على أطفال قلبي
أنا العابر درب قيامة البلاد
لن أطيل مكوثي في الرثاء
أغني لأمسح لو قطرة دمع واحدة
وأجفف سيول هذا الأسى الجليل.

هل هذا قاربك الذي يتأرجح
هذه البحيرة التي تربّي أسماكها
على زرقة السماء الصافية
هذه الشطوط التي تلملم ظلال العابرين
قبل أن يفرش خيامه الليل
هذه الأغاني التي ترددها الطيور
في الغابة القريبة
أهذا كله لك أيتها الحريّة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا