الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس مهمة من الازمة الاقتصادية القبرصية!

توما حميد
كاتب وناشط سياسي

2013 / 4 / 21
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



سوف اتحدث عن طبيعة الازمة الاقتصادية في قبرص ليس لاهمية الاقتصاد القبرصي بالنسبة للاقتصاد العالمي بل لان ازمة قبرص هي نموذج مصغر للازمة الاقتصادية العالمية وبالتالي تساعدنا على فهم هذة الازمة وبعض مشاكل الاقتصاد الرأسمالي العالمي بشكل عام. من المعرف ان الاقتصاد القبرصي يعتمد او اعتمد لحد الان على ثلاث قطاعات مهمة وهي القطاع المالي وقطاع السياحة وقطاع الشحن البحري. فنتيجة الطبيعة الجميلة والمناخ الجيد والمشمس بالمقارنة مع بقية اوربا في الاشهر الباردة من السنة ونتيجة كونها جزيرة مما يعني وجود الكثير من الشواطئ الدافئة وكونها امنة وقريبة من الناحية الجغرافية من اوربا وهي تستخدم العملة الاوربية- اليورو اصبحت قبرص مركزا سياحيا لسنوات كثيرة مما يعني ان جزء من سكان قبرص البالغ عددهم المليون نسمة قد عمل في قطاع السياحة ما فيه الفنادق والمطاعم والنقل والنوادي والملاهي وغيرها. كما ان نتيجة موقع قبرص الجغرافي في البحر الابيض المتوسط وكونها جزيرة لقد اصبحت معبرا بحريا مهما واقيم قطاعا يعتمد على اسطول من سفن الشحن البحري التي يمكن لاي جهة او دولة من استئجارها. ولكن اهم قطاع من القطاعات الاقتصادية القبرصية كان القطاع المالي.
القطاع المالي بالنسبة لقبرص كان صناعة بحد ذاته وكان رمزا اقتصاديا وطنيا مثل قطاع السيارات بالنسبة لالمانيا او الموضة والعطور والصناعات الطبية والطاقة النووية بالنسبة لفرنسا او القطاع الزراعي بالنسبة لنيوزيلندا او النفط لامارات الخليج مثلا. اذ يفوق حجم هذه الصناعة حجم القطاعات الاقتصادية الاخرى معا بعدة اضعاف.هذه الصناعة الغريبة تشمل البنوك، وفي قبرص كان هناك ثلاث بنوك اساسية ومدراء ومحامون ومحللون ومستشارون اقتصاديون ومحاسبون وحراس وكتاب وسماسرة الخ. يبلغ اجمالي الناتج المحلي القبرصي السنوي حوالي 17 مليار يورو فهو اقتصادا صغيرا نسبيا بينما كانت الموجودات الكلية للقطاع البنكي القبرصي تسعة اضعاف الناتج المحلي وحجم الودائع في البنوك القبرصية سبعة اضعاف الناتج المحلي اي اكثر من حاجة الاقتصاد القبرصي باضعاف، في حين ان حجم القطاع البنكي في بقية دول الاتحاد الاوربي هو 3.5 مرات بقدر حجم الناتج الاجمالي المحلي. وفي سنة 2008 فقط انتقل 40.7 مليار دولار الى قبرص على شكل ودائع وقروض.
فكيف تمكنت قبرص، هذا البلد الصغير من بناء قطاع مالي وبنكي بهذه الضخامة؟ لماذا يقوم عدد كبير من الناس يفوق عددهم عدد سكان قبرص بتوديع اموالهم في البنوك القبرصية؟ وكيف يمكن لاقتصاد استيعاب راسمال يفوق الناتج القومي بسبعة اضعاف؟ الجواب هو لان قبرص كانت واحدة من الملاذات الضريبية ولان قبرص تمكنت لعدة سنوات من خلق فقاعة اقتصادية ولكن الفقاعات لابد ان تنفجر وهاهي قد انفجرت.
هناك الكثير من الملاذات الضريبية في العالم منها دول مثل قبرص نفسها و ايرلندا وايسلندا وسويسرا، و باهاماس، و لوكسبورك ، وموناكو ،و بنما، وسان مارينو،و سيشيلس، وليكتينستين ومنها ولايات قضائية غيرسيادية اي مقاطعات في دول مثل كومباين دي ايتاليا- ايطاليا، جبل علي- الامارات ، لابوان- ماليزيا ، كوراجاو-هولندا، بيرمودا، برتيش فيرجن ايلند ، كايمن ايلند، وجيرسي، وايسل اوف مان،و تركس وكايكوس ايلندس –بريطانيا و السكا، وواشنطن، و ديلاوارا، وفلوريدا، ويونايتدستيد فيرجن ايلند، وساوث دكوتا، وتيكساس، و نيفادة - الولايات المتحدة والكثير من الاماكن الاخرى. حيث قدر تقرير من قبل (تاكس جستس نيتورك) بان مابين 21 و 32 ترليون دولار مخبأ في تلك الملاذات بعيدة عن الضرائب. وتقدر الضرائب المفقودة بين 190 و280 مليار دولار سنويا.

نتيجة المناخ الدولي والاجراءات المتخذة من قبل السلطات في هذه الدول والمقاطعات لجعلها والاعلان عنها كمراكز مالية عالمية يتجه مقدار كبير من الرأسمال السائل الى تلك الدول. ويتم هذا من خلال امرين: اولا تقوم البنوك بدفع فوائد عالية على الودائع حيث بلغ نسبة الفائدة 4-5% في السنة في قبرص وفي بعض الاحيان وصل الى 7% في حين ان سعر الفائدة في الدول التي لاتعتبر ملاذات امنة هو حوالي 2%. وقد ارتفع الى هذا الحد بسبب المنافسة الشرسة بين الملاذات الضريبية نفسها. اذ تقوم تلك الدول والمقاطعات برفع نسبة الفائدة حتى تمنع الرأسمال من الانتقال الى الملاذات الاخرى. ولكن المسالة الاساسية هي ان السلطات في الملاذات الضريبية لايستفسرون عن اصل او مصدر الرأسمال. لايسألون من اي دولة ياتي او كيف حصل عليه صاحبه اي سواءا كان " شرعيا" او غير شرعيا، اي من اموال المخدرات وتجارة البشر والجريمة المنظمة الاخرى والفساد المالي. كما ان الضرائب على الدخل وخاصة دخل الشركات في الملاذات الضريبية مثل قبرص يكون عادة اما صفرا او رمزيا بالمقارنة بالكثير من الدول.
فمن جهة يقوم الكثير من الحكام والمسؤليين في دول تحكمها انظمة ديكتاتورية فاسدة بسرقة المال العام وتوديعه في بنوك منها بنوك الملاذات الضريبية مثل قبرص. كما تقوم الكثير من كارتيلات الجريمة المنظمة من استخدام تلك البنوك كطريقة لغسل الاموال. ولكن اهم مصدر من مصادر الرأسمال في تلك الملاذات هو الراسمال " الشرعي" اي الرأسمال الذي يعود لشركات وافراد في دول غير مستقرة يخاف الاغنياء على ثرواتهم. اذ هناك كميات كبيرة من الثروة خاصة على شكل نقود تتجمع في ايدي قلة قليلة في كل بلدان العالم الذي له حرية الحركة حول العالم في وقت ان الرأسماليين في الكثير من البلدان لايحسون بالاطمئنان على ثروتهم. لذلك فالكثير منهم ينقل امواله الى اماكن تعتبر امنة. وكانت قبرص احدى هذه الاماكن التي اعتبرت امنة لكونها تعتمد على اليورو وهي جزء من قطب كبير اي الاتحاد الاوربي الى جانب ان بنوكها قدمت نسبة فائدة عالية جدا. ان دخول قبرص الى الاتحاد الاوربي جعلها جذابة للمستثمرين وحتى المتقاعدين من خارج الاتحاد الاوربي وخاصة الروس الذين ارادو ابعاد اموالهم عن النظام البنكي الروسي الذي يفتقد اليقينية حيث يعيش حوالي 60 الف روسي في الجزيرة.
من جهة اخرى الكثير من الرأسماليين في الدول المستقرة يقومون بنقل اموالهم الى الملاذات لغرض تفادي دفع الضرائب وكان المرشح الجمهوري الاخير لانتخابات الرئاسة الامريكية، ميت رومني احدهم. وتقوم الكثير من الشركات المنتجة للبضائع حول العالم باقامة فروع لها في الملاذات الضريبية مثل قبرص، فتقوم ببيع البضاعة التي تنتجها بربح بسيط الى فروعها في تلك الدول اي مثل قبرص على الورق فقط والتي تقوم بدورها ببيعها الى زبائنهم بالسعر الحيقيقي فيكون معظم الربح قد حقق في الملاذ الضريبي الذي ليس فيه اي ضريبة على دخل الشركات وليس في البلد الاصلي الذي ينتج فيه البضاعة. وبهذه الطريقة تقوم بتفادي دفع الضرائب.
هذه هي الطريقة التي تمكنت قبرص من جذب كل تلك الاموال وهذا كان مصدر ثروة كبيرة للاقتصاد القبرصي الذي هو اقتصاد صغير مما ادى الى نمو غير طبيعي بحيث ان الاجور في قبرص كانت اعلى من الاجور في بقية اوربا. لقد ادارت هذه الاستراتيجية في وقت الخير فائدة كبيرة على البنوك والاقتصاد القبرصي. القطاع الخاص في قبرص اكتشف اهمية القطاع المالي والدولة دافعت عنه لان للدولة رسومات عند القيام باي صفقة او عملية تجارية او فتح فرع لشركة، كما يعني بطالة اقل ونشاط اقتصادي وغيرها.
الرسمايل عندما تلتجأ الى بنوك بلد مثل قبرص فانها اما تودع في البنوك باعتبارها "مكان امن" كودائع تكسب فائدة او تستثمر في اسهم البنوك من اجل المشاركة في ارباحها او انها تقدم للبنك على شكل قروض. والبنك من جانبه يقوم باقراض الاموال للحكومات والمشاريع الاقتصادية بما فيها قطاع الشحن والسياحة والافراد من اجل شراء البيوت و السيارات وغيرها سواءا في البلد او في الخارج.
ولكن كما قلنا بسبب وجود عدد كبير من الملاذات الضريبية فان تلك الملاذات تتنافس فيما بينها من اجل جذب الرأسمال العالمي مما ادى الى ارتفاع سعر الفائدة الذي توجب دفعه الى الرأسماليين لان بخلاف ذلك فان الرأسمال سينتقل الى الملاذات الاخرى.
في اوقات الازدهار كان بامكان البنوك القبرصية رغم تقديم نسبة فائدة تبلغ 4-5% واحيانا نسبة اكبر من تحقيق ارباح عن طريق اقراض الرأسمال الى الافراد والمشاريع في قبرص وحتى في دول اخرى بنسبة فائدة اعلى. ولكن مع تشبع الاقتصاد القبرصي بالرأسمال و اشتداد الازمة عالميا وخاصة في اوربا حيث اثر بشكل كبير على قطاع السياحة والشحن لذا قل الطلب على القروض وبدا الكثير من اصحاب القروض من الافراد والمشاريع مثل المنتجعات والفنادق والمطاعم يواجهون صعوبة في الايفاء بالقروض فاضطرت البنوك القبرصية الى المخاطرة اي تقديم قروض محفوفة بالمخاطر ومن بين تلك المخاطر التي اقدمت عليها قامت بشراء كمية كبيرة من سندات الحكومة اليونانية اذ كان سعر الفائدة على تلك السندات عالية جدا نتيجة تزعزع ثقة المقرضين في قدرة الحكومة اليونانية للايفاء بديونها حيث استثمروا 4.7 مليار دولار في سندات الحكومة اليونانية في وقت كانت تلك السندات مستندة على معطيات غير صحيحة من قبل السلطات اليونانية حول صحة الاقتصاد اليوناني ولكن بعلم السلطات الاقتصادية الاوربية.
وعندما انفجرت ازمة يونان كان على البنوك منها القبرصية الغاء جزء من ديونها على الحكومة اليونانية ومع تخلف الكثير من الافراد والمشاريع والشركات داخل قبرص من الايفاء بقروضهم، وصلت البنوك بدورها الى مرحلة لم يكن بامكانها الايفاء لاصحاب الودائع والمستثمرين في اسهم تلك البنوك واصحاب القروض التي قدمت لها. لذا كان على البنوك اما اعلان الافلاس مما يعني انهيار الاقتصاد بشكل كامل بما فيه القطاعات الاخرى مثل الشحن والسياحة او اللجوء الى طريقة اسهل ، استخدمت من قبل البنوك في بقية الدول مثل امريكا واوربا وهي تهديد الحكومات باعلان الافلاس واجبارها على انقاذهم.
والحكومة القبرصية لايمكنها انقاذ قطاع بنكي بهذا الحجم لذا هرعت الى الاتحاد الاوربي طالبة 17 مليار دولار. ففي مناخ لايريد فيه لا البنوك ولا الحكومة القبرصية ولا الاتحاد الاوربي للمودعين والمستثمرين والمقرضين ان يعرفوا بان البنوك ليس بامكانهم الايفاء بالتزاماتهم لان ذلك يعني ان الجميع سوف يسرع الى سحب ماله فتنهار البنوك وينهار الاقتصاد معها وربما تنتقل المشكلة الى دول اوربية اخرى بدات المفاوضات بين تلك الاطراف.
الاتحاد الاوربي يعرف جيدا بان الحكومة القبرصية ليس بامكانها اعادة دفع قرض اوربي بقيمة 17 مليار يورو لذا وافق على دفع 10 مليارات وان تاتي قبرص بالمبلغ الباقي. وقرر جمع هذا المبلغ من خلال فرض ضريبة على الودائع في البنوك القبرصية. في البداية قرروا اخذ 10% لكل يورو فوق 100 الف يورو و 6.5% لكل يورو اقل من 100 الف يورو مودع في البنوك علما ان الودائع التي تقل عن 100 الف يورو مؤمن عليها من قبل الاتحاد الاوربي بشكل اوتوماتيكي. اي بمعنى اخر قرروا باخذ المال من المودعين الذين بينهم الكثير من الفقراء ومنهم المتقاعدين من قبرص نفسها وروسيا ودول اخرى ودفعها الى البنوك . فخرجت الجماهير في قبرص الى الشوارع بشكل قوي لذا تراجع الاتحاد الاوربي والحكومة عن خطتهم. فغلقوا البنوك لعشرة ايام مما ادى الى توقف الاقتصاد بشكل شبه كلي. وكانت هناك مساومة ، وفي النهاية قرروا بان هؤلاء الذين لهم ودائع اقل من 100 الف يورو لن يكون هناك اي ضريبة على اموالهم ولكن الذين لهم ودائع اكثر من 100 الف سوف ياخذون 40-50% من كل دولار فوق 100 الف يورو كضريبة. هنا الحكومة تجبر على التدخل لصالح البنوك وتتحمل دين من اجل تعويضهم على فشلهم في ادارة اموال غيرهم. ونفس الشيئ حدث في الكثير من الدول الاخرى.
فالدروس التي يمكن استنتاجها من تجربة قبرص هي كثيرة جدا. منها ان الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل اساسي على فقعات اقتصادية خاصة تلك التي تتضمن مشاركة الرأسمال المالي والبنوك. والامثلة على مستوى العالم هي كثيرة جدا في اخر 30 سنة. وكل فقاعة من تلك الفقاعات عندما تنفجر تخلف ماسي لاتحصى. وهذا ما حدث في قبرص فما جعل من قبرص هذه الجزيرة الفقيرة جنة لعدة سنوات كانت فقاعة خلقها الرأسمال الاجنبي وهذا الرأسمال يهرب اليوم بالجملة مما يعني تدمير حياة الاف من العوائل ونسبة بطالة عالية وهجرة جماعية للشباب وركود اقتصادي وغموض مستقبل لسنوات قادمة. لقد سرح حوالي خمسة الاف شخص خلال ايام فقط والكثير من الشركات الدولية غادرت بالفعل الجزيرة. والمنتجعات والمكاتب المنتشرة حول بنايات البنوك ستراكم الغبار لسنوات طويلة. قبرص هذه الجزيرة التي لاتغيب عنها اشعة الشمس تواجة شتاءا اقتصاديا غائما وقارصا طويلا جدا. ان الاقتصاد المستند على الدين والاستهلاك المجاني الذي موله الرأسمال الاجنبي وغسيل الاموال لايمكن ان يستمر الى مالانهاية. ومثل هذه الفقاعات تحدث باستمرار وسوف تستمر بالحدوث رغم كل الجهود التي تبذل من اجل تفاديها. فالنظام الرأسمالي يحتاج الى نمو مستمر من اجل ان يستمر بالعمل بشكل طبيعي ولكن عندما لايكون هناك فرصة للرأسمال الهائل المتراكم في ايدي قليلة من ايجاد فرص للاستثمار تضمن النمو يميل الرأسمال المالي والمؤسسات المالية رغما عنها الى خلق فقاعات بشكل مستمرحيث تتسارع وتيرة بروز وانفجار تلك الفقاعات.
والعولمة الرأسمالية كاي مفهوم من مفاهيم الرأسمالية يحتوي او يتسبب في تناقض كبير، فمن جهة العولمة وحرية الرأسمال على الحركة قد مكنت الرأسمال من الانتقال واستغلال الطبقة العاملة في بلدان اخرى وتحقيق فائض قيمة هائلة ولكن في نفس الوقت تؤدي الى خلق منافسة قوية تؤدي الى قتل صناعات ورساميل اخرى في نفس البلد وقتل الكثير من المشاريع والصناعات في دول اخرى ولذلك تؤدي الى نمو غير متكافي على مستوى الدولة الواحدة وعلى مستوى العالم ايضا وتساعد على سرعة انتقال الازمة، اي الى عولمة الازمة ايضا.
فالنمو من النوع الذي حدث في قبرص له مخاطر كبيرة مثل قتل القطاعات الصناعية الاخرى وجعل الاقتصاد معتمدا على قطاع واحد او قطاعين وهذا الامر لايقتصر على هذه الجزيرة. فالكثير من الدول الاخرى لها نفس المشكلة. فكلنا نتذكر ازمة الدول النفطية عندما انخفضت اسعار النفط في السابق . عندما ينهار القطاع الاساسي في مثل هذه الحالات يتاثر الاقتصاد ككل بشكل كبير واحيانا ينهار. لذا فان الاقتصاد الرأسمالي العالمي بسبب العولمة والمنافسة ينمو بشكل غير متكافئ ويؤدي الى بروز فقاعات اقتصادية. ان النمو غير المتكافئ والحاجة الى فقاعات اقتصادية تجعل الاقتصاد الرأسمالي اقتصادا غير مستقرا الى درجة كبيرة.
ان وقت الاقتصاد الرأسمالي المتكامل، حيث كان اقتصاد دولة مثل بريطانيا او امريكا مصدر لكل الصناعات الخفيفية والثقيلة قد ولى. اليوم اقتصاد معظم الدول يعتمد على قطاعات قليلة ، لذلك يعتمد على صحة اقتصاديات الدول الاخرى بشكل كبير مما يجعله اكثر عرضة للازمات.
من جهة اخرى ان المفهوم القديم عن النظام الرأسمالي بان السيادة هي للاصلح، اي ان المشاريع الاقتصادية الفاشلة تموت حتى تفتح الطريق لللمشاريع الناجحة لم يعد صحيحا. ان البنوك في امريكا واوربا بما فيها قبرص ودول اخرى قد فشلت بشكل فظيع ولكن الدولة مجبرة على انقاذها وستستمر بانقاذها لان هذه البنوك " اضخم من ان يسمح لها بالافلاس". وماذا تقوم به البرجوازية مقابل هذه الحقيقية اي كون هذه المؤسسات اضخم من ان يسمح لها بالافلاس هو جعلها اكبر! وبعد كل عملية انقاذ تبقى البنوك تعمل بنفس القوانين التي ادت الى حدوث الازمة مما يعني ان تلك الازمات سوف تستمر في المستقبل بشكل اكبر. اي سيسمح للبنوك بابتزاز المجتمع من اجل انقاذهم. المجتمع يعيش مع عواقب قرارات وفشل البنوك والاستثمارات الكبيرة ولكن ليس له اي سلطة على تلك المؤسسات.
ان انفجار كل فقاعة يؤدي الى تركيز اكثر للراسمال في ايدي اقل فاقل بسبب افلاس الكثير من المشاريع والشركات و لان عند انهيار بعض المؤسسات تقوم الحكومة بانقاذها من خلال الديون اي يحتفط الرأسماليون برأسمالهم بينما تراكم الدولة الديون فتضطر الى قطع الخدمات ورفع الضرائب على الطبقة العاملة ودخلها. الفقراء والمعاقين والعجزة يدفعون ثمن جرائم وتهور البنوك. بمعنى اخر عند افلاس مؤسسات خاصة يحول دينها الى دين عام في حين تحتفط بارباحها لنفسها مما يؤدي الى تراكم الدين على الدولة.
في اخر ثلاث الى اربعة عقود بقت الاجور راكدة لذا فان الطلب والنمو الاقتصادي استند على الدين ولكن الدين وصل الى درجة لايمكن ادامته ممايؤدي الى سلسلة من الافلاسات في القطاع الخاص وتسريح عدد كبيرمن العمال وانخفاض كبير في الطلب والصرف من قبل القطاع الخاص وهذا بدوره يؤدي الى انخفاض واردات الدولة في وقت يكون فيه حاجة لزيادة في مصروفات الحكومة بسبب زيادة حاجة الناس الى دعم الدولة وايضا بسبب الحاجة الى تدخل الدولة لخلق طلب على البضائع مما يضاعف من الدين العام. ولكن تحميل الدولة للدين اما نتيجة خصخصة الارباح وتاميم الخسائر او نتيجة حاجة الاقتصاد الى التحفيز من قبل الحكومة لايمكن ان يستمر كحل، ففي الكثير من البلدان، الدين العام وصل الى ارقام فلكية ولهذه السياسة ثمن باهض في المستقبل على تلك المجتمعات. كما ان دين الفرد ايضا وصل الى درجة لايمكن ادامته بسبب ركود الاجور لذا لقد وصل الاقتصاد الى درجة لايمكن استخدام الدين الخاص والعام كمحرك للنمو.
بالطبع ان الطريقة الوحيدة ضمن اطار الرأسمالية لحل هذه المشكلة هو انشاء بنوك قطاع عام يمكن للناس ايداع اموالهم فيها بدلا من وضعها في بنوك خاصة تخاطر بها ومن خلال زيادة الضرائب على الاغنياء من اجل التخلص من الدين العام الا ان مثل هذه الخيارات هي غير متوفرة للحكومات بسبب قوة نفوذ التاتشرية والريكانية على مستوى العالم التي يرى في مثل هذا الاجراء، واي نوع من التخطيط واي دور للدولة وتدخل منها في ادارة قطاعات كبيرة من الاقتصاد رغم بقاء الملكية البرجوازية واسس خلق فائض القيمة في مكانها بمثابة اقامة اقتصاد اشتراكي. ولكن نفس هذا الميل السياسي الذي يقاتل من اجل تقليم اظافر الدولة يدعو الدولة الى انقاذ الراسمال الخاص في وقت الازمة.
خلال الازمة الحالية فرضت الحكومة القبرصية بموافقة الاتحاد الاوربي قيود صارمة على انتقال الرأسمال الى الخارج وبذلك لقد تخلوا عن فكرة مهمة جدا وهي حرية حركة الرأسمال، كما قاموا بالاستيلاء على جزء من مدخرات الناس المودعة في البنوك وهذه الاجراءات تدل على ان البرجوازية مستعدة للتخلي عن كل المبادئ التي تتغنى بها ليلا ونهارا اذا طلبت الحاجة. كما ان هذا الاجراء يدل على ان المدخرات غير مضمونة حتى في الدول الغربية.
تحدثوا خلال الازمة القبرصية بكثرة عن وجود اموال روسية في البنوك القبرصية وعن امكانية ان تكون اموال مغسولة والكثير يعتقد ان المستشارة الالمانية انجيلا ميركل قد فرضت هذه الضرائب على الودائع في البنوك القبرصية للثار من فلادمير بوتين الذي ربما يملك بعض الودائع في البنوك القبرصية. لقد اعطوا تصور بان غسيل الاموال يقتصر على الروس في وقت ان البنوك في الدول الغربية بما فيهم دول مثل امريكا والمانيا وبريطانيا تخضع باستمرار لتحقيقات جنائية.سوف تاخذ عشرات الصفحات للكتابة عن الحالات التي وجدت فيها البنوك في الدول الغربية مذنبة في القيام بفعاليات جنائية. ففي الوقت الحاضر 72 من مدراء البنوك في اسبانيا هم في المحاكم للقيام بجرائم مالية. في امريكا دفع صندوق التحوط (ساك) 602 مليون دولار للحكومة الامريكية لتسوية قضايا جنائية. في اوربا بنك خصص بنك ديوج مبلغ 600 مليون يورو للتكاليف القانونية لدوره في التلاعب بسعر تبادل العملة بين البنوك حيث يقدر تكلفة هذا الاحتيال للقطاع البنكي اكثر من ترليونين دولار. وهناك العشرات من القضايا القانونية الان في المحاكم في امريكا واوربا ضد البنوك على مسائل مثل تفادي دفع الضرائب الى غسيل الاموال الى التلاعب باسعار تبادل العملة الى السرقة والاحتيال على الزبائن الخ. كما ان معظم الرأسمال المسروق من القطاع العام في الدول التي تحكمها انظمة قمعية تودع في البنوك الغربية.
في الحقيقية ان اغلب الفقاعات الاقتصادية التي تحدث هي نوع صارخ من الاحتيال على افقر واضعف قطاعات المجتمع . ان ماتسمى بازمة العقارات في امريكا كانت افضل مثال على قيام البنوك والقطاع المالي في امريكا ليس بالاحتيال على الفقراء في امريكا فقط بل حتى على الاف من البنوك والحكومات وصناديق التحوط و الرأسماليين حول العالم.
لحد الان صرفت الحكومات حول العالم 4 ترليون دولار لاعادة الاستقرار الى البنوك وعلى الحزم التحفيزية . وهناك تقديرات بانه لايزال هناك ترليونين الى ثلاث ترليونات من الاستثمارات السيئة والاصول السامة التي هي كلها نوع من انواع الاحتيال. ان تصوير الاعلام بان غسيل الاموال يقوم به الروسيون فقط هو امر في منتهى التفاهة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد


.. عبد السلام العسال: حول طوفان الأقصى في تخليد ذكرى يوم الأرض




.. Britain & Arabs - To Your Left: Palestine | الاستعمار الكلاس


.. الفصائل الفلسطينية تسيطر على طائرة مسيرة إسرائيلية بخان يونس




.. مسيرة في نيويورك لدعم غزة والشرطة الأمريكية تعتقل المتظاهرين