الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد بلا صدام وما تزال الحياة ثقيلة

عدنان يوسف

2013 / 4 / 25
الادب والفن



كنت اظن قبل سقوط الدكتاتور بان كل همومي ستزول بزواله ،بهذه الجملة القصيرة والتي تقطر اسى ،كما سنعرف ذلك فيما بعد ،يفتتح سلام ابراهيم الروائي العراقي المغترب في الدنمرك روايته المعدة للطبع "حياة ثقيلة" وسلام ابراهيم الذي تعرض لشتى انواع التعذيب والقهر ومحاولات الاذلال منذ مطلع شبابه في اوائل سبعينيات القرن الماضي في سجون ودوائر الامن والاستخبارات العائدة لنظام البعث ظل يحلم حين استقر به المقام لاجئا في الدنمرك بعودته لبلده وان كان امله في اسقاط الدكتاتورية بثورة وطنية مسلحة قد تبدد بعد فشل تجربتي الكفاح المسلح في اهوار الجنوب وجبال كردستان في الشمال حيث شارك فعليا في الثانية منذ اواسط الثمانينيات لحين انقضاض جيش صدام بكل اسلحته ومنها الكيمياوية على مواقع الثوار فيما سمي بسياسة الارض المحروقة فاضطر الانصار الشيوعيون الى مغادرة الارض التي حلموا باقامة الوطن الحر والشعب السعيد عليها كنواة لتعميم النجاح النسبي الذي تحقق في كفاحهم المرير ليشمل الوطن كله
بعد اتمام قراءتي للجزء الاول من الرواية شكرت الكاتب لتقسيمه العمل الى ثلاثة اجزاء ،اتاح لي ذلك فرصة للاستراحة وربما للتأمل في الفترة القصيرة الثي فصلت بين قراءة واخرى فالقص بلغته المهذبة الرشيقة ،في العرض الجميل الذي يقترب كثيرا من الشعر اوقعني في حيرة المقارنة بين لغة شفيفة ساحرة واحداث غاية في الفظاعة بعنفها وقسوتها تتصاعد احداثها بشكل يثير القلق والتوتر ،احداث تكاد لا تصدق مما لقيه الانسان العراقي على يد سلطة تجردت من كل القيم الانسانية ،تعذيب جسدي ونفسي ،انتهاكات لابسط الحقوق ،يرد في الرواية ذكرها مرة على لسان الكاتب الذي عاش بعض فصولها في زنزانات مظلمة رطبة وضيقة ومرة على لسان اصدقائه الذين مروا بنفس تلك الاماكن وتعرضوا لاصناف مبتكرة من التعذيب ،لقد ولد لي ذلك رغبة شديدة في متابعة القراءة ،دون توقف ،الى الصفحة الاخيرة من كل قصة من القصص الثلاث التي تضمنتها الرواية
يعود الكاتب وهو احد ابطال الرواية الرئيسيين وهو الذي يروي كل الاحداث بصيغة ضمير المتكلم ذاكرا اسمه الحقيقي وكذلك فان الاسماء والاماكن كلها ترد على لسانه باسمائها الحقيقية كانما يريد الاعلان عن تقديمه وثيقة تؤرخ لعقود من الظلم والاضطهاد والاستهانة بحياة الناس والوطن،يعود الى مدينته الفراتية جنوب العراق وهو يأمل ان يرى اهله واحبته "ارى امكنتي الاولى واشم هواء وتراب مدينتي واكون خالي البال وانا اراهم احرارا والافق امامهم مفتوح"لم ير ذلك بل وجد العكس ففي احدى الصباحات اوقفته مجموعة من الملثمين في مشهد ذكره بالطريقة التي اختطف فيها من قبل امن البعث في اول تجربة اعتقال مر بها في حياته ،اكتشف ايضا ان المليشيات التي تضم "اغراب ،حفاة،رثي الملبس،ملتحين،قذري الوجوه يرمقون الناس بحقد متاهبين للقتال"هي التي تمسك جنوب المدينة الذي يقع بيته على خط تماسه وسيكتشف كذلك وهو يتفحص مسافرين جمعته بهم سيارة في ذهابه الى بغداد بحثا عن صديق عمره الذي لم يره منذ عشرين سنة،"انهم في لحظة رعب فاقت لحظة رعب العراقي ايام الدكتاتور"وجوه صفر متيبسة والسنة لا تكف عن الدعاء وعيون متوسلة لاناس في حالة فزع شديد من الطريق الذي اسماه السائق بطريق الموت طالبا منهم اداء الشهادة قبل ان يتحرك صوب المجهول حيث يقطع الملثمون رؤوس عدد من المسافرين السيئي الحظ الذين يصادف وصولهم وجود اولئك القتلة على الشارع العام قرب قرية شمال الحلة تدعى اللطيفية فيتسائل مع نفسه عن حجم الفظائع والاهوال التي جرت تحت انظار الناس منذ الاحتلال وسيرى في بغداد قتلا شبيها بالعبث ويعود ليتساءل مجددا لماذا لا يحب الانسان اخاه الانسان سؤال رافقه منذ ان حل في الدنمرك وهو يقارن بين حياته في ذلك البلد البعيد والغريب عنه وبين حياته في وطنه الذي احبه ،العراق
حياة ثقيلة ،وثيقة تدين النظام الفاشي الذي تسلط على العراق لخمس وثلاثين سنة وكذلك تدين الاحتلال الامريكي باستعراضها لاحداث وجرائم هائلة راح ضحيتها ملايين العراقيين بين قتيل ومفقود ومشوه ومشرد ،تدين صدام ومنظومته القمعية التي لا تعرف الرحمة بممارساتها الشاذة في تعاملها مع المعتقلين في سجون قل نظيرها على مر العصور ،قصر النهاية ومديرية الامن العامة ودوائر كثيرة اخرى منحت صلاحيات مطلقة في الاعتقال والتعذيب حتى الموت
الرواية الوثيقة ،بعض من تروى حكاياتهم فيها احياء لكنهم يعانون من علل وتشوهات مختلفة وعدد كبير أخر منهم فقد حياته في سجون او حروب او ساحات اعدام وهم كلهم شهود حق على ما جرى في العراق الذي سيظل حزينا لسنين عديدة قادمة .يبقى ان نذكر ان هذه الوثيقة على ما حملته من مآسي فانها كتبت كرواية باسلوب شيق ولغة عذبة في بناء راسخ لكاتب متمكن من ادواته ،ولسبب لم اتوصل لفك سره او بطريقة لا اعرفها ، تمكن الكاتب ان يجعل من لغته التي تحمل كل تلك المواصفات ،غير بعيدة ايضا ،سواء في الحوار او الوصف والسرد ،عن لغتنا اليومية المتداولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنها ثقيلة حقا
أسعد محمد تقي ( 2013 / 5 / 4 - 22:17 )
يا لهذا الأسترسال الجميل , لقد أدخلت الرواية مسبقا في قلب القاريء .. أضمُّ صوتي لصوت صديقنا الدكتور سعدي في لو إنك توسعت أكثر , هكذا نحن .. طامعون بكل جميل , نهمون لكل كلمة صافية. وللروائي سلام ابراهيم الحق في الأحساس المضني بثقل الحياة فقد تعاون على افسادها المتخلفون والقتلة واللصوص تحت مختلف المسمّيات لزمن امتد على عقود طويلة منذ التأسيس الحديث للدولة في عراق امتدّ بعيدا في التاريخ وكان حريّا بهذا الأمتداد ان يجعل الحياة ممتعة وحلاوتها لصيقة بأرواح أبنائه , لكن بلدا يمدّه بالسمو والروعة نهران عظيمان , ويغرقه بالنور هذا التنوع العظيم لايمكنه العيش سعيدا في عالم الرأسمال الذي تحول الى الشراهة الأستعمارية فكان القرن العشرون قرن الحياة الثقيلة التي تحدث عنها سلام ابراهيم وزادت العولمة من ثِقَلِها في هذه البواكير من القرن الجديد
-

اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و