الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتوقف التاريخ : حروب الطوائف العربية

عبد عطشان هاشم

2013 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1
يتسارع وقع الاحداث في سوريا والعراق ولبنان (وربما تنظم مناطق ساخنة اخرى ) على طبول النفير الطائفي القائم وتستعر نار الاقتتال الطائفي المغلف بعض الاحيان بسيناريوهات سياسية جاهزة الغرض منها اخفاء جبل الجليد وتسويق الصراع ضمن اطار مقبول للمجتمع الدولي لضمان دعمه او حياده على الاقل ، فالطائفية يمكن ان ترتدي اقنعة متعددة حسب الظرف كقناع الوطنية او المصلحة العامة او الليبرالية لتسويق خطابها السياسي اولتبرير العنف الذي تمارسه مع الطوائف المنافسة وقد تسفرعن وجهها العاري القبيح كما يفعل دعاة الجماعات الاسلامية الاصولية في كل مناسبة .
ويكفينا الان النظر الى شعارات المحاربين وصيحاتهم الدينية ، وهيئاتهم وحديثهم وممارساتهم ضد الخصوم ، لنعرف اننا لانزال نعيش عصر حروب الردة بكل تفاصيله ، لقد اعتدنا على ان يقوم الاسلاميين وتجار الدين دوما بمصادرة الحراك الجماهيري بمختلف تجلياته وتجييره لحسابهم الخاص بدأ من تونس وانتهاءا بمصر وسورية ، فحتى الحراك الجماهيري المطلبي في محافظات العراق (نينوى ، كركوك ، صلاح الدين ، الانبار) تصدره رجال الدين بالحضور والفتاوى واقصوا السياسين عنه .
وهكذا اصبح كل حراك سياسي جماهيري في المنطقة العربية ، قابل للتشكل الى حراك طائفي مستعر ذو صبغة جهادية لنصرة الطائفة على اعداءها التاريخين حيث يتم باستمرار اجتذاب قطاعات من الجهلة المتعصبين الى اتون ذلك الصراع، ومادامت الحاضنة الطائفية موجودة فانها ستتكفل بتغذية هذه الصراعات بالارواح الرخيصة من اليافعين والشباب ثمنا لصراعات واوهام تاريخية .
2
من نافلة القول التأكيد بان التعدد الاثني والطائفي هو سمة اساسية من سمات الدول الحديثة وقدرة الدولة على ادارة هذا التنوع والتعدد هو العامل الفيصل في استقرار المجتمعات وقدرتها على التطور والنمو والبقاء. وفي المنطقة العربية كان من الممكن ان يؤدي ذلك التنوع التاريخي الثر من الثقافات المختلفة ذات الانماط الاثنية والطائفية الى اثراء التنوع الديموغرافي العربي وجعله محركا لتطوير المجتمعات العربية ونماءها الاقتصادي والتقني مثلما هو حاصل في المجتمعات المتعددة الاطياف كما في الهند ، كندا ، الولايات المتحدة لكن رجال الدين والديكتاتوريات العسكرية المتعاقبة اجتمعوا في حلف غير معلن لتحويل هذه التنوع الحي الى تناحر مميت يستتر ويظهر في كل بلد عربي . وبدون ادارة ناجحة لاطياف التنوع والتعدد تلك فان الصراع الطائفي سيتحول الى عامل تفكيك وشرذمة للدولة خاصة اذا اقترن بعوامل اقليمية ودولية مساعدة مثل ما حصل في السودان جراء الفشل التاريخي للادارة الاسلامية هناك ، وكلنا يعلم (أن الصراعات الطائفية هي من أخطر التهديدات التي تواجه أي مجتمع، فهذه الحروب عادة ما تكون غارقة في الشراسة لأنها تقوم على العصبية، وبالتالي فإن خسائرها المادية والبشرية غالباً ما تفوق التقديرات والتوقعات، وقد تعيد المجتمع إلى الوراء عشرات السنين، بل تعيد الشعوب نفسها إلى بذور التخلف الفكري والثقافي، فتسود العصبيات الإثنية والطائفية والقومية لتكرس سمات التشرذم والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، كما أن آثارها تظل باقية في النفوس لوقت طويل، وقد تكون مقدمة لحدوث انقسامات داخلية تهدد بتغيير ملامح البنيان السياسي للدولة وجغرافيتها، بل إن آثارها قد لا تتوقف عند حدود البلد أو المجتمع الذي تدور رحاها داخله، بل تمتد وتتسع لتشمل المنطقة المحيطة به ما دامت التداخلات الاجتماعية والتاريخية ناشطة وطبيعية بين هذا البلد ومحيطه الجغرافي.)1
3
ان العصبية والتعصب الاعمى التي تغذي تلك الصراعات الطائفية ، هي نتاج ثقافة انعزالية استعلائية مغلقة تعيش فقاعتها التاريخية الخاصة وهي لاتقتصر على الناس البسطاء كما قد يتبادر الى الذهن ، بل تتعداه الى الطبقة العليا من حملة الشهادات فنرى ان استاذا جامعيا في جامعة الامام محمد بن سعود هو الدكتور سعد دريهم قد دعا مؤخرا الى قتل اطفال ونساء الشيعة دون رحمة من قبل مجاهدي القاعدة في العراق!!
فثقافة الطائفية تقوم دوما على اقصاء الاخر وتهميشه وتشويه تاريخه وازدراءه والنظر اليه بريبة ومصطلحات التطييف الجاهزة تملاْ فضاء الانترنت فالشيعي هو(صفوي رافضي) والسني هو (سلفي وهابي) والمسيحي ( نصراني كافر) وهكذا.
والثقافة الطائفية وباء شديد العدوى في المجتمعات المتخلفة ، فان وجود طائفة متعصبة واحدة قد يدفع ببقية الطوائف والاقليات الدينية الى الرد بالمثل لحماية نفسها كما تظن من خلال تشديد شرنقة الطائفية حول نفسها ، وهكذا يتم خلق المناخ التعصبي القابل للاشتعال خصوصا اذا كانت الدولة تدار من قبل احزاب او جماعات طائفية متشددة كما هو حاصل الان.
لقد تحول الربيع العربي بفعل الثقافة الطائفية المتجذرة في المجتمعات العربية الى ربيع (طائفي ) بامتياز، يشن حربا متعددة الاشكال والمضامين ضد كل من يخالفه الرأي والمعتقد من داخل وخارج حاضنته الطائفية ، فالثورات التي تخرج من المسجد ،لا تحمل فكر المسجد كمكان يؤمه الناس للتعبد الخالص لله - كما ينص المدلول القراني على ذلك في سورة الجن (وَأَنّ الْمَسَاجِدَ لِلّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللّهِ أَحَداً) - ولكن فكر وثقافة امراء الطائفة التي تدير المسجد حيث يتم استثمار المكان لترويج بضاعتهم الفكرية وتسويق رؤيتهم للمريدين والاتباع ، وعندما قال ادونيس بانه لايشارك في ثورة تخرج من المسجد فانه كان يرى بجلاء المشهد الطائفي الدموى الذي يعقب ذلك الخروج.
لن تقتصر الحروب الدينية العربية على حروب الطائفة المنصورة مع منافسيها ، بل انها ستتحول الى حروب داخل الطائفة نفسها مستقبلا تقودها جماعات الدين السياسي من اجل النفوذ والسيطرة او تطهير الطائفة من المخالفين والمعتدلين فمنهج التكفير هو سلاح المعركة في هذا الصراع ايضا وهو لايستثني احدا، كما فعلت الحركة الوهابية في مراحلها الاولى في السعودية او مافعله الاخوان المسلمين عام 1948 في اليمن.
ان الدولة المدنية القائمة على المواطنة ومساواة الناس في الحقوق والواجبات وفصل الدين عن الدولة هي المدخل الصحيح لاستيعاب وادارة الواقع التعددي في المنطقة وتعزيز روح الانتماء والولاء للوطن وليس للطائفة والجماعة الدينية وبغير ذلك نحن نسير الى المجهول.
------------------------------------------------------
1.كاظم شبيب - المسألة الطائفية: تعدد الهويات في الدولة الواحدة- دار التنوير للطباعة والنشر









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا ننظر التاريخ و الحاضر مرير
Amir_Baky ( 2013 / 4 / 28 - 05:08 )
أتمنى لكل مشاهد للأخبار التلفزيونية إستخدام ورقة و قلم لتدوين عدد الضحايا المسلمين على يد المسلمين و على يد غيرهم. فيوميا هناك قتلى بالعشرات فى سورية و افغانستان و باكستان و العراق و الصومال و دارفور فى السودان و القاسم المشترك بينهم الإسلام السياسي

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah