الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات حماية الديمقراطية من خلال المثال الألماني

حاتم بن رجيبة

2013 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


آليات حماية الديمقراطية من خلال المثال الألماني

لم يكن يتبادر لذهن أي مثقف وسياسي حداثي ألماني إثر ثورة نوفمبر سنة 1918 وإنهاء حكم القيصر الملكي المطلق وإرساء أول نظام ديمقراطي في ألمانيا وتحرير دستور فايمار اليبرالي أن تعود الدكتاتورية سريعاً وعن طريق الآليات الديمقراطية المرسخة في الدستور الذي كان مفخرة النخبة السياسية آنذاك .

كل النقائص الدستورية التي ساهمت في اعتلاء النازية لسدة الحكم و القضاء على الديمقراطية الناشئة عولجت في دستور ألمانيا الإتحادية الصادر إثر الحرب العالمية الثانية سنة 1949 . سؤحاول في هذا النص تقديم هذه الآليات مع الأمل أن نجد البعض منها أو كلها في الدساتير الجديدة لدول الربيع العربي .

اخترت المثال الألماني نظراً لمعايشتي إياه 17 سنة واقتناعي به من خلال الحصانة والمناعة الجيدة التي أظهرها هذا النظام السياسي أمام العديد من الهجمات والمخاطر التي اعترضته وهددته كبروز الإرهاب اليساري خلال الستينات في أوج الحرب الباردة أو ميلاد النيونازية إثر اتحاد الألمانيتين والأزمة الإقتصادية الخانقة في المقاطعات الشرقية في التسعينات ... النظام السياسي الألماني لم ينجح فقط في الصمود أمام هذه التهديدات بل نجح في مقاومة الإرهاب بطرق وآليات إنسانية وديمقراطية متحضرة فشلت بعض الديمقراطيات العريقة الأخرى في ذلك كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في إطار حربها ضد الإرهاب الإسلامي المعاصر .

السبب الثاني هو الصفة العلمية لهذا الدستور ؛ فهو قد استفاد من تجربتين سابقتين وهما دستور 1848 الصادر عن المجلس التأسيسي بكنيسة باول Paul s Kirche في Frankfurt ثم دستور دولة فايمار Weimarer Republik . فكل ما أثبتت التجربة عقمه وكونه مصدر وهن يمكن لأعداء الديمقراطية توظيفه لإعادة إنتاج الدكتاتورية وقع حذفه وتعديله . العلمية تتجلى هنا في اعتماد التجربة لتقييم الإفتراض أو الفكرة .

كل المواد الدستورية الواردة في هذا النص هي منقولة عن الترجمة العربية للدستور الألماني لمؤسسة فريدريش إيبرت( للإطلاع على النص الكامل للقانون الأساسي الألماني استعمل هذا الرابط http://www.fes.de/international/nahost/pdf/GGArabisch.pdf).

-الآلية الأولى هي نزع كل الصلاحيات عن رئيس الدولة ليصبح دوره تمثيلياً وصورياً فرغم كونه يمثل الدولة ككل و يتقلد أعلى منصب فيها فإنه لا يتدخل في شؤون الدولة إلا بالوعظ والتنبيه الشفوي كسلطة أدبية لا غير . رأيي الشخصي هو الإستغناء الكلي عن هذا المنصب فهو بهذه اللاصلاحيات لا يمثل إلا إهدارا للمال العام .تخلي الألمان على الرئيس القوي النافذ القائد الأعلى للقوات المسلحة والمعلن لحالة الطوارئ كان نتيجة تجربتهم المريرة مع القيصر بعد ثورة 1848 الذي كان السبب في اندلاع الحرب العالمية الأولى وهتلر مهندس الحرب العالمية الثانية .

الآلية الديمقراطية الأولى تتمثل إذا في منع تجمع العديد من السلطات في يد واحدة ، فلا يمكن أن يكون لشخص واحد فقط الحق في إعلان الحرب مثلاً أو أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة و القوات الأمنية كما ورد في مسودة الدستور التونسي الحالي مثلاً .النظام الرئاسي هو أكثر ميلاً إلى الإنحراف من النظام البرلماني أو النظام المختلط .

- الآلية الثانية هي إرساء النظام الفيدرالي اللامركزي . فكل مقاطعة لها برلمانها وسلطتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وجهازها الأمني الخاص بها . حالها كحال أجهزة الدولة الإتحادية ككل، علاوة على المجالس البلدية المحلية التي تتمتع باستقلالية مادية تجاه المقاطعة والإتحاد .لذلك تمتلك ألمانيا مجلس النواب الإتحادي وهو المجلس التشريعي الكلاسيكي ومجلس المقاطعات الذي تتحتم موافقته على كل التشريعات الصادرة عن المجلس الأول والتي تمس عمل المقاطعات مباشرة . هذه الآلية هي الأكثر استعمالا للتقليص من غطرسة السلطة التنفيذية الإتحادية ؛ ذلك أن السلطة التنفيذية أي الحكومة الأحادية أو الإئتلافية هي صاحبة كل السلطات خلال الفترة التشريعية(4 سنوات ) كما بين ذلك الكاتب خليل كلفت (أنظر مقاله: السلطة التنفيذية هي السلطة الحقيقية الوحيدة في مصر

في هذا الخصوص في الحوار المتمدن من خلال هذا الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=356725#) مجلس المقاطعات يحد بشكل جلي من تغطرس هذه الدكتاتورية المؤقتة من خلال منعه مرور العديد من التشريعات وإجبار الحكومة على تعديلها أو التخلي الكلي عنها . معارضة مجلس المقاطعات للعديد من التشريعات الإتحادية مرده إما سيطرة المعارضة عليه أو تعارض المصالح بين الحكومات المحلية والحكومة المركزية ؛ فحتى وإن كان للأحزاب الحاكمة الأغلبية في المجلسين فإنه في كثير من الأحيان ما تصوت حكومات الإئتلاف الحاكم في المقاطعات ضد الحكومة الأم لتغليب الكثير من الساسة المصلحة المحلية على المصلحة الإتحادية !!!

- الآلية الثالثة هي قدسية حقوق الإنسان الكونية والحريات الفردية . هذه الحقوق غير قابلة للتحوير والحذف كما أن هذه الحقوق هي الضامن لمدنية الدولة ومناهضتها لكل أشكال التمييز غير الكفاءة .هذه الحقوق هي جوهر النظام الديمقراطي اليبرالي الحديث . فتحجير المس منها يمثل ضماناً قوياً وهو مصدر الآلية التالية .

- قدسية حرية الصحافة والتعبير . هذه القدسية تؤمن استقلالية السلطة الرابعة أقوى رقيب على كل أجهزة الدولة وفي كل شبر منها . هذه القدسية جلية في المادة عدد 5 :

مادة 5
[حرية الرأي، والإعلام والصحافة والفن والعلم]
1) لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالكلمة والكتابة والصورة، كما أن له
الحق في تحصيل معرفته من المصادر المفتوحة للعامة دون إعاقة. كما يجب ضمان
حرية الصحافة وحرية الإدلاء بالأنباء الصحفية من خلال محطات الإرسال والإذاعة
والأفلام. ولايجوز إخضاعها للرقابة .
2) تنطوي محددات هذه الحقوق ضمن أحكام القوانين العامة وأحكام القوانين الخاصة
بحماية الأحداث وحق الشرف الشخصي.
3) الفن والعلم والبحث والتعليم كل منها حر، حرية التعليم لا تعفي من الولاء للدستور.

حرية الصحافة هي الضامنة لإنارة الرأي العام وجيش الناخبين أصحاب السلطة في الدولة ومنبعها ليرتجف الساسة منهم كلما ظهرت استطلاعات رأي جديدة أو قرب موعد الإنتخابات .

-آلية المحكمة الدستورية : المحكمة الدستورية لها استقلاليتها التامة المثبتة في الدستور . هذه المحكمة تراقب دستورية كل التشريعات وهي الملاذ الأخير لكل الأفراد والجماعات . إنه من المذهل بالنسبة لي في كثير من الأحيان كيف تجبر هذه المحكمة الحكومة على سحب العديد من القوانين والتشريعات لتعديلها أو الإستغناء عنها وكيف تمكن العديد من المواطنين الضعفاء العاديين من عامة الشعب عن طريقها من الإنتصار على الدكتاتورية المؤقتة (الحكومة ) النافذة والعاتية . أضف إلى ذلك امتلاك هذه المحكمة لجهاز مخابرات قوي مستقل وظيفته حماية الدولة ضد كل الجماعات والأفراد المناهضة للديمقراطية كالأحزاب النازية أو الشيوعية المتطرفة أو المنضمات الإرهابية بكل أنواعها ؛ فهي تراقب الأحزاب والجماعات في عملها الداخلي ومدى تطابقه مع المبادئ الديمقراطية كاتخاذ القرارات عن طريق الإقتراع الحر والسري أو نبذ العنف ....

- آلية المراقبة البرلمانية للسلطة التنفيذية من خلال لجان التحقيق حسب المادة عدد 44 :

مادة 44
[لجان التحقيق]
1) لمجلس النواب الاتحادي الحق، كما يصبح واجباً عليه في حالة تقديم طلب من قبل
ربع أعضائه، أن يُعين لجنة تحقيق تقوم بدورها بتقديم الأدلة الثبوتية في مداولات علنية،
إلا أنه يمكن حجب العلنية.
2) لدى تقديم الأدلة الثبوتية يتم تطبيق أحكام نظام المحاكمة الجنائية ضمن مفهوم ملائم
للحالة. وهنا تبقى حرمة سرية الرسائل والبريد والاتصالات الهاتفية مصونة.
3) تكون المحاكم والدوائر الرسمية ملزمة بتقديم المساندة القانونية والوظيفية.
4) لاتخضع قرارات لجنة التحقيق إلى مراجعة وتوضيحات قضائية. في حين يكون
للمحاكم كل الحرية في تقدير وتقييم الحيثيات التي جرى التحقيق على أساسها.

هذه المادة تمثل أهم سلاح للمعارضة في المجلس التشريعي لمراقبة السلطة التنفيذية وحتى مقاضاتها جزائياً . فكم من وزير ورئيس حكومة متنفذ جلس بموجبها على كرسي الاتهام ليتذكر حجمه الحقيقي وعلوية القانون وسلطة المعارضة .

-آلية استقلالية النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية من خلال قوانين واضحة في هذا الشأن وقدسية علوية القانون ضمن المواد الغير قابلة للتحوير والإزالة كما ورد في المادة عدة 3 :

مادة 3
[المساواة أمام القانون؛ المساواة بين الرجال والنساء؛ حظر التمييز]
1) كل البشر سواسية أمام القانون.
2) الرجال والنساء متساوون في الحقوق. وتشجع الدولة التطبيق الحقيقي للمساواة بين
النساء والرجال وتسعى جاهدةً لإزالة أي غبن قائم في هذا المجال.
3) لايجوز التمييز أو إلحاق الغبن بأحد بسبب جنسه، منبته، عرقه، لغته، وطنه، أصله،
عقيدته أورؤيته الدينية أوالسياسية، ولايجوز إلحاق الغبن بأحد بسبب إعاقةٍ فيه.

- آلية استقلالية الهيئة المشرفة على الإنتخابات عن السلطة التنفيذية لمنع كل تزوير كما السماح لمراقبة المجتمع المدني والمنظمات الدولية لسير الإنتخابات .

- آلية تحرير دستور ملم بكل السلطات وآليات تسيير الدولة في الضروف العادية كما الإستثنائية كالحرب أو الكوارث حتى لا يلتجئ الساسة إلى الإرتجال معرضين الدولة والشعب للهلاك والخطر كما يبين علاقة الدولة بالمنظمات الإقليمية والدولية كما يبين علاقة القانون القومي مع نظيره الدولي في نصوص دقيقة التحرير والصياغة مانعةً لتأويلات متعددة تكون مصدر نزاعات تشل السير العادي لدواليب الدولة .

- آلية ضرورة حصول الأحزاب المشاركة في الإنتخابات على نسبة مائوية محددة من الأصوات للدخول إلى البرلمان التشريعي الإتحادي مثل عتبة 5 % أو 7 % حتى لا يكون البرلمان متشتةً فيصعب إنجاز تحالفات حاكمة لا تتعدى الثلاث أحزاب ، فكلما كثرت أطراف التحالف كلما استحال التفاهم كما حصل في جمهورية Weimar بعد الحرب العالمية الأولى مما أدى إلى نفور الشعب من الديمقراطية و حنينهم إلى الدكتاتورية بسبب فشل النواب في التفاهم والتذبذب الكبير في عمل البرلمان والعدد الهائل من الحكومات في فترة نيابية واحدة مما دعا إلى حل البرلمان كم من مرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص