الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الثورة السورية: في الطريق إلى الرقة في ظل الحرية

خلف علي الخلف

2013 / 5 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في مطار أتاتورك حيث أكتب الآن تكون "زيارتي" إلى سوريا قد انتهت. عائدٌ إلى مصر؛ "بلدي الثاني" الذي أصبح أولاً لكثير من السوريين. كل بلاد المنفى أصبحت "وطناً" لملايين من السوريين وأصبحت سوريا بلدنا الثاني الذي نعيشه حلماً ونتابعه على شاشات العالم. تواجهني القرارات الجديدة المخصصة للسوريين والمتبدلة سريعاً في مطارات العالم. لايمكنك العودة إلى مصر إن لم يكن لديك تذكرة عودة إلى اسطنبول أو إقامة في مصر، بينما في مطار القاهرة لم يسمحوا لي بالخروج إلا بعد أن تأكدوا أن لدي تذكرة عودة إليها!.

قبل ذهابي إلى الرقة بقيتُ متوجساً ومتشككا بكل ما قيل عنها. وقائع "تحريرها" ووقائع يومياتها بعد التحرير. خصوصا مع تجربتنا مع فيضان الأكاذيب الذي أغرقنا به إعلام النظام وإعلام الثورة طوال عامين. كنتُ أودُّ "العودة" منذ اليوم الأول للتحرير، لكن أسباباً "لوجستية" منعتني.

الطريق إلى الرقة لايمر بالإئتلاف على الإطلاق لكني كنتُ مضطراً للانتظار في اسطنبول حتى ينتهي اجتماعه الذي "عيّن" فيه الإخوان وإخوانهم رئيس حكومة مؤقتة لسوريا "المحررة" باعتبار رفيق سفري [قاسم الخطيب] عضواً فيه. والذي انسحب من التصويت على الحكومة وجمد عضويته في الإئتلاف هو وآخرين.

الذهاب إلى الرقة من اسطنبول يمر عبر آورفة التي تبعد حوالي 30 كيلو متراً عن المعبر الحدودي لمدينة تل أبيض أحد بوابات سوريا المحررة. في صباح السفر إلى مطار أتاتورك من بيت رشا الذي يسميه أصدقاؤها "بيت السوريين"؛ حيث مرّ به الكثير من الناشطين السوريين الذين قدموا إلى اسطنبول؛ خصوصاً في بدايات الثورة. قالت لي ضاحكة: يبدو عليك التوتر وأنت عائد إلى تراب الوطن.

سبع سنوات من الغياب عن سوريا تتكثف كأنها نقطة ماء تسقط بشكل متكرر في صحن رأسي وتبعثر أفكاري. لستُ فرحاً ولاحزيناً ولاشوق يربكني. تمرُّ سنوات الغياب كأنها شريط سينمائي سوريالي يختلط فيه وجه أمي وتحقيقات "فرع فلسطين" الذي كان من آخر محطاتي في سوريا قبل الغياب.

من مطار آورفة يبدأ عمل "جهاز المقارنة" بين بلادنا التي تصحرت خلال خمسين سنة من حكم "البعث" وعائلة الأسد، وبين هذه المدينة التي كانت قبل ثلاثة عقود بلدة صغيرة على الحدود الجنوبية لتركيا تُهرب إليها المنتجات السورية، وأصبحت مدينة حديثة منظمة، نظيفة الشوارع واسعة العمران في ظل نهضة تركيا الإقتصادية الشاملة.

معبر "أقجا قلعة" والتي يسميها السوريون تل أبيض التركية، المقابل لتل أبيض يغلق في الساعة الخامسة مساءاً، مما اضطرنا للمبيت في آورفة لننطلق صباحاً إلى "بلادنا".

في الجانب التركي من المعبر كان ينتظرنا أكرم دادا، رئيس المجلس المحلي لتل أبيض، وهو محامي وناشط حقوقي في الدفاع عن المعتقلين قبل أن تحرر تل أبيض من سيطرة النظام ويغلق باب الإعتقالات. الناس تتنقل بين الجانبين دون تفتيش ودون جوازات سفر وبأمتعة شخصية لاتدل على سفر. سألنا أكرم إن كنا نفضل "ختم" جوازاتنا من الجانب التركي، فلم نجد ذلك ضرورياً.
بعادية شديدة أصبحنا في سوريا دون خوفٍ من الإعتقال، ودون أن نرى عناصر الشرطة الذين يطلبون "المعلوم" ودون أن نمر على جمارك تنبش أغراضنا باحثة عم يمكن أن يكون سبباً لكي تدفع "رشوة" لهم كي تمرّ حتى لو كان زجاجة عطر. قلتُ لقاسم ساخراً: "مو لازم نسجد ونقبّل تراب الوطن ونلتقط صور؟”. قال لي ضاحكاً: "إمشي إمشي لاتفضحنا.”

في مقر المجلس المحلي لتل أبيض، الذي أنشأ بعد التحرير لاتعرف من هو "موظف" في المجلس من الناس المراجعين، الذين بينهم مسلحين أيضاً. والحديث لايدور حول النظام الذي سقط في هذه المدينة، بل حول احتياجات الناس والخدمات؛ طحين، كهرباء، ماء، نظافة، إغاثة ولاجئين. ومازال المجلس يبيع الخبز في الأفران التي يشرف عليها بأسعار مدعومة حسب السعر الرسمي السابق قبل "التحرير".

أثناء وجودنا طُلب منا أن نغادر جميعاً "المقر" إلى أحد البيوت، لأنه قد يحدث اشتباك بين جبهة النصر و"كتائب" أخرى في ساحة المدينة الصغيرة إثر إشكال على تنظيم السير. غادرنا بالفعل، وذهبنا إلى منزل أحد أعضاء المجلس في البلدة، لكن الجميع قرر بما فيهم "نحن الضيوف" بعد "شرب الشاي" العودة إلى مقر المجلس.

ذهبنا أنا وقاسم الخطيب إلى أعضاء جبهة النصرة استفهمنا عن المشكلة وسببها وتبين أنها نشأت بسبب تنظيم عناصر من جبهة النصرة للسير في المدينة وحدوث مخالفة "مرورية" من أحد السكان.

إتصلنا بهاتف "أمير النصرة" بتل أبيض طالبين لقاءه فرحب بذلك. مقر "الأمير" يقع في "عين العروس" المتاخمة للمدينة. والتي كانت أحد الأماكن السياحية في المنطقة حيث منبع نهر البليخ أحد روافد الفرات.

ركبنا "تكسي صفرا" حسب التعبير المحلي لسيارات الأجرة، وذهبنا إلى مقر "الأمير" الذي يقطن أحد المباني الحكومية. في الساحة أمام المقر هناك كراسي صفت ليجلس عليها أصحاب الحاجات قبل دخولهم للأمير. المكان فقير ولاتبدو عليه ملامح " الإمارة"، والدخول إلى الأمير بالدور. أراد صديقي التدخين فقلت له قد تُحدث لنا مشكلة من الأفضل السؤال حول السماح بالتدخين من عدمه، لأننا ضيوف ويجب أن نلتزم بقوانين المكان. سأل أحد "المجاهدين" فأخبره أن ذلك ممنوع داخل حرم "المقر" يمكنك أن تخرج مترين إلى الشارع وتدخن براحتك.

الأمير من مدينة تل أبيض، أما مكتبه فهو مكتب موظف سابق في هذه الدائرة يحتوي على خمسة كراسي وطاولة حديدية. بعد أن رحب بنا وعرف أننا لسنا أصحاب حاجة؛ قلنا للأمير دعنا نتحدث بصراحة قليلا! وتحت هذه اليافطة نقلنا له كل الإتهامات والأحاديث التي تدور حول جبهة النصرة من قطع الرؤوس إلى الجلد إلى إقامة الإمارة الإسلامية إلى منع علم الثورة إلى فرض الحجاب على النساء...

أقسم الرجل على قرآن كان بجانبه، أن كل ما ذكر هو مجرد إفتراءات، ونحن نعم قاتلنا تحت راية لا إله إلا الله، وسنرفع هذه الراية، ولكنا لانمنع أحد من رفع الراية التي يريد. وتحدثنا في شؤون المنطقة المحلية وبعض الإشكالات بينهم وبين المجلس المحلي، وقد كان خطابه معتدلا، ومرحبا بفكرة أن أي تصادم في الشارع لايجوز.

عدنا إلى المجلس المحلي وأطلعناهم على فحوى ما دار بيننا من حديث، فكان الرأي أن التفاهم هو المطلوب في هذه المرحلة. في النهاية أصر أصدقاؤنا في المجلس على "عزيمتنا" إلى أحد مطاعم المدينة لتناول "الكباب" وهذا ما حدث.

قريتنا تبعد عن منطقة تل أبيض حوالي 50 كيلو متر، أصر الشباب على إيصالنا، رافقنا محاميان من الناشطين في الثورة سابقاً وأعضاء في المجلس المحلي. على الطريق لفت انتباهي تصاعد دخان أسود من أحد الأماكن، كان الجواب أن هذه "محطة تكرير وقود"، فقد جلب السكان هذه المحطات لحل مشكلة المحروقات. إذ يشترون النفط الخام من الأبار التي تسيطر عليها الكتائب المسلحة في دير الزور ويكررونه هنا. وتنتشر "محطات" تعبئة الوقود على الطريق، إذ يقف شخص بجانب برميل وقناني مياه معدنية معبأة بالبنزين لتقف بجانبه السيارات وتتزود بالوقود. أصبح ليتر البنزين بـ 150 ليرة سورية وهو ما يعادل تقريبا ثلاثة أضعاف ونصف السعر "الرسمي" السابق. حيطان المدينة مليئة بأسماء الكتائب على رأسها جبهة النصرة وبعض الشعارات الإسلامية الأخرى.

طوال الطريق الحديث يدور عن ظروف التحرير والكتائب المسلحة، الكتائب المحترمة، والكتائب التي تمول نفسها عبر السرقة!.

حل الظلام في الطريق ولولا التل الذي بجانب قريتنا ويشكل نقطة علام بارزة لايمكن خطأوها لما عرفت قريتنا، ورغم ذلك حين دخلنا القرية التبس علي الأمر، هناك أشجار كينا وبساتين زيتون وشوارع... قلتُ لهم هذه ليست قريتنا، قريتنا لم يكن فيها لا أشجار ولا شوارع. قال رفاق سفري خلينا نسأل أحد، فقلت لهم "طولوا بالكم لاتفضحوني وأصبح سيرة بين الناس بأني لم أعرف بيتنا.” لكنهم لم ينتظروني أكمل جملتي وسألوا أحد البيوت عن "مضافتنا" فأرشدونا إلى "مسقط رأسي".

بين المفاجأة والفرح اجتمع حولنا "كتيبة الأسرة”. ركضوا إلى أمي الثمانينية وقالو لها "حباب خلف جا خلف جا". لم تبك أمي ولم أبك كذلك. قالت "ياوليدي قالو إنك تريد تجي بس ما حدا قال إيمتى" قلت لها وأنا أحضنها ساخراً: “ شفتي هي لحقتك قبل ما تموتين" فردت ضاحكة: “لاتخاف لسا عمري طويل". بدأت رحلة التعرف على أبناء أخوتي وإختي الوحيدة والأحفاد كذلك "إنتَ ابن فلانة.. إنت بنت فلانة..." فنظرا لتشابه الأسماء سيكون إسم الأم محددا وقاطعاً. كنت مصيبا بنسبة 80 بالمئة تقريبا.

الأولاد كبروا وأنا في المنفى الإختياري والإجباري، طلاب جامعات، معلمات مدرسة، جيش حر... بدأنا التعرف على الأسماء فعدد الذين أعرفهم من "كتيبة الأسرة" يقتصر على المواليد الأوائل والذين هم في العقد الثالث من العمر، أما الصغار فلا أعرف إسم أحد منهم. حوالي 36 شخص في غرفة واحدة بعد كل "خربطة" بإسم أحد. أقول لهم "خلونا نتعرف على بعض من جديد.. أنا خلف...”.

لايوجد كهرباء في القرية ويستخدمون مولدة وبطارية السيارة للإنارة، والمياه مقطوعة، وعادوا للخبز على الصاج. كان السؤال الذي ليس لدي إجابة عليه: إلى متى سيستمر الوضع هكذا.

حتى على مستوى القرى الناس منقسمة بين من هو مع الثورة وبين من هو مؤيد تحت يافطة "دعم الإستقرار" حسب تعبير صديقي مدير المدرسة الإعدادية في القرية، والذي حين أرسلت إليه الأولاد قالوا لي "عمو ربيعك [صديقك] مؤيد". قلت لهم طالما ليس شبيح فهذا حقه... سألتُ عن الذين ماتوا بغيابي عن الذين تزوجوا عن...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024