الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصر حامد ابو زيد قراءة فى المنهج 1-3

حسام الحداد

2013 / 5 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمهيد

لا شك ان الدخول الى علم نصر حامد ابو زيد الفكرى يحتاج كثير من اليقظة والوعى لهذا الكم الهائل الذى يحشده نصر حامد ابو زيد من الرؤى والافكار والنظريات المتنوعة لإيصال رسالته ، التى تشكل حلمه الذى طالما حلم بتحققه ، كما اكد على هذا فى كتابه فلسفة التاويل " فى اعادة النظر فى تراثنا الدينى بكل جوانبه من خلال منظور علاقة المفسر بالنص ، وما تثيره هذه العلاقة من معضلات على المستوى الوجودى والمعرفى على السواء ، والافاق التى يمكن ان يفتحها لنا هذا المنظور ثرية ومتنوعة ، ويمكن ان تضيئ لنا كثير من الجوانب التى ما تزال مجهولة فى هذا التراث . ويقول نصر حامد ابو زيد " بل لا اكون مبالغا اذا قلت انها يمكن ان تصحح لنا الكثير من الافكار الشائعة والمستقرة فى تراثنا الدينى على وجه الخصوص " (1)
ونظرا لاعتماد القوى الظلامية " المتأسلمون " على كثير من التراث وينادون بالعودة اليه بغض النظر عن فعاليته وجديتة وملائمته لواقعنا الراهن فنحن الان فى امس الحاجة الى نصر حامد ابو زيد حيث يقدم لنا قراءة مغايرة للتراث الاسلامى وفى القلب منه النص المحورى فى هذا التراث " القرآن الكريم " هذا النص الذى ساهم ومازال بشكل كبير فى تشكيل الثقافة الاسلامية بعدما تشكل من خلالها .
يعتمدنصر حامد ابو زيد فى موقفه من التراث وفى القلب منه القرآن الكريم على منهج تأويلى يرتكز على الفكر المعتزلى الذى اعلى من دور العقل فى فهم وتحليل النصوص وكذلك على التراث الصوفى وخاصة التأويل عند محى الدين ابن عربى وطبق هذا المنهج فى قراءته للتراث الاسلامى بشكل واضح مستعينا بآليات جديدة لم تكن موجودة من قبل فقد استفاد من المناهج الفلسفية واللغوية الحديثة كنظرية التلقى والهرمنيوطيقا والسيموطيقا وتحليل الخطاب وغيرها ، وقد ركز نصر حامد ابو زيد فى اعادة قراءته للنص القرأنى فى جانبيه اللغوى وعلاقته بالانسان باعتباره المقصود بالخطاب والمشكل له من جهة اخرى ، وذلك بحكم ثقافة الانسان وبيئته التى ترتبط بالنص فى تنزيله ، كما نادى نصر حامد ابو زيد فى كتاباته بنزع القداسة عن نصوص التراث حيث يرى ان هذا الفهم الايديولوجى يشكل عائقا امام الفهم الصحيح لهذا التراث ، منطلقا من مجموعة من المسلمات التى تحدد منهجيته فى القراءة الكاشفة هى :(2)
المسلمة الاولى :
ان اى مجال من مجالات المعرفة ليس مجالا منفصلا عن باقى المجالات الاخرى فى سياق ثقافة محددة .
المسلمة الثانية :
ان اى نشاط فكرى – فى اى مجال معرفى – ليس نشاطا مفارقا لطبيعة المشكلات الاجتماعية ( الاقتصادية والسياسية والفكرية ) التى تشغل الكائن الاجتماعى ، والمفكر كائن اجتماعى يمارس فعالياته الفكرية غير منعزل او متعال عن طبيعته الاساسية تلك .
المسلمة الثالثة :
ان منهجية الفكر تكتسب صفة " الصدق " او " عدم الصدق " من منظور "رؤية العالم " التى تختلف من جماعة لاخرى داخل الثقافة الواحدة فى تفاصيلها وان تشابهت فى كلياتها ، وبعبارة اخرى ثمة منظور كلى اسلامى للعالم لا يختلف عند الجماعات ( بالمعنى الاجتماعى أو المعرفى ) المختلفة ولكن تفاصيل هذا المنظور تختلف من جماعة الى اخرى ، فلا يمكن مثلا ان نعتبر ان رؤية العالم عند " المعتزلة " تتشابه فى تفاصيلها مع رؤية العالم عند " الأشاعرة " وحين ندخل " رؤية العالم " فى تحليلنا للفكر يصبح " الصدق " أو " عدم الصدق " أمورا نسبية أو تاريخية ، بالمعنى الاجتماعى ، وهذا الذى يجعل ممكنا لنا الحديث عن " أيديولوجيات "مختلفة داخل النظام الفكرى الاسلامى .
المسلمة الرابعة :
ان كل الخلافات الاجتماعية ( الاقتصادية ،السياسية ، الفكرية ) بين الجماعات المختلفة فى تاريخ الدولة الاسلامية كان يتم التعبير عنها من خلال اللغة الدينية فى شكلها الايديولوجى فلم يكن ممكنا ممارسة اى صراع على حلبة الخلاف حول قضايا التفسير والتأويل ، اى النزاع على ملكية النصوص ، والحرص على استنطاقها بما يؤيد التوجهات والمصالح التى تعبر عنها الجماعات المتصارعة . ويؤكد نصر حامد ابو زيد فى هذه المسلمة على ان تناول تاريخ الفكر الاسلامى بوصفة نزاعا حول " الحقيقة " يمكن حسنه هو فى الحقيقة نوع من التزييف الايديولوجى للتاريخ والفكر معا ، فتاريخ الفكر ليس الا تعبيرا متميزا عن التاريخ الاجتماعى بمعناه العميق ، وسيطرة اتجاه فكرى بعينه على باقى التيارات الفكرية الاخرى لا يعنى ان هذا التيار قد امتلك " الحقيقة " وسيطر بها .
فعلى سبيل المثال لا الحصر قد سيطر " المعتزلة " فترة من الزمن على حركة الفكر بمساعدة السلطة السياسية ، والخليفة المأمون على قمتها ، ثم حدث انقلاب فكرى فى عصر المتوكل جعل السيطرة " للحنابلة " التى تم اطلاق اسم " اهل السنة والجماعة " عليها وهو اسم ذو طابع ايديولوجى واضح لانه يعنى بدلالة المخالفة – نزع الصفة عن التيارات الاخرى المخالفة – وهذا مايظهر الان على السطح من خلال تلك الفرق المتاسلمة ( الاخوان المسلمين ، والسلفيين ، والجماعة الاسلامية ....الخ ) التى تقوم بنفى الأخر المسلم واقصاؤه .
المسلمة الخامسة :
ان سيطرة اتجاه فكرى بعينه لفترة طويلة من الزمن لا يعنى ان الاتجاهات الاخرى اتجاهات ضالة او كافرة لان هذه الصفات الاخيرة تعد جزء من أليات الاتجاه المسيطر لنفى الاتجاهات المخالفة . وهذا ايضا ما يتم تفعيله الان من فصائل التيار المتأسلم تجاه مخافيهم فى الرأى .
المسلمة السادسة :
ان "المستقر" و " الثابت" فى الفكر الدينى الراهن ينتمى فى احيان كثيرة الى جذور تراثية هنا وهناك ، قد تكون الصلة واضحة بين الانى والراهن وبين التراث القديم ( كالدعوة السلفية مثلا وارتباطها بفقه ابن تيميمة ومحمدبن عبد الوهاب ) وقد لا تكون كذلك فنحتاج الى اليات تحليل ذات طبيعة خاصة قادرة على " الحفر " من اجل رد الافكار الى اصولها وبيان منشئها الايديولوجى ، وحين ينكشف الاساس الايديولوجى لبعض ذلك "المستقر " و " الثابت " تنتفى عنه اوصاف " الحقائق الثابته"او " ما هو معروف من الدين بالضرورة "
كما يؤكد نصر حامد ابو زيد على ان للافكار تاريخا ، وحين يتم طمس هذا التاريخ تتحول تلك الافكار الى " عقائد " فيدخل فى مجال الدين ماليس منه ، ويصبح الاجتهاد البشرى ذو الطابع الايديولوجى نصوصا مقدسة .
وهذه المسلمة كما يوضح لنا نصر حامد ابو زيد تكشف لنا عن بعد الصراع الانى بين منهج " تحليل الخطاب " ومنهج القراءات التكرارية التى لا تضيف شيئا الى ماسبق ، انه صراع بين " الوعى " الايلامى الراهن : هل يظل كما هو أسير الترديد والتكرار ؟ ام ينطلق الى افاق البحث الحر القادر على " فهم " التراث والتجادل معه والاضافة اليه ؟
وينطلق كذلك نصر حامد ابو زيد فى قراءته للتراث من منطلقين اساسيين يحددهما فى كتابه " دوائر الخوف "
المنطلق الاول :
هو الايمان العميق بصلابة الاسلام وقوته فى نفوس الناس كلما تأسس على " العقل " وقوة الحجة ، وضعفه فى المقابل وتهافته كلما اعتمد على مجرد التسليم والاذعان ، ويؤكد نصر حامد ابو زيد على ان الاسلام هو الدين الوحيد من بين الاديان المنزلة الذى يعطى لايمان العقل أولوية قصوى ، وينحاز له ضد " التقليد " والتمسك باهداب الماضى وعبادة ما كان عليه الأباء والاجداد فالعقل هو السبيل الوحيد ل" العلم" الذى هو بدوره الاساس المتين الذى تتأسس عليه " الهداية " ويقرر نصر حامد ابو زيد بأنه لأهمية وأصالة دور العقل فى تأسيس الايمان والهداية ربط الاسلام ربطا محكما بينه وبين " الاجتهاد " ولم يجعل الوصول الى " الصواب " ناهيك عن الوصول الى " الحقيقة " التى هى ضالة المؤمن شرطا لإجازة الاجتهاد ومكافأته ، لقد اجاز الاسلام الاجتهاد " الخطأ " وكافأه " من اجتهد فأخطأ فله أجر " ذلك ان الخطأ هو السبيل لبلوغ الصواب فى مجال التفكير الحر ، بلا خوف ، ولا عوائق ، ولا مناطق آمنة كما يريد البعض .
ويستنتج نصر حامد ابو زيد من كل هذا ان " دينا يحرص على التفكير الحر بمكافأة الاجتهاد " الخطأ" لهو دين واثثق من نفسه ، وهو دين يمنح المؤمن به ثقة وجسارة فى الاجتهاد وجرأة فى البحث والتفكير لاتبالى بغضب الغاضبين ولا تعصب المتعصبين "
المنطلق الثانى :
ان ثوابت الايمان الدينى هى " العقائد ، والعبادات " الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وبالقدر خيره وشره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا .
والايمان لا يستبعد الفهم والشرح والتأويل ، ففى مجال العقيدة اختلفت اجتهادات العلماء المسلمين مثلا حول فهم طبيعة "الايمان " واختلفوا حول تعريفه ، وما اذا كان التعريف يتضمن " العمل " – اى العبادات – ام انه قاصر على ايمان القلب ، واكثر من هذا اختلفوا حول عقيدة " التوحيد " بين من يفصل " الذات الالاهية "و " الصفات "وبين من يوحد بينهما ، كما اختلفوا حول طبيعة " القران " هل هو محدث مخلوق أم قديم أزلى .
ويقدم نصر حامد ابو زيد هذه الاختلافات ليؤكد ان تلك الخلافات لم تكن خلافات حول " الاصول " وانما كانت اجتهادات مختلفة فى فهم تلك الاصول وشرحها ، فلم ينكر احد منهم وجود " الله " عز وجل ، أو ينكر " التوحيد " فضلا عن أن ينكر أن " القرآن " منزل من عند الله .
وقد كان من الطبيعى وقد اختلفوا حول طبيعة القرآن ان يختلفوا فى تفسيره وتأويله بين متمسك بالمعنى الحرفى مع التسليم بما وراءه ، وبين متأول يرى فى قواعد اللغة والبلاغة مدخلا طبيعيا لفهم لغة القرآن الكريم وتأويلها ، لأن القرآن ليس فى التحليل الاخير الا تنزيلا " بلسان عربى مبين " سورة الشعراء 195 وكل من هؤلاء لم ينكر " اعجاز " القرآن الكريم .
تلك كانت المسلمات والمنطلقات التى ارساها نصر حامد ابو زيد لقراءة التراث الاسلامى بشكل عام وفى القلب منه النص المحورى " القرآن الكريم " .


1- نصر حامدابو زيد ، فلسفة التأويل ص 11
2- من مقدمة كتاب نصر حامد ابو زيد ، الامام الشافعى وتأسيس الوسطية الاسلامية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجهود رائع
كمال غبريال ( 2013 / 5 / 21 - 15:56 )
مجهود رائع في قراءة هذا المفكر المستنير ومجهوداته الرائعة لسحب العالم الإسلامي إلى دائرة الحداثة، وإن كنت شخصياً لا أميل لهذا التكتيك، وأعتبر -تأويل النص- هو -تحايل على النص- لسنا مضطرين إليه. . تحياتي


2 - شكر
حسام الحداد ( 2013 / 5 / 21 - 19:48 )
اشكرك استاذى الفاضل على عناء القراءة والتعليق

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah