الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول اسباب فشل الدول ( النموذج المصري )

محمود يوسف بكير

2013 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


درسنا في الاقتصاد نظرية قديمة تسمى بنظرية ( الحتم الجغرافي ) وهي تركز على ان العامل الجغرافي والمناخي يلعب دوراَ كبيراً في تحديد الحالة الاقتصادية للدول وباختصار شديد ترى النظرية ان دول الشمال التي تتمتع بطقس بارد مثل امريكا الشمالية واوروبا واليابان وغيرها تميل إلى ان تكون دول غنية ومتقدمة والعكس صحيح بمعنى ان دول الجنوب التي تتميز بارتفاع درجات الحرارة مثل الدول الافريقية محكوم عليها بالتخلف والفقر.

ومثل هذه النظريات الاختزالية أو ما يمكن تسميتها بنظرية العامل الواحد تميل الى التبسيط المخل ، ولا يعني هذا ان النظرية خاطئة تماماً لأن هناك شواهد كثيرة تؤكد أنها ليست مخطئة تماما فأوربا فعلاً متقدمة عن افريقيا، وأمريكا الشمالية ( الولايات المتحدة وكندا ) اكثر تقدماً من امريكا الجنوبية، واليابان أغنى من الهند وباكستان ، ولكن النظرية لا تستطيع ان تفسر لماذا تتخلف كوريا الشمالية عن كوريا الجنوبية بمراحل وتنطبق نفس الملاحظة على المانيا الغربية والمانيا الشرقية قبل إعادة ضمهما في دولة واحدة. واتذكر هنا الفارق الرهيب في مستوى المعيشة والذي كنت المسه على الفور بمجرد عبوري بوابة فريدرش في حائط برلين من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي أثناء بعثتي التدريبية في المانيا الغربية في اوائل الثمانينات، إذ كانت برلين مدينة واحدة تم تقسيمها بين الروس ( القطاع الشرقي ) وبين الامريكان والانجليز والفرنسيين ( القطاع الغربي ) ونحن هنا امام شعبين من اصل واحد وظروف مناخية واحدة إلا أن مستوى المعيشة ، في الجانب الغربي الذي يبعد امتارا عن الجانب الشرقي كان ارقى بما لا يدع مجالاً للمقارنة، فما السبب ؟

مؤخراً ظهر كتاب هام في امريكا عنوانه " لماذا تفشل الدول " لمؤلفيه البروفيسور دارون اسموجلي والبروفيسور جيمس روبنسون وهما اقتصاديان بارزان في جامعتي MIT و هارفارد وهما من أعرق الجامعات الامريكية. والكتاب عبارة عن دراسة استغرق اعدادها خمسة عشر عاماً للإجابة على سؤال بسيط وصعب في نفس الوقت يتم البحث عن اجابة له في جميع فروع علوم الاقتصاد والاجتماع والتنمية منذ قرون ألا وهو لماذا تفشل بعض الدول في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة ومجتمع الرفاهية والتقدم لشعوبها بينما تنجح دول أخرى في تحقيق هذا؟

الكتاب يبحث بعمق تحليلي وتاريخي هذه الظاهرة منذ الامبراطورية الرومانية واوروبا القديمة وحتى وقتنا الحالي وهو يغطي معظم انحاء العالم من أمريكا اللاتينية الى الشمالية الى الاتحاد السوفيتي و الصين وإفريقيا ..... الخ وهو يمثل إضافة جديدة لعلم الاقتصاد السياسي بما يشتمل عليه من تحليلات فنية وأدلة تاريخية وهو يجيب على اسئلة هامة مثل :
ـ هل يتجه نجم الولايات المتحدة الى الأفول ؟
ـ هل ستسود الصين العالم وهل يمكن أن يستمر نموذجها الاقتصادي القائم على تحقيق معدلات نمو عالية بالرغم من اثرها المدمر على البيئة والإنسان ؟
ـ ما هي سبل انتشال ملايين البشر في الدول المتخلفة من دائرة الفقر الجهنمية ؟
ـ هل التخلف مشكلة ثقافية أو مناخية و جغرافية ؟

بالطبع الكتاب ينفي الاحتمال الاخير وإلا فإن مسألة الفقر تصبح مصيراً حتمياً ولا أمل في الفكاك منه كما ترى نظرية الحتم الجغرافي التي لا تسطيع أن تفسر كيف يمكن ان تنجح دولة صغيرة المساحة مثل سويسرا واليابان في ان تكونا من أغنى دول العالم وهما بلا موارد طبيعية تقريبا بينما تفشل دول مثل زيمبابوي أو الكنغو في إنقاذ شعوبها من مهانة الفقر والامتهان ؟

وباختصار شديد فإن الكتاب يخلص الى نتيجة هامة جداً وهي أن فشل الدول عبر التاريخ يرجع بالأساس الى ضعف مؤسساتها السياسية وفشلها بالقيام بالوظائف المناطة بها ومن ثم فإن المشكلة لم تكن أبداً مسألة موارد أو مناخ أو ثقافة وإن كان لهذه المعطيات تأثير بالفعل ولكن عامل القيادة أو الإدارة أكثر أهمية وأشد أثراً .

ولو أننا أخذنا مصر إبان حكم مبارك كحالة عملية لاختبار هذه المقاربة لوجدنا أن كافة مؤسسات الدولة كانت تتسم بالضعف الشديد مما أدى إلى فشلها في القيام بالمسئوليات المعهودة إليها وهو ما مكن مبارك وأسرته وعصابته من تحويل مصر إلى ما يشبه العزبة أو الإقطاعية وهو ما يعني بالضرورة فشل منظومة الدولة وسيادة الفساد وغلبة روح العشوائية والانتهازية واللامبالاة في كافة أرجاء الدولة.

وبالفعل فإن من يمعن النظر في أحوال كل السلطات السياسية أيام مبارك يجد سلطة تنفيذية مهترئة يقودها عادة رئيس حكومة ضعيف لا يتمتع بأي ثقل سياسي ولم يكن يقوى حتى على النظر في وجه ابناء او زوجة المخلوع. أما أعضاء الحكومة أو ما يسمون بالوزراء فلم يكن لهم أي حضور ملموس وكلنا يتذكر العبارة الشهيرة التي كانوا يبدءون بها أي تصريح لهم " بناءاً على توجيهات السيد الرئيس " .

أما مجلس الشعب فقد كان أيضاَ في غاية الضعف ولم يمارس دوره الرقابي على الحكومة بشكل حقيقي وكلنا يتذكر كيف كان زكريا عزمي يجلس في خلف قاعة الجلسات حتى يتمكن من رؤية كل أعضاء مجلس الشعب بسهولة وتقييم مدى تعاونهم مع النظام الفاسد والتدخل عند الضرورة وإعطاء إشارات معينة لكمال الشاذلي أوأحمد عز لتغيير وجهة النقاش وتمرير القرارات التي يمليها المخلوع. وانتهى الحال بأعضاء مجلس الشعب إلى احتراف استغلال النفوذ والحصانة التي يتمتعون بها للتربح الشخصي. والمهازل التي اشتهر بها مجلس الشعب تملأ مجلدات .
أما القضاء وبالذات النيابة العامة وكافة الاجهزة الرقابية فقد تم اختراقها من قبل نظام مبارك بشكل يدعو للرثاء والأسى وفي جملة واحدة فلو ان مؤسسة القضاء التي يحلو للبعض تسميتها بالقضاء الشامخ تتمتع حقيقة بالاستقلالية والتجرد لما رأينا الفساد يمرح في جميع انحاء مصر بشكل تجاوز كل حدود الحياء والحذر على مدى ثلاثين عاماً .

أما ما يسمى بالسلطة الرابعة أو الإعلام فقد تحول على يد صفوت الشريف الشهير بموافي إلى أداة للنظام للتمويه على جرائمه وتجميله وخداع الناس بدلاً من تنويرهم وإلقاء الضوء على الفساد .

ولو نظرنا إلى حال مصر الآن في ظل حكومة الإخوان وتسالنا هل تغير شيء ؟ هذا سؤال للقارئ الكريم لن أجيب عليه ولكنني فقط أسأل هل رئيس الحكومة الحالي ووزرائه يختلفون في شيء عن حكومة عاطف عبيد أو أحمد نظيف ؟
وهل مجلس الشورى الحالي يختلف عن مجلس طراطير مبارك ؟ وهل تمكن القضاء من محاكمة وعقاب قتلة ثوار 25 يناير أو حتى إدانة أي من رموز الفساد الكبار في عزبة آل مبارك ؟
وأخيراً هل نجح الرئيس مرسي وحكومة الإخوان في وضع مصر على بداية طريق التقدم والنماء أم اننا مازلنا ننازع الدول الفاشلة على المؤخرة ؟

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها الثورة
محمد البدري ( 2013 / 5 / 23 - 23:24 )
لا شئ اختلف اطلاقا. فالدولة الفاشلة ممتده منذ تولي ضباط يوليو الحكم وحتي تسليم السلطة عن طريق نفس الوسيط الي الاخوان السلمين. التسليم والتسلم تم بثورة في الحالتين. وفي الحالتين جري تمويه عالي باستخدام انبل الاعمال (الثورة) حتي يظل المصري في التيه الملازم له منذ الاف السنوات. فالبيئة السياسية والثقافية والحضارية هي ذاتها طوال الـ 60 عاما وهي بشروطها النابعة من طبيعتها جعلت المصريين في وضع اسوا بعد ما جري منذ سنتين. اعتقد ان استثمار ما سمي بثورة وتحقيقها بواقعية هو الضمان للانتقال لوضع يسمح مستقبلا بتجاوز الفشل. وعليه فهل الثورة المطلوبة مجرد ثورة علي نظام حكم ام علي ما هو اوسع واعمق؟ تحياتي.


2 - القضاء المصرى الشامخ
على سالم ( 2013 / 5 / 24 - 15:00 )
سيدى الكاتب شكرا على هذا المقال الهام والذى يضع النقط على الحروف ,.اركز هنا على القضاء المصرى والذى يسمونه كذبا بالشامخ ,لم يكن القضاء المصرى عادل او شامخ منذ قيام ثوره يوليو المنحوسه على يد عصابه من رعاع الشعب المصرى ,لقد صدعونا بالقضاء المصرى الشامخ ويالهم من كذبه اثمين ,من الموسف فان القضاء المصرى فاسد حتى النخاع الى هذه اللحظه ,لاتنسى مذبحه القضاء فى عهد المنكوب عبد الناصر ,لكن يبدو ان ذاكره الشعوب ضعيفه واصابها نوع من الزهايمر ,القضاء ايام المجرم الزنيم مبارك كان فاسد تماما ومعظم القضاه كانوا فاسدين مرتشين وجبناء وكذبه ,كان الفصل فى قضايا هامه يتم على شكل اوامر بالتليفون من مبارك الهالك للنائب العام عبد المجيد محمود ,نعم من المؤسف فان سياده النائب العام كان دلدول للسيد الرئيس الفاسد وكان يصدر الاحكام طبقا لمزاج المبارك الذى كان نقمه على شعبه ولايختلف فى هذا الرئيس الابله وخريج السجون مرسى العياط عليهم جميعا اللعنه

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة