الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم علي والحلم المغدور

عدنان اللبان

2013 / 5 / 25
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


المعنية الشهيدة عائدة ياسين , وهو تعقيب على عنوان مقال شقيقتها المناضلة هناء ياسين ( هدى ) المنشور في مجلة " الغد " العدد السابع شباط 2013 تحت عنوان " عائدة ياسين مطر شيوعية من هذا الزمان " .
عائدة ياسين ليست من هذا الزمان الذي انتصرت فيه الرأسمالية بعد ان هزمت الطموحات المشروعة في حياة عادلة لشعوب الارض جميعا , وفي المقدمة منها رأس حربتها الانظمة الاشتراكية . الانتصار الذي تولد نتيجة قلة الخبرة وما تبعها من نواقص في البناء السياسي والمؤسساتي للنظام الاشتراكي والأحزاب الشيوعية . انتصرت الرأسمالية وشعوب الارض تقف عارية امام هزيمتها بانتظار تراكمات تاريخية جديدة تأمل ان تخلق وسائل اكثر فاعلية لانتزاع حقها في العيش الكريم . انتهت مرحلة المواجهات الثورية , وتراجعت معها قيم ومفاهيم نبلها , ومن بينها مواجهة التعذيب والموت ايمانا بانتصار قضيتها .

في عام 1963 واثر الانقلاب الاسود للبعث على سلطة الزعيم عبد الكريم قاسم ارتكبت المجازر الدموية بحق الشيوعيين العراقيين , وكانت عائدة ياسين عضو محلية في تنظيم البصرة . وقد تأكد لمحلية البصرة ان المدعو كاظم سعيد , وهو عضو محلية ايضا , يعمل لصالح القتلة البعثيين بعد ان خان وأصبح دليلهم على البيوت الحزبية التي يعرفها , واستطاع عضو المحلية الآخر كريم الاسدي ان يرتب معه موعد في احد البساتين القريبة من المدينة , وعند قدوم كريم الاسدي على دراجته النارية فوجئ بكاظم سعيد ومعه مفرزة من الحرس القومي , وقبل ان يوقف دراجته سحب المسدس , ولكنه لم يتمكن من رفعه بعد ان اصابته عشرات الاطلاقات من الفوهات التي كانت موجهة اليه .

على اثر استشهاد كريم الاسدي تبعثر تنظيم محلية البصرة , وتركت عائدة ياسين البصرة وتوجهت الى بغداد لا لكي تختفي وتصون سلامتها فقط , بل لتبدأ العمل مجددا في تشكيل خلايا نسويه جديدة وسط ذلك الظلام الدموي المرعب . ونجحت عائدة ياسين في لم شمل الكثير من الشيوعيات في بغداد الجديدة والرصافة , وشكلت منظمة نسائية كانت بشهادة اغلب القياديين آنذاك مثار دهشة و( ريبة ) لهم . وعندما انزاح البعث من السلطة على يد شريكهم عبد السلام عارف وصلت قيادة الحزب الشيوعي رسالة من الرفيقة عائدة ياسين تطلب منهم استلام التنظيم الذي بحوزتها بعد ان اخبرتهم باسمها الحقيقي وصفتها الحزبية في البصرة. ولتشابك الظروف وقسوة الضربة ودمويتها لم تحز رسالة الرفيقة عائدة ياسين على الثقة المطلوبة , الى ان تم التأكد من محلية البصرة , ليتم استلام التنظيم وتثمين بطولة الرفيقة .

في عام 1964 كانت عائدة ياسين تسكن في بيت حزبي في بغداد , وفي مجرى العمل السري تعرفت على الرفيق ابو سلام ( بهاء الدين نوري ) , وتم زواجهما في عام 1965 , وأنجبا ولدهما الوحيد علي , وهو الان مهندس الكترونيات في السويد . عائدة ياسين كانت انشط اخواتها , وهي الاثيرة لدى المرحوم والدها , لما تتمتع به من ذكاء وثقة بالنفس , وإمكانيات عالية في ترتيب وتوجيه الاحداث سواء الخاصة بالعائلة او الحياة العامة . كان المرحوم والدها كادح ويعمل سائق تكسي , وقد سخر سيارته لخدمة نشاطها ونشاط محلية البصرة . كان دائما يجيب على بعض الرفاق الذين يلاطفونه عندما ينادونه بابو البنات : ان عائدة وحدها عدال عشرة زلم .

امينة الرحال اول امرأة في اول لجنة مركزية شكلها مؤسس الحزب الرفيق فهد كما يذكر المؤرخ حنا بطاطو بين عامي 41 – 1943 . والمرأة الثانية عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الشخصية الوطنية المعروفة والوزيرة الاولى في البلدان العربية في عهد عبد الكريم قاسم الدكتورة نزيهة الدليمي , والثالثة عائدة ياسين ( ام علي ) في المؤتمر الثالث للحزب عام 1976 . واستمرت الى ان اعتقلت في الحملة الدموية الغادرة على الشيوعيين عام 1979 وفي يوم 15 / 7 / 1980 كما تؤكد شقيقتها المناضلة هناء ياسين في مقالها المشار اليه في المقدمة .

بعد الضربة الدموية الغادرة على الشيوعيين من قبل النظام البعثي عام 1978 , وبسبب ما تركته من آثار مدمرة على مجمل تنظيمات الحزب , انشغل الشيوعيون بالحفاظ على ما امكن الحفاظ عليه من القوى التنظيمية , وكان الطابع الابرز لهذا الانشغال هو كيفية تخليص الرفيق لنفسه من تلك الهجمة رغم ايجاد بعض المراكز الحزبية التي استمرت كمحطات تنظيمية تستمد شرعية وجودها من تداخل ارتباطها التنظيمي والعائلي , ومن بينها ابو ضياء ( حميد ) شقيق الرفيق جاسم الحلوائي عضو اللجنة المركزية للحزب , او محطة الرفيق حسن صالح عسل في الطالبية وهو عم الرفيق صالح ياسر عضو اللجنة المركزية حاليا .

كانت محطة ابو ضياء وهو شيوعي مخضرم في منطقة الشوصة في الكاظمية ( حاليا ساحة الزهراء ) . ومن المفارقة ان الشوصة تعني في اللغة الشعبية لأهل الكاظمية المنطقة التي ستجري فيها المعركة او منطقة الهرجة , والشوصة جنوب باب الدروازة للحضرة الكاظمية التي تعني ايضا الباب المفتوحة , وتتفرع من الشوصة شوارع عدة في كل الاتجاهات . وابو ضياء كان يمتلك اول ماكنة لتقطيع الاسفنج , وتعامله مع الزبائن بأخلاق شيوعية مما جعل محله موضع ثقة ومركز للكثير من الزبائن رغم ازدياد ماكنات تقطيع الاسفنج . في محل ابو ضياء كان يلتقي الكثير من الشيوعيين ويتم تبادل الآراء بين الثقة منهم , ومن بينهم الرفيقة البطلة عائدة ياسين , حيث كانت تأتي بلباس امرأة ريفية ( فوطة وعصابة الرأس " الجرغد " وعباءة سوداء ) تستلم الاخبار والمساعدة المالية لتنطلق في اعادة التنظيم كسابق عهدها في عام 1963 ولم الرفاق المقطوعين رغم كل الظلام والوحشية .

يذكر باقر ابراهيم في مذكراته الصفحة 168 : " ان رسائلها الاخيرة التي كتبت للخارج في فترات متقاربة , توحي لقارئها بأنها على وشك الاعتقال " . ويضيف ان هيثم الصكَر الذي كان على صلة وثيقة ببعض القياديين في الداخل حدثه : ان الشهيدة ( ام علي ) كانت تتأهب للسفر الى كردستان . ثم يؤكد باقر ابراهيم من انه شعر بقسوة تلك الظروف , بتناقضها , بانفعالاتها , وبالذات عندما عبّر الصكَر عن المرارة في انه لم يستطع انقاذها عندما كان متوجها اليها بسيارته , وأمامه بخطوات انتزعها رجل الامن تحت تهديده بإطلاق النار عليه من مسدسه الذي اشهره , وكان الموقف البطولي لام علي التي قررت في تلك اللحظة الخاطفة انقاذه لتقع هي وحدها بأيديهم يوم 15 / 7 / 1980 كما ذكرت شقيقتها هناء . ويختم باقر ابراهيم كلامه :" وجدت فيها صفات الاقدام في تحمل المسؤولية والبسالة في النضال وسمو الاخلاق " .

بعد اربعة اشهر اتصلت بأهلها الرفيقة ساجدة عبد الرحيم في بيتهم الواقع في الزقاق المقابل لجامع الامام علي في بغداد الجديدة باتجاه المشتل , وهي الفترة التي اعقبت اعتقال ام علي , حيث امضت الشهيدة اغلب الاسابيع الاخيرة في استضافة هذا البيت . وقد ابتعدت ساجدة واختفت احترازا من عدم تمكن ام علي من الاستمرار في الصمود وعدم كشف البيت الذي تختفي فيه وهو من الاشياء المهمة التي يحاول الامن معرفتها . ولكن الشهيدة استمرت في صمودها الاسطوري الى مالا نهاية . ورغم وحشية اساليبهم الدموية في التعذيب , وما اشاعوه عن هذه الوسائل حتى بات رعبها يسيطر على اذهان الناس , لم يحصلوا منها على اي شئ مهما كان بسيطا .
الرفيقة ساجدة تبكي الى الآن كلما فتح موضوع ( احترازها ) عندما اعتقلت ام علي , ليس بسبب صواب احترازها , بل تغلبها عواطفها في كيفية تفكيرها بالاحتراز وهي في حضرة اسطورة الصمود عائدة ياسين . ام علي التي لم يكن عندها احلاما اخرى غير حلمها الوحيد في انتصار قضية الفقراء , ام علي التي لم يبلغ احد بيوم استشهادها , ولا بمكان دفنها , لأنهم يدركون انها ستكون مزار كل الشرفاء والمحرومين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.