الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتنة -الإسلام الحقيقي-

سامر أبوالقاسم

2013 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المنطلق ينبغي أن يتمثل في البدء بعملية تفكيك هذا المسمى "الإسلام الحقيقي"، حتى ولو كنا في أقصى حد من التطرف من حيث الدفاع عن تبني الإسلام لقيم الكرامة والحرية والعدالة، وكذلك الأمر حتى ولو كنا في ظل نظام سياسي يعكس تلك الدرجات العليا من تمثيل إرادة المواطنات والمواطنين.
فَوَهْمُ امتلاك الحقيقة لا يمكنه أن يكون إلا مؤديا إلى الانغلاق داخل بنية التفكير الذاتي، والرفض لكل الإمكانات التفكيرية الممكنة والمتاحة، والتكفير لكل من آثر الانطلاق من مقدمات تفكير مختلفة أو مخالفة.
ولسنا هنا في معرض إثبات أن للحقيقة مفهوم معياري، وأن الإنسان بتفكيره أو خطابه يروم الحقيقة، لأننا ندرك تمام الإدراك أن تحديد دلالة الحقيقة هو نفسه يعتبر أمرا إشكاليا، إذ من الصعوبة ضبطها بالنظر إلى تنوع المواقف بصددها.
فمن اعتبار الحقيقة خاصية كل ما هو حق، إلى الحقيقة باعتبارها القضية الصادقة، إلى الحقيقة التي تفيد كل ما تمت البرهنة عليه، إلى الحقيقة كتعبير عن الواقع، إلى الحقيقة التي تعني شهادة الشاهد الذي يتكلم عما رآه أو سمعه، إلى ...
وما يهمنا أساسا في هذا المقام هو الحقيقة الدينية، إذ حسب المأثور عن ابن رشد هي حقيقة واحدة، لكنها تتمظهر في صور متعددة، نظرا لاختلاف طبائع الناس وتباين فطرهم في التصديق: بالقياس الخطابي تارة، وبالقياس الجدلي تارة، وبالبرهان تارات أخرى. وهذا لا يفيد تعدد الحقائق، بقدر ما يفترض أن تتمظهر الحقيقة في صورة الخطاب الذي يؤسسها، ومن ثمة يدافع كل واحد عن خطابه باعتباره الحقيقة المطلقة. فيسير الأمر بالبعض إلى حد التماهي مع إطلاقية وتعالي النص الديني المؤسس.
أما حين تصبح الحقيقة نابعة من تنظيمات دينية/سياسية وجماعات دعوية/سياسية، كما هو حال تنظيمات وجماعات الإسلام السياسي، فإن هذا الطابع "المؤسساتي" للحقيقة هو الذي يدفع في اتجاه وجود صراع عنيف حول الحقيقة.
فما يعتقده بعض المتدينين حقائق قابلة للتقديس، يتبين للجميع في طفرات نوعية من تاريخ الفكر والعلوم أنها ليست إلا أوهام، وبما أن الحقيقة وليدة عصرها، فإن ذلك ما يفسر تعدد الخطابات الدينية حول الحقيقة، وغالبا ما يضطر المتدينون ـ تحت وقع وَهْمِ امتلاك الحقيقة ـ إلى الدخول في صراعات دينية وعقائدية ومذهبية.
وهنا تتركب الصورة الدينية في مخيال بعض المتدينين، لتنسج لهم إطارا حاضنا، لا يتسع لمبدأ القدرة على التعايش مع الآخر ضمن نفس الاعتقاد الإسلامي، ومن باب أَوْلَى فهو لا يقبل حتى تقدير واحترام من كان متواجدا خارج دائرة نفس الاعتقاد. لتصبح هذه الصورة الدينية المركبة هي الأساس، وليصبح تفكير المتدينين من داخلها قائما على طرد الآخر، بل ولتصير آليات الحقد والكراهية والعنف مستخدمة ضده.
إن الحقيقة الدينية بهذا المعنى، لا يمكنها أن تكون إلا معبرة عن ذات (تنظيم أو جماعة)، وما دونها لا يمكن النظر إليه سوى من زاوية على النقيض من الحقيقة الدينية، وهذا هو مصدر الإخفاق لدى هؤلاء المتدينين ورسوبهم في الاختبارات الدينية للتعايش. فالحقيقة الدينية بالنسبة إليهم واحدة ومطلقة، غير قابلة لأن تكون متعددة، ولا لأن تكون نسبية، ولا مجال للاختلاف بشأنها، لأنها هي الحقيقة الدينية الكاملة والصادقة.
في حين أن المعرفة الدينية، مثلها مثل جميع المعارف الأخرى البشرية، على اعتبار أنها مجموعة من الآراء والمواقف البشرية الصادقة حينا، والكاذبة حينا، والناقصة أحيانا أخرى. وهي تتعرض للتغير على مر العصور.
ومن ثمة لا "إسلام عقلاني"، ما لم يكن متسما بالانفتاح على الآخر، وله كل مواصفات تقدير الآخر واحترامه، من منطلق أن لكل كرامته الذاتية، وللجميع حق التقدير والاحترام تجاه الآخرين، وما لم يكن متصفا بالعدل، وله سمات الاشتغال من أجل الإنسان/المواطن مهما كان انتماؤه الديني أو العقدي أو المذهبي.
كما لا يمكن للأمر أن يستقيم فيما بيننا، في إطار احترام خاصية العيش المشترك والانتماء الديني المشترك، حين يبيح الواحد منا لنفسه الحديث عن "جوهر الإسلام"، حتى ولو كان منطلقه في ذلك الدفاع عن القيم الإنسانية النبيلة التي تعارف عليها البشر في عصرنا هذا.
خاصة وأن أيا منا لا يمكنه الاشتغال من داخل بنية المعرفة الدينية الإسلامية، أو حتى من خارجها، إلا على قاعدة فهمه للنصوص وسياقاتها ودلالاتها المتعددة والمتنوعة، وعلى قاعدة الترجيح بين المعاني والدلالات، وهو بذلك لا يُمثِّل "المراد من النص" أو "الغاية من النص" أو "الحكمة من النص"، كيفما كانت طبيعة وشكل قراءته أو تفسيره أو تأويليه أو حتى تخييله، إلا من حيث ما بدا له من داخل بنية تفكيره في إطار العلاقة بنسق معرفي وعلمي وفلسفي معين، في إطار وحدة وجودية تقوم على أساس التعدد والاختلاف والحركية والصيرورة.
خاصة وأن التفكير الاعتقادي من داخل بنية المعرفة الدينية الإسلامية، ينبني أساسا على الإيمان بالله، في حين تأسس التفكير الخيالي من داخل بنية المعرفة التخييلية على وحدات تَمَثُّلِيَة ورموز كلها من صميم الإبداع الإنساني، الذي ذهب في إطار بعض التفاسير إلى حد الاعتقاد في "البَهْمُوت" الوارد في تفسير الآية الكريمة (ن والقلم وما يسطرون).
فموضوع التخييل، لم نتناوله على قدر كبير من الوضوح من حيث تداخل مكون التفكير الاعتقادي ومكون التفكير الخيالي المفضي في بعض الحالات إلى الامتزاج بين الفهم الإنساني و"المراد" أو "الغاية" أو "الحكمة" الإلهية، لِيُشَكِّلاَ معا أحد مقومات التخلف الذي نعاني منه اليوم في العلاقة بالعديد من التصورات الدينية المتواجدة بيننا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى


.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة




.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا