الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا وابن خرداذبة في مدح كوريا سواء

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 6 / 3
كتابات ساخرة


كتب ابن خرداذبة في كتابه الشهير "المسالك والممالك" في القرن التاسع الميلادي " وفي أواخر الصين بإزاء قانصو جبال كثيرة وملوك كثيرة وهي بلاد الشيلا، فيها الذهب الكثير، ومَن دخلها من المسلمين استوطنها لطيبها". يا الله. ابن خرداذبة يكشف عن إعجاب العرب بكوريا وبحب العيش فيها!! المدهش والطريف أن بعض العرب الذين يكرهون كوريا والكوريين ويسبونها في كل محفل يفضلون العيش فيها وربما يتمنون ذلك إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا! هل من تفسير؟؟

- على كل حالٍ ودون أن أشخصن الموضوع. فقد لاحظتُ أنني كلما سلطتُ الضوء على ظاهرة إيجابية عن كوريا والكوريين تصلني بعض رسائل من أصدقاء عرب يعيشون فيها، ويقولون على سبيل الدعابة، أو من قبيل اللوم :"لماذا تمتدحهم؟ لماذا لا تكشف عيوبهم؟ هل أنتَ تتعامل مع شريحة أخرى غير تلك التي نتعامل معها؟؟ هذا شعب لديه الكثير من المشاكل والأمراض والعقد وسيسقط قريبًا!!!". يا سادة يا كرام أنا لي مبدأ في الحياة وهو أنه مع وجود قواسم مشتركة بين الجميع، تبقى حقيقة مهمة وهي أن تجاربنا وخبراتنا مختلفة لأنها شخصية جدًّا وخاصة بكل منا جدًّا جدًّا. فقد تكون مشكلاتك في كوريا أو مع الكوريين غير مشكلاتي أنا معها ومعهم. أنا أتفق معك وقد أختلف في بعض ما تقوله أنتَ عنهم. لكن الأهم في هذا السياق، هل وظيفتي أن أكشف عيوب كوريا؟ أكشفها لمن؟ لنا في العالم العربي؟ وما قيمة ذلك لنا الآن؟؟ وما صورتي أمام نفسي وأنا أبين مساوئ شعب قبيل رجوعي إلى بلدي وبعد كل هذه السنوات؟! أم أركز على الإيجابيات هنا لعلنا نتعلم منها شيئًا؟ّ!! وهل في كل مرة أرى صفة جيدة في الكوريين يجب أنْ أذكر معها صفة بغيضة؟!!
- كنتُ أظنُّ أن هذه بديهيات نتفق عليها جميعًا ولكن يبدو أنها بديهيات عندي أنا وحدي. لماذا يُغضبني جدًّا ما يفعله بعض الكوريين بعد زيارتهم لمصر؛ حيث يكتبون عن استغلال سائقي التاكسي ورائحة العرق الكريهة في المترو والتحرش في الشوارع إلخ. أنا أغضب لأني أتمنى أن يقدموا الصورة الجيدة أولاً. أن يتعاملوا معنا كشعب به ميزات وعيوب كذلك. أنْ ياخذوا فرصة لفهم ثقافتنا وطبيعة مشكلاتها. الأجنبي عادة أكثر حساسية وعينه تشبه عين الصقر التي ترى النواقص على بعد أميال. ومشاكل اللغة والتواصل تسرع من عملية "سوء الفهم" بدون شك. كنتُ في أيامي الأولى هنا في كوريا أستخدم كلمة "غريب" بشكل "غريب" بالفعل، لوصف سلوكيات وتصرفات قد لا تعجبني، أو لأنها جديدة تمامًا عليّ. لكني عدلت مفهومي إلى تعبير آخر "مختلف". ربما يتوقع الأجنبي الكمال في كوريا. يتوقع سلوكًا كوريًّا يتماهى مع التقدم التكنولوجي. لكن الكثير لا يعلمون أن أجيالا هنا عاشت ويلات الحروب ونالت تعليمًا محدودًا وما زالت ربما تفكر بعقلية القرن التاسع عشر ولها تأثير كبير في الأولاد والأحفاد. الكوريون بشر فيهم الصالح والطالح أيها الأصدقاء الأعزاء. فيهم ما قال مالك في الخمر لو أنَّ هذا سيريح البعض لكني غير معني بهذا الأمر الآن تحديدًا.
- مثال يغني عن كثيرٍ من الكلام:
كنتُ عندما أذهب لمكتب حكومي أو مكتب إداري بالجامعة في مصر. يتجاهلني الموظف. لكنه بمجرد أن يعلم أني معيد أو مدرس مساعد بها يطلب مني الجلوس ويعتذر عن تأخيري مناديًا إياي بلقب "يا دكتور"!. يعني هذا لم يكن يُفرحني. بالعكس. هو لم يتعامل معي كإنسان وإنما تعامل مع وظيفتي. هذا الموقف لم يحدث لي أبدًا في كوريا. يتم التعامل باحترام منذ البداية ويزيد الاحترام بمعرفة أني أكاديمي.
- مثال أخير:
قبيل مجيئي إلى هنا قابلتُ أحد الزملاء بجامعة القاهرة. قضى في كوريا خمس سنوات. كتبَ دراسات أكاديمية، وادخر بعض النقود ورجع إلى مصر أستاذًا مساعدًا، لكنه رجع كذلك يسب ويلعن الكوريين في كل مناسبة. هل تصدقونني إن قلت إن تخصصه الدقيق لم يكن اللغة العربية؟!!! وأنه لا يستطيع أن يكتب جملة واحدة سليمة بالعربية الفصحى؟ وأن الكثير من الأساتذة الكوريين في الجامعة التي عمل بها ودرس اللغة العربية فيها مستواهم يفوقه لغة وأسلوبًا بمراحل ومع ذلك أخذ فرصة كاملة للعمل بمنتهى الاحترام. هل يصدم البعض إن قلت إن مستوى بعض طلابه في كلية الترجمة في الكتابة بالعربية الفصحى أفضل منه!!! قلت له ذات لقاء ما: "لماذا بقيت هناك خمس سنوات ولم تعد بعد السنة الأولى طالما اكتشفت أن الكوريين بهذا السوء؟" لم يستطع الرد. الغريب والمدهش أني قابلت زملاءه الكوريين الذين عمل معهم لخمس سنوات ولم أسمع عنه كلمة واحدة. كانت هناك تلميحات بتدني مستواه اللغوي والتدريسي فحسب ولكن حتى التلميحات كانت مهذبة. على أية حال. سأترك للآخرين حرية الحديث عن الجانب السيئ في كوريا. وأقسم للجميع إن لي مواقف صعبة ومحزنة فيها تمامًا كمواقف شبيهة حدثت لي في بلدي مع زملاء وأقارب وأصدقاء. لكن هذا كله بالنسبة لي لم يعد له محل من الإعراب بعد أن أكرمني الله وأتم نعمته علي باكتمال دراستي وعملي بنجاح. لقد علمتني أسرتي وعلمني أساتذتي الأجلاء أنه لم يشكر الله مَن لم يشكر الناس. القدرة على شكر الآخرين والنظر إلى ميزاتهم وغض الطرف ولو لبعد حين عن عيوبهم ثقافة ما أحوجنا إليها. ومن منا بلا عيوب. فمن كان منكم بلا خطئية فليرمها بحجر. ولماذا علمنا ديننا أن خير الخطائين التوابون؟! حتى حديث آخر. تحياتي ومودتي للجميع.
3 يونيو 2013م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظات
حازم ( 2013 / 8 / 9 - 13:43 )
اولا ابن خرداذبة ذكر المسلمين لا العرب كما تقول! رغم اقرارك بفردية كل تجربة إلا أنك تعمم تجربتك وكأنها حقيقة عامة عن الكوريين! وما جدوى تصويرهم شعبًا بلا عيوب؟ أهذه نظرة موضوعية؟ في المقابل لم تتوان عن الطعن في زميلك لغويّا وعلميّا بل وخلقيّا أيضّا! حين اكتفى زملاؤه بتلميحات مهذبة كما ذكرت! وما مصداقية الجامعة التي يمثلها دكتور بهذا الوصف؟ الجميع يعرف مستوى أغلب هيئة التدريس في جامعاتنا، وأشجع نقد وفضح ذلك المستوى لاستعادة مكاننا عربيا ولا أقول عالميا، وبينما فعلت ذلك مع زميلك وحبرت سطورا في مدحه، تستنكف أن تفعل المثل مع الكوريين؟! بالمناسبة أغلب مظاهر التحضر التي بهرتك في كوريا منسوخة نسخا من اليابان، ولتسأل من يعرف، كفانا جلدا للذات٠-;-
اولا ابن خرداذبة ذكر المسلمين لا العرب كما تقول! رغم اقرارك بفردية كل تجربة إلا أنك تعمم تجربتك وكأنها حقيقة عامة عن الكوريين! وما جدوى تصويرهم شعبًا بلا عيوب؟ أهذه نظرة موضوعية؟ في المقابل لم تتوان عن الطعن في زميلك لغويّا وعلميّا بل وخلقيّا أيضّا! حين اكتفى زملاؤه بتلميحات مهذبة كما ذكرت! وما مصداقية الجامعة التي يمثلها دكتور بهذا الوصف؟

اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا