الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين قضية فلسفية

حسن عجمي

2013 / 6 / 9
القضية الفلسطينية


القضية الفلسطينية قضية فلسفية في جوهرها لأن الحل السلمي الوحيد لها هو حل فلسفي يتمثل في الفلسفة الإنسانوية. لقد حاول الشرق و الغرب حل القضية الفلسطينية و لم ينجح. لذا لم يبقَ لدينا سوى الحل الفلسفي.

بالنسبة إلى الإنسانوية , كل البشر يشكّلون إنساناً واحداً لا يتجزأ , و بذلك لا بد من معاملة كل البشر بمساواة من دون النظر إلى هوياتهم العرقية أو الدينية أو العقائدية. تعتبر الإنسانوية أنه توجد حضارة إنسانية واحدة فقط , و كل الشعوب تنتمي إلى تلك الحضارة الواحدة. لكن للحضارة الإنسانية الواحدة تجسدات متنوعة نسميها الثقافات المختلفة. التنوع الثقافي لا يلغي وحدة الحضارة الإنسانية تماماً كما أن تنوع أعضاء الجسد الواحد لا يلغي وحدة الجسد. و تؤكد الإنسانوية على أن كل البشر يمتلكون ماهية واحدة هي ماهية الإنسان المتجلية في الحقوق البشرية و الحريات. من هنا , بالنسبة إلى الإنسانوية , الهوية الإنسانية هي الهوية الحقيقية لكل فرد و من خلالها فقط تتحد البشرية في حضارة واحدة غير قابلة للانفصال. بكلام آخر , تصر الإنسانوية على أن الهوية العرقية و الهوية الدينية و العقائدية و كل الهويات الأخرى للفرد لا بد من أن تتقلص لتبقى الهوية الإنسانية هي الهوية المسيطرة على أساليب تعاملنا مع الآخرين و على نظرتنا إلى بعضنا البعض. تضيف الإنسانوية قائلة إنه فقط حين ننظر إلى بعضنا البعض على أننا إنسان واحد فنعامل بعضنا البعض على أننا فرد إنساني واحد سنتمكن من تحقيق إنسانيتنا. و لذا لا إنسانية لنا من دون سيطرة الهوية الإنسانية على هوياتنا الأخرى.

بما أن الإنسانوية تؤكد على أن كل البشر ليسوا سوى إنسان واحد و لا بد من التعامل فيما بيننا على هذا الأساس , إذن متى تنتشر الإنسانوية فتغدو المذهب الفكري المقبول من قبل الناس جميعاً حينها ننجح في التخلص من الصراعات العرقية و الدينية و المذهبية فيتحقق السلام. هكذا الحل السلمي للقضية الفلسطينية يتمثل في قبول الفلسفة الإنسانوية و تطبيقها في الحياة اليومية و في أنظمة الدول. في حال سادت الفلسفة الإنسانوية في الشرق الأوسط سينظر كل فرد إلى الآخر على أنه إنسان بدلا ً من النظر إليه على أنه عربي أو كردي أو مسلم أو شيعي أو سُني أو مسيحي أو يهودي. و بذلك تزول الطائفية و المذهبية و العنصرية و من ضمنها الصراعات بين المسلمين و المسيحيين و اليهود كما يزول الصراع بين الشيعة و السُنة. من هنا , حل القضية الفلسطينية هو حل لقضايا الشرق الأوسط و لقضايا المسلمين أيضاً. و الفلسفة الإنسانوية لا تعارض أية ديانة لأن كل الأديان تدعو إلى المساواة و العدل و المسامحة و معاملة الآخر كأنه الأنا. أما بالنسبة إلى الحل العسكري لقضية فلسطين فالعرب اليوم مشغولون باحتلال أنفسهم و مدنهم و قراهم. المشكلة مشكلة عقلية و ليست اقتصادية أو عسكرية. فحين نتمكن من تغيير عقولنا فنقبل الفلسفة الإنسانوية ننجح لا محالة في القضاء على معظم مشاكلنا في الشرق الأوسط . و لا حل سوى هذا الحل لأن موازين القوى تتغير دائماً ما يتضمن استحالة أي حل عسكري لقضايا الطائفية و المذهبية و العنصرية في شرقنا.

لا مفر من الحل الفلسفي لقضايانا. فمثلا ً , حل الدولتين أي أن توجد دولة فلسطينية و دولة إسرائيلية في جوارها حل فاشل لأن شرقنا اليوم لا يحتوي على دول و غير قادر الآن أن ينتج دولا ً بسبب هيمنة الطائفية و المذهبية و العنصرية التي تناقض جوهر الدولة و قيامها. من المنطلق نفسه , حل قيام دولة علمانية واحدة تجمع بين الفلسطينيين و اليهود حل من الصعب تحقيقه اليوم بسبب أن شرقنا خال ٍ من دول بمفهومها الحقيقي. فالدولة هي خادمة الفرد من خلال تأمين و احترام حقوقه الإنسانية ما يناقض النظام الديكتاتوري السائد في إسرائيل و عالمنا العربي. و بذلك يبدو أنه يستحيل تحقيق حل الدولتين أو الدولة الواحدة لأن الديكتاتوريات القائمة تمنع نشوء أية دولة. الديكتاتوريات العربية لا تشكّل دولا ً لأن وظيفتها الأساسية قمع و قتل شعوبها. و إسرائيل أيضاً لا تشكّل دولة لأنها ديكتاتورية أتباع الديانة اليهودية. فإسرائيل من خلال قمع الفلسطينيين و تجريدهم من حقوقهم و قتلهم ليست سوى نظام ديكتاتوري. على هذا الأساس , لا توجد في شرقنا سوى ديكتاتوريات و بذلك لا توجد دول في الشرق الأوسط ما يتضمن استحالة تحقيق حل الدولتين أو الدولة الواحدة.

إسرائيل ليست دولة تماماً كما أن أنظمتنا العربية ليست دولا ً بسبب ديكتاتوريتها , و بذلك من المستحيل اليوم بناء دولة فلسطينية في حقل الديكتاتوريات العربية و الديكتاتورية الإسرائيلية. كل هذا يرينا أن الحل الفلسفي هو الحل الوحيد المتاح لدينا. و من خلال هذا الحل الفلسفي سنتمكن من القضاء على الأنظمة الديكتاتورية و من ضمنها النظام الإسرائيلي. متى تتحقق الفلسفة الإنسانوية في شرقنا تزول الأنظمة الديكتاتورية و يسود المجتمع الإنساني الذي لا يميّز بين الجماعات ما يحتم سيادة السلام. فالإنسانوية تتمثل في إقامة هوية واحدة مشتركة بين كل الأفراد ألا و هي الهوية الإنسانية , و بذلك حين تحكمنا الإنسانوية تنشأ الديمقراطية و تزول الديكتاتوريات علماً بأن الهوية الإنسانية لا تتجسد سوى في احترام حقوق الفرد و حريته. الديمقراطية جزء أساسي من الفلسفة الإنسانوية لأن الديمقراطية حكم الحقوق الإنسانية. لكن الإنسان مجموعة حقوق كحق الفرد في أن يكون حراً. لذا لا إنسان خارج نطاق الديمقراطية و الفلسفة الإنسانوية.

أن ندعو إلى المذهب الإنسانوي لا يعني أن نتخلى عن قضيتنا. هذا لأن من خلال قبول الإنسانوية و تطبيقها نضمن زوال إسرائيل بالإضافة إلى أنظمتنا العربية الديكتاتورية. إسرائيل ليست سوى نظام طائفي و عنصري لأنها تتعصب للهوية اليهودية بدلا ً من التعصب للهوية الإنسانية , و لذا تمارس القمع ضد الهويات الأخرى. من هنا , إسرائيل تعارض الفلسفة الإنسانوية , و بذلك إذا تحققت الفلسفة الإنسانوية فهذا يضمن زوال إسرائيل. طبعاً , هذا الحل الفلسفي المتجسد في المذهب الإنسانوي يعتمد على قرارنا نحن. فإما أن نستمر في قتل بعضنا البعض على أساس اختلاف الهويات الإسلامية و الشيعية و السُنية و المسيحية و اليهودية , و إما أن نملك الشجاعة الكاملة فنقبل الفلسفة الإنسانوية. و إذا استمررنا في رفض الإنسانوية سنبقى نعاني من حروب لا نهاية لها. من هنا , الحل في أيدينا نحن فقط , و بذلك لا دور حقيقي و فعال لأية دولة غربية أم شرقية في مسألة حل أزمات الشرق الأوسط و قضية فلسطين و إلا لكانت تمكنت الدول خارج شرقنا من إحلال السلام في منطقتنا.

أخيراً , لكي نقبل الفلسفة الإنسانوية لا بد أولا ً من قبول العلم و ما يتضمن من منطق. فالعلم عملية تصحيح مستمرة للمعتقدات و بذلك لا يقينيات في العلم. من هنا , إذا قبلنا العلم و شاركنا في إنتاجه سوف نتخلى عن يقينياتنا المُسبَقة فلا نتعصب لمعتقداتنا فنقبل الآخر المختلف ما يؤدي إلى انتصار الإنسانوية. و لا بد أن لا نتوقع أي دعم حقيقي من غرب أو شرق بما أننا ما زلنا نرفض العلم و المشاركة في صياغته. فرفضنا للعلم هو رفضنا للحضارة بما أن الحضارة قائمة على العلم. من المنطلق نفسه , الدعم الغربي لإسرائيل سيتواصل لأن إسرائيل و ما تمثل من طائفة يهودية تشارك بقوة في تطوير العلوم. من غير الممكن أن يتخلى الغرب عن إسرائيل لأنها جزء من عملية إنتاج العلم المعاصر. على هذا الأساس , لا خلاص للعرب و أهل شرقنا سوى في قبول العلم و إنتاجه. فحينها فقط سيرانا الغرب على أننا ننتمي للإنسانية ما سيؤدي على الأرجح إلى دعم الغرب لنا بدلا ً من غزونا. نحن اليوم لا ننتج سوى التخلف , و لذا الآن يجب أن لا نتوقع في شرقنا سوى حروب و غزوات لن يتمكن التاريخ من تعدادها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة