الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يكون التعامل مع تفاصيل الحياة البسيطة ثقافة: -بابا! ما تكشرش واحلق دقنك لو عايز تبوسني!-

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 6 / 15
كتابات ساخرة


معظم الكوريين لو جلسوا ساعة دون تغيير يشعرون بالملل ويعبرون عن ذلك بصوت مسموع "شمشم هيه". هناك حالة من عشق التغيير للاستمتاع بكل شيء وأي شيء. ففي الحركة كما نقول نحن بركة. العطلات الأسبوعية في مصر هي أفضل الأوقات لتجد الشوارع خالية فيمكنك أن تجد كرسيًا في الباص أو المترو. العكس هنا تمامًا. ذروة الازدحام تكون في العطلات بشكل عام. شركة الحافلات بين مدينة كوانج جو والعاصمة سيول وتبعد حوالي 290 كم تُخصص أحيانًا أتوبيسًا كل خمس دقائق من السابعة حتى العاشرة صباحًا تقريبًا ثم تعود المواعيد لتكون كل ربع ساعة على ما أذكر. الناس تدخر هنا لتسافر إلى بلدان أخرى للسياحة. ناهيكم عن السفر الداخلي طيلة الوقت. يكفي القول إني زرتُ كل مدن كوريا تقريبًا في حين أنِّي لم أزُر عشرين بالمائة من المدن المصرية!!

أما عن فكرة "الحديث بصوت مسموع" للذات أو للآخرين فهي شائعة جدًّا هنا، في أي موضوع وبأي مكان وعن أي موضوع دون حرج. ستجد طالبة تحدث زميلتها أو صديقتها في مصعد الجامعة عن أمر خاص بأسرتها قد حدث مؤخرًّا ويعتبر في ثقافتنا مثلا سِرَّا مهمًّا من أسرار البيوت التي لا يجب أن تغادر أبوابها مهما حدث. على كل حال هم يحبون الكلام ويعشقون الضحك واللعب والمرح ومع ذلك فهم يعملون بجدٍّ كذلك. أكثر برامج التليفزيون شهرة وجماهيرية هنا هي البرامج التي يتحدث فيها مجموعة كبيرة من الناس أو المشاهير ويتنافسون في ألعاب متنوعة ويضحكون طيلة الوقت. الطريف هنا أيضًا هو علاقة اللغة بالحالة النفسية لحظة عمل شيء أو لحظة الإحساس به. يعني عندنا مثلا ليس من الشائع أن تجد شخصًا يقول مع كل "قضمة" من سندويتش يعجبه "الله. لذيذ جدًّا"، بينما الشخص الكوري يفعل ذلك وقد يظل يردد الكلمات لفترة بعد انتهاء الطعام إلى أن يختتم استمتاعه بالقول "شبعتُ جدًّا". وبالتالي فستسمع كثيرًا الكلمات التي تعبر عن الإحساسات المختلفة تجاه كل شيء وأي شيء على مدار اليوم: "أنا جائع. أنا مرهق. أنا شبعان جدًّا. هذا لذيذ جدًّا. هذا الكتاب ممتع جدًّا. أنتَ مُضحك جدًّا. آه.. سأموت من الضحك. أنا نعسان... إلخ". ولا يجب أن تندهش لو كنتَ قد فرغتَ من الطعام للتو مع صديق كوري، ثم خرجتما لتناول القهوة، وفي الطريق إلى المقهى تمران بمطعم تفوح منه رائحة شهيَّة، فإذا به يقول على الفور وبصوت مسموع "موكجو شِبُّو- أريد أنْ آكل هذا الطعام"!! يجبُ كذلك أن تكون مستعدًا بحوار ممتع لو جالستهم. فقد يطلبون منك ذلك صراحة: " حدثنا/ احكِ لنا حكاية ممتعة!" لا تندهش كذلك لو وجدتَ أحدهم يضع ملعقته في طبقك ليذوق طعامك الذي طلبته، كما سيدعوك لتتذوق طعامه هو. بعض الأطعمة هنا يتناولونها معًا في طبق واحد كبير والكل يضع ملعقته ويأكل ويشرب الحساء من الطبق ذاته دون تأفف. فهذا يعني أنهم أصدقاء مقربون أو بينهم زمالة يُعتد بها. وعليك أنْ تفهم أنَّ ما يصدرونه من أصوات عالية عند تناول الحساء الساخن جدًّا ليس ضد "الإتيكيت". هذه الكلمة يجب تجاهلها لو كنتَ ستعيش هنا على أية حال. فهذه الأصوات العالية جزء من الاستمتاع بتذوق الطعام. يعني باختصار، كتم الأنفاس لارتشاف الحساء الساخن لن يجعلك تستمع بمذاقه كما يفكرون؛ الشخص الكوري يريد أنْ يستمتع بما يفعله من أبسط الأشياء لأكثرها تعقيدًا وأهمية، بغض النظر عن رأي الآخرين. فما علاقة الآخرين بإحساسه بالجوع أو الشبع أو الملل أو الاستمتاع أو إصدار أصوات عاليه عند ارتشاف الحساء الساخن؟!!!!

وبحكم إقامة سلوى ابنتي هنا لفترة من الزمن وتعلمها في روضة الأطفال ثم في المدرسة معهم. فقد أخذت بعضًا من هذه الصفات. كلما أخذتها من المدرسة للبيت تقول لي:" شمشم هيه! أريد حكاية ممتعة من حكايات طفولتك". كنتُ بكل تلقائية أحكي عن شقاوتي ومشاغباتي مع أمي وأبي. ثم اكتشفتُ أنها تستغل هذا كلما ارتكبتْ خطأً متعللةً بأني فعلتُ مثل ذلك مع أبي مثلا!!! مما دفعني للقيام بعمل مونتاج لحكاياتي بحيث أبدو مضحكًا وفي الوقت نفسه مطيعًا لأمي وأبي -;-. نتناول الطعام. وبمجرد خروجنا. تشمُّ رائحة شهية من مطعم قريب، فتقول على الفور "موكجو شبو"!! نلعب ونضحك وأتركها نصف ساعة أو ساعة للقراءة أو الكتابة فتأتي بوجه عابس "شمشم هيه"!! قالت لي قبل عيد ميلادها:" بابا! أنت ليه دايمًا مكشر. وأنت بتقرأ أو بتكتب مش بتضحك!" قلتُ لها سأذهب إلى أكبر سوق للإليكترونيات هنا "كمهو وورلد" وسأضع وجه "سمايلي فيس" باستمرار. فضحكت كثيرًا وتركتني لساعة أخرى!! أما كلما أردت تقبيلها، وهذا يحدث طيلة الوقت، فتقول لي "بابا، لو سمحت، احلق دقنك الأول!!" وفي أول فرصة للتنزه، وكنتُ قد خططتُ لذلك احتفالاً بعيد ميلادها. ذهبنا إلى شاطئ البحر بأقرب مدينة. لعبنا وجرينا وعشتُ طفولة أدهشتها وأسعدتني كثيرًا. رجعنا إلى البيت مساءً في منتهى التعب. وكان ذلك اليوم من الأيام القليلة التي انتهت دون تلك العبارة الشهيرة قبل النوم "شمشم هيه"!!

محمود عبد الغفار غيضان
13 يونيو 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج