الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق الجديد..و-الحل الديني- في سورية

بلول عماد

2013 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن العقلاء المنصفون ينتظرون براءة اختراع تصدر عمن يجتمعون كل فترة تحت مسمى "أصدقاء الشعب السوري" ليعرفوا أن سورية تعيش نزاعاً طائفياً هدد وسيهدد البلاد والمنطقة برمتها، كما لم يعد مهماً أيضاً إن كان مصطلح "الربيع العربي" مكيدة غربية أم حراكاً شعبياً حقيقياً، فهو بهذا الوصف أو غيره إفراز تاريخي لابد منه، بل ما يهم هو تحوله لنكوص وانقلاب مفاهيمي للأسفل في كل شيء داخلياً وخارجياً.
لن نخوض في سوء إدارة النظام لمحنة سورية أو حتى بأخطائه القاتلة التي وفرت أفضل أرضية ممكنة لتضخم النزاع وانفتاحه على ألف احتمال، فقد سبق وتحدثنا فيها والأمر اليوم تجاوز النظام وكوارثه الوطنية، وصار حرباً أهلية واضحة المعالم برعاية شبه دولية، بعد إضفاء الشرعية الإعلامية والسياسية والدينية على فتاوى يوسف القرضاوي ومن يسمون علماء الأمة مع صحوة محمد مرسي وحديث وزير خارجية أمريكا جون كيري عن الشأن السوري بناء على تقسيمات طائفية، ثم السير بقرار تسليح غير تقليدي.
صحيح أن النظام السوري فشل في امتحانه الوطني، وصحيح أيضاً أنه –في بادئ الاحتجاجات- ورط المؤسسة العسكرية بمعركة ليست لها ومازال يختبئ خلفها حتى اليوم كاللص المذعور، لكن الأصح من هذا وذاك أن أمريكا وحلفاءها العرب وإعلامهم لا يقولون الحق والواقع وتصريحاتهم وأخبارهم غير صادقة، والأصح أيضاً أن سورية فقدت حقيقة انتفاضتها الشعبية بعد أشهر قليلة من انطلاقتها وبدأت تعيش ثورة إسلامية مسلحة لها أجنداتها وعناوينها التي لا تتفق مع بنية المجتمع ومكوناته إضافة لاستعانتها بأجندات مستوردة تتفق مع تركيبة الشرق الأوسط الجديد المتفجر أساساً بما يسمى بـ"الربيع العربي".
شرق أراده سادة العالم وقادته، فكان لا بد لهم من تغيير النفوس والقيم قبل المادة والتجربة، بعدها يصبح كل أمر قيد السيطرة حتى لو كانت الجنة وجهنم اللتان تمثلان قيامة العقل الشرقي وسقوطه في آن معاً وفقاً لتضادهما، وكي لا يخرج هذا الشرق المنكوب أصلاً من سجنه الوطني والمعرفي بفعل الديكتاتوريات والاستبداد، بدا ضرورياً الانتقال به لسجن جديد يقوم على مستحقات أمة محاصرة بعدو لها من صلبها، ولتأكل نار النزاعات الطائفية والخلافات المذهبية والأحقاد الدفينة كل ما تطاله أمامها، تخطيط لم ينجح بفعل تقنية وتفرد صناعه بقدر جهل وظلامية مستقبله والمعني فيه مباشرة، لنصبح أمام الموت في سبيل عقيدة وعدت بالجنة مثلما توعدت مخالفها بجهنم، مانحة لكل طرف صك قتل إلهي مشروع، لتدفع سورية ثمن جهل نظامها السياسي مع ثمن لا أخلاقية دول وأنظمة إقليمية شقيقة وجارة، مهما حرفت وسائل الإعلام على اختلاف أجنداتها، أو حاول السياسيون والديبلوماسيون خلال خطابهم للرأي العام، المراوغة واللعب بالألفاظ، فكلهم شركاء في القتل.
ينقسم شرقنا البائس اليوم لمعسكرين، داخل كل منهما معسكرات بالجملة، العنوان العريض سنة- شيعة، ولكل منهما ملحقات وتفرعات أكبر من الإحاطة، تختبئ وراءها معارك ونزاعات 1400 عام، فيرفع علي سيفه في وجه معاوية والعكس، وتعود مشهدية كربلاء وصوت الحسين حياً بين المقاتلين، كل معسكر يرى في خصمه الثاني "العدو" ويموت لتحيا الأمة، ولكل منهما نظريته في الأمة بجزئها وكلها.
في بلد جريح كسورية، تلحظ هذا الأمر في الخطاب المحلي والخطاب الخارجي المضاد، خطاب منح النظام الحاكم عمراً وديمومة خلاف كل قواعد المنطق التي تفترض رحيله وفي أقل تقدير إحداث تغيير جذري في بنيته، لكنه صمد بفضل فئات معارضة تعتبر الوجه الآخر له اعتمدت على منابر خاصة كالفضائيات الدينية، واستغلت قدر استطاعتها الهامش الذي وفرته لها فضائيات عربية وأجنبية معدة سلفاً للمهمة، فسرقت حراك الشعب الحقيقي ومستحقاته، ووضعته في مواجهة مفتوحة مع الجيش، مواجهة ارتاح النظام بالمقابل لحدوثها، فاستمر على دماء العسكريين كما دماء المدنيين، وقطف أعداء سورية ثمارهم الكامنة في المشهد الحالي والمستمر.
قد لا يروق لي كما لكثيرين أن حل "أزمتنا الكونية" طال الزمن أم قصر، سيكون عن طريق رجال الدين لا رجال السياسة، لكنني أتوقع أن مشكلة سورية لن تنتهي إلا على أيديهم، بعد كل ما تم من شحن طائفي ومذهبي داخل المجتمع، وبعدما صار النزاع مستنقع آخذ في التمدد أفقياً وعمودياً، من حرب على السلطة إلى خلاف على الدين والمذهب وتبعاتهما "الجنة والنار" مع مخلفات الحرب على السلطة مجتمعين، وكما تم إقحام الدين تشويهاً أو تصويباً في المأساة السورية سيتم الاعتماد على وجه جديد له لكن -كيفما اتفق-، هذا في حال قرر سادة العالم إنهاء مأساتنا اليومية، لكن الواضح أنهم لم يقرروا بعد، وأظنهم لن يقرروا قريباً.
يقول الأديب والشاعر اللبناني الراحل إلياس فرحات:
ما دمت محترماً حقي فأنت أخي ..... آمنت بالله أم آمنت بالحجرِ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة