الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل والزمن: بهما يحصل التقدم، وبسببهما يتم السقوط في مستنقع التخلف.

سامر أبوالقاسم

2013 / 6 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


مع توالي الأحداث والوقائع السياسية بالمغرب اليوم، وبالنظر إلى تسارعها وعدم انتظامها، سواء من حيث مجالات الاشتغال، أو من حيث كثرة الانزياحات الحاصلة على مستوى الفعل والقراءة والتحليل، أصبحت الضرورة تقتضي العمل على مواكبة واقع المشهد السياسي المغربي من الزاوية الاستراتيجية، اعتمادا على نقط ارتكاز أساسية فيما يخص حجم التأثير المحتمل للتفاعلات السياسية الجارية على المستويات المدنية والسياسية والاجتماعية، وعلاقتها باستشراف الآفاق المستقبلية للبلاد بصفة عامة.
المتتبعون اليوم، ينطلقون من ملاحظة عينية قائمة في الواقع الحالي، المتمثلة في هذه الرجة السياسية، التي ما عاد يتم حصرها في فاعل واحد (الدولة) فقط، بقدر ما تعدد فاعلوها، إلى درجة أصبح معها المواطنون والمواطنات متتبعين للحياة السياسية ولو في بعض تفاصيلها الجزئية، خاصة في الشق المتعلق بالتفاعلات الحادة الجارية اليوم بين الأحزاب من جهة، وبين مؤسسات الدولة من جهة أخرى.
قد يكون لهذا التحول السياسي ـ المستند في جزء كبير منه إلى تجربة التناوب التوافقي في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وإلى منهجية العمل التي اعتُمِدَت في الوصول إلى توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، وإلى طريقة العمل الاستشرافية التي باشرها فريق العمل إبان بلورة تقرير الخمسينية ـ مفعول إيجابي، من حيث الرواج الذي بدأ يعرفه السوق السياسي، على مستوى ترويج المواقف دون الأفكار والرؤى، أو من حيث سريان مفعول الدينامية السياسية التي قد تفضي إلى فرز تقاطبات واضحة بين القوى السياسية في القادم من الأيام، وهو ما قد يدفع البعض إلى التفاؤل، خاصة مع استحضار المقارنة بالوضع الذي آل إليه المشهد السياسي سنة 2007.
حراك على المستوى السياسي طيلة السنتين 2008 و 2009، وحراك اجتماعي سنة 2011، كان مؤداهما التأشير على الدخول في مرحلة إعادة التقعيد الدستوري لانتظام العلاقات بين المؤسسات والجماعات والأفراد من ناحية، والتغيرات الملموسة في الخريطة السياسية، سواء من حيث طبيعة وشكل الفاعلين السياسيين، أو من حيث ترتيبهم من خلال الاستحقاقات التشريعية الأخيرة من ناحية أخرى.
غير أن الأمر، قد يحتاج إلى الكثير من الحكمة والتبصر، وإلى المزيد من التدقيق والتمحيص، خاصة إذا ما تم استحضار عوامل الانزياح الكثيرة المصاحبة للفعل السياسي في هذه المرحلة، والتي تطرح أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كنا فعلا نخطو خطواتنا اليوم على الطريق السليم.
وأكبر سؤال يمكن أن يروادنا اليوم كمغاربة، في علاقة بقضية فصل السلط، هو: ما هي التغيرات الأساسية ـ أو على الأقل ملامح هذه التغيرات ـ التي حدثت في بلادنا منذ أن صَوَّتْنَا على دستور 2011، الذي حظي فيه رئيس الحكومة باختصاصات وصلاحيات أوسع لم تكن متوفرة لسابقيه من الوزراء الأولين، والذي حظيت فيه المعارضة بمكانة خاصة فيما يتعلق بالتشريع ومراقبتها للعمل الحكومي؟
وطرح هذا السؤال، لا يتوخى إحراج هذه الجهة أو تلك، كما لا يهدف إلى مأزقة هذا الطرف أو ذاك، بقدر ما يتغيى محاولة تحديد القضايا ذات الصلة بموضوع التغيير ببلادنا، والتي هي في نهاية المطاف قضايا تهم شعبا بكامله، ولا يمكن قصر ارتباطها على اهتمامات النخبة السياسية ـ حكومة ومعارضة ـ التي هي في نهاية المطاف لا تشكل سوى جزأ من هذا الشعب.
وفي اعتقادنا، لا معنى للمواطنة إن لم تكن مقرونة بدرجات عالية من تمكن هذه النخبة من الفاعلية الإيجابية والمسؤولية تجاه قضايا الوطن، وأيضا لا معنى لها إن لم تكن مقرونة بأقوال وأفعال وممارسات هذه النخبة من أجل تمكين باقي المواطنات والمواطنين ليصبحوا فاعلين ومسؤولين.
كما لا يمكن الوصول إلى هذه الدرجة من الجدية في التعاطي مع قضايا الوطن، إذا لم تكن النخبة السياسية ـ حكومة ومعارضة ـ على خط إرساء قواعد الاهتمام بالعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق، وعلى خط إعطاء مدلول عملي وواقعي لمفهوم المواطنة، خاصة وأن المواطنة لا يمكنها أن تكون فعالة بدغدغة العواطف والمشاعر عند عموم الناس.
بل هي لا تكون كذلك إلا إذا عملت على احترام العنصر المدني الذي يُعنى بحقوق هي من صميم التعبير عن حرية الفرد أولا، والعنصر السياسي الذي يُعنى بالحق في المشاركة في ممارسة السلطة والتصويت في المؤسسات المنتخبة والمشاركة فيها ثانيا، والعنصر الاجتماعي الذي يُعنى بالحق في مستوى العيش اللائق والمساواة في الحصول على التربية والعناية الصحية والمسكن والحد الأدنى للدخل ثالثا.
وهذه العناصر الثلاثة هي التي تطال كل مظهر من مظاهر حياتنا كمواطنين ومواطنات، بل هي ما يجعلنا مقبلين جميعا بشكل نهم أو شره على تناول قسطنا اليومي من متابعة التفاعلات الجارية على المسرح السياسي لبلادنا، لأن واقعنا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن انتهاكات حقوق الإنسان في سياق هذه العناصر الثلاثة تكمن في أساس كل المشاكل التي نواجهها كمغاربة، من قبيل: العنف والفقر وعدم المساواة الاقتصادية وانعدام سلطة القانون...
إن المواجهات السياسية الحادة والعنيفة الجارية بين الفرقاء السياسيين اليوم، والعنف الممارس في الخطاب السياسي خاصة من موقع العمل الحكومي الحالي، والميل نحو المزايدات السياسية وإهمال القضايا المصيرية للشعب المغربي، ومنسوب قيمتي الحقد والكراهية الذي يتم تصريفه في الفعل السياسي داخل مؤسسات الدولة أو خارجها، كل ذلك يعطي صورة أشبه بدخولنا كمغاربة إلى نفق حروب ونزاعات يمكن أن تسيطر على المشهد برمته، سواء على المستوى الوطني، أو على المستويين الجهوي والمحلي، خاصة والكل ينتظر الاستحقاقات الجماعية التي لا تفصلنا عنها مدة زمنية طويلة.
فهل يمكننا الحديث اليوم عن مؤشرات تسير في اتجاه ترجيح كفة المصلحة الوطنية العامة، عبر البحث عن سبل معالجة القضايا المصيرية للشعب المغربي؟ وقبلها هل بالإمكان التكهن بالقيام بانعطاف كبير في محاولة من الجميع قصد بناء ثقافة ترتكز على احترام الإنسان وحقوقه وحرياته؟
فلا التموقع في الحكومة، ولا التموقع في المؤسسة التشريعية، ولا التموقع في المؤسسات المنتخبة جهويا وإقليميا ومحليا، أهم من الإنسان في حد ذاته. وعلى جميع الفاعلين أن يدركوا، قبل فوات الأوان، أن الإنسان والتنشئة والتكوين والإعلام هي قضايا تحتل الأهمية الكبرى في تعزيز أواصر علاقات مستقرة ومتناغمة بين الجماعات والأفراد داخل مجتمعنا، بعد أن نكون قد اتفقنا على القوانين التنظيمية وصيغ تعديل وملاءمة القوانين العادية.
إن تحقيق الغايات الكبرى الواردة في استراتيجية الرقي بمجتمعنا إلى مصاف البلدان المتقدمة، والمرتبطة أساسا بالتنمية والدمقرطة والتحديث، هي الكفيلة وحدها برعاية مصالح المغاربة كافة، عبر حماية الرصيد التاريخي والحضاري لهذا البلد في مجال التفاهم المشترك والتسامح والسلام. وتوصيتنا للجميع لن تخرج عن نطاق الحرص على السعي نحو تنمية الشخصية الفردية والوطنية بالكامل، وتعزيز احترام حقوق المغاربة وحرياتهم العامة.
وما تحقيق الغايات الكبرى بالنية أو التمني، بل يتطلب منا اليوم ـ ملكا وحكومة وبرلمانا وقضاء وشعبا ـ استحضار الأهمية البالغة لقيمتين أساسيتين في حياتنا العملية: العمل والزمن، بهما تتقدم الدول والشعوب والحضارات، وبسببهما قد تتعثر وتخطئ موعدها مع التاريخ فتتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة