الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحسابات السياسية وراء الصراعات الفقهية المذهبية..

عزيز الحاج

2013 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أصوات كثيرة وكثيرة هذه الأيام تحذر، خصوصا مع استمرار الأزمة السورية، من انفجارات طائفية دموية طاحنة على نطاق المنطقة.

كل الظواهر، ووقائع دموية متتالية، تعطي مسوغا للقلق والتحذير السائدين. آخر ذلك مجزرة الجيزة بمقتل الشيخ شحاتة ومن معه، والتمثيل البشع بجثثهم بتهمة أنهم شيعة سبوا عمر بن الخطاب والسيدة عائشة. ورد رجل دين إيراني هو الشيرازي، مهددا بالرد بالمثل أضعافا. وفي سوريا، تدمير مرقد حجر بن عدي وإشاعات حزب الله عن خطة للسلفيين للعدوان على مرقد السيدة زينب قرب دمشق، ويرد العامري، وزير المواصلات العراقي، وهو أيضا قائد مليشيا بدر الإيرانية، بالتهديد بإرسال عشرات الآلاف لسورية للقتال دفاعا عن المرقد. وحزب الله يضع اسم الحسين بدلا من اسم عمر بن الخطاب على مسجد سوري. وعلماء الإخوان وشركاؤهم، وبزعامة القرضاوي، يطالبون في القاهرة العرب [ قاصدين العرب السنة] التطوع في سورية لقتال الأسد وحزب الله، ويرد المالكي من بغداد بإدانة مرسي وهؤلاء الدعاة، منددا بالطائفية، التي هو أحد كبار دعاتها ورموزها وممارسيها. كما نعرف أن مئات من أعضاء المليشيات الشيعية الإيرانية الولاء في العراق قد ذهبت للقتال في سورية، وتذهب باستمرار، بعلم الحكومة نفسها التي تدعي العكس، كما هي عادتها! وجثث القتلى منهم تعود من إيران أو الحدود السورية وتشيع بحضور مسؤولين عراقيين. ورجل الدين اليعقوبي، مرشد حزب الفضيلة، يقول في خطبة له إن المسلم الصحيح هو المسلم الشيعي. وما بين هؤلاء جميعا، تلعب إيران لعبا مزدوجة خبيثة، فتتدخل عسكريا، وبكل الطرق والإمكانات الأخرى، مع الأسد ضد شعبه، وتحذر من القاعدة وهي التي استخدمت القاعديين مرارا في العراق، ومنهم الزرقاوي، للتخريب وعمليات التفخيخ والتفجير التي لم ترحم، لا سنيا ولا شيعيا ولا مسلما أو غير مسلم. ويثبت اليوم أنها هي نفسها كانت من وراء تفجيرات سامراء التي أشعلت الحرب الطائفية ثلاث سنوات كاملة، وهي حرب باقية ذيولها ومؤهلة للاشتعال بقوة.

منذ سنوات، بدأ الحديث عما يدعى ب"الهلال الشيعي"، وهو عنوان ملتبس ويوحي بنفس طائفي، قاصدين في الواقع التمدد الإيراني المستمر في المنطقة، سياسيا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا ومذهبيا وتجاريا. وإزاء هذا التمدد الخطر والمستمر، وخصوصا التدخل بكل الثقل الإيراني في سورية من خلال فيلق القدس وحزب الله وحكومة المالكي، ترتفع الأصوات من الجانب الآخر بوجوب التصدي والمقاومة قبل فوات الأوان. ومن المؤسف أن هذه الهواجس والحسابات السياسية، وهي مبررة، تغلف بغلاف ديني مذهبي وكأن الصراع في المنطقة هو صراع سنة- شيعة، لا صراع قوى وأطراف إقليمية على مراكز النفوذ، ما بين مهاجم و"مدافع". ولعل من أصدق ما قاله المرحوم السيد محمد حسين فضل الله قوله ذات مرة " لا نصور أن القضية سنية – شيعية، بل هي في كثير من أوجهها سياسية." وكان علي الوردي في مؤلفاته قد أشار مرارا إلى أن الصراع الطائفي في العراق هو في الحقيقة صراع على الوظائف والامتيازات. ولو رجعنا للوراء طويلا، إلى أيام الانقسام المذهبي، لوجدنا أن الجذور والأسباب سياسية تماما، وأعني من هو الأحق بالخلافة.

لقد كانت الدولتان العثمانية والصفوية تتقاتلان على أرض العراق، وتستخدمان هذا الخلاف الفقهي التاريخي السني – الشيعي سلاحا لتغطية الطموحات الإمبراطورية في العراق والمنطقة. وبما أن إثارة الحساسيات والمشاعر المذهبية القديمة أداة مطواعة لتضليل العامة للانجرار وراء هذا الطرف أو ذاك، فإن الطرفين، من خلال الفقهاء، ظلوا ينفخون في تلك الحساسيات الكامنة والمستعدة للتفريق والتمزيق، والتي تركت بصماتها على جوانب من سياسات العراق الحديث. واليوم، تزاول أطراف سياسية ودينية، شيعية وسنية، هذه المهنة الخطرة، وإن ذهب الآلاف ضحايا لها. ولا فرق بين حزب الدعوة ومليشيات كتائب أهل الحق وبدر وحزب الله العراقي، والقبانجي واليعقوبي وجلال الصغير وأمثالهم، وبين هيئة علماء الدين العراقية. كما لا أرى فارقا بين حزب الله، وبين عصابات الصحوة السورية وغيرها من القاعديين والإخوان والسلفيين. كلهم أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والحرية الدينية، وجميعهم مدفوعون بدوافع سياسية، سواء لحسابهم الخاص أو لحساب أطراف أخرى، كقطر أو إيران مثلا.

إن أنظمة وأطرافا وقوى وشخصيات كثيرة، دينية، وسياسة وإعلامية وغيرها، ترفع الأصوات عاليا تنديدا بالطائفية والتحذير منها، فيما هي في مقدمة من يغذونها وينفخون في روحها، كل بطريقته وفي مجاله وحسب مسؤولياته.

إن الحرب في سورية هي في الأساس حرب سياسية بين شعب يطلب الحرية والديمقراطية وبين نظام غاشم دموي، ولكن أطرافا خارجية اندست في الصراع لإعطاء الصراع طابعا مذهبيا كما لو أن الصحوة والتنظيمات السنية المتطرفة الأخرى تمثل السنة الذين يهددهم وينحرهم نظام علوي، بينما حزب الله وإيران والمالكي يمثلون الشيعة، وهم يدافعون عن مرقد زينب -[ دفنت في الحقيقة في البقيع بالمدينة المنورة]- وعن الأقلية الشيعية السورية المهددة.

إنها حقا لعبة قذرة وخطرة للغاية، والمطلوب من المفكرين والمثقفين ورجال الإعلام الديمقراطيين العلمانيين، ورجال الدين المتفتحين، ومن كل حريص على امن ومستقبل الشعوب وعلى سيادة منطق العقل والحكمة ومبدأ المواطنة، أن يكافحوا هذه اللعبة الخبيثة، ويكشفوا ما تحت الستار والأدوار، مع العلم بأن مهمتهم صعبة للغاية وحرجة، في وضع يهيمن فيه على نطاق المنطقة والعالم الإسلامي تجار الدين والمذهب، وعشاق السلطة والمراكز والمال، واللاعبون على حبال المناورة والتقية والخداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - راااااااائع
سوداني ( 2013 / 6 / 28 - 22:42 )
بحق مقال رائع وقد وضعت يدك على الجرح .لم يكن الدين فى يوم من الايام محل اهتمام السياسيين المسلمين هو دائما وسيله

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س