الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإتفاقية الستراتيجية و الثلاثون من حزيران 1920

صادق البلادي

2013 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



بعد أن قام بوش باحتلال العراق خارقا بذلك القانون الدولي استصدر من مجلس الأمن قرارا باعتبار العراق بلدا محتلا. وللتملص من التبعات المفروضة عليه كقائد للإحتلال أصدر قرار من مجلس الأمن يعيد السيادة للعراق إعتبارا من 30 حزيران 2004 فتشكلت "حكومة ذات سيادة " ، ترأسها أياد علاوي وشارك فيها ممثلو الكتل السياسية الممثلة في مجلس الحكم، بما فيهم الحزب الشيوعي العراقي.
وعندما جرت المفاوضات لعقد الإتفاقية الستراتيجية مع أمريكا بذلت بعض الجهود ليكتمل عقدها ، وربما التوقيع عليها يوم 30 حزيران عام 2008، الأمر الذي لم يتحقق. وتطبيقا لهذه الإتفاقية حدد يوم 30 حزيران 2009 يوما لــ "مغادرة" القوات المتعددة الجنسية الى مواقع خارج المدن، لتتحمل قوى الأمن العراقية مسؤولية الحفاظ على الأمن فأعلنت الحكومة وآخرون أيضا هذا اليوم يوما " للسيادة الوطنية" فجاء في بيان لاتحاد الادباء والكتاب العراقيين:
"سيدخل الثلاثون من حزيران 2009 تاريخ العراق الجديد بوصفه يوماً للسيادة الوطنية،"
هل هذا المسعى لإضفاء صفة جديدة على اليوم الثلاثين من حزيران هي مجرد صدفة فقط أم نتيجة إدراك لأهمية هذا اليوم في نفوس العراقيين، وما يمكن أن يثيره هذا الرمز من تأجيج عزائم العراقيين للتحرر مما قيدهم بهم الإحتلال الأمريكي ؟ وبمحاولة الإستفادة من تجربة الإستعمار البريطاني عندما جعل يوم الذكرى العاشرة لثورة العشرين يوم التوقيع على ما سمي بـــ " معاهدة التحالف بين العراق و بريطانيا العظمى"، ,والتي وضعها المستعمر البريطاني شرطا لإنهاء الإنتداب بعد عامين، والذي كان لا بد أن ينتهي بأي حال من الأحوال، فكبلت المعاهدة العراق بالقواعد العسكرية من بين قيود أخرى كبلته بها،وأبقت على الحصانات والإمتيازات في شؤون القضاء و الإعفاء من الضرائب ، ومنح السفير البريطاني إمتياز التقدم على ممثلي باقي الأمم. وصار إلغاء تلك المعاهدة، معاهدة 1930 هدف القوى الوطنية تناضل للتحرر منها، وجعلت هذا المطلب ، محور النضال من أجل تحقيق الإستقلال و السيادة الوطنية، وعلامة تمييز بين الوطنيين وأعوان الإستعمار.


في يوم الثلاثين من حزيران يسترجع الوطنيون العراقيون ذكرى ثورة العشرين وذكرى توقيع معاهدة 1930 مع ألمستعمرين البريطانيين ،وأظن أن سيتهمني البعض من "الموضوعيين العقلاء " بالعاطفية أو بعدم التخلص من روحية الشعارات السياسية، الزاعقة والطفولية والمتطرفة ، لأني أصف البريطانيين بالمستعمرين.
لا حاجة للتذكير كيف جاء المستعمرون البريطانيون الى العراق في الحرب العالمية الأولى ، ولا باعلان الجنرال مود في بيانه أنهم جاءوا الى العراق محررين لا فاتحين.و معروف أن العراقيين قاموا في بداية الحرب ، وبفتوى من المرجعية الشيعية بالجهاد ضد الانكليز، والدفاع عن الدولة العثمانية ، دون اعارة أي اهتمام لكون الخليفة سنيا ، ولا حساب امكانية حصول الشيعة على مكاسب تخلصهم من مظلوميتهم على يد السلاطين السنة. غير أن قادتهم بعد الاحتلال كانوا واقعيين فتعاونوا مع المحتلين من أجل بناء الدولة العراقية الحديثة . وفي البداية لم يكن هذا فقط موقف الذين أضحوا فيما بعد أعوانا للسياسة البريطانية من رهط نوري السعيد ، الذين انتهجوا سياسة : " خــذ و طالب " ، بل وكذلك موقف عدد من رجال الثورة العراقية ، ثورة العشرين أيضأ ، من بينهم السيد جعفر أبي التمن مثلا.
وفي السنوات القليلة التي مضت على إحتلال العراق ،وإنكشاف نوايا المستعمر الحقيقية ،كانت عوامل الثورة قد نضجت ، وبدأ الإستعداد من أجل تحقيق الإستقلال عن عبر مؤتمر
وطني عراقي منتخب يقررمستقبل العراق، ويضمن حرية الصحافة، وحق عقد الإجتماعات و تأليف الجمعيات. في بداية التحضيرات طلب آية الله الشيرازي الكبير ، ربما منطلقا من تقديراته في عدم قدرة العشائر على الوقوف أمام قوات الإحتلال ، المدججة بأسلحة حديثة، دعا الى ضرورة المحافظة على الأمن والنظام، معتبرا ذلك حتى أهم من الثورة.ولعله كان
ينطلق من إدراكه لما قد تحدثه الثورة من هلاك للأنفس، وخراب في البلاد، وهو الفقيه الذي يعلم " أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"، فلم يعط موافقته على خطط الثوار إلا بعد أن أكدوا أنهم سيحاولون المحافظة على القانون والنظام. ولكن مع إصرار المحتلين على سياستهم وتعنتهم أخذ الإمام الشيرازي يميل للقبول باستعمال العنف، فأصدر فتوى تفيد أن المطالبة بالحقوق واجب على الشعب، وعليه المحافظة على الأمن و النظام، ويكون استعمل القوة مشروعا إن رفض الإنكليز ذلك.
حاول الإنكليز عرقلة الثورة وإفشالها فسعوا الى إثارة النعرات الطائفية، وإلهاء الشعب بالصدام بين الطوائف الدينية، لكن علماء الدين المتنورين، و الشخصيات الوطنية والعشائرية من مختلف الطوائف أفشلوا هذه المحاولات فكانوا يقيمون مختلف مظاهرالتآخي
بين الطوائف و المذاهب الدينية، تلك الفعاليات التي تعبر عن نضج ووطنية القيادات السياسية ، وعدم انجرارها لردود الفعل، أو التفكير بتحقيق مصالح ضيقة لهذه الشخصية او تلك، من هذه الطائفة او تلك الطائفة، بل جعلوا مصلحة الوطن ككل فوق أية مصلحة شخصية أو طائفية او عشائرية او مناطقية.
أعتقد أن المهمة الرئيسية الآن هي السعي لإلغاء الاتفاقية الستراتيجية طويلة الأمد مع الأمبريالية الأمريكية ،وتقليص حجم التمثيل الدبلوماسي وجعل السفارة الأمريكية كباقي سفارات الدول الكبرى. وإن تحقيق هذه المهمة هي مساهمتنا في النضال العالمي ضد العولمة الرأسمالية المتوحشة. ويبدو أن الظروف التي وصلها وضع بلادنا بعد السنوات العشرة ، ونهوض الشباب في العديد من بلدان العالم العربي في فرض ما سُمِّي بالربيع العربي، والتحرك الجماهيري في 25 شباط يتيح امكانية جيدة لتحقيق هذا الهدف. قد يكون وقوف القوى الكردستانية الماسكة بالحكم الى جانب الاتفاقية والحليف الأمريكي بقوة عاملا يحد من وقوف البعض بوضوح ضدالإتفاقية ، الا أن مصلحة الشعب العراقي ، ومستقبل المنطقة تتطلب طرح مهمة إلغاء اتفاقية التحالف الستراتيجي..
ثمة وقائع كثيرة تجبر من يسد أذنيه ويغمض عينيه أن يتلمس ما فعلته أمريكا بالعراق من خراب ودمارفكيف يريدوننا أن نثق بأمريكا. وبِنِيتها في مساعدة العراق في اعماره ، وحمايته من احتلال ايراني.. من هذه الوقائع اضافة الى موقف مناهضة الامبريالية -- التعبير الحقيقي عن الوطنية - لا بد من رفع شعار المطالبة بإلغاء الاتفاقية ، والتي لا يمكن إعتبارها في عداد الاتفاقيات المتكافئة، وليست في صالح العراق قدر ما هي في مصلحة الإمبريالية وتعزيز هيمنتها على الشرق الأوسط والخليج. ولا بد أن نتذكر أن جميع أعضاء مجلس الحكم ونوابهم كانوا قد رفضوا عقد اتفاقية مماثلة مع أمريكا عهد بريمر وقد قال أحد أعضاء مجلس الحكم, انهم توصلوا الى اجماع على أن القضية خطيرة لدرجة لا يمكن التعامل معها من دون تفويض شعبي وشكل ذلك الموقف، في حينه ، هزيمة للاتفاق المبرم في تشرين الثاني عام 2003, في شأن نقل السيادة للعراق ، وكان الاتفاق يقضي التوصل الى معاهدة في شأن بقاء القوات الاميركية بحلول نهاية آذار 2004.
و بينما اعتبر عضو مجلس الحكم موفق الربيعي في تلك الفترة ان تقديرات الوضع السياسي في العراق تلمح إلى ان الأميركيين سيكونون موضع ترحيب لوقت طويل لدى معظم العراقيين. وقال: " لن يطلب أي شيعي أو كردي من الاميركيين ان يرحلوا, بل سيكون في ودهم ان يبقوا لمدة طويلة". ناسيا أن الشعب لم يستقبل المحتلين بالزهور ، ولربما من أجل هذا عين مستشارا للأمن القومي. ولم يبق رأيه اليوم كما كان بالأمس.

نعم نجح بوش في عقد الإتفاقية التي تتيح للأمريكان ضمان الهيمنة على العراق ومنطقة الخليج ، وسيطبق منها ما يخدم مصلحة الإمبرياليين الأمريكان فحسب، فلنتذكر أنهم من أجل إيجاد تبرير لموافقة " ممثلي الشعب " عليها بينوا أن التوقيع عليها هو شرط للخروج من قيود الفصل السابع، وحبَّرُوا في ديباجة الإتفاقية "أن العراق ينبغي أن يعود بحلول 31 كانون الأول 2008 إلى مكانته القانونية والدولية التي كان يتمتع بها قبل صدور قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم (661)"، ولكن ها قد مرت أكثر من أربع سنوات قبل أن يصدر قرار إخراج العراق من الفصل السابع جزئيا، وليس إخراجا كاملا، وتشاء الصدفة الحسنة أن يكون يوم الثلاثين من حزيران هذا العام، يوم أحد، هو عطلة لمجلس الأمن.

معروف كيف وجد الاحتلال البريطاني أعوانا له بحجة الواقعية حاولوا تبرير تعاونهم بانتهاج ما أطلقوا عليه سياسة " خذ وطالب " فوقَّعوا ما أراده المستعمر البريطاني على اتفاقية سُمِّيت بــ " معاهدة التحالف بين العراق و بريطانيا العظمى " في يوم 30 حزيران 1930 ، يوم الذكرى العاشرة لثورة العشرين الوطنية ، إذلالا واهانة لدماء الشهداء وتضحيات الشعب العراقي، وبرروها بإخراج العراق من الإنتداب بعد سنتين ، وأوفى المستعمرون البريطانيون بذاك الإلتزام فقبل العراق عضوا في عصبة الأمم في تشرين الأول عام 1932 ونال أستقلاله الشكلي، وعادت الهوسات "والاهزوجة {الهوسة} من اكثر المغريات والحوافز التي تجتذب الجماهير الشعبيه الى المشاركه في الاعمال الثورية كالمظاهرات والمسيرات وغيرها." كما يقول الرفيق كاظم فرهود، ومن تلك الهوسات :
" لون شعلان يدري انباگت الثورة ....جا فج التراب وطلع من گبره".
فالمعاهدة رغم تحقيقها الإستقلال الشكلي لم تكن " إلا لونا من ألوان الإستعمار البغيض الذي قد يتسترأحيانا بالإنتداب أو الحماية، أو الوصاية، أو بمعاهدة " كما وصفها الشهيد صارم، في كراس " الإستقلال و السيادة الوطنية " ، الذي صدر من مطبوعات الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني، ونشر في " كتابات الرفيق حسين محمد الشبيبي " ، الذي أصدره الحزب في السبعينات من القرن الماضل ، وليت الحزب يعيد نشره في هذا العام الثمانين لـتأسيس الحزب ، وقد ركز الحزب الشيوعي العراقي نضاله التحرري الوطني ضد معاهدة 30 حزيران 1930 فأفشل معاهدة بورتسموث التي أريد بها تمديد تلك المعاهدة، وذلك في وثبة عام 1948 التي أجهضت المعاهدة رغم التوقيع عليها . وبعد عشر سنوات انتصرت ثورة 14 تموز، والتي سنحتفل بذكرى نجاحها الخامسة والخمسين وألغت حلف بغداد وأخرجت العراق من منطقة السترليني.
إن مصير بقاء الإتفاقية الستراتيجية رهن بقدرة القوى الديمقراطية و الوطنية بتعبئة الشعب حول شعار إلغاء الإتفاقية الستراتيجية ، الشرط لاستعادة السيادة الوطنية الكاملة ، الهدف الذي وضعه التيار الديمقراطي في مقدمة أهدافه ، ودعا بيان اللقاء الرابع لليسار العربي اليه ، ويدعو التيار اليسار الوطني العراقي ولجنة العمل اليساري العراقي المشترك الى إسقاط الإتفاقية.
و ليس تحقيقه بالمستحيل فالإمبريالية ليست كلية القدرة، والشعب الأمريكي يتململ اليوم كما تململ بعد أن طالت الحرب الفييتنامية، والروح الوطنية العراقية تتأجج في الصدور، قد تخفت لبعض حين لكنها لن تخمد ، ووميضها باقٍ تحت الرماد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل