الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنف المؤسسة التربوية ضد التلميذ

محمد بقوح

2013 / 7 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


نعتبر الكتابة أداة فعالة لتطوير الوعي التربوي و المعرفي للمهتم و المتتبع للشأن الحياتي عامة. لكن، أساسا إذا كان للكتابة فعلها النقدي، تكتمل وظيفتها الفعالة المنوطة بها منذ القدم.
غير أن الكتابة عن الذات، أو ما يصطلح عليه بالنقد الذاتي لمنظومتنا التعليمية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، يكون لها طعم متميز، خاصة حين يتعلق الأمر بالنقد الموضوعي البناء، الذي يستهدف كشف الاختلال و الخطأ..، و وضع الأصبع على مواضع الضعف و السقوط، من أجل تصحيح الوضع المختل و العاجز و التائه لتعليمنا المغربي الحالي، و تجاوزه إلى وضع قوي أكثر فعالية و إنتاجية، في أفق رفع تحدي تطوير و الاعتناء بالنظام التعلميمي المغربي، و بالتالي تحقيق التنمية البشرية و الحضارية المغربية المنشودة ..؟

لقد شاءت الصدفة أن أكون حاضرا، و أشاهد وضعا ضعيفا و فوضويا لتعليمنا المغربي- و لو بصفتها المحلية- يحمل أكثر من سؤال و دلالة. لنتصور واقع مؤسسة تعليمية كمؤسسة المعرفة بأيت ملول، توزع نتائج المراقبة المستمرة على تلامذتها( ثانية باك – الاثنين فاتح يوليو 2013 )، و أبواب المؤسسة مغلقة في وجه هؤلاء التلاميذ و التلميذات. الموزع هنا هو حارس المؤسسة، يعني البوّاب، و ليس الحارس العام المسؤول الذاتي و الفعلي المباشر على المهمة المعنية. بوّاب مؤسسة "المعرفة" بلا معرفة، يوزع نتائج التلاميذ السنوية، بطريقة أكثر مأساوية و سخرية أو استهزائية في نفس الوقت.. انطلاقا من قاعدة "دكان" الحارس- الغرفة المزروعة قسرا في خضم سور المؤسسة الخارجي. هو الدكان المدرسي المتواجد و المفتوح على الشارع العام.
أثارني في البداية فضول الاستطلاع، لمعرفة سبب التجمع التلاميذي الفوضوي الغريب، بمعية دراجاتهم الهوائية كالطحالب، باكتساحهم الغاضب اللامشروط للطريق العام. توقفت بسيارتي، و ابنتي بداخلها تنتظر كيف يمكنها أن تصل إلى نتيجتها السنوية. ترك البواب مهمته وراء قضبان الباب، و أجبر ربما على تأطير توزيع نتائج المراقبة المستمرة على تلاميذ المؤسسة في خارج المؤسسة. لم أتمكن من الوصول طبعا إلى داخل "الدكان". لأن الأمر يحتاج إلى منطاد من نوع خاص لتحقيق ذلك. لهذا اكتفيت باستفسار الأمر مع بعض التلاميذ و التلميذات، على شكل حوارات مفتوحة فردية و جماعية. لقد وجدتهم حقيقة متذمرين نفسيا و جسديا بشكل فضيع جدا. إلى درجة أن تلميذة عبرت عن غضبها، و رفضها الواضح لواقع لا تربوي أمامها بقولها – أنقل قولها للتاريخ - " أنهم – تعني المسؤولين الإداريين في المؤسسة – يريدون التخلص منا بأية طريقة. القرايا ماكايقريونا والو.. و زايدينها بسدان البيبان..حشوما عليهم.. بحال إلا الثانوية ديالهم.. و حنا غير شايطين عندهم.." .
لنفكر مليا بكل تجرد و موضوعية علمية في كلام هذه التلميذة..، عن كيف و ما مدى تأثير هذه الوضعية الشاذة اللاتربوية، على نفسية و تفكيرها و تفكير جميع تلاميذ و تلميذات مؤسسة المعرفة، المتجمهرين أمام "الدكان المدرسي" الذي بات بقدرة قادر مكتب من مكاتب التدبير الإداري.. هؤلاء الذين لا محالة قد عبروا عن المزيد من استنكارهم، و لامبالاة الطاقم الإداري و التربوي للمؤسسة، من خلال قيامنا باستطلاع رأي فئات أخرى من التلاميذ أمام المؤسسة. إنه العنف الرمزي، بتعبير عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو. العنف غير المباشر الذي تمارسه مؤسسة الإدارة ضد مواطنيها..، و هنا ضد تلامذتها. فحين تغلق أبواب المؤسسة في وجه التلميذ، الذي مازال يشعر أنه جزء من تلك المؤسسة، و من حقه الدخول إليها..، بل الدخول حتى إلى فصله، حيث قضى عامه الدراسي، و يمكنه تسلم نتائج عمله المدرسي السنوي، بشكل تربوي أو إداري، يكرمه و يحترم شخصه كتلميذ. فيلزمنا أن لا نكثر في طرح التساؤل البريء، و استنبات الأسئلة الحماسية عنوة، و التعبير عن دهشتنا و استغرابنا الطفوليين، عندما يواجه هذا التلميذ مؤسسته، بصفتها الإدارية و حتى التربوية، بعنف مضاد وليد العنف الأول. ربما يمكن أن يكون أكثر عنفا و تدميرا و تمردا على كل ما هو قائم و ثابت و مكرور..، حين يتجاوز عنف التلميذ السلوكي حده الأقصى، و يصل إلى حد العنف القيمي.. الذي لا يمكن تصور حدوده..

و أخيرا و ليس آخرا، فالنماذج التعليمية المؤسساتية المغربية عديدة، تلك التي تخرق العلاقة التربوية الأخلاقية بين المؤسسة و التلميذ، هذه العلاقة الجوهرية التي نعتبرها بمثابة ميثاق رمزي بين الطرفين، و بالتالي فأي خرق لهذا الميثاق التربوي و الأدبي و الإنساني، لابد أن يؤثر سلبا على المنظومة التربوية و التعليمية التعلمية، الجارية داخل المؤسسة بصفة عامة، خاصة و بشكل أساسي إذا تم خرق علاقات هذا الميثاق الأخلاقي بين التلميذ و مؤسسته، من قبل المسؤولين في المؤسسة على الشأن التدبيري الإداري و التربوي و التخطيطي، كما هو واقع الثانوية التأهيلية " المعرفة "، التي تصرّف طاقهما التدبيري و الإداري بشكل ارتجالي و أناني، يجانب التفكير المعرفي التربوي السليم.. و هو الواقع المختل للعديد من المؤسسات التعليمية في المغرب الراهن، التي يحتاج طاقمها الإداري و التدبيري للشأن التربوي إعادة النظر في كيفيات التكوين العلمي و المعرفي و التواصلي، و أيضا مراجعة معايير الانتماء حتى إلى ميدان التسيير التربوي و الإداري للمؤسسة التعليمية. بمعنى أننا هنا أمام أهم قضية تربوية و نقابية، ظلت منذ زمن بعيد حبيسة مفهوم المطلب النقابي، الذي كان و ما يزال يقاوم و يحارب من طرف الدولة و الوزارة الوصية على القطاع التربوي، لأسباب تعود إلى الشأن التدبير الإداري و المالي و التشريعي.. نقصد ضرورة خلق و فتح نواة مركز لتكوين مديري جميع الأسلاك التربوية و التعليمية. و إلا سيظل الارتجال الإداري و التدبيري للشأن التربوي هو سيد الفعل و الموقف و عطاء المؤسسة التعليمية غير المرضي النتائج.. و بالتالي تزداد أزمة ما هو إداري ( المدير و الدارة التربوية )، إلى أزمة ما هو تربوي ( الأستاذ و الممارسة التربوية ) ..، ثم إلى أزمة ما هو أخلاقي و قيمي..، تلك التي تبدو جلية على سلوكيات و تفكير و مواقف التلميذ، في علاقاته التواصلية و الاجتماعية و التربوية، مع مكونات مؤسسته التربوية و التعليمية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام