الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل إلى أبي من زمن المصاطب!

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 7 / 4
الادب والفن


رسالة 1-

أبي! لا أعرف هل أكتبني إليك أم أكتبني فيك أم أكتبك غيابًا في هيئتي الحاضرة بك! أبي! أنت الوحيد الجدير بهذا الاعتذار. رأيتك تتألم كي تصفح لا كي تصفع. سمعت نحيبًا كتمته دموعك باحتراف كلما تخلى عنك صديق أو قريب وقت الحاجة. رأيت في عينيك الصافيتين كيف يمرُّ العتاب مرور الكرام فوق إهانة أو وجع بفعل فاعلٍ أو حتى دون قصدٍ في الألم. أبي! رأيت يدك تمتد بالمحبة لمن كان يرى نفسه أحسن منك في كل شيء. واحتفظت ذاكرتي بجداريات طفولية تؤكد أن امتدادها كان أبلغ وصف لمعرفتك بعلو قدرك وتفرده. أبي! أعتذر إليك أني لستُ جديرًا ببعض ما علمتنيه. أعتذر إليك أني في زمنٍ لم تعد فيه يداي قادرتان على الامتداد أبعد من لوحة المفاتيح أمام غرباء كثر من كل هيئة ولون. أبي! سأتخلى ولو لحينٍ عن بعض دروسك فأنا فيما يبدو لم أنضج كما تمنيت لي بعدُ. أعدك أني سأحاول وسأنجح كما عودتك دائمًا. أرجوك سامحني وساعدني.

رسالة -2

أبي! علمتني كيف أتذكر كل محاسن صديقي أو قريبي وقت خلافي معه كي أغلق باب القسوة في وجه عفاريت الغضب. كنتَ تشكو أحدهم لخمس دقائق ثم تمتدحه لساعات طوال حتى حرتُ في أمر قلبك ولم تمكنني لغتي آنذاك من القدرة على وصفك. علمتني أنَّ احترام الآخرين هو المدق الوحيد لاحترام الذات في طريقها الوعر بين غيطان الحياة. دعوت الكل بأعمامك وأخوالك حتى جعلتني أتصور أنَّ العالم كله عائلة صغيرة قبل أن يحدثونا في الزمن العجيب عن عالم القرية الصغيرة الذي لا يعرف من البشر ألقابًا ولا صفات قدر عنايته بمعرفة ماذا يملكون. عودتني مثلك أنْ أدعو مَن في مقامك بشجرة عائلتنا الباسقة طيبة ووحدة ونخوة بأعمامي مع أنهم في عمر أخي الأصغر. حتى أمي علمتها أنْ تنادي أقاربنا الأصغر مني بأعمامها وأخوالها بتلقائية وصدق. لكن البعض يا أبي قد نسي هذا الآن أو تناساه. أرجوك مد في العون إلينا جميعًا يدك لأن قيمتنا في وجودنا معًا بالمحبة والاحترام. وسامحني لو أنَّ أحدهم قال لك إني سهوتُ لحظةَ عما علمتنيه.

رسالة 3-

أبي!. أشكرك قدر ما تستطيع كل الكلمات الحلوة أنْ تفعل لأنك جعلتني من أبسط خلق الله مثلك. كنتَ فلاحًا فقيرًا اختير لسنوات في مكان طيب بالعمل العام بمحيط قرانا الحانية. وكنتَ بأدب جمٍّ خادمًا للجميع. تمرُّ أمام البيوت فتسأل عن الغائبين. تقطع مسافات الوقت لتعود المرضى. وتقطع كل طريق أمام من يبعدك عن أهلك ومعارفك. تؤكد لمن تأخر عن صرف حصته في التموين أنَّ نصيبه في الحفظ والصون. يمدحك البعض. يتحدث عنك البعض. ينال منك البعض بكلمة أو نظرة عين. لكنك كنتَ حتى آخر نفس كما أنت! أبي! أحيانًا يرونني أبالغ في وصفك. فأحاول كما علمتني استيعابهم. لكني كلما تذكرت ماذا فعلتَ من أجلنا. رسمتك أعظم أب في تاريخي. أعرف أن كل أبٍ هو أعظم أب عند أولاده. لا لوم عليهم في هذا. فليحبوا آباءهم كما شاءوا، وليكتبوا عنهم كما يحلو لهم. فقط. أرجوك يا أبي أن تطلب منهم أن يتركوني أحبك وأكتبك كيفما أشاء!

رسالة-4

أبي! أحتاج إليك! كل أسرتي تشتاق إلى وجودها فيك. إلى صدى أصواتها في أذنيك ترد سلامك لحظة الدخول إلى دارنا.. إلى نور عينيك اللامع بصورنا كلها مع أن الواقف أمامك أحدنا... أبي! كلنا نحتاج الآن إلى كل الطيبين من أمثالك في زمن المصاطب. أرجوك. بقلبي الذي يعلم أنَّ الله يسمعك. ادعُ لنا ولكل أهلنا ولوطننا الغالي بالخير والأمان. لن أكرر عليك السؤال لأني أعرف أنَّ مرةً واحدةً فحسب كنت ترصها على الفور ردًا دافئًا فوق رفوف دكان قلبك الذي لم تنفد بضاعته في المحبة والكرم! لم تكن لتنتظر حتى تكتب فوقه تسعيرة. فردودك الدافئة -كمكان رأسك على وسادة أمي حتى الآن- كانت دائمًا بالمجان!

محمود عبد الغفار غيضان
4 يوليو 2013م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81