الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتمية استمرار الصراع في مصر

محمود يوسف بكير

2013 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بداية فإن هذا التحليل نابع عن قناعة شخصية وليس ايدلوجية بأي حال . ولأنني من المؤمنين بأن عملية المعرفة في حد ذاتها تتكون من جزئين اساسيين هما الحقيقة العلمية المجردة وهو عادة جزء بسيط في فعل المعرفة وجزء كبير هو الاعتقاد ، والاعتقاد لا يمثل الحقيقة بشكل ضروري لأنه مزيج من تأثير البيئة والثقافة والاستعداد الشخصي وطبيعة التعليم وطريقة النشأة وعوامل اخرى كثيرة ، وعادة ما تطغى هذه العوامل في فعل المعرفة على الحقيقة الموضوعية دون قصد واحياناً بقصد وتكون النتيجة ان يحول الاعتقاد دون بلوغ الحقيقة أو أن يطمسها.
وقد قصدت من وراء هذه المقدمة القصيرة ان اقول أن رأيي يحتمل الصواب والخطأ ولكنه يمثل ما أراه، وما أراه ينطبق عليه ما ذكرته سابقا ولك ان تختلف معي ولك ان تناقشني دون تجريح وأعدك بقراءة رأيك والتفكر فيه وقد يدفعني هذا الى تغيير رأيي وليس عندي مشكلة في هذا فغايتي هي الحق والحقيقة .

أقول ان ثورة الشعب المصري في 25 يناير على حكم الطاغية مبارك وأسرته ونظامه كانت بحق ملهمة لكل العالم الحر في الشرق والغرب وباعتباري أعيش خارج مصر منذ زمن فقد لمست هذا بشكل واضح مما جعلني افخر بانتمائي المصري بشكل لم أعهده في حياتي ، وعندما يجمع معظم البشر في شتى انحاء العالم على عظمة هذه الثورة فلا بد ان يكون هذا نوع من الحقيقة ، اقول هذا للمشككين في هذه الثورة العظيمة والذين يدعون دائماً أنها كانت السبب في خراب مصر وانقسامها الحالي .

ولكن ما حدث بعد هذا عندما تولى المجلس العسكري مقاليد الحكم في مصر كان مأساة بكل المعايير هذا بالرغم من الادعاء الذي يردده البعض بأن هذا المجلس هو الذي حمى الثورة وأجبر مبارك على الرحيل ، ولو ان الادعاء بأن العسكري كان مؤيدا للثورة صحيح لنجحت الثورة المصرية وكان مصير مبارك وعصابته السجن وليس منتجعاَ طبياً لا يحلم بالإقامة به أي مصري.

ومرة أخرى فإنني لا أعتقد ان هناك من يستطيع أن يجادل كثيراً في مسألة أن المجلس العسكري تحت قيادة الطنطاوي وعنان وقف سداً منيعاً أمام تدفق تيار الثورة وقد نجح في هذا الى حد بعيد وعندما اضطر الى الرحيل اراد ان يسلم دفة الحكم للجنرال الهارب والذي كان يفاخر بالقول نهاراً وجهاراً انه تلميذ مبارك فهل يعقل ان يكون هذا التصرف نوع من التأييد والحماية لثورة 25 يناير ؟

وحتى عندما فشل العسكري في فرض إرادته سلم الدولة للتيارات الدينية دون اي ضمانات او ترتيبات تحمي الدولة من الخضوع للحكم الديني بكل ما يحمله من مخاطر ذاقت مرارتها كل الدول التي خاضت هذه التجربة من قبل .

لا أحد يستطيع أن يلوم الرئيس المعزول محمد مرسي على محاولاته طوال العام المنصرم الزج بأتباعه من جماعة الاخوان في كافة مؤسسات الدولة المصرية ومراكز صنع القرار لأنه كان معلوماً من البداية أن الرجل جزءا من هذا التنظيم وأنه سيخضع بالضرورة لأوامر المرشد العام لهذه الجماعة ومن ثم لم يكن هناك من مفاجآة لأحد. ومع معاداة كل أجهزة الدولة لهذا الرئيس المغلوب على أمره منذ اليوم الأول لحكمه واجتراء الجميع عليه بما فيهم الجيش وأجهزة الأمن والقضاء والأعلام والأزهر والكنيسة وقوى دولة مبارك العميقة في تحالف جهنمي لم يسعى بجدية لتقديم أي دعم حقيقي له أومساعدته للتحرر من المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد الذين كانوا يمعنون في إبراز نفوذهم على حساب الرئيس دون أدنى حد من اللياقة أو الحذر، ولذلك فهم أول من أضر بمكانة الرئيس.

إزاء هذا المعطيات الصعبة لم يعد للرجل من مخرج إلا الالتصاق اكثر وأكثر بجماعته بعد ان ترك وحيدا مما زاد من تخبطه وضعفه امام الجميع بما فيهم جماعته ، وكان من الطبيعي ان تخرج الملايين في ثورة 30 يونيو مطالبة الرئيس بالرحيل بعد فشله في تحسين أمورهم المعيشية بشكل زريع وفشله في الظهور كرئيس لكل المصريين والاستقلال بقراره والبعد عن سياسة أهل الثقة والعشيرة.
والمؤسف أن الرئيس لم يدرك أنه إزاء معطيات وصراعات لا يمكن لأي رئيس في العالم أن يتعايش معها طويلاً ولو انني مكانه لطالبت بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة للاستفتاء على شعبيتي والحصول على تفويض جديد من المصريين بما لا يدع مجالاً للتشكيك في شرعيتي .

ولكن شاء الرئيس وبتشجيع من جماعته إلا أن يكون معانداً لهذه الثورة العارمة ضده رغم إقراره بما وقع فيه من أخطاء وتقدمه بمبادرة في آخر لحظة اشتملت على معظم ما اشتملت عليه خطة الجيش والأطراف الاخرى ما عدا موافقته على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو المطلب الاساسي لثورة يونيو واعتقد ان الرئيس مرسي أخطأ في هذا مما أعطى ذريعة للمجلس العسكري لعزله .

وفي هذا فإنني أعتقد أن ما تمر به مصر من صراع خطير هذه الايام بين جماعة الاخوان المسلمين والجماعات الاسلامية الاخرى المؤيدة لبقاء الرئيس في الحكم ضد باقي التيارات المعارضة لبقائه ، هذا الصراع كان نتيجة مباشرة للطريقة المهينة التي تم بها عزل الرئيس والتحفظ عليه وعلى قيادات أخرى من جماعته بالاضافة إلى أمعان العسكري في إهانة كل التيارات الإسلامية المؤيدة للرئيس من خلال لجوئه الى غلق كل محطاتها التليفزيونية دون مبرر وإظهار انحيازه المطلق لطرف دون الآخر بعد ان اعلن اكثر من مرة انه طرف محايد ولا هم له إلا مصلحة الشعب المصري كله وأنه ظهير للديمقراطية!

وفي هذا فإن المرء يقف حائراَ أمام أسئلة كثيرة وملحة ولكن وقبل أن اطرح هذه الأسئلة ينبغي أن أقر بأنني شخص ليبرالي مستقل ولا أنتمي إلا لحزب الحق والعقل والمنطق. وتساؤلاتي البسيطة هي :

ـ لماذا صبر العسكري على مبارك ثلاثين عاماً من النهب والاستبداد والفساد ولم يصبر على مرسي أكثر من عام ؟
ـ لماذا تعاطف العسكري مع ثورة 30 يونيو ووقف سداً منيعاَ ضد ثورة 25 يناير ؟

ـ لماذا تعمد العسكري إمتهان مرسي بهذا الشكل والتحفظ عليه في ثكناته بينما قام بتكريم مبارك ونقله الى احد القصور في منتجع شرم الشيخ وحمايته حتى آخر لحظة ؟

ـ لماذا يتعمد المجلس العسكري اتهام كل من ينتقد قراراته السياسية بأنه ينتقد الجيش ككل ؟ وكيف يتوقع هذا المجلس أن يرتضي لنفسه أن يدخل دهاليز لعبة السياسة ولا يرغب في ذات الوقت أن ينتقده أحد ويعتبر نفسه خطاً أحمراَ ؟

والخلاصة انني اعتقد أنه كان بالإمكان إقناع الرئيس بشكل كريم بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد ثورة 30 يونيو من خلال ممارسة المزيد من الضغوط الداخلية والخارجية عليه كما حدث مع مبارك إبان ثورة 25 يناير التي لم يتدخل الجيش فيها إلا بعد مرور 18 يوماً كاملاً عليها بينما سارع بالتدخل بعد مرور يوم واحد فقط على ثورة 30 يونيو.

والخلاصة ان تحالف العسكر مع الاسلام السياسي أدى الى انتكاسة ثورة 25 يناير، وخصامهما الآن يقود مصر إلى الانقسام والخراب لأول مرة في تاريخها . وطالما بقي المجلس العسكري دولة مستقلة تعلو على الشعب والدولة المدنية وطالما استمرت محاولات تيار الإسلام السياسي السيطرة على مصر فإننا لن ننعم بأي ديمقراطية حقيقية ولا استقرار ولإنه ليس من المتوقع أن يرحل أي من هذين الخصمين في المدي المنظور فإن الصراع سيستمر إلى مدى لا يعلمه إلا الله.

أدعو الله أن أكون مخطئاَ وأن يحفظ مصر وشعبها الطيب بكل طوائفه .

ستظل مشكلتنا دائماً هي رفض إعمال العقل والمنطق في فهم ما يدور حولنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تعاطف مع الإرهابيين
سامى غطاس ( 2013 / 7 / 11 - 23:04 )
الأستاذ القدير محمود
أحيل سيادتكم لكلمات سبق وكتبتها هنا على الحوار المتمدن لإؤكد لكم إن الوضع المؤسف الذى وصلنا اليه الاّن ليس علاجه فى مجرد الشفقة و التعاطف مع أسرع ديكتاتور إرهابى عرفته مصر . أو الهجوم على جيش قام بعزل صاحب جماعته وعشيرته . المشكلة بنا نحن سيدى الفاضل نحن أفراد الشعب المصرى
لو لم نغير الكثير من المفاهيم والثوابت الشاذة لدينا فلن تجدى معنا الاف الثورات ولا بحوراً من الدم و مزيدا من الخراب.
تقبلوا تحياتى.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=368075


2 - لصالح مصر ألا يظهر مرسي
رمضان عيسى ( 2013 / 7 / 13 - 11:01 )
ان شخصية مرسي وارتباطه بالمرشد العام - الولي الفقيه -جعلت منه رئيسا للاخوان فقط
، ، وليس رئيسا لكل المصريين
والاخوان الذين نجحوا بفعل شريحة واسعة من الأممين ، اعتقدوا أن من يكسب الصندوق يكسب كل شيء ، وعلى الجميع أن يسمح لهم بالاستيلاء على كل شيء في البلد حتى على قناة السويس والسد العالي
فالأفضل أن يأتي رئيس قوى لا يخضع للاخوان يكون ابن ائتلاف أحزاب ، وليس من حزب واحد
فلمصلحة الشعب والثورة والديمقراطية الحقيقية ألا يأتي مرسي

اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة