الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روايات القصة الفلسطينية بين المرأة والرجل

هدلا القصار

2013 / 7 / 19
الادب والفن



هل تكتب المرأة بطريقة مختلفة عن الرجل؟ هل يكتب الرجل بطريقة مختلفة عن المرأة؟ وهل يوجد فعلا أدب نسائي ؟! وما هو وجه الاختلاف بينهما ...؟!
ما زال هذا السؤال يتكرر في جميع المناسبات والندوات الأدبية التي تخص المرأة في الأدب، وخاصة في القصة أو الرواية، أن مثل هذا الموضوع سبق وسبب جدلا منذ الثمانينات، حتى اليوم، ولن تنتهي ما دمنا نتطلع إلى استقلالية المرأة ويتساءل كيف ولما ؟! وهكذا دائماً نضع أسئلتنا في سلة واحدة، بدل أن نقف ونتلمس ما الفرق بين البينيين، ونناقش موضوعات الكتابة النسائية وحيثيات معاناتها، وأطروحاتها، وطرق معالجتها، لربما نكتشف ما الفرق في مكونات الكتابة لدي المرأة في الشعر، والنقد، والرواية في قصصها النابعة من فعل الحياة، لأننا نحتاج أن نتفاعل مع الواقع من اجل أن نجد لنا قلمً يراهن على جمالية أوراقنا الأدبية....، فالعالم يعيش في عصر السرعة والحداثة ولا بد لنا من متابعة حثيثة الحداثة، ولنستغل هذا التلقي ونهجنه لينعكس ايجابياً على مستقبلنا الأدبي، ولنستفيد من تقنيات العصر المواكب لحركة التطور والإبداع في قصص تحمل فلسفة العالم، بصور فوتوغرافية، بكل صدق وأمانة، ولنوحد القلم الذي يجلس ملكا على أوراقنا المتعبة من التاريخ . ولأنه سيأتي يوما أوسع من هذا الوقت ونشرح فوارق كتابات المرأة الأكثر تفاعلا لإظهار الوجود الإنساني، و تعقيداته وتوليد رموزه، حسب تتبعنا قلم المرأة والرجل .
لذا يجب أن نتفق أولا على أن الكتابات الروائية والقصصية الأدبية، هي العماد الذي تعتمد عليه لغتنا في منطقتنا التي لا تخلو من التطورات .

فمن السهل المؤكد أن نعرف أسباب الحرب والاحتلالات والثورة التي نريد أو تخصنا، من خلال عالم التكنولوجيا الحديث، لكن من الصعب أن نحدد خصائص أو مزايا هذا المجتمع أو ذاك الشعب وعقائده، وتحركاته الاجتماعية، والحضارية معرفة صحيحة إلا عن قرب، أو من خلال كتــاب تدفعهم أمور الحياة الكشف عن الأحداث الكامنة بالمفاجآت والمجاهل التي نـتعرض لها في حياتنا العادية، مستذكرين الواقع الإنساني وتأثيره على المجتمع، مخاطبين الفرد من خلال عالمنا الأدبي، ناقلين له تفاصيل الواقع، معبرين عن لحظات أوجاعنا في القصص والروايات، ليتثنى لنا تعديل عروض سيرها بعد عرضها على المتلقي، والناقد، والمبدع الشاهد على مجتمعات تتعدد فيه الظواهر والموروثات القبلية، كتعدد اللغات والموضة، أو كالأنظمة التي تعكس اتجاهات شأنها شأن ذاك الكاتب أو تلك الكاتبة، كما يدور في حلقات الندوات المفتوحة للجميع وبالأخص للكاتب الحقيقي الذي يمكنه أن يكتب بكل الأشكال الأدبية، ويستطيع أن يدخل جميع الأبواب، باعتباره الأقوى إيصالاً للجمهور، دون أن نتجاهل أساس القصة " السيرة الذاتية الاجتماعية والإنسانية "، وهي تجربة كانت في السابق تأخذ شكل مذكرات يومية، أما فيما بعد أصبحت هذه الرسائل تأخذ شكل الاعترافات استشهاداً بــ طه حسين، في رواية "عصفور الشرق" وحكاية بحار" لحنا مينا، وقصة "نفسي" لنجيب محفوظ، و "اعترافات" لجان جاك روسو، وأخيرا الروائي جبرا خليل جبرا في روايتين " البئر الأول، وشارع الأميرات" . .

لكننا اليوم لو حاولنا الدخول إلى مطاعم تلك القصص الحديثة، واستعرضنا بعض مأكولاتها، لوجدنا العديد منها مستنسخاً من الماضي ألاحتلالي و النضالي، الذي لم تتطور أقلامه إلا من عنصرية بعض الكتاب الذين ما زالوا يؤرخون بلداتهم وقراهم على جغرافية الحاضر المستمد من تاريخ الاحتلال "الفيتو مينو لوجي"، كنوع من تسجيل للعذاب والقهر النفسي والمعنوي في حوار لا ينقطع من الألم، المؤسطر في حكايات وقصص حبكت بأقلام كبار الأدباء الذين تنافست أقلامهم فيما مضى على رسم أعمدة تلك الأوجاع، أمثال: الأديب إميل حبيبي، وحسين البرغوتي، وغسان كنفاني، ومحمود شقير، وجبرا خليل جبرا، وسميح القاسم، ماجد أبو شرارة، غريب عسقلاني، محمد أيوب، زكي العيلة، ومحمد كمال جبر، وإبراهيم نصر الله، عبد الله تايه وهناك العديد منهم، لا تسع أوراقنا أسمائهم ونضالاتهم الفكرية والأدبية .

علما أننا ترددنا كثيرا قبل الدخول إلى مطاعم هؤلاء الأدباء المنشغلين بالهم الوطني، وتغيبهم عن الواقع اليومي ومعايشة خفاياه الفسيولوجية، والسيكولوجية، دون التلفت إلى هموم المجتمع، وتأثير ثقافة الماضي على الحاضر الإيديولوجي، ساهيين بعيداً عن تحرك الواقع وانعكاسه على الفرد الذي يتمزق في مجتمعه وأمام وجوده . واضعين المتلقي والمثقف في حيرة إبداعاتهم، غير مدركين لأهمية اختيار الموضوعات المناسبة، لتحديد نقاط التركيز عليها في شكل القصة الوطنية والسياسية والاجتماعية والإنسانية والفردية، وطريقة البوح الملائمة لهم لوضع الحلول المناسبة على طاولت النقد البناء .
كذلك متجاهلين حضور المرأة الفلسطينية المثقفة، وما وصلت إليه قدرات حروفها الأنثوية، وإحساسها المفرط للأشياء في إبداعاتها المتألقة، وبحثها لإيجاد مخرجا للدوافع والأسباب التي أدت إلى فوضى العلاقات الاجتماعية وتفكك أوصال العلاقات الأسرية والعائلية، وأهمها علاقة الرجل والمرأة والعوائق المصيرية المتصدية لهما .

أعترف اليوم على هذه السطور، أن ما دفعني للتوقف أمام هذا العرض الملخص في مساجلتي هو صدق المحبة والغيرة على الأدب الفلسطيني، وعلى علاقة الكاتب في بيئته، الذي من المفترض أن يسجل كل ما يمر به شعبه، من توتر في يومياته الحياتية، من خلال ثقافة أيديولوجية مؤثرة، بدل أن يكشف الكاتب السائح عن إبداعات عالمه الوطني المستنسخ، لتلاقي الترويج المخصص له، وليبقى الأدب الفلسطيني الحلقة الأضعف بين الروايات والقصص على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، مهما كثرت مكونات تذوق الصحف والمؤسسات والسينما والمجاملات والمراعاة والمحاباة، والتعاطف مع القضية الفلسطينية . (فاستسمح القارئ العذر لأننا لم نورد أسماء، ولأننا على يقين أن هناك من يدرك ما نرمي إليه)، وننتظر فرصة خاصة للتفرد لهم، ولنثبت أننا نتذوق الأدب، ولنا الحق بإبداء الرأي بما نراه من سلبيات وايجابيات الموضوعات التي يتطرق لها الرجل، ولأن يجب أن يتعامل الكاتب مع التغير الزمني، وليس مع الاجتماعي الثابت، " فالموظف الثابت غير الموظف المتعب."
ففي أثناء هذا التراجع المذكور في الأدب الذكوري لعدد لا باس به من الكتاب، قامت المرأة الكاتبة بآحاييلها الأنثوية لتفريغ مخزونها الإبداعي المسكون بفكرة الاعتناق، والبحث عن فضاءات الحرية والدفاع عن كل حبً وعنف، وحقها في تغير نمط صفحات قصص الرجل، بإمكانات محدودة لتتخطى القمع الثقافي بمحاربتها الهروبية إلى الكتابة، وتلاحمها مع الحركة الثقافية الفلسطينية ماضياً و حاضراً و مستقبلاً، لإخراج قصة فلسطينية لها شكلها الفني ونبضها المعبر عن ألم وأفكار المجتمع، بقصص هاربة من إجهاض كل من سجل مرورها بمخيلتها الخصبة في نتاجها الأدبي، وخبراتها التكنولوجيا الحديثة، التي ساعدت بعضهن الخروج من بالونات الكبت إلى العالم، واضعين صمتهن المتفجر في كتاباتهن لارتقاء نتاجهن النسوي الذي يخص صحوة الأنثى التي كسرت بعضا من الحواجز الاجتماعية، بسعيها لإخراج صورتها الحقيقية وتفعيل حياتها من خلال استحضار معاناتها ضمن قواعد تجربتها الشخصية، دون أن تتنافر أوراقها الخالية من ترويج التاريخ .
لا بل تسابقن الغوص في الأنا المحرومة من التعبير عن الذات الفيزيائية والنفسية، بطريقتهن الأنثوية، وإحساسهن الاستثنائي، وخوضهن في العمق الإنساني، بحكم تركيبتهن في التقاط التفاصيل الدقيقة لتملكهن الحس العاطفي والمعنوي لأحوال الوجود، بطريقة مجازة في مختلف أشكال حضورهن الذي لا يريد الرجل أن يتكلم عن تجربتهن ورغباتهن وفلسفتهن وما يجول من خلف ستائرهن .

لهذا تبدو نصوصهن أكثر واقعية، من الرجل، بحكم تركيبتهن الأنثوية التي تمثلت بالمرأة منذ أن ظهرت أولى المعبودات التي حملت أسماء أنثوية ما قبل الأديان على سبيل المثال:
الكينونة أنثى/ والمشاعر أنثى/ والمعرفة أنثى/والسعادة أنثى/ والخصوبة أنثى /والحب والجمال أنثى،" وحتى أعضاء جسم الإنسان المزدوجة غالبيتها أنثوية " . لهذا يجب أن تزرع الأنثى نفسها بالحياة كلما أتيحت لها الفرص، بكل قوى وتصميم، لتلقي حمولتها الرؤيوية .على أوراق قصصها الموحية للمتلقي بأن الواقع السلبي سيظل يتولد أن لم نتعرض له ولو برسالة أو فكرة على أوراقنا .

ومن هذه الانطلاقة الأنثوية انتقينا حديثا من الضفة الغربية، وقطاع غزة أصواتا نسائية متميزة، في قصصهن الجاهزة من مشاهد الحياة . مسجلة بأسلوبهن الممزوج بمنولوج رواياتهن الميكافيلية ووظائفهن الفنية المتكئة على أناة الذات، وعلاقتها الجدلية بين التحرر الوطني، والاجتماعي المتمثل في المرأة.المستعينة بالعمق والمنطق، في تعاملها مع المأساة الإنسانية، لتعطي نموذجا مضيئا ومميزا في الإبداع المحلي، ولتشكل وحدة موحدة لصورتها وصوتها الأنثوي، المتجسد في تجربتها واتجاهات تشكيلاتها الأدبية، لتدخل أفاق الثقافة العربية مقارنة بالعالم المرتبط بتقرحات المجتمع باعتباره المصير الغامض للإنسان، المنفرد في كتابات المرأة الأديبة، التي جمعت الحياة بالشارع، والجامعة، والأستاذ، والطبيب، والعامل، والموظف، والبائع والمحامي، والشاعر، والراوي، كما في مجموعة " الشكل المستطاع" الصادر سنة 2007، للمسرحية والكاتبة سماح الشيخ، وهمسها في العقل الجمعي، وارتباطها بالحكايات والأحاجي، من خلال قصص وحكايات بينت مهارات الكاتبة، لاستخدامها تقنيات فنية مميزة مثل:

الحوار الداخلي وارتباطه بخلجات الوجه، ونظرات العيون، ولحظات الصمت والشرود، وحركات الجسد والصوت الصادر من إشارات وإيماءات الكاتبة، التي ركزت على "النزعة الحقائقية، واحتجاجها على الخلل الفكري، وتهدج بطاقات خراب المجتمع، المتسم بقصص سماح الشيخ، وتنقلها بالصوت والقلم، الذي أبرز فراغات المجتمع ومؤثراته، وأفكارها الممتدة من أصابعها المتوغلة في حياة الفرد، والكون والتكوين البشري، لنرى ما لم يراه الآخرون، ولنكتشف مهارة وذكاء تلك الأصابع التي دخلت فنتازيا الحكايات كما في قصة " بين الكبر والصغر / والموظف/ والعامل/ والبائع /والحاسوب/ و الرياضيات / والبلوغ عند الفتاة / والحارس /والمسئول / والموظف/ والمدرسة /والبنطال /والسترة/ والعائلة/ والأبناء /والجار/ والزوج / وأمنيات الفرد /والقدر/ والسائق/ والشارع/ والمستشفى/ والمعبر /والسفر / والسجين/ والمجتمع داخل الوطن وخارج حدوده) . بنزعة وجودية تذكرنا بقصص الكاتب الروسي" أنطون تشيكوف" الذي اشتهر بإعماله الفنية والاجتماعية والإنسانية، وكيفية استخدام المزاج العام للفرد في مجتمعه، من اجل الوصول إلى تحرر قضايا الإنسان الشخصية والإنسانية برسائله القصصية، لنستخرج منها دروساً إنسانية ذات قيمة قصصية .
إذا من هنا يمكننا الإثبات أن المرأة الكاتبة " سماح " سجلت كل ما استوقف رؤيتها ولغتها المتحركة في شهيقها وزفيرها، وتلبسها حالات البشر المتعددة، دون أن تفلت من تكوينها الأنثوي، وإبراز هويتها وموهبتها في التصوير البصري، وقدرتها الذكية على تلخيص عروض المجتمع في 95 ، قصة،تحكي حواراتها مع الأناة، والآخر، مستفيدة من تأملها التفاعلي الذي فتح لها قناة مخاطبة ضمير الغائب، لتعبر عن الحاضر الذي يمر في حضور لحظة بوحها المعبئ في كتاب " الشكل المستطاع" الذي يمثل لسانيات العصر الحديث، لإبداع تجليها الذي جعل لها مدخلها الخاص، كما في أدوارها وخفة تنقلها على خشبة المسرح . ونحن من جانبنا نرحب بإبداعات قصص سماح الشيخ، وننتظر قدوم ما بعد " الشكل المستطاع" كما ننتظر رشاقة حضورها على المسرح الفلسطيني .

أما الفنانة التشكيلية والقاصة نهيل مهنا، سجلت في مجموعتها "حياة في متر مربع" الصادرة سنة 2008، بعضا من تقارير حياتها اليومية، بلغة مباشرة، لتفرغ ما بداخلها من شحنات مليئة بالحس والتعبير في موضوعات منتقاة من هموم الآخرين وملامسة أحاسيسهم وانطباعاتهم وترجمة رؤاهم، ومراحل التغيرات التي يمر به المجتمع، للعمل على توعية المتلقي ووضعه في دائرة المعرفة فيما يدور حوله في سبعة عشر قصة مشبعة بقضايا وهموم المرأة الفلسطينية، وأجهزتها الفكرية التي وصلت إلى أكثر طبقات الإنسان السرية، المسطرة بـ 91 صفحة، لنجد أنفسنا أمام قضية وجودية ناتجة من الظروف والعوامل التي تحيط بالكاتبة الخارجة عن طوع المألوف القومي، مع مراعاة تطور الثقافة والحضارة البشرية التي تحرك مشاعر المتلقي وتورطه في تأمل مشهد قصص عالمه على ارض الواقع .

ومكاشفتنا لمعاناة أسرة أناة الكاتبة داخل مجتمع متقلب، متناقض، غارق في الهم السياسي و الوطني، وأغراض موضوعاته المدونة في "سبعة وعشرون قصة " تؤكد على أن القصة الأنثوية قادرة على التعبير عن كل القضايا والأغراض والأمزجة، والعلاقات الغير متكافئة في مجتمع لم يتمكن من تلبية ابسط متطلبات الفرد، الظاهرة في كتابات المرأة عامة، باختلاف الشكل والمضمون وما تطرحه رؤى الكاتبة نهيل مهنا، التي تحتاج إلى مداخلة نقدية تختلف عن عجالتنا الملخصة، وغوصنا في البحث عن درر الكتابات الإبداعية الكامنة في المرأة الفلسطينية وقضاياها الملتصقة بقضايا المجتمع، ومؤثراته على بيئته، بطريقة فنية مميزة .
وبهذا النفس استطاعت الكاتبة أن تمزج قصصها بالهم الخاص والعام، في تجربتها النوعية الحديثة، التي أعطتها حق الإبحار داخل الفرد المأسور بأحكام وقوانين مجمدة للطاقة والإمكانات والرغبات الكامنة في دواخلنا .... ناقلة للمتلقي أدق تفاصيل أوجاع المجتمع وأوجاعها في اللحظة, مخاطبة القارئ فيما تعايشه من تمزق فكرية وإنساني وعاطفي، من خلال عالمها الداخلي الذي يحمل في طياته ثقافة أيديولوجية مؤثرة، في قصص مسرية بعضاً من أجزاء حياة القاصة وغرائزها وأحلامها ومكوناتها، وتعاطيها مع ثيمات جيلها، وعلاقاته بالعالم المحيط بها، كما صورت زيف الواقع الذي يحكمه الرجل وتأثيره على المجتمع، والظروف الغير طبيعية التي تعيشها المرأة بشكل آو بأخر في مجتمع غزة الكابت لطموحات الفرد الحديث .
(لهذا نقول: أن المبدع الذي لا يتمكن من الارتقاء بأعماله، وتحويلها إلى أعمال إبداعية إنسانية...، سيبقى مجرد كاتب ناقل للأخبار، وإذا كان إبداعه انعكاساً للواقع فلابد أن يكون انعكاساً جميلاً ومميزا ).

أما الكاتبة ميسون أسدي، سارت على قاعدة، أن الأدب ليس للتسلية ولا للتجمعات الثقافية أو لكمية المطبوعات الورقية، واستغلت عملها " كباحثة اجتماعية " بطريقة ايجابية لتنقل لنا ابرز أمراض الفرد في مجتمعها واتجهت إلى متن القصص وأخرجت المكبوت، وكشفت عن أسباب انهيار الأعمدة المغطاة بستائر الصمت، المقيد لحركت تحرر المرأة وما يدور حولها من قيود الرجل، وحيرة الفرد الواقع بين " الحضارة العربية، والحضارة اليهودية "، بتصوير الحالات الاجتماعية، والإنسانية بالعين الفوتوغرافية، في مجموعتها " كلام غير مباح" الصادر سنة 2008، المدون أوجاع الفرد ومشكلات مجتمعه وفشله، وكشف الغطاء عن مشكلات المرأة، وكبتها العاطفي الذي تعيشه المرأة الفلسطينية. ودور الرجل في المنزل والشارع والعمل، وتعامل الفرد مع الهوية المضطهدة، وانتماء المواطن لمكانه، والصراعات القائمة على الساحة الفلسطينية داخل الأراضي المحررة والمحتلة .

ولم تتوارى الكاتبة اختراق مشكلات "الجنس" والحديث عنه بشكل واضح وجريء، في بحثها عن الحلول المناسبة لتدعم مجتمعها وتحويل الغير مباح إلى صرخة قلم مباح وصريح على أوراقها التي احتلت 168 صفحة تحمل 21 قصة غيرمباحة في مجتمع ذكوري لا يهتم بعواطف المرأة ألا على أوراق الروايات . لتبقى كقاعدة لحرمان المرأة من القيام بدورها الفكري وآرائها، كطاقة فاعلة، وكعضو حيوي ومنتج...، وخلافا لهذه النظرية نستطع القول أن المرأة اليوم استطاعت أن ترسم ملامح قصصها القصيرة بإنجاز أكثر إبداعاً ونضجاً ودلالة سواء كان ذلك في دائرة الإبداع المجتمعي المحلي أم من الناحية الجمالية، استطاعت أن تدشن بداياتها الحديثة في القصة النسائية القصيرة بامتياز ملحوظ .
ففي هذه المقارنة الدلالية الموجزة لثلاثة مجموعات صدرت في نفس الفترة الزمنية لكاتبات حديثات تكفي لاكتشاف توزيع تقنيات المرأة القصصية الإبداعية، كنموذج الإنسان المقهور الذي لفت انتباهنا، في أهمية تلك اللوحات الإنسانية، وأثرها على المجتمع في الزمان والمكان المحرك رحلة الإنسان في النفس التي لا تخلو من مكابدات وتأملات، ومراجعات للثوابت والموروثات،.والعلاقات الحميمة التي انطلقت من أنفاس المرأة الكاتبة، لتحقق القصة الفنية الحديثة في الشكل والمضمون، وموقفها الإنساني من قضايا مجتمعها الذي يختزن بعداً إنسانياً ، مما أعطى للقصة النسائية مساحة زمنية وفنية واسعة، من خلال مسؤولياتها التربوية وتركيبتها كأنثى وأم، للوصول إلى متطلباتها، ورغبات طموحاتها، لما ما بعد البوح الأول، اللواتي لم يغلقن أبواب رؤيتهن بعد نهاية كل قصه من رواياتهن، لا بل تركن نوافذها مفتوحة على الحياة، والوجه الإنساني المترصد لجميع تفاعلات نصفيها الوطني والأنثوي المتتبع علاقات المجتمع بأي تركيبة كانت:
الزوج. الأب. العاشق، الصديق،هو ذاك الرجل أو هذا الزوج، يبقى المحور قائما في كتابات المرأة مفتوحاً على جميع الاحتمالات . لنتمعن من جديد بأوراق تلك الأديبات الفلسطينيات الحديثات، اللواتي وضعن عفوية فطرتهن، بأنامل يحيك ميلاداً جديداً من إبداعات أدب المرأة الفلسطينية في ثورتها الأدبية الحديثة الجديرة بالاهتمام .

نؤكد على إن الأدب هو أدب إنساني بحت، ولا بد من قراءته وفق معايير سامية لا تساوم على الجودة، ولا تجامل على القوة، ككتابات المرأة المحملة بعبق الماضي وسحر المستقبل، الذي يخزن الكثير من الأحداث والأخبار التي صيغت من حاضر هؤلاء الكاتبات المبدعات وما وصلن اليه في عالم القصة المعاصرة بمنجزاتهن المبهرة، ولعلى هناك ثمة من يدعو لمراجعة البعد الإنساني، أو يعيد النظر في جميع مصطلحاتهن لأنهن تمثلن عالم جديد يعيد برمجة مفهومنا للقصة الحسية، أو لعلنا ندخل من هذا المخزون إلى آليات مرحلة القصة الفلسطينية الحديثة التي تدعونا إلى مثل تلك القصص التي ميزتها عن بعض الكتاب الذين وضعوا انقسم في القضية السياسية أبطالا .
على عكس المرأة التي جعلت من القضايا الإنسانية والفردية والاجتماعية والعرفية والموروثات والتقاليد، أبطالا أساسيين، لتخاطب جميع شرائح المجتمع برؤية أكثر تعمقا وأكثر فكرا وإبداعا، كتعبير عن الروح الميتافيزيقية لدوامة ألم الإنسان وأحداثه المتناغمة بين الداخل والخارج، وبين الزمان والمكان، وبين المرأة والرجل، والخطأ والصواب، والحب والكراهية، والخير والشر، لتتماشى حكايات قصصهن مع "كراكتر" كل فرد، يتساوى مع الثقافة الحديثة القائمة بالشرح عن ذات الأناة، وانتقادها لتطوير المجتمع وتقديمه على أفضل حال، كنموذج حقيقي لقضية الإنسان وحياته، وما يجول على الساحة الفلسطينية، لارتكازها على سبر أغوار اليومي في أدق تفاصيله وحيثياته التي تهدف إلى عامة المتلقي . وليرافقن من سبقهن من اديبات فلسطينيات أمثال الأديبة سحر خليفة، وحزامة حبايب، وآسيا شبلي، ونهى سمارة، وغيرهن .

ولربما هؤلاء الكاتبات سيصلن يوما في قصصهن إلى ما وصلت إليه الروائية والشاعرة الكندية مارجريت أتوود، أو الأديبة الفرنسية فرانسو ساغان، وغيرهن من أديبات الغرب اللواتي اشتغلن على ترميم الجراحات الإنسانية، والقضايا الاجتماعية من خلف جدران تابوهات الجماعة والمجتمعات .
لم يبقى لدينا الآن ألا أن نذكر بإيجاز بعض من كتابات المرأة التي تترصد للمأزق الحضاري، الذي يعيشه المجتمع على صعيد القيم والمفاهيم الاجتماعية والسياسية والفكرية والنزعة الإنسانية، والتخيل العلمي والفكري الاجتماعي أمثال: الشاعرة والقاصة يسرا الخطيب .
أما القاصة أحلام بشارات، من " جنين " في الضفة الغربية، انفردت بتحدي الرجل الكاتب من خلال تنوع تجربتها المتعددة الإشكال، للتواصل مع صوت كل منا، ومعاناته من ألم الموروثات الاجتماعية الذكورية، وسلب حق الفرد بالدفاع عن نفسه، وأسباب تهتك العلاقات المجتمعة، من خلال دعوات الكاتبة الملحة لضرورة إعادة الحياة إلى صوابها .

وهناك من سجلن يوميات رحيلهن، ومنفاهن الذي دخل عقل المجتمعات، في أعمالهن المبنية على التقاط اللحظة الزمنية وتصرفات الذات، بلغة بسيطة وسلسة تستغني الدخول إلى متاهات السياسة والاحتلال أمثال : الكاتبة عدنية شبلي .
ومنهن من اتخذن طريق الواقعية التسجيلية والرمزية في حكايات أسرهن ويومياتهن باللحظة . أمثال سما حسن، ومنهن من سجلنا تناقضات المجتمع وأوضاعه، بطريقة إعلامية بسيطة وسلسة، أمثال الكاتبة هداية شمعوت .
ومنهن من تمردن بصوت عالي على الظلم والتقاليد الواقعة على المرأة، ووجودها واضطهادها من قبل الزوج وما تتعرض له بين أسرتها، وعائلتها، ومجتمعها الذي ينصف الرجل ويتجاهل حق الزوجة في البوح .
,وهناك من أجدن الهروب إلى منطقة الدفاع عن قضيتهن الشخصية والإنسانية والاجتماعية بجميع أشكالها، ليثبتن هويتهن الفكرية والأدبية، محاولين بطريقتهن نسج حضورهن بعين المستقبل المرجع للمتلقي والناقد، وليبرز أهمية الصور التي صرخت الروح وهي ما تزال كامنة في الأرحام .

وبعضهن لم يتمكن الظهور بسبب التكتم الإعلامي القائم على الساحة الغزية المحتكرة لاجترار وجوه مللننا حضورهم والتصفيق لهم، كما مللنا وجود أسمائهم على أوراق الدعوات، أو عبر البريد الالكتروني .
و هناك كاتبات ما زلن يعانن في غزة من التحفظ على حقيقة أسمائهن، بسبب العائق الاجتماعي المترصد بالمرأة الكاتبة، فبالكاد استطعنا الدخول إلى موهبة بعضهن بعد أن ظهرت النتائج السلبية على مجتمعهن هذا إذا تأملنا في قطاعات الحياة، لأننا سنكتشف فيها كل يوم قطاعاً جديدا، يفتح أمامنا مسألة الواجب الأدبي الملحوظ الذي يستحق التوقف لما يمكن طرحه على الملأ، لننقب ما وصلت إليه إمكانيات الأدب الفلسطيني، ليبث نموذج شاهداً على أدق تفاصيل الحياة في صيغة حديثة. ومن الضروري لكتاب اليوم أن يخرجوا من رئة أدباء الحرب، و يتخلصوا من ترسبات الماضي، وان يكفوا عن دوراتهم العالقة بطواحين الهواء، كي لا يفقدوا شهية تأثير القصة الفلسطينية في روايات مجتمعهم، وأن يشغلوا أنفسهم بما لديهم من أوراق شعبهم المستنزف من دم الواقع الإنساني المسيطر على الفرد ...
ومن اجل أن يتاح للقصة الفلسطينية استقرارها المتحرك، لترسوا على ميناء تبادل الثقافة العامة واعتدال الوقع، وان يتلافوا عيوب الاستنساخ وأغراضه، قبل أن يضيع ما تبقى من الأدب الفلسطيني على الساحة العربية الفلسطينية والدولية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع