الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الناقد حميد حسن جعفر

سعدون هليل

2013 / 7 / 24
مقابلات و حوارات


الشاعر والناقد حميد حسن جعفر



"الكتابة فعل ايجابي لايتحقق وسط الفوضى والاستلاب"
حاوره:سعدون هليل

حميد حسن جعفرشاعر وناقد، من مواليد الكوت عام 1944 كتب الشعر منذ سبعينيات القرن الماضي، وكتب العديد من الدراسات النقدية التي تتعلق بأعمال روائية، وقصصية وشعرية. أستطاع بمدة زمنية قصيرة أن يسجل حضورا متميزا بين شعراء جيله على صعيد العطاء الشعري وبالتالي على صعيد النشر. يمتلك القابلية في تكييف اللغة لتكوين صورة شعرية قوية ومؤثرة تنساب بسلاسة طليقة إلى روح القارئ. قصائد جعفر تفتش عن الملحمية في اللغة والحياة لتضعنا أمام الأسئلة التي تنتظر تلك الإجابات عن الأشياء الكبرى في الكون...انه شاعر منحاز للمعرفة والأمل والإنسان بكل تلك التفاصيل الصغيرة التي تجعل القصيدة ممتلئة بكل ذلك الجمال اللغوي وبالمضمون الحاد دون أن تنزل بها عن فضاء الشعر...أصدرالكاتب العديد من الكتب نذكر منها/ نوارس الموجة الآتية / قطرة ماء / الحدائق تعلو وأعاليك يداي / قصائد للحروب الأخيرة / فهم ما لا يقال / كل داخل يمر بك/ كل خارج كذلك /إغفاءة الآدمي الحزين / قريبا من البراري بعيدا عن الجدران /.وغيرها ومع اهتمامات الشاعر والناقد الشاعر والناقد حميد حسن جعفر أبحرنا في هذا الحوار.



• حميد حسن جعفر، هل من يكتب الرواية يجب أن تكون بداياته في الكتابة لها علاقة بالقصة القصيرة؟

_ اذا ما كانت القصة القصيرة قد خرجت من معطف غوغول فان غالبية القراء والمثقفين، اجيال النصف الاول من القرن العشرين قد خرجت من معطف القراءة الروائية، الرواية المحلية والعربية والمترجمة. فما من قارئ معنوي او روائي او شاعر او مسرحي او تشكيلي او سينمائي، إلا وقد تربى على يدي المدون السارد.
فالكائن الانساني ولحظة تلقفه للنص الروائي، كان قد امتلأ بالحكايات وبالنصوص الشفاهية، وكان قد تشبع من قبل. بما ترسل الجدات والامهات من شفاهيات وما ان يكبر هذا الكائن ويشب عن الطوق حتى يغادر حكايات المواقد، ويجد نفسه احد رواد المقاهي، حيث الحكواتي والقصة خون.
والمتابع لنصوص الف ليلة وليلة، لا بد له من ان يستمع الى/ او يقرأ المئات من ابيات الشعر والمقطوعات الشعرية، حيث يتداخل قول الناثر بما يقوله الشاعر، وحيث تتداخل الاجناس وتمحى ولو قليلاً سواحل الانواع، ولتضيع المسافات والحدود ما بين الشاعر والناثر.
وحين تتوقف الحكاية وينطفىء الموقد، تغيب الام والجدة والقصة خون، سوف يجد المتلقي/ المستمع نفسه باحثاً عن موطئ قدميه. عند هذه النقطة يتحول المتلقي/ المستمع الى متلق/ قارئ.
وليأخذ النثر/ السرد من الشعر، يأخذ من مخيال وحدس ووهم، وصناعة قديمة استطاعت ان تضم الى جانبها القراء باعداد كبيرة مستعينا بذلك على مقولة: "الشعر ديوان العرب" وليتحول القول الى: "النثر ديوان العرب" فالاول ديوان مسموع والثاني نثر مقروء.
فلا غرابة في حصول التغييرات في جسد الكتابة من خلال امتلاك المبدع لاكثر من وسيلة ابداعية للتعبير.
فما عادت القصيدة تنتمي الى- الكلام الموزون المقفى فحسب، وما عادت الرواية بداية ونهاية وحبكة وشخصيات وصراعات وامكنة وازمنة.
ليتحول كل هذا الى محاولات للايغال في عذاب العالم عبر هاجس الموت والحياة والوجود والعدم وصناعة الاسئلة.

*ما العلاقة بين الرواية وكتابة الشعر كونك شاعراً وروائيا وناقداً؟

_ وهذا ما يقوله – فاضل العزاوي- في تقديمه لروايته "مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة"
بل ان البعض من الروائيين راح يدفع بالرواية الى تخوم البحث والتقصي، والاستقراء لمفاهيم التطور والبناء والبحث عن "اليوتوبيا" انا شخصياً دخلت عالم الشعر من خلال عالم القراءة/ القلق. من خلال رومانسيات الرواية العربية ومن خلال واقعية الرواية السردية ومن تاريخيات جرجي زيدان، هذا الفن الذي سوف يسرق من ممتلكات الشعر الكثير من القراء. فقراءة الرواية هي عمل جميل يصنع التواصل، مع التاريخ ومع الطفولة التي لم تستطع ان تحافظ على براءتها وبياضها.

• هناك جدل بين المثقفين حول الأزمة التي تواجه الرواية فالبعض يراها أزمة في الرؤية والبعض يراها أزمة رواية، فما قولك بذلك؟

_ عندما لا يتمكن الجزء من حجب الكل لا لضعف فيه وعندما تكون سلطة الغابة اقوى من تواضع الشجرة، عند ذلك تتشكل الحياة بكل تفاصيلها على شكل عمل ابداعي، فضلا عن ان المنطقة المعتمة او الدواخل المطموسة من الحياة، تمتلك من الغموض والمهمل والمغامرة الشيء الكثير، فكل حركة او خطوة تشكل كشفا، وكل اضاءة تكون اضافة، وبالتالي تتحول الغابة/ الحياة الى كم هائل من المفاجآت. هذه الملامح والسمات تشكل اكثر من دافع ابداعي يوفر للكاتب الرغبة في ركوب الصعاب/ الدخول الى المجهول والتحول الى فن الاكتشاف. ان الآثاري/ المنقب لا يهمه ما يوجد فوق السطح/ الفوقاني، بل يسعى الى الكشف عن المطمور/ التحتاني، ضمن عملية تنتسب الى "الاريكولوجيا". ان هكذا فعلاً معرفياً يجب ان ينتمي الكاتب بكل تصانيفه وتعريفاته، بل ان القارئ المعاصر من الواجب ان يتمتع بما يتمتع به المكتشف الكاتب الآثاري ما دامت القراءة لا يمكن ان تقف تحت راية تمضية الوقت وقتل الفراغ.
الحياة بكل تفرعاتها، تستوجب على المبدع ان يمتاز عن سواه بالعديد من السلوكيات الكتابية. والتي تنتمي بدورها الى تعدد الاجناس. سلطة الحياة هذه لا تتوفر على هيئة مجموعة ثوابت مهمتها التحجيم، بل ان الانفتاح والغاء المغاليق من الممكن ان يشكل اكثر ملامحها قدرة على امتلاك فعالية الحياة نفسها. لذلك وضمن توفر القدرات الابداعية، نرى الكثير من المبدعين يمتلكون حق التحول والتنقل ما بين اصناف الكتابة، حيث تتداخل الكتابات في النص الواحد مع الصورة الفوتوغرافية، والنص الشعري باللوحة التشكيلية حيث تستعير القصيدة حواريات المسرح، ويستعير السرد مخيال الشاعر.
تجربتي في الكتابة وعلاقتي بالاجناس الادبية التي تنتمي الى الخروج عن قوة الجمود / التحجيم التدخل في الانفتاح/ الحراك.. ولتثبت وجودها وقدرتها من خلال اكثر من جنس ادبي يعتمد في انبثاقه على محاولات البحث عن المختلف. قد لا تسعفني القصيدة في القول. وفي احتواء الفكرة والحدث والتاريخ والجغرافيات. فالكل يحاول ان يقول ما لديه من المخبوءات، حين ذاك، اجد في حاضنة القراءة/ الكتابة النقدية ما يتلقف طموحاتي. وقد يكون في النص السردي اكثر من ثغرة في جدار الواقع المعيش/ الحياة بكل اخفاقاتها، وتحجراتها. من خلال هذه الثغرات/ نقاط الضعف اتمكن من الحصول على حالة خروج من قالب اللحظة الجامدة، راميا بقلقي في عباب النص السردي، هذا الفن الساحر المكتشف حديثا. رغم ان جذوره ودقائق اصوله تمتد في اعماق الحياة الانسانية. حيث حكايات الجدات والحكائين والعازفين على الربابة. وقد يشكل التاريخ/ تاريخ الانسان او تاريخ المكان اكبر دافع من اجل التخلي عن جنس – وان كانت حالة مؤقتة- من اجل سطوع جنس آخر. اذ ان تعدد الاجناس "السرد/ الشعر/ الدين/ السحر/ التاريخ/ الجغرافية كمكان/ تراجم الاشخاص/ السير الذاتية" هذا التعدد لا يمكن ان ينتمي الى التقاطع ولا ينتمي الى الالغاء، بل ان عملية التكامل الابداعي، ستكون هي السائدة وبالتالي فإن المبدع/ الكاتب سيجد بين يديه اكثر من فعل اضاءة واكثر من دافع للتحول الى آثاري/ منقب ينفخ في روحه، في الحجر، ليتحول الى تاريخ مرئي.

• الكتابة باعتبارها خروجا من الذات الى العالم، وتفاعلا حياً فيما بينهما.. هل تكتب للعالم أم تكتب نفسك؟ ثم ماذا تعني الكتابة بالنسبة إليك؟

_ الكتابة فعل ايجابي لن يتحقق وسط الفوضى والاستلاب، وان كان هناك البعض من افعال الكتابة قد انسحقت تحت جنازير سلطة الادلجة من اجل تحويل المدونات الى اعلان حرب او الى تمجيد قاتل. او من اجل ان تكون فعلا تبريريا لقتل الآخر/ الخصم هذه الادلجة وما تنتج لا يمكن ان تشكل افعالا تنتمي للاستمرارية لانها تنتمي الى القطيعة الى الفعل المضاد للحياة.
ان خمسة وعشرين عاما/ ربع قرن او يزيد من الصمت لا يعني في عرف الابداع الا مفصلا للادخار من اجل صناعة خزين من الممكن ان يوفر حالة تفجير. حالة انفتاح/ انفتاحات على العديد من مصنفات الحياة التي هي نتاج الفعل الجامح، المتمثل بالرفض لقيم الصنم والثورة على الاستبداد والبحث عن منافذ جديدة تقف خارج الجنس/ النوع الواحد المصنف/ النسق، فتعدد الاجناس بين يدي المبدع حالة اكثر من صحية تنتمي للتشكيل الحياتي الباحث عن الاختلاف.
ان صمت السنوات الخمس والعشرين كان صمت كتابة وليس صمت تفكير او صمت وعي وادراك. هذا الصمت لم يقف خارج ايجابيات الحياة، كان بحثا عن مستفزات المستقبل، حيث يتضاعف الاندفاع الابداعي للكشف وللتقشير المتصل بمفصل التقرن الذي يمثل حالة تشويه للبشرة النقية. فالكتابات المتعددة/ كأجناس مختلفة، والتي تطلع من بين يدي، كالقراءة والتي هي مذهب الكشف عن المستور. وكمفصل واجب لا يمكن تجاوزه ابدا وانا شخصيا اعتبره فعلا لا يقل بل قد يتجاوز ويتفوق اهمية على فعل الكتابة نفسها. وكذلك الكتابة الشعرية والسردية. والكتابة عنه وفي نصوص نقدية. والكتابة في المكان ودوره في صناعة التواصل ما بين الواقع والمجتمع. وما بين طموح الفرد في خلق المختلف وعلاقته بسلطة القمع والاستبداد.
هذه الاهتمامات/ الاجناس المتنوعة لا يمكن ان تشكل الا فعلا عضويا قادرا على توفير البدائل. فالصمت ضمن هكذا توصيف، فعل لصناعة كائن حياتي يتوهج بعيدا عن امراض الشطب وعدم الاعتراف بالاخر. انه كائن لاسناد الانسان ولصناعة التنوع. وفق هكذا تصور لا يمكن لفعل الحياة المكتضة ان يتحول الى فعل الغائي للجزء/ الفرد.
وان الغابة/ الحياة المكتظة بسكانها وبالدخلاء ستظل بحاجة الشجرة/ الفرد التي تقف في مقدمة بستان الحياة. هذا الفعل هو الذي كثيرا ما يتقدم بخبرتي في الكتابة والقراءة والمتابعة في انتاج المعرفة وفي التعامل مع الآخر/ المساند والآخر/ المضاد. الحياة لا تتشكل عبر كتاباتي عبر طرف واحد بل ان وجود اكثر من طرف او وجود مجموعة اطراف فاعلة من الممكن ان تشكل مجموعة معادلات حياتية قد تتعارض مع بعضها، او قد تتناغم. الا ان العنصر الاساسي في الحياة هو صناعة المتناقضات. اذ ان المواءمة سلبية الموقف، وفي الكثير من الا حايين تسير بالحياة نحو التوافقات نحو الخمول. فالماء الساكن/ البركة الراكدة لا ينتج الا حبوات بدائية كالطحالب والاشنان وبعض العوالق.. وبالتالي فان الركود لا يمكن ان يقف بموازاة مجرى النهر. ولا سعة البحر. في انتاج حيوات/ كائنات متقدمة في سلم النهوض او بموازاة افعال جبناتها.

• كيف تبدأ بالشروع في كتابة نصوصك الشعرية والقصصية والروائية؟

_ حين اكتب او اقرأ، حين اتأمل او افكر لحظة وجودي داخل الاستقراء او لحظة وجودي في الاستذكار، اعمل على صناعة حالة ود، حالة تصالح مع الحياة. في تلك اللحظة يكون باستطاعتي ان اضع يدي على الحياة برقتها كما يقال، فأسباب المعرفة ومنتجاتها توفر لي مجموعة مفاتيح للكثير من المغاليق. البعض من المبدعين يعمل على تفكيك الحياة وتمزيق لحمتها، وبالتالي سوف يجد او لا يجد بين يديه سوى مفردات شاحبة، وبعض المفاصل الباردة الحياة ككل متكامل. حين نجردها من خصائصها، واعني بها الحراك والاختلاف، وعدم الركون الى الدعة، وحالة المواءمة المطلقة تتحول الحياة تلك الى شجرة جافة/ يابسة رغم العتمة التي تكسو اوراقها. ورغم الثمار اليانعة والتي تبدو متعافية. ولكن حين نحدق بتكويناتها سنجدها ثمارا تجاوزت لحظة القطاف، وانها تنتمي للعفن والتلف، اي ان البعض هذا يتعامل مع الحياة ككائن جامد خامل منطفئ وليس ككائن ساخن متحرك، مبدأ الحياة هنا كائن كلاني. يدفع بالنص الذي اكتبه – او يكتبه سواي- او اقرأه "لان القراءة فن استحضار الحياة" وكل قارئ له طريقته في التعامل مع النص المقروء، وبالتالي لابد للنتائج ان تكون مختلفة المبدأ. هذا دفع بالنص الى اختفاء الكثير من جينات التكوين الحياتي، والتي بدورها حين تتكاتف تشكل جغرافيات وتواريخ مستقبلية لابد لها من توفير حالة من البهجة والسمو والاحتفاء. فالتنوع في الكتابة نابع من التنوع في القراءات وقدرة المتلقي على الاستقبالات المختلفة هي جزء من احتفاليات الكاتب. "رغم ان شاعرا قد يعلن – او اعلن- عدم رغبته من قراءة الرواية، وان روائيا يعلن ضجره وعدم رضاه حين يتصفح جريدة ليجد امامه نصا في السينما او الفلك او الجنس او الشعر. أوان مهتما بشؤون السينما لا يستوعب ولا يتمكن من صناعة المعرفة من خلال مشهد تشكيلي. وان استاذا جامعيا- ماجستير بالسرد- ودكتوراه بالشعر يعلن عدم فهمه او عدم استيعابه لنص شعري يسمعه" .
فالتنوع هذا، ما بين الشعر والنثر والقراءة والكتابة في المكان والزمان فالقصيدة – خاصة- لحظة امتلاك مشروعية الكتابة كأن تكون نصا شعريا او نثريا او نصا مفتوحا او كتابة سردية باستطاعتها ان تضع امام عينيها، او بين يديها، وحول مجساتها، التواريخ والامكنة والاحداث والشخصيات - والوقائع من غير حذف او تجميل- وكل ما لدى الحياة وما عليها، لتتمكن القصيدة/ الشعر وعبر المخيال من الوصول الى ركائز ومنطلقات تمنح القصيدة ذاتها – خاصة والكتابة- عامة- فعل البقاء، ولتتحول الكتابة اولا والقراءة ثانيا، الى حالة من التواصل، الى حالة من الانبثاق الى مجموعة من المواقد المتقدة، وليجد القارئ نفسه وسط هذا النص، او تلك القصيدة، يجد نفسه واحدا من كائناتها. ومن مكوناتها، المبدع هنا لن يكون مرآة عاكسة و حالة جماد للواقع المعيش بقدر ما يمكن ان يكون بؤرة لمفصل اللاواقع. فالحلم لا يمكن ان يكون في يوم ما – واذا ما كان هكذا- حينها يصير كابوسا. الحلم هنا هو اللاواقع. المدن الفاضلة لم تكن واقعا خاملاً. بل هو فعل طالع من المغايرة. فالشاعر والمبدع حالهما حال المتمردين على الثوابت السياسية وحالهما حال الثوار على فساد الواقع وليس شرطا ان يكون الثائر حاملا للبندقية/ الآلة وليس من الممكن ان يكون واقفا خارج الحراك / الثورة. اؤلئك الثوار الحالمون بالتغيير، رغم خروجهم من بين المسحوقين والمعوزين، رغم خروجهم من مفهوم القناعات، هذه الكنوز التي لا تفنى والتي لا تسمن ولا تعني عن جوع، تلك الصناعات الشاطبة لمفهوم البحث عن البديل، تلك التي تنتمي للسلطة الشمولية سواء كانت سياسية او دينية، انها حالة موت خامل. ينتظر فرصته للانقضاض على الكائن البشري، سواء كان الشاعر نفسه، او المتلقي، او الباحث عما في النص، وما يحمل من قيم وافكار ومخيلة وفعل مستقبلي.

• هل هناك علاقة ضمنية بين النتاجات الابداعية والفكرية والفنية؟

_ "القصيدة، الرواية، الفلم، اللوحة، المسرحية" افعال يجب ان تكون منتجة للازاحة.. هذا قوام فعلها الذي من اجله وجدت، توجب على المتلقي والمتفرج والقارئ والمستمع، بعيدا عن المشامخة. توجب حالة من الوعي الذي يعيد تنظيم مفردات الحياة التي يطرحها النص المدون والمرئي، او حين يتم استقبال حوار وصراعات المسرح. ومن غير الوعي وما ينتمي الى الفكر والمعرفة يتحول الاستقبال هذا الى حالة من الفوضى والارتباك والتشويش، وليتحول الى كابوس والمدن الفاضلة الى اماكن مدنسة ومعادية - كالمقابر والمعتقلات والثكنات- والى كل ما يعمل على شطب شخصية الكائن المتعلم/ المعرفي. فالابداع لا يمكنه ان يكون الا حالة اختلاف، والا اين المفاضلة والمقارنة بين هذا وذاك. من افعال الشعر والسرد، والفرشاة وخشبة المسرح؟ الابداع انتمى للمستقبل، رغم اتكائه على الماضي. وما بين القدم والحداثة يكون انبثاق النص المعاصر، النص الذي يعلن انتماءه للانسان المتفوق وعيا وادراكا ومعرفة ولان القصيدة والاجناس الادبية، والمدونات الثقافية لا يمكن ان تقف خارج المخيلة، او خارج ما يسميه الاسلاف من المهتمين بالشعر "اعذب الشعر اكذبه" هذه "الاكذبة" ما هي الا ماء الشعر وروحه وجيناته.

• أين تكمن الأزمة الثقافية هل هي في المبدع أم الناشر أم القارىء؟

_ استهلاك الحياة عبر الفوضى لا يمكن ان ينتج ما يرث الحياة في لحظة الاستهلاك هذه توفر القطيعة، ما بين الانسان اللامعرفي ومفهوم الحياة، وليتصاعد القمع والاستبداد لان المعارف هي التي تشكل الدريئة للحفاظ على تجليات الحياة التي من وظائفها توفير حالة الوفرة في الكتابة، الوفرة المعتمدة على النوع الذي يمثل الكتابة المضادة المختلفة.
اي ان الكتابة الطالعة من مفهوم السائد لا يمكنها ان تشكل انعطافة في حياة الاطراف الثلاثة، واعني بها الكاتب والنص والمتلقي. اذ ان المنتج التدويني السائد ليس بمقدوره ان يعطي ما لا يمتلك، لانه غير مؤهل لانتاج المغايرة وتوفير الاستقبال الموجه لدى المتلقي النبه، هذا المنتج يشكل الكثير من التراكمات التي تتكون وفق مبدأ التحصينات البعيدة عن السهولة في الطرح، والذي تقابله سهولة في التلقي ليتم انتاج مبادئ الافعال الخاملة.
في الطرف الثاني من عملية الابداع هو وجود القرارات المتعددة كما ونوعا مع وجود ذخيرة وعي، والتي لابد لها من ان تتحول الى مجموعة افعال منتجة لافعال غير مضطرة الى الخضوع الى الانسحاق، اذا ما اعتبرنا ان الحياة هي مجموعة كائنات بامكانها ان ترث ما قبلها. لتورث ما بعدها فمبدأ الموت رغم وجوده المادي. الا انه لا وجود له في ظل تشكيل المجتمعات الناهضة، المجتمعات المعرفية.

• الكثير من النقاد والكتاب يذهبون الى أن هذا العصر هو عصر الرواية، هل تتفق مع رأيهم؟
_ في السرد من الممكن ان يجد المبدع نفسه وسط خيارات لا تعد، فالرواية هي نتاج المجتمعات الحديثة، نتاج المدن الصناعية، نتاج الآلة. ومن ضمن امكاناته المتاحة هي قدرته على الاستفادة من جميع الخيارات فالرواية كابداع هي حالة استبصار، واستبطان واستقراء واستشراف قد يجد الشاعر – الذي قد اكونه او يكونه سواي- عبر هذا الجنس، ما لم يجده في النص الشعري، على الرغم من ان الشعر بالاساس يشتغل على صناعة اللاواقع، حيث الوهم والتخيل. في النص السردي يكون المبدع اكثر قدرة على الالغاء والفرز والتأكيد والاختبار. وذا ما استطاعت القصيدة - قصيدة الجيل الخمسيني تحديدا- ان تستفيد كثيرا من النصوص الاسطورية والشخصيات التاريخية، فأن الرواية استطاعت ان تخلق اسطورتها، اساطيرها من خلال التاريخ الديني والميثولوجي المستند بالاساس على الغيب، وان تحول شخصياتها الى كائنات تقف خارج مدار الانسان الاعتيادي. تداخل الاهتمامات للاجناس عمل على تدمير الاطر والحدود والخزائن المختلفة لتتحول القصيدة الى لوحة تشكيلية وليتحول النص الروائي الى مسرحية ا والى مسلسل تلفزيوني. وان يتحول الواقع الى لاواقع. ولتتمكن هذه الاهتمامات من ان توفر للشاعر اكثر من مدخل الى التاريخ. الى مجاهيل الحياة والعالم، الى حياة الاقوام المنقرضة ليعيد انتاجها وفق رؤيا معاصرة.

اختباراتي الثقافية التي انصبت على اتخاذ الصمت "كعامل انتاج للرفض" كدريئة، هذه الاختيارات لم تكن تبحث عما ينتمي الى العفوية او الموت الفكري". ولم تكن حالة تدمير "الانا" المضمرة. بل كانت محاولات للصمت المؤقت المرتبط بالفعل الثقافي. وضمن مواجهة غير معلنة رسميا لمحاولات تحويل الآخر الذي لم يركب قطار السلطة – الواقف خارج تكتيكات واستراتيجيات الفكر الشمولي. في ان يتحول الاخر الى هدف معاد. ومن ثم تدمير استحكاماته الثقافية. الوعي والادراك والمعرفة والقراءة. لذلك عمل الكثيرون من الادباء والمثقفين والمهتمين بالشأن الابداعي الى وضع السلطة الثقافية العوراء في منطقة الوهم. في المنطقة الضبابية حيث تكون هكذا سلطات ضمن حالة من العمى الفكري. سلطات لا تنتمي الى الثقافة بقدر انتمائها الطالع من عدم الاعتراف بالمتحول. مؤكدة على ضرورة وجود منظومة الثوابت التي من خلالها تطلق رجالاتها. "عسكريين وسياسيين وادباء مؤجلين" الى محافل "الثقافة" ومؤتمراتها ومنابرها. وليتحول المثقف "وفق نتائج لفعاليات مبهمة" الى فضاء صحيفة مفتوحة لاستقبالات فضلاتهم الفكرية.
واذا ما كانت عصا السلطة قادرة على الوصول الى المثقف. وان تضعه في المدى المكاني الذي من الممكن ان تصل اليه مؤسسة السلطة. فأنها لم تتمكن من ان توهم الواقف في الضفة الاخرى. الواقف حيث الامتدادات الحقة للثقافة العراقية والفكر العراقي.
الا ان حركة التاريخ. حركة الافراد والجماعات كانت تؤكد وبشكل قاطع على ان الافكار الضالة والعرجاء، الافكار الشمولية. لا يمكنها انتاج المعرفة ولا يمكنها انتاج التاريخ المستقبلي للحضارات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير