الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضحية- قصة قصيرة

عبد الفتاح المطلبي

2013 / 8 / 2
الادب والفن


الضحية
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي

أفاقَ وركامُ الظلامِ يحيطُ بهِ إحاطة َ موجٍِ بغريقٍ، يداهُ ورجلاه ُموثقتان برباقٍ مما تستخدمه جيوشُ هذا العصرِفي أسرِ ضحاياها ، عَلِمَ ذلك حين حاولَ أن يفعلَ شيئا ولكن عبثا كانت محاولتُه لا أملَ في أن يُفك وثاقه المصنوع من هذه الربقة القوية،كان الزمن يمر ببطيء شديد ، اللحظة كدهر تمرعليه ألقي في هذا المكان المظلم إلا من ثقب صغيرفي زاوية السقف الشرقية يتسرب منه خيط من الضوء كلما ارتفعت الشمس إلى ضُحاها ومن خلاله تخمن الضحية أن الوقت هو النهار ثم لا يلبث أن يطبق الظلام عندما تدور الشمس باتجاه الغرب وعند ذاك يحيد الضوء مزوّرا عن الثقب فيشكل ُ على الضحية أن تعرف عن زمنها أي شيء ، كانت الضحية غائبة عن الوعي قبل ذلك إثر ضربةٍ على مؤخر الرأس ولما أفاق وجد نفسه على هذه الحال ، مضت دقائق ثقيلة مابين انتباهته وبين شعوره بأن هناك من يتربص به ، الظلمةُ حالكةٌ ، شعر بقشعريرة تنتاب جلده المُكَدّم، حين أطبقت على عُنقه كفّان ثقيلتان سحبتاه إلى الحائط وراحتا تضغطان على عنقه بقوة وببطئٍ شديد و أصابعهما اللتي تشبه الكلاليب تضغطان وتنغرزان في حنجرته وبينما كان الأمر قد بدا محتوما وإن حشرجات نفسه المقطوع بدأت تخور وتضعف وبينما كان اليأس يملأ الفراغات المتبقية في جسد الأمل الميت حدثت المعجزة ، شعر أن كائنا آخر أكثر حضورا وأكثر ثقلا في هذا الظلام المطبق، كان الثقب يبث بصيص ضوئه عندما دخل الرجل العملاق الأشقرالمدجج بمُدى وفأس ومسدس وبندقية وعيناه الزرقاوان تنظران حولهما ببرود وقد هوى بمديته الحادة والكبيرة على عنق الرجل الغاشم الذي كان يخنق ضحيته ببطيء وهو يقول للقادم المهيب لحظات يا سيدي و سأنتهي منه ودون أن يشعر الخناق بجدية مدية ذلك العملاق الأشقر تدحرج رأسه منفصلا عن جسده وخارت قوى القبضتين حول عنق الضحية التي لم تصدق أن أملا قد تحرك مستردا ومضاته في رأس تلك الضحية ، وبينما كان العملاق الأشقر يضيء المكان المظلم بضوء مصباحه القوي الذي وضعه جانبا ارتسمت علائم فرح لا يصدق على وجه الضحية التي رأت أيضا علائم ابتسامة باردة على فم المنقذ العملاق الأشقر ولم تكن الضحية قادرة على استبيان أية مشاعر في تلك اللحظة ، ثم حمل العملاق مصباحه وأغلق باب المعتقل تاركا الضحية موثقةً كما هي صحبة الرجل الخناق وقد فصل رأسه عن جسده ، كان الرأس المقصول يوحي للضحية بما يملك من تبريرات لكل ما حصل وكان على الضحية أن تصدق تلك الإيحاءات فحجة الرأس المقصول قوية وإن خلاص الضحية لا زال بعيدا عن المنال لكن الضحية أدركت من على حافة الخطر الماثل أن الموت ابتعد قليلاً بفصل الرأس عن الجسد ولم تعد تشعر بإنفاسه المميتة، في المكان بقي الزمن على حاله تمرُّ كل لحظة منه كدهر لكن كان هناك شبح أمل يهاجم دماغ الضحية التي لازالت حية لحد هذه اللحظة ، تسرب قليلٌ من الضوء من الثقب الصغير في الأعلى ساقطا على الرأس الذي بدا ملتفتاً إلى الضحية وكأنه
يُكلمه:
الآ ن عليك أن تقلق كثيرا أيها البائس !
لمَ ذلك وقد خلصني من كفيك المميتتين ؟
ستتمنى ذلك الموت حين تدرك أنني كنت سأختصر عليك الطريق !
أشاح بوجهه بعيدا عن الرأس، راحت الوساوس تتحرك وتتكاثر مثل دود ٍ لامع على جثة حيوانٍ نافق بيد أن الرأسَ المقصول استمر يحدق في وجه ضحيته شامتا بالضحية التي تركها مُخلصها موثقةً تنزف وساوسا وريبة وخيل للضحية أن الرأس المقصول راح يضحك مما آل إليه الأمر كانت هناك فرصة لتذكر لحظات جميلة مرت في حياة الضحية متعجبة من سرعة مرورها الخاطف بينما كانت الدقائق تمر على الضحية بعد اندحار الآمال مثل دحرجة حجر كبير وأصم من الوادي إلى قمة جبل ماثل في الخيال وكأن سيزيف قد مثل أمام المنظور قائلاً: لا فائدة ..لا فائدة ليس في مقدور أحد الهروب من قدره
بعد مرور كثير من الوقت وبعد موت كل الآمال فتح العملاق الباب وراودت الضحية أفكار متفائلة بأنه ربما قد أتى لفك وثاقه وربما ملاطفته أو تقديم بعض الطعام له وربما الإعتذار له على تأخره وتخيل أنه سيقول له أن ظروفا قاهرة قد أخرته وإنه آسفٌ لذلك أشد الأسف ،.....
بقي العملاق واثقا أزاء الضحية التي لا زالت حيه وكأنه يفكر بماذا يبدأ أيبدأ بفك وثاق اليدين أم يبدأ بالساقين المكبلين هكذا كانت الضحية التي لازالت حية تفكر وتنتظر ، تحرك العملاق الأشقر الذي أنقذ الضحية من صاحب الكفين الخانقتين و أطاحَ برأسه، تحرك نحو الضحية فانتعشت الآمال في نفس الضحية لكنه كان يحمل فأسه الكبيرة وسكينه الحادة التي كانت في قبضته كجزء منها ، وبسعادة بالغة كانت الضحية تنظرُ للسكين تصورت الضحية أن السكين ستقطع تلك الربقة التي توثق اليدين لكن السكين ذات الشفرة المرهفة ابتعدت قليلا عن الربقة وراحت تجتث أصابع الضحية ، اختلط عويل الضحية بالتوسلات والدموع ، راح الأشقر يتفحص الأصابع المقطوعة على ضوء مصباحه ثم ألقى بها قرب الرأس الذي بدا كما لو كان مستغرقا في الضحك بينما أغمي على الضحية من شدة الألم ،
أخرج الأشقر عدة إسعاف كانت معلقة على كتفه وراح يخيط جروح الضحية ويرش عليه مسحوقا مقاوما للعفن ثم لفها بضمادة وخرج تاركا الضحية غائبة عن الوعي
عندما غادر الوعي الضحية حضر الرأس المقصول كما هو مقصولا بفم مفتوح وكأنه يضحك
سيفك وثاق يديك حين يبتر كفيك ببلطته بضربة واحده.
كان الم جروحه لا يطاق وكأن قلبه قد تسلل إلى موضع البتر
مرت ثلاثة أيام عندما حضر وكأنه قد خرج من العدم ، راح يتفحص الجروح المتقيحة وقد دب فيها العفن الغنغريني ، كانت الضحية تأن بتوسل ، هزّ رأسه مغمغما :
إنك لا تريد أن تموت حتما ، كل ما تبقى لديك هذا النفس الصاعد النازل وأنت لا ترغب بتوقفه ، علينا أن نبتر الكفين ، كانت الخشبة حاضرة والفأس مرهفة الشفرة والزيت يفور ، ورغم أنه قد أقحم قميصا عتيقا بفم الضحية لكنها أطلقت صرخة مكتومة حملت رعب العالم بأسره في تلك اللحظة وغاب عن الوعي و كان العالم الذي انتقل إليه كورقة مُجعدة اجتثت من أصل دفتر مرتْ عليه هلاوس كتبت بحروف ملتوية للغات جيوشٍ غاشمة مغول وسلاجقة وإنكليز ،. هكذا وبالطريقة ذاتها والأعذار نفسها فعل الشيء ذاته مع قدميه فعاد بلا كفين ولا قدمين وحين شُفيت جروحه سقطت ربقتا قدميه ويديه واستحال كائنا زاحفا على مرفقيه وركبتيه وعندما هاجمه الجوع والعطش مهددا ما تبقى له من حياة الزاحف زحف ببطء نحو إناء الماء وإناء ٍ فيه بعض ما يُبقي له رمقٍ الحياة، كان الضوء يتسرب من الثقب وكان الرأس المقصول قد تحول إلى جيفة ولكنه بدا مكشرا و كأنه يضحك ، وتهيأ له أنه سمعه يقول : الآن قد فك وثاقك فاهنأ بحياتك الجديدة كزاحفٍ أيها المسكين ، أما كان الموت أجدر ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024


.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-




.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى