الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فليسقط الكهرباء وليسقط النفط ولتحيى الطاقة!

محمد علي زيني

2013 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


هذا العنوان يذكرني بهتافات أيام زمان حينما كانت المضاهرات السياسية تهز مدينة النجف، وكنت آنذاك في مرحلة الدراسة المتوسطة (خلال النصف الأول من خمسينات القرن الماضي). كانت المضاهرة تخرج بصورة مفاجئة من بداية السوق الكبير من جهة الصحن العلوي الشريف في غالب الأحيان، متوجهة نحو الميدان أو "باب الولاية" حيث تنتظرها "الشرطة السيارة"، وهي قوات همجية تضرب بدون رحمة. وفي حالة اشتداد غضب الجماهير تنسحب قوات الشرطة السيارة لتحل محلها قوات من الجيش العراقي، وهي كانت أكثر تمدناً وأرحم بكثير من الشرطة، إذ كانت تطلق الرصاص بالهواء، إلاّ ما ندر. وكنا نحن الصغار نطلق سيقاننا الى الريح حينما يحمى الوطيس لنختبئ بالأسواق الجانبية المتفرعة من السوق الكبير أو فيما وراء الأسواق من أزقّة.
مضاهرة ساحة التحرير
والآن، وبعد مرور نحو ستين سنة ماذا تغير؟ الحكومة تدعي زوراً أنها ديمقراطية وهي ليست كذلك. فالمضاهرة المتمدنة والسلمية التي خرجت في ساحة التحرير ببغداد، في الجمعة الماضية (2 آب) جوبهت بالقوة الغاشمة وأُلقي القبض على ستة، على الأقل، من قادتها بحجة عدم الحصول على رخصة للتضاهر، وكأنما ستقوم الجهة المسؤولة (جداً جداً) بتأدية واجبها بحسن نية وتستجيب للطلب دون وضع الحجج والعراقيل، وستعطي الرخصة المطلوبة فوراً لأن تلك الجهة المسؤولة (جداًجداً) هي حريصة (جداً جداً جداً) على قيام الشعب بممارسة حقوقه التي كفلها الدستور. وحتى لو أُعطِيت الأجازة المطلوبة، فهل ستُترك المضاهرة لتؤدي غرضها بسلام؟ كلاّ بالطبع! إذ – كما هي كالعادة – ستُقطع الطرقات، وستُمنع السيارات من الوصول الى ساحة التحرير. وعلى أفراد الشعب المشي لساعات طويلة حتى الأنهاك إن هم أرادوا التضاهر بتلك الساحة. ولن يُتركوا، مع ذلك، بسلام، إذ سيتم تطويق الأفراد القلائل الذين تمكنوا من الوصول، وسيُلقى القبض على البعض منهم لكي يُهانوا، وربما يُسجنوا لبضعة أيام يتعرضون خلالها الى الضرب ولربما حتى التعذيب!
يا شعب العراق اذهب أينما شئت ومارس حقك في الصياح والهتاف والمعارضة. إذهب الى الساحات الخالية المنتشرة ببغداد – وهي بالمناسَبة ضمن التصميم الأساسي لهذه المدينة العريقة، بيد أن العديد منها وخاصة ذوات المواقع الستراتيجية، وُزّعت خلسة على كبار المسؤولين كغنيمة – إذهب الى هناك ومارس حقك بالتضاهر كيفما شئت فنحن خَدمِك! أو اذهب الى حديقة الزوراء – كما اقترح بعض العقلاء من المسؤولين – وتضاهر هناك في ذلك المكان المريح والجميل. حينذاك ستقوم الأشجار المتمايلة حيث مالت الريح – كما العديد من سياسي السلطة – بقراءة ما كُتِب على اللافتات وستُنفّذ مطالبك العادلة فوراً!! ولكن حذارِ حذارِ أن تذهب الى ساحة التحرير لأنك بذلك ستُسقِط ورقة التوت وُتعرّينا على حقيقتنا، بل في حالة مقارنتنا مع الجيش المصري، الوطني بحق وحقيقة، سنصبح فضيحة مُدوّية أمام العالم.
ألا فاعلم وافهم أيها الشعب العراقي المشاغب، يا خادمنا المطيع، أن لا حرية تحت نصب الحرية!!!
إلغاء وزارتي النفط والكهرباء
كان هدفي في بادئ الأمر أن أكتب قليلاً عن الكهرباء والمشتقات النفطية، بعد أن كتبت من قبل كثيراً في هذا الموضوع الخطير، فلا من سامع – طبعا - ولا من مجيب. نعم إن هدفي أن أُكرر، ولو قليلاً مما قلت من قبل. وكيف لا أكرر الكتابة عن هذه المشكلة العويصة، وهي تمس حياة أهالينا كل يوم، بل كل ساعة، وقد طالت هذه المشكلة وعرضت وأصبحت بفضل قادتنا الأشاوس محنة المِحَن. غير أن ما حدث الجمعة الفائتة لمتضاهرينا الشجعان ترك في القلب حرقة وفي الحلق غصة، ولم أتمالك إلا أن أعرج على ذلك الحدث بتعليق. والآن وقد فعلت ذلك، أعود الى موضوعنا الأصلي الذي وضعت العنوان من أجله.
كنت في الطابق الأرضي من بيتنا منهمكاً في قراءة كتاب عندما سمعت الصوت الخافت للتلفزيون، وهو في الطابق العلوي، يتكلم عن مشروع يزمع تنفيذه السيد رئيس مجلس الوزراء ومفاده دمج بعض الوزارات الخدمية مع البعض الآخر وإلغاء وزارة الصحة بعد توزيع مهماتها على المحافظات، وذلك توخياً لتقليص العدد الهائل من الوزارات في العراق، والأقتصاد بالأنفاق وزيادة الكفاءة في العمل. لم أصدق ما سمعت أُذُناي لسببين، أولهما لأن صوت التلفزيون كان خافتاً ويشوبه لغط المشاهدين ولم أكن متأكداً من هوية القائل وماذا قيل بالضبط، وثانيهما لأنني ولأول مرة أسمع بأن أحداً من سياسيي السلطة يتوجه، ربما بنية صادقةً هذه المرة، للمساهمة في بناء هذا البلد وإنعاش إقتصاده المشرف على الموت.
فالمحاصصة قد دمرت العراق وقضت على حسن النية في العمل وهدمت العامل الأساسي في تحقيق النجاح وهو قيام مجلس الوزراء، الذي تحركه الكُتل السياسية، بالعمل كفريق واحد همه الأول والأخير بناء البلد والتقدم به دوماً نحو الأفضل. وترفد ذلك الفريق، من جهة أخرى، معارضة صادقة النوايا تُؤمّن سير الوزارة على السكة الصحيحة لخدمة البلد وتعدل سيرها كلما حادت عن جادة الصواب، بدلاً من التناكف الدائم معها بهدف إزاحتها عن كرسي السلطة والجلوس محلها بأي ثمن. إن من مؤشرات الدمار الذي أصاب العراق هو خلق وزارات لا هدف منها إلا لأرضاء فلان وعلاّن. والنتيجة هدر المال العام واستشراء الفساد. إن دمج وزارات معينة فيما بينها وإلغاء بعض الوزارات وإناطة مسؤولياتها الى الحكومات المحلية كلما أمكن ذلك، سيخفف من مركزية الحكومة الأتحادية ويُفعّل المحافضات لخدمة نفسها بنفسِها وبكفاءة أعلى، وسيسحب البساط من تحت بعض المحافظات حتى تكف عن المطالبة بالتحول الى أقاليم، لأن تحول المحافظات الى أقاليم سيصيب العراق بمقتل!
إن فوائد إلغاء وزارات وتحويل مسؤولياتها الى المحافظات سوف لن تقتصر على تقليص الأنفاق العام وخلق توازن منطقي بين المركز والمحافظات وزيادة كفاءة البلد الأنتاجية بصورة عامة. إن إلغاء بعض الوزارات وإناطة مهامها الى المحافظات سيقلص من الفساد الذي ابتُلي به العراق لأن عملية مراقبة الحكومات المحلية ومحاسبتها من قبل سكان المحافظة وتسليط الضوء على أفعالها سيكون أسهل بكثير من القيام بنفس المهمات ولكن على نطاق الوزارة والبلد بكامله. أضف الى ذلك أن المنافسة بين المحفاظات ستكون في هذه الحالة على أشدها ما ينتج عنه التحسن التدريجي في كفاءة الأنجاز من حيث النوعية والكلفة والوقت المصروف.
إن عملية الأصلاح بواسطة الدمج ينطبق بالتأكيد على وزارتي النفط والكهرباء، وذلك بدمجهما معا في وزارة واحدة تُدعى وزارة الطاقة يكون مكانها المركز وتدار من قبل الحكومة الأتحادية، ولطالما فكرت بهذا الأمر من قبل. إن هذه الوزارة الجديدة سيتولد عنها نفس الفوائد التي ذكرناها أعلاه ومن بينها تقليص الأنفاق العام، وزيادة كفاءة الأنتاج وانحسار الفساد تدريجياً الى أقل درجة ممكنة. وفوق هذا وذاك، ستحرم الوزارتان الحاليتان من حجة كل منهما إلقاء اللوم على الوزارة الأخرى في حالة إخفاقهما بالأداء وتعرضهما للحساب. فكثيراً ما بررت وزارة الكهرباء إخفاقاتها بادعائها فشل وزارة النفط بتزويدها بالكميات اللازمة من الغاز والمشتقات النفطية وبالوقت المناسب. بالمقابل كثيراً ما سمعنا وزارة النفط وهي تبرر إخفاقاتها بادعائها فشل وزارة الكهرباء بتزويدها بالطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المصافي وأنابيب نقل النفط والغاز. إن وزيراً واحداً للطاقة مع وكلاء متخصصين بشؤون النفط وآخرين متخصصين بشؤون الكهرباء وقيام التنسيق اللازم بين الطرفين لتأمين كفاءة الأنجاز هو الأفضل، وهذا ما تعمل به أغلب الدول، وخاصة المتطورة منها مثل أمريكا وبريطانيا.
سموم البانزين مرة أخرى
وضعت الكتاب جانباً واقتربت من التلفريون لآخد قسطاً من الراحة لفترة وجيزة شاهدت خلالها الخبير النفطي المعروف السيد عدنان الجنابي، وهو يشغل حالياً وظيفة رئيس لجنة الطاقة والنفط في البرلمان العراقي. لقد استعرض السيد عدنان عدةً من المشاكل الخطيرة التي يعاني منها القطاع النفطي العراقي كان من بينها قضية التراخيص، وتقليص الأنتاج، وإدارة الحقول، وعدم إكمال نصب الميترات أو العدادات النفطية لقياس المنتج والمصدّر والمستهلك محلياً رغم تجاوز مهلة النصب لعدة سنين، وتهريب النفط، ومشاريع زيادة الأنتاج الى ستة ملايين برميل يومياً التي وُضِعت منذ ثمانينات القرن الماضي ولم يؤخذ بها، والمشكلة الصحية الخطيرة الناتجة من معاملة البانزين المنتج برابع أثيلات الرصاص.
إن فشل وزارة النفط في الأسراع بتحديث المصافي الموجودة حالياً وبناء مصافي جديدة بتكنولوجيا متطورة لأنتاج مشتقات ذات مواصفات عالية قد كَتبتُ ونَشرتُ عنه سابقاً، كما كَتبَ عنه بعض المختصين. إن بقاء المصافي القديمة على حالها لغاية الوقت الحاضر وبِسِعات إنتاجية أقل كثيراً من سِعاتها التصميمية، مع إنتاج مشتقات نفطية بنوعيات رديئة، يغلب عليها إنتاج نفط الوقود، أو النفط الأسود كما يُدعى في العراق، بكميات قد تصل الى نصف الأنتاج الكلي للمشتقات، يدفع العراق الى استيراد المشتقات النفطية بكلفة قد تتجاوز خمسة مليارات دولار سنوياً. إضافة الى الكلفة السنوية الهائلة للمشتقات المستوردة ما زالت المصافي العراقية تنتج بانزين سيارات بنوعية رديئة، الأمر الذي يدفعها الى إضافة محسّن الى البانزين المُنتَج حتى يكون صالحاً للأستعمال. إن المادة المضافة تدعى رابع أثيلات الرصاص (tetraethyl lead) وهي مادة سامة استغنت عن استعمالها جميع دول العالم عدا الفقيرة جداً أو تلك التي لا تعير اهتماماً لصحة مواطنيها.
لقد نشر الصحفي جورج مونيبوت (George Monibot) في جريدة الغارديان البريطانية (the guardian) الصادرة في 7 كانون الثاني 2013 مقالاً بعنوان:
"نعم، التسمم بالرصاص يمكن حقاً أن يكون سبباً لجريمة عنيفة"
“Yes, lead poisoning could really be a cause of violent crime”
يمكن الحصول عليه بنقر الرابط أدناه:
http://www.theguardian.com/commentisfree/2013/jan/07/violent-crime-lead-poisoning-british-export
ويستقي هذا الكاتب المعلومات التي يبرر بواسطتها كون الرصاص مادة سامة، تؤدي بالأطفال المتسممين الى النمو بذكاء أقل وبنزعة شديدة الى ارتكاب جرائم عنيفة، من بحث نشره كَفِن درَم (Kevin Drum)المدون السياسي للمجلة الأمريكية (Mother Jones) بعنوان فحواه: "الرصاص: العنصر الأجرامي الحقيقي في أمريكا"
“America s Real Criminal Element: Lead”
ويمكن الحصول على هذا البحث بالنقر على الرابط أدناه:
http://www.motherjones.com/environment/2013/01/lead-crime-link-gasoline
إن البيانات والمعلومات التي استُعمِلت لأكمال هذا البحث جاءت من الأطفال الأمريكيين الذين كانوا يتعرضون الى مادة الرصاص، سواء من الأصباغ المستندة الى أساس الرصاص (وهي ممنوعة الآن) أو الرصاص الذي كانت تنفثه السيارات وهي تستعمل البانزين المعامَل برابع أثيلات الرصاص. أما الفترة الزمنية للدراسة فقد امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بداية السبعينات حين عمّ استعمال البانزين الخالي من الرصاص. وكانت تظهر الأعراض بعد مرور عشرين سنة على حالة التسمم، إذ يصبح هؤلاء الأطفال رجالاً بمرور العشرين سنة، ولكن بذكاء أقل من أقرانهم الذين لم يتعرضوا للتسمم، وكذلك الأتصاف بنزعة لارتكاب الجرائم العنيفة.
إن هذا البحث القيم، ذو المصادر المدونة العديدة، يصلح كأساس لبحوث أخرى تُجرى في العراق من قبل طلبة التعليم العالي في الجامعات العراقية من أجل الحصول على شهادات الدكتوراه في الأحصاء أو الرياضيات أو الأقتصاد الرياضي. إن التي تستحق البحث والدراسة في الحالة العراقية هي الفترة التي تزامنت مع الأحتلال الأمريكي في سنة 2003 ودخول مئات الآلاف من السيارات التي تولد عنها طفرة كمّية في استهلاك البانزين العراقي، كان من نتائجها تلويث أجواء المدن بسموم الرصاص. إن المنطقة المهمة لمثل هذه الدراسة ستكون بغداد نظراً لاشتداد الأرهاب فيها أكثر من أي مكان آخر ما اضطر السلطات الى نصب الحواجز الكونكريتية ونقاط التفتيش في شوارع المدينة. وكان من نتائج ذالك انتضار السيارات عند نقاط التفتيش لمدد طويلة وهي تنفث خلالها الرصاص الذي ينتشر في الجو ويعمل على تسميم الأطفال في المناطق المجاورة. إن الأعراض ستظهر عادة بعد عشرين سنة من التسمم، أي ستظهر حوالي سنة 2023 وما بعدها.
قبل الأنتهاء من مقالتي هذه سآخذكم مرة أخرى الى مقال جريدة الغارديان. يذكر ذلك المقال إن صناعة رابع أثيلات الرصاص قد انقرضت في جميع أنحاء العالم ولم يبق إلاّ منتج واحد لهذه المادة بأسم إنّوسبَك (Innospec) في ميناء إلليسمور (Ellesmore)، بريطانيا. إن هذا المُنِتج غير مرخّص ببيع هذه المادة الممنوعة داخل بريطانيا ولكنه مرخص بتصديرها الى البلدان التي ما زالت تستعمل رابع أثيلات الرصاص في إنتاج البانزين. وهذه البلدان هي أفغانستان وبورما والجزائر والعراق وكوريا الشمالية وسيراليون واليمن.
ختاماً يذكر هذا المقال بأن الشركة إنّوسبك قد اعترفت في سنة 2010 بأنها تحت إسم أسوّشيَيتد أوكتيل (Associated Octel) قد دفعت ملايين الدولارات كرشاوي الى موظفين لدى الحكومة العراقية وفي إندونيسيا من أجل السماح لها بالأستمرار في تجهيزاتها لرابع أثيلات الرصاص بأرباح هائلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الكاتب خبير بشؤون الطاقة والأقتصاد. ينشر أغلب مقالاته في موقعه الشخصي على الحوار المتمدن، ويمكن الوصول له على الرابط:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=3340

عنوان الكاتب الألكتروني:
[email protected]
[email protected]

2








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط