الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا عصمة لأحد.....[ مقال 1 ]

عزيز الحاج

2013 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



"القس في الكنيسة ورئيس البلدية في البلدية."
هذا شعار فرنسي ليس بالجديد لفرز وتحديد ميادين اختصاص وواجبات رجال الدين ورجال الساسة. يمكن تحويره عندنا كالآتي مثلا: " رجل الدين للجامع والحسينية والكنيسة، ورجل السياسة لشؤون السياسة والدولة."
في الدولة الديمقراطية يحق لرجل الدين إبداء الرأي في الشؤون السياسية كأي مواطن آخر، ولكنه، في الوقت نفسه، وكرجال السياسة، معرض للنقد والحساب على آرائه ومواقفه السياسية. وعندما تكون الشؤون والأوضاع السياسية معقدة ومرتبكة ومتشابكة، ومنزلقاتها كثيرة، كما الحال عندنا، يكون تدخل رجل الدين في السياسة لغير صالحه، ولا لصالح الدين من حيث خطر إقحام الدين في المطبات والصراعات والخلافات والانتهاكات. فدعمه مثلا لحكومة تنتهك الحريات وتمارس التعذيب سيبرر القول إنه هو أيضا يتحمل مسؤولية إساءات الحاكم الذي منحه رجل الدين الدعم والتزكية.
إن واجب رجال الدين هو الموعظة الحسنة والدعوة للأخلاق الحميدة ونشر مفاهيم التسامح والمحبة ونبذ العنف، والدعوة للتآخي بين البشر. وحين يقتحم المرجع الديني خضم الصراعات السياسية، فلابد له من أن يكون مع هذا الطرف أو ذاك، ومع هذا الموقف أو ذاك، مصيبا كان هذا أو على ضلال. وهذا يسئ له كرجل دين يفترض به الحياد، وخصوصا حين يكون مرجعا من مراجع المتدينين من طائفته أو دينه.
حاليا ثمة ضجة ما حول تصريحات لعزة الشابندر، المقرب جدا من المالكي، والوارد اسمه في العديد من القضايا الساخنة، ومنها عقد السلاح الروسي كمثال. الرجل انتقد تدخل المرجعية الشيعية في شؤون الدولة، فوبخ على ذلك بعنف من حزبه ومن رجال المرجعية. والواقع أن انتقاده جاء بعد انتقادات وجهت للحكومة من ناطقين باسم السيد السيستاني. وكان نائب من القانونية أيضا، حسن الأسدي، قد اعتبر المرجعية كتنظيم للمجتمع المدني. فوبخ وعوقب. وتصريحه جاء أيضا بعد انتقادات لناطقين باسم السيستاني للحكومة. وقبل هذين، غمز الصدر من قناة المرجعية، متهما إياها ضمنا بمحاباة القائمة القانونية! وهكذا يبدو لي أن هذه المواقف والتصريحات المتلاحقة تخص أطراف الإتلاف الشيعي نفسه، وما يدور أحيانا ضمن تشكيلتها من خلافات ومنافسات. وهي بالتالي لا تخلو من أغراض سياسية وحزبية وحتى شخصية. وربما لم يكن هذا قصد نائب كردستاني انتقد تدخل المرجعية في تفاصيل الشؤون السياسية للدولة موضحا أننا لسنا في دولة الولي الفقيه.
إذا استعرضنا التطورات والمواقف منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السابق، لأمكن إيراد التالي فيما يخص مواقف المرجعية الشيعية في العراق والتعامل معها:
لقد وقفت المرجعية منذ البداية ضد استخدام العنف، ودعت إلى تفهم الوضع الذي استدعى وجود القوات الحليفة. وباسم السيستاني، أدينت أعمال العنف واستيلاء متطرفين من الشيعة في بغداد على مساجد للسنة. وفي حينه، ورد باسم السيستاني تصريح موجه لبول بريمر مفاده: " نحن الاثنين غير عراقيين، فلندع العراقيين يحلون مشاكلهم بأنفسهم."
وما أن مضت شهور أخرى، حتى انفجرت وتصاعدت باسمه دعوات لانتخابات عاجلة، في الوقت الذي كان فيه الأمن مهددا، والتركات كثيرة وخطيرة، والشعب لما يتنفس بعد. كانت دعوات الانتخابات العاجلة تجري بإلحاح وبلهجة تهديد، وتترافق مع إلحاح الجامعة العربية وملالي إيران وبعض أعضاء بعثة الأمم المتحدة.
تلك النداءات والتحركات المرتجلة والصاخبة قابلها فريق من الساسة والمثقفين العراقيين، وخصوصا من الطائفة الشيعية، برفض ونقد، وذلك من موقع الحرص الوطني النزيه، وبعيدا عن كل منافسات أو خصومات أو سياسية أو تنافس على مراكز الدولة.
شخصيا، أشدت مرارا بدور السيستاني لنبذ العنف والتآخي. وفي أكثر من مقال قلت إننا يجب أن نشكر هذه المواقف. ولكن حين اندلعت صرخات الانتخابات العاجلة، كنت مع المنتقدين والمطالبين بالتريث الزمني. وكان واضحا أن الأحزاب والشخصيات السياسية الشيعية هي التي كانت تحث على دعوة الانتخابات العاجلة وتؤجج الموقف. ويظهر أيضا أن بول بريمر نفسه كان على مراسلات مستمرة مع مكتب السيستاني من خلال مبعوث خاص من الأخير. وكل هذه التحركات السياسية العراقية والأميركية هي التي شجعت المرجعية الشيعية على الانخراط المفرط والمستمر في العملية السياسية لحد تزكيتها رسميا لقائمة الإتلاف الانتخابي الشيعي في الانتخابات الأولى بداية عام 2005، وتزكيتها ضمنا في الانتخابات التالية. ومجيء حكومة الجعفري، واندلاع الحرب الطائفية فيما بعد. وأيضا التسرع بوضع دستور متناقض مبني على أحكام الشريعة.
إن استخدام اسم وعنوان المرجعية في الانتخابات، وتضمين الموقف محتوى دينيا ومذهبيا [ قائمة المؤمنين] واجه انتقادات مرة من لفيف من المثقفين العراقيين، كان منهم الأستاذ حميد الخاقاني في خطابه المتميز الموجه للمرجع الأعلى بعنوان "محنة الفقيه"[ حسبما أتذكر]، حيث يذكّر الجميع بان الطائفة لا تبني وطنا، وأنه ليس هناك من يحق له ادعاء احتكار تمثيل طائفة بعينها. وكان يقصد الأحزاب الشيعية. وورد في الخطاب نقد مر لأداء حكومة الإتلاف، وكيف أن ذلك أساء مباشرة للمرجعية نفسها التي ارتضت تبني القائمة الموحدة. وأوضح أن تدخل رجال الدين في السياسة يسئ للدين كما يعرقل العمل السياسي. ولو أردنا إيراد قائمة المنتقدين لتلك المواقف، التي كادت تجعل من السيستاني خامنئي العراق[ ربما من حيث لا يريد هو]، لوجدنا أن أكثرية المعترضين مثقفون من الشيعة، الذين لا يمكن اتهامهم بالدافع الطائفي أو الغرض الحزبي والمطمح الشخصي.
وقد تطورت الأمور إلى تدافع الساسة من شيعة وسنة على أبواب المرجعية. وكل وزير يزور النجف ويعود ليصرح بأنه سوف يعمل وفق توصيات المرجعية: من الكهرباء والنفط، وإلى التعليم العالي والتربية!
إن المعضلة الحقيقية هي أن السيد السيستاني لا يظهر لا في خطبة صلاة ولا في ندوة ولا في تلفزيون ولا راديو، لنعرف من لسانه هو نصائحه وتوصياته وآراءه في شؤون البلد. وبذلك تنقطع التكهنات والتساؤلات السارية.
الحوار المتمدن في 13 آب 2013 ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية