الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا عصمة لأحد [2-2]

عزيز الحاج

2013 / 8 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



كتبت، أكثر من مرة، عن السجال العراقي – العراقي، حول مختلف الشؤون، وكيف يدار غالبا بتشنج وتحوير للآراء، وتوجيه للاتهامات. وقد يتخذ منحى التحامل والتجني الشخصيين. لم يتعود غير قليلين منا على النقاش الهادئ، ورد حجة بحجة، من منطلق نسبية الحقيقة والحق في الاختلاف، ومن الاعتقاد بأن كلا منا معرض للخطأ. وطبيعي أن السخونة تزداد في الشؤون السياسية، وتلتهب أكثر عندما يكون رجل الدين موضع النقد.
لقد تعودنا، [وربما ليس العراقيون وحدهم اليوم، مع فورة الإخوان المسلمين ومحاولة تحويل الصراع على السلطة لصراع ديني "بين الإسلام والإلحاد"]، على ما يسمى بهوس التقديس والعصمة. ونعلم أن الآية تقول على لسان الرسول الكريم نفسه: " وما أنا إلا بشر مثلكم."
في عراق اليوم تروج تهمة الطائفية في ميدان المناقشات والانتقادات السياسية، لاسيما عندما يُمس حزب الدعوة وزعيمه، ومرجح أكثر أن توجه التهمة لمنتقدي ما ينسب للمرجعية الدينية الشيعية العليا من تصريحات ومواقف. وأذكر، - وأعود لوقائع ما بعيد سقوط النظام البعثي وإلى نقدنا للمطالبات الساخنة بالانتخابات العاجلة- لأتوقف عند رد أحدهم على آرائي وآراء الصديق العزيز الدكتور عبد الخالق حسين في تلك القضية. وكان ذلك في أواخر 2003 وأوائل عام 2004 . تلك الآراء كانت واحدة في نقد الإلحاح على الانتخابات، وفي طلب التروي لحين تحسن الأوضاع الأمنية والخدماتية وغيرها. كما كنا فيما بعد، في 2005 ، [مع لفيف من المثقفين] مع تأجيل كتابة الدستور عاما على الأقل.
كان الرد على كلينا بعنوان " الانتخابات بين ماركسية عزيز الحاج وعلمانية عبد الخالق حسين".
وبينما كان الرد على الصديق عبد الخالق هادئا ومهذبا، جاء رده علي قاسيا ومتجنيا، وبمنحى شخصي. وذهب من الجهل بالأمور لاعتبار أن انتقاداتي هي من منطلق طائفي، لان مذهبي هو غير مذهب السيستاني ! وقد عقب الصديق عبد الخالق بمقالة هادئة ومتميزة ورصينة في 27 كانون الثاني 2004، تحت عنوان " رجل السياسة والدين". ومما ورد فيه:
" رجل الدين عادة محاط بهالة من القداسة لما يعرف عنه من ورع وزهد وتقوى. لذلك من الصعوبة انتقاده. ولكن عندما يقبل رجل الدين أن يأخذ موقفا سياسيا معينا مثيرا للجدل، فمن حقنا أن نختلف معه في الرأي، وبالتالي، أن ننتقد موقفه السياسي وليس الفقهي. وهذا لا يعني أننا نمنع السيد من حقه في إبداء رأي، علما بأننا نكن كل الاحترام لشخصه الكريم كرجل دين أفاد العراقيين كثيرا..."
والطريف أن مثقفين آخرين من الطائفة الشيعية واجهوا هم أيضا تهمة الطائفية، ومنهم الدكتور الصديق كاظم حبيب، وهو من عائلة شيعية معروفة، لمجرد أنه نشر عدة مقالات في نقد الأحزاب الشيعية، وفي نقد دعم مرجعية السيد السيستاني لها. وكان من رأيه أن هذه الأحزاب "طائرات ورقية في يد المرجعية". وهذا حكم قد يبدو في حينه مبالغا فيه، ولكن ماذا نقول اليوم عندما يصرح السيد صدر الدين القبانجي بما يلي:
"المرجعية أعلى مصدر لقيادة الأمة وطاعتها واجبة "[ 13 كانون الثاني 2012 ].
وأكثر جدا من هذا، حين يصرح اليوم حيدر الغرابي ، الأستاذ في الحوزة العلمية والمقرب من السيستاني، بأن المرجعية " هي الناطق الرسمي والشرعي باسم الناس، وهي التي أعطت الوجوب الشرعي للعملية السياسية". ويمضي لحد القول بأنها هي من قذف بالساسة المعنيين للسلطة، ففشلوا، وفسدوا، و جاؤوا بدستور فاشل، وأن بإمكان المرجعية بكلمة واحدة أن تسقط هؤلاء الساسة وعمليتهم السياسية.
وقد ناقش الأستاذان ضياء الشكرجي وموسى فرج هذه التصريحات المثيرة جدا، والتي تعترف بالمسؤولية عن فشل العملية السياسية على أيدي من ليسوا بأكفاء بل هم فاشلون.
وهنا لابد من التذكير بالدور الإيراني النافذ والقوي للغاية في الحياة السياسية العراقية بكل تفاصيلها. وعودة المالكي للولاية الثانية، بعد الفشل في تبؤ المركز الانتخابي الأول، يعود للتأثير الإيراني أولا عندما تقاطرت الوفود على طهران حيث تمت طبخة "الأكثرية البرلمانية" بدلا من مبدأ الأكثرية الانتخابية.
إن ما هو الأهم في كل هذه " المعمعة" أن نتوقف مليا بتواضع وبلا تحيز لما جرى ويجري في العراق، المستباح عرضا وطولا وأفقيا وعوديا، وحيث الدم العراقي يسفح ليل نهار، والثروة العراقية تنهب بمختلف الطرق في وضح النهار، وحيث تلعب إيران لعبا ملتبسة متداخلة في مختلف شؤون العراق ومنها في المجال الديني المذهبي بالذات، وبحيث صارت صور خميني وخامنئي ترفع في الساحات، وإذ تتحول النجف عام 2010 إلى مدينة إيرانية بامتياز لمدة أسبوع بمناسبة ذكرى المرحوم خميني.
الأهم تشخيص الأخطاء والمسؤوليات، وأن نتعلم من الدروس القاسية، وأن يتعود الحكام على الاعتراف بالخطأ وتحمل مسؤوليته، وأن يستوعب الجميع أن الطائفة لا تختزل في أحزاب ورجال دين، وأن الشعب العراقي لا يختزل في أية طائفة مهما كان عددها، وأن مظلومية الماضي لا تبرر الاستئثار والاحتكار، وإقصاء الآخرين أو تهميشهم في عراق متعدد الطوائف والأديان والأعراق والقوميات.
إن التخلص من مواريث أمس ومن كوارث اليوم، في منطقة مليئة بالأعاصير، وإن العمل من أجل تحقيق البناء الديمقراطي والازدهار، يستدعيان الأخذ بمبدأ المواطنة، وبمركزية دور المواطن العراقي الحر، غير المستعبد طائفيا وفكريا. وأعود لرسالة حميد لخاقاني إذ تقول في أواخرها :
" الخروج بالعراق من محنته والوصول به إلى بر الأمان، لا يمكن أن يتحقق بحشود تمضي دون دراية إلى ما يراد منها ولا تفقه إلا القليل الذي نريد لها أن تفقهه، وإنما بالناس بوصفهم أفرادا واعين، بالغين رشدهم، ويتحملون مسؤولياتهم عن ماضيهم وحاضرهم وغدهم."
وبعبارة، إن الخلاص لا يكون بالشحن المذهبي والعرقي، والتماهي مع غرائز العوام وتشجيعها بحيث تقطع الجموع مئات الكيلومترات مشيا لزيارة أضرحة مقدسة، ولكن تنسى أبسط واجبات المواطن في تنظيف ما أمام منازلها من قمامات. وهو ما يذكرنا به أحد الكتاب. واللوم ليس على هذه الجماهير ذات الأكثرية الفقيرة والأمية و شبه الأمية، وإنما على القيادات السياسية والدينية.
الحوار المتمدن في 14-15 آب 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب