الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تساؤلات في الحالة الفلسطينية... (الجزء الرابع)

وسام الفقعاوي

2013 / 8 / 22
القضية الفلسطينية


تساؤلات في الحالة الفلسطينية... (الجزء الرابع)
بقلم: وسام الفقعاوي.
سؤال التناقض:
هل التناقض "طبيعي" أم "بدعة" وبالتالي ضلالة؟! وعليه مطلوب أن نكون نمطيين ومتماثلين في التفكير والآراء والمواقف؟! إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نحن البشر مختلفين في شكلنا ولوننا وجنسنا (ذكر وأنثى) ولغاتنا ولهجاتنا وقصرنا وطولنا وتفكيرنا ومستويات تحصيلنا مما تقدمه الحياة لنا؟! وعليه هل التناقض "سنة استمرار وحياة" أم "نذير ركود وموت"؟! تعبير عن حالة "قوة ووحدة وتماسك" أم "وهن وتفرق وضعف"؟! وهل التناقض تأكيد لحالة فاعلية وثراء وإغناء أم فقر وفوضى وارتباك؟! لماذا في ذهنيتنا السائدة نتعاطى مع التناقض/التباين/التنوع/الاختلاف، وكأنه "رجس من عمل الشيطان" مطلوب نفيه أو إلغاؤه/شطبه، أو قبره، أو لعنه "وذلك أضعف الإيمان"؟! لماذا نُغيّب "بوعي" قانون ناظم يقول: في التناقض حياة؟!.
أول ما أبدأ به محاورتي للأسئلة تلك أقول أن: التناقض/التباين/التنوع/الاختلاف كامن وموجود في كل شيء فينا وكل شيء من حولنا "فالتناقض كامن في طبيعة الأشياء ذاتها"، ووجود التناقض/التباين/التنوع/الاختلاف في الأشياء أمر طبيعي ومألوف، للدرجة التي نذهب فيها لاستعمال مفهوم/مصطلح/كلمة/لفظة "التناقض" في حوارنا اليومي عندما نقول عن إنسان ما مثلاً أنه شخصية "متناقضة" أو أنه "مجموعة/كشكول من التناقضات" ونعني بذلك أنه يَكشِف في سلوكه عن اتجاهات متضادة استطعنا رصدها والتعرف عليها وتوصيفها مثل "القسوة والطيبة، الجرأة والجبن، الأنانية والتضحية والإيثار...الخ. ولتأكيد التدليل على ما سبق فإننا نحن "ذاتنا" نتباين مع "ذاتنا"، من خلال الانتقال من موقف لآخر في ضوء تبدل الوقائع والمعطيات والظروف والأحوال. بمعنى أدق أننا بالأمس نكون نحمل رأي أو موقف أو قرار من شيء ما ثم نصبح اليوم في ضوء تغيرات ايجابية أو سلبية أمام رأي أو موقف أو قرار مختلف.. هذا التناقض/التباين/التنوع/الاختلاف الذي بدوره ينتقل من الذات إلى الآخر سواء كان عدو أو قريب (أب أو أم أو أخ أو زوج أو زوجة...) أو صديق أو رفيق، مع فارق درجة التباين بين التناقضات (الرئيسية والثانوية)، فالأولى وهي من درجة التناقضات التناحرية مثل ذلك القائم بيننا وبين العدو الصهيوني، وهذا ليس المقصود من سؤالنا، أو هدف لجوابنا. فالمقصود هنا هو ذلك الشكل الثاني من التناقض الذي لا يهدف إلى أن يصل أحد طرفيه لإلغاء الآخر أو نفيه أو بتره. لذلك قيل بأن "التناقض سمة عامة في كل الأشياء والعمليات، لكن لكل نوع خاص من أنواع الأشياء والعمليات تناقضاته الخاصة، وهي تناقضات تميزه وتختلف عن تناقضات غيره من الأشياء والعمليات".
فهل يستطيع أحد منا أن يتخيل ذاته أو أسرته أو عائلته أو شلة أصدقائه أو رفاقه أو مجتمعه بلا تناقضات أو تباينات أو اختلافات؟! فهل حدث أو يحدث أننا كنا متماثلين أو متماهين أو نسخة كربون، ألا يناقض ذلك الطبيعة الإنسانية ذاتها في تنوعها واختلافها وتباينها وبالتالي تناقضها؟!.
إن وجود هذا المجتمع "المتماثل والمتماهي والمنسوخ كربونياً" ضرب من الخيال والمثالية التي "تناقض حقيقة الأشياء في ذاتها".
إذا وعينا ما سبق واستطعنا فهم ذاتنا ومجتمعنا وتناقضاته، حينها يغدو التناقض/التباين/التنوع/الاختلاف، مصدر قوة دافعة للتغيير الإيجابي والمطلوب بكل ما تعنيه الكلمة. وعليه فلماذا هنا يغدو/يصبح "التناقض" قوة دافعة للتغيير؟!. يجيب على ذلك الفيلسوف الماركسي موريس كورنفورث بالقول: "لأن وجود التناقض في العملية هو وحده الذي يوفر الظروف الداخلية التي تجعل التغيير ضرورياً، فالعملية التي لا تحوي تناقضات ستستمر تسير وتسير بنفس الطريقة التي توقفها أو تُعدِلَها قوى خارجية، والحركة التي لا تحوي تناقضات ستكون تكراراً مستمراً لنفس الحركة، فوجود التناقضات أو الاتجاهات المتناقضة للحركة، هو الذي يُحدث التغيرات في الحركة وفي مجرى العملية".
وطالما أن التناقض/التباين/التنوع/الاختلاف، هو مصدر للتغيير الإيجابي، فحتماً سيكون مصدر إغناء وإثراء ودليل قوة وحيوية واستمرارية وحضور وفعل وتأثير، إذا ما أحسنا إدارة تناقضاتنا الداخلية، وهيأنا لها البيئة المناسبة لازدهارها كي تشق مسارها وطريقها المطلوب نحو الحياة والاستمرار في التاريخ. لأن غير ذلك من كبت وقمع ومصادرة وإلغاء ونفي وقبر لأي تناقضات أو تباينات أو اختلافات أو اجتهادات في الاعتقاد أو الرؤى أو الأفكار أو المواقف أو السياسات، لن يعني سوى التكلس والركود والتحجر والجمود والديكتاتورية، واستمراراً للحركة ولكن في الاتجاه السلبي على طريق الموت وإعلان الخروج من التاريخ. وتأكيداً لما ذهبنا إليه فإن الفيلسوف الاقتصادي الليبرالي جون ستيوارت مل يقول: "إن الضرر الناجم عن إسكات التعبير عن الرأي، يعني أننا نسرق الجنس البشري كله..".
إن التعاطي مع "تناقضات الحياة" في الأسرة والعائلة والحركة أو الحزب والمجتمع، باعتبارها "سنة حياة" طبيعية بل ومطلوبة تنم عن عقلية منفتحة وواقعية وخلاقة وحيوية ومتطورة وبناءة، وهذه العقلية في جوهرها هي ما يميز ثقافة عن غيرها، بين تلك الثقافة الحية والمتفاعلة والمتطورة والمتجددة، وتلك الثقافة الميتة والساكنة والمتخلفة والمتحجرة.
ولكي نصل لإدارة صحيحة لتناقضاتنا الداخلية، تأتي أولوية توفير البيئة الديمقراطية المشروطة بالوعي ومصلحة الجماعة "الديمقراطية التي تحمي ذاتها من الفردية والأنانية والانغلاق، وفي ذات الوقت من الابتذال والانفلات وإلحاق الضرر بالجماعة"، والتي تُطلق أعلى وأوسع فاعلية فكرية، تعود بدورها لتشكل رافعة ارتقاء بالوعي الفردي والجماعي وتُحرر العقل من التكلس والركود والتحجر والشلل.
إن التناقض والتباين والتنوع والاختلاف، إذا ما توفرت البيئة المناسبة لاستيعابها وإدارتها ديمقراطياً، وإذا ما تم تقديرها ومعرفتها وكيفية التعامل معها، بهدف إنضاجها وحلها وتوظيفها والاستفادة منها إيجابياً، حينها وحينها فقط، ستغدو مصدر إثراء وإغناء طبيعي واستمرارية للتطور والنهوض والتقدم والحيوية والحضور وقوة التأثير والجذب... لأن غير ذلك يعني استمرار التناقض وعلو درجته ومستواه وصولاً للصدام الجدي الذي ستكون كُلفته باهظة، فهل لا زال لدينا الكثير من الرصيد لندفع المزيد من الأثمان الباهظة؟!!!.
وسيبقى السؤال الحاضر متى سنصل في حالتنا الفلسطينية عموماً والحزبية منها خصوصاً لأن يصبح قانون "في التناقض حياة" يسري بوعي وحرص ومسؤولية عاليتين، بدل خطيئة ابن أبي الربيع حينما يقول: "السعادة العامة هي في تبجيل الملوك وتعظيمها وطاعتها"؟!!!.
طبيعة المرحلة وتناقضاتها:
وفي هذا الجانب يجب التمييز بين نوعين من التناقضات وهي: الرئيسية والثانوية أو التناحرية واللاتناحرية.
إن قضية التناقضات الرئيسية والثانوية/التناحرية واللاتناحرية قضية لها أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية خاصة، فالصراع مع العدو الصهيوني الامبريالي، يندرج تحت مفهوم التناقضات الرئيسية/التناحرية التي لا يمكن حلها إلا بإلغاء وإنهاء الوجود الصهيوني والامبريالي من بلادنا.
فالتناقضات الرئيسية/التناحرية هي عبارة عن تناقضات القوى السياسية - الاجتماعية المتعادية، والمصالح والأهداف والميول المتضاربة، التي تَنتُج عن تناقض مصالحها الجذرية. وإن التغلب عليها يتم، كقاعدة، في النضال الثوري السياسي والكفاحي والطبقي الضاري.
أما التناقضات الثانوية/ اللاتناحرية فهي خلافاً للرئيسية، تُعبر عن تناقضات أضداد سياسية غير تناحرية، تُعبر عن تناقضات تلك القوى الاجتماعية والسياسية والميول التي يجمع بينها جذرياً، كما يجب أن تكون عليه العلاقة في بلادنا بين قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني بيسارها ويمنيها.
يتوقف تحديد طبيعة التناقضات في الواقع الفلسطيني على تحديد طبيعة المرحلة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني، وما طرأ عليه من مستجدات ووقائع فرضت نفسها على أجندة الصراع؛ حيث شهدت لوحة التناقضات السياسية والاجتماعية حراكاً وتعقيداً عالي المستوى، فإلى جانب وجود الاحتلال الصهيوني الجاثم على أرضنا، نشأ في ضوء اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو)عام 1993م، وجود سلطة حكم إداري ذاتي أُطلق عليها (السلطة الفلسطينية)، بدأت بإرساء مداميك وجودها (أجهزة ومؤسسات وحكومة) على الأرض منذ عام 1994م، تدير الأوضاع "السياسة والاقتصادية والاجتماعية والخدماتية..." في الضفة الغربية وقطاع غزة، تلك السلطة ذاتها وفي إطار الصراع/الاقتتال/التناقض من داخلها وعليها بين طرفيها "فتح وحماس" الذي سبق الانتخابات التشريعية وَتَبعَها في أواخر يناير 2006م، أصبحنا ولا زلنا بسبب ذلك الصراع/الاقتتال/التناقض أمام مشهد انقسامها السياسي والاجتماعي والجغرافي في منتصف حزيران 2007، وبوجود إدارتين لها إحداها في الضفة الغربية (تقودها حركة فتح والقوى المتحالفة معها في إطار السلطة) وأخرى في قطاع غزة (تقودها حركة حماس). ذلك في الوقت الذي لم يزل الاحتلال الصهيوني له اليد الطولى في الفعل والتأثير السياسي وضبط الحركة وتقدم مشروعه مقابل تَأخُرنا، وقدرته العسكرية العالية وعدوانه وإرهابه وتوغله المستمر، وسيطرته على الاقتصاد الفلسطيني في كل من الضفة وغزة من خلال التبعية "شبه الكاملة" له.
وعليه السؤال الذي يُطرح: هل تغيرت طبيعة المرحلة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني؟ أم لا زالت مرحلة تحرر وطني في جوهرها، وأضيف لها مهمات جديدة في إطار ما نشأ من واقع بعد عام 1994(وجود السلطة الفلسطينية)؟.
إن طابع المرحلة لم يتغير في الجوهر، فما دام الاحتلال جاثماً على الأرض الفلسطينية، فإن طبيعة المرحلة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني، ستبقى مرحلة تحرر وطني بامتياز، تستهدف زوال الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان، وتحقيق الحرية والاستقلال الكاملين.
لكن مع وجود السلطة الفلسطينية (المنقسمة حالياً)، أضيف إلى جدول أعمالنا مهاماً إضافية إلى جانب المهمة الأساسية أي (زوال الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان)، مهاماً ذات طبيعة مطلبية وديمقراطية، ارتباطاً بالتعامل مع السلطة ووجودها وصلاحياتها ودورها ووظيفتها في حدود الاتفاق الذي "أنجبها".
وأقتبس هنا نص من وثيقة الكونفرنس الحزبي الأول للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المنعقد في حزيران عام 1994م، يتناول هذه المسألة بشكل جلي وواضح وفيه استشراف عميق للمستقبل "إن ولادة هذه الإدارة – إدارة الحكم الذاتي (السلطة الفلسطينية) - سيضيف إلى مهامنا وشعارنا الأساسي أي تحرير الأرض وإزالة الاحتلال، مهاما ذات طبيعة مطلبية وديمقراطية ارتباطا مع الوقائع القائمة على الأرض. وارتباطاً بسياستنا وخطنا العام القائم على تجنب الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية، مع إدراكنا لاتجاه احتدام التناقضات داخل المجتمع الفلسطيني بين القوى السياسية والاجتماعية التي ستبقى تواصل النضال بكافة أشكاله ضد العدو، وبين القوى التي ارتبطت بالاحتلال وبمخططاته والتي ستعمل على منع الصدام معه".
مما سبق نستنتج أن المرحلة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني هي مرحلة تحرر وطني، تهدف إلى تحرير الأرض وزوال الاحتلال، أضيف لها مهمات مطلبية وديمقراطية بعد نشوء "السلطة الفلسطينية" من خلال التقدم على صعيد البناء الاجتماعي، اقتصادياً وتعليمياً وثقافياً وصحياً وتربوياً...، وتعزيز القيم والممارسة الديمقراطية الداخلية، بمعنى، أن انجاز المهام الاجتماعية/الديمقراطية شرط لازم للتحرر الوطني. ليصبح التوصيف الأدق للمرحلة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني بعد عام 1994م هي (مرحلة تحرر وطني وديمقراطي).
تأسيساً على ما تقدم، نَطرَح سؤال: ما هي أبرز التناقضات في الواقع الفلسطيني ومستوى كل منها؟
التناقض الأول: هو مع الاحتلال/العدو الصهيوني الجاثم على كل الأرض الفلسطينية بما فيها تلك الخاضعة للسلطة الفلسطينية (من خلال غياب السيادة الفعلية/الحقيقية للأخيرة عليها)، وهذا التناقض هو التناقض الرئيسي/التناحري الأول بين الغالبية الساحقة من جماهير الشعب الفلسطيني في داخل الوطن وخارجه وبين الاحتلال.
وارتباطاً بطبيعة الكيان الصهيوني بوصفه كياناً استيطانياً، عنصرياً، عدوانياً، توسعياً، وإجلائياً، يقوم بوظيفة إمبريالية صهيونية مشتركة. بمعنى أن وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التي هي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي المُستهدف أيضاً من هذا الوجود، في ارتباطه العضوي والبنيوي والمصلحي مع الدوائر الإمبريالية قديماً وحديثاً، وفي إطار تحقيق الإستراتيجية المحكومة بالمصالح المشتركة لطرفيها (الكيان الصهيوني والإمبريالية العالمية الأمريكية - الغربية)، الذي بدوره يؤكد على أن الصراع في جوهره بين حركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي من جهة والتحالف الإمبريالي – الصهيوني من جهة أخرى. ويتوقف حل هذا الصراع/التناقض من خلال توظيف كل أشكال ومستويات النضال (الأيديولوجية والثقافية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية...) فلسطينياً وعربياً.
التناقض الثاني: هو مع السلطة السياسية - الطبقية للحكم الإداري الذاتي (قيادة السلطة الفلسطينية)، تلك السلطة التي تعبر عن القوى الطبقية التي انتقلت من النضال الوطني، إلى موقع الحلول التسووية (التصفوية)، والتنسيق المشترك متعدد الأشكال مع الاحتلال/العدو الصهيوني وأبرزه التنسيق الأمني. والتناقض معها ذو طابع سياسي جماهيري. وذلك من خلال "النضال السياسي – الجماهيري – الديمقراطي"، وفضح تساوقها واستسلامها ورضوخها للعدو وشروطه، لنزع الشرعية الجماهيرية عنها وعزلها وإسقاطها جماهيرياً على طريق إسقاط الاتفاقيات المُذلة التي "أنجبتها". ذلك يأتي في سياق استمرار المواجهة السياسية والجماهيرية الديمقراطية ضد كل الممارسات التي تقوم بها "السلطة على طرفي انقسامها"، من كبت وقمع ومصادرة للحريات الخاصة والعامة، وضد كل أشكال الاستبداد والاستغلال والقهر والفساد والإفساد بشقيه المجتمعي من ناحية والإداري والمالي من ناحية أخرى، وفي صلب ذلك تأتي أولوية إنهاء انقسام "السلطة على ذاتها"، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية كشرط وضرورة لاستكمال مهمة التحرر الوطني الفلسطيني، التي من الواضح أنها لا تزال في شوطها الأول على الرغم مما قُدم من تضحيات جسام طوال مائة عام من عُمر الصراع.
التناقض الثالث: هو مع القوى السياسية المختلفة سواء في إطار منظمة التحرير الفلسطينية أو خارجها حركات الإسلام السياسي "حماس والجهاد"، فإن التناقض معها يبقى محكوماً بمدى قُربَها أو بُعدَهَا من أهداف وحقوق ومصالح وثوابت شعبنا الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال والديمقراطية ومقاومة العدو على طريق تحقيقها، لذلك فإن قاعدة (وحدة – صراع – وحدة) هي التي تحكم العلاقة مع تلك القوى، بما يحفظ ذلك التناقض في حدوده الثانوية/ اللاتناحرية. ولقد أكد ذلك القائد والمفكر الثوري الدكتور جورج حبش بقوله "إن التناقضات داخل الثورة الفلسطينية يجب أن تُحسم عن طريق النضال السياسي والجماهيري، وعن طريق الحوار الديمقراطي... كقاعدة أساسية في ضوء خصوصية القضية الفلسطينية وأبعادها المختلفة".
خلاصة القول، أننا أمام لوحة واسعة متناقضة، ونشطة، ومتحركة، ومفتوحة باستمرار على المستقبل، ومن غير الممكن التعامل معها بنجاح وبصورة متحركة باستمرار دون وعيها بشكل سليم وكفؤ، من خلال امتلاك عقل ورؤية تصل إلى مستوى كل حركة وتناقض ونشاط في لوحة الصراع بكل أبعادها ومستوياتها الممتدة. وهذا الأمر مرهون بتوفر "إدارة سياسية أرقى تكون قادرة على التعامل مع تلك التناقضات، وشرط توفر هذه الإدارة الناجحة للصراع يكمن في كفاءتها، وتحسُن مستواها، واحترام شروط الصراع/التناقض ومعاييره من ناحية، وفي دوام احتكامها للمصالح الوطنية والقومية العليا، وليس لرغبات هذا الفرد أو التنظيم أو ذاك من ناحية أخرى".
*المراجع:
1- موريس كورنفورث، مدخل إلى المادية الجدلية: المادية والمنهج الجدلي، لندن، 1968.
2- جورج حبش، أزمة الثورة الفلسطينية: الجذور والحلول، دار الفارابي، 1985.
3- وثائق المؤتمر الوطني العام الخامس، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 1993.
4- الوثيقة السياسية، المجلس الوطني العام (الكونفرنس الحزبي الأول للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، 1994.
5- مشروع الوثيقة التنظيمية (نحو رؤية سياسية تنظيمية جديدة للمرحلة)، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 1997.
6- مدخل إلى الفلسفة الماركسية .. المادية الجدلية والتاريخية، الدائرة الثقافية المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 2013.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس يبحث تمويلا إضافيا لإسرائيل| #أميركا_اليوم


.. كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي: لدينا القدرة على




.. الخارجية الأمريكية: التزامنا بالدفاع عن إسرائيل قوي والدفاع


.. مؤتمر دولي بشأن السودان في العاصمة الفرنسية باريس لزيادة الم




.. سر علاقة ترمب وجونسون