الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرك حكومي متأخر نحو كارثة التشوهات الخلقية والسرطانات.. هل سيحقق المطلوب ؟

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2013 / 8 / 22
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


أخيراً وبعد صمت طويل، مقروناً بعدم إكتراث مكشوف طيلة عقد كامل من الزمن، أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن تحرك نحو كارثة التشوهات الولادية والسرطانات في العراق. فقد نشرت الأمانة على موقعها بياناً في 18/8/2013 جاء فيه نصاً: "قامت دائرة المتابعة والتنسيق الحكومي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بمتابعة ظاهرة التشوهات الخلقية في محافظة الانبار مع الجهات ذات العلاقة وجاءت هذه الخطوة نتيجة إعلام وزارة حقوق الانسان دائرة المتابعة عن وجود حالات تشوهات خلقية لدى المواليد الجدد في محافظة الانبار. وبين مصدر في الدائرة انه تم اتخاذ سلسلة إجراءات مع الجهات المعنية ذات العلاقة والخروج بعدد من التوصيات بهذا الخصوص ابرزها قيام الفرق الفنية لوزارة البيئة باجراء المسوحات الاشعاعية لجميع المواقع المتعرضة للقصف واحالة النتائج الى وزارة العلوم والتكنالوجيا باعتبارها الجهة التنفيذية, واجراء فحص نماذج المياه والتربة وتشكيل فريق من الوزارة لمتابعة الحالات المرضية السرطانية في المنطقة , اضافة ً الى قيام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بشمول الضحايا بخدمات الوزارة". وأشار البيان الى "قيام وزارة العلوم والتكنولوجيا باجراء المسوحات على اكثر من 400 نموذج بايولوجي , وان الوزارة بصدد تقديم مشروع استثماري بعنوان ( بناء قاعدة مادية وبشرية في مجال الاختبارات الوراثية والجينية ) .من جهتها أكدت وزارة الصحة على اهمية وجود مركز للكشف المبكر والتعامل مع حالات العيوب الولادية ضمن اقسام الاطفال في المستشفيات كافة واجرء الفحوصات الاختصاصية بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية بهذا الموضوع"
هذا التحرك وتحديداً الأجراءات المعلنة ضمنه كان يفترض ان تتم قبل سنوات عديدة،وقبل ان تستفحل الأمور. ومع هذا ستقابل الإجراءات بالترحيب والتثمين إذا نفذت عاجلآ وتمخضت عن نتائج موضوعية وكشفت عن الأسباب الحقيقية لإنتشار الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية وأظهرت بصدق دور اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض في الحالات المرضية المنتشرة.
من هذا المنطلق نبدي الملاحظات السريعة التالية:

أولآ- مع ان التحرك الحكومي هذا جاء متأخرة جداً، إلا أنه مع ذلك جاء في وقتها تماماً، حيث تماطل منظمة الصحة العالمية في الأعلان عن النتائج التي توصلت إليها الدراسة التي قامت بها بالتعون مع وزارة الصحة العراقية والتي دامت نحو ثلاثة أعوام وشملت 10800 عائلة من 6 محافظات عراقية هي البصرة وذي قار والأنبار وبغداد وديالى والسليمانية. وكشفت الدراسة- حسبما تسرب من معلومات الى الصحافة الغربية- عن زيادة هائلة في التشوهات الولادية في العديد من المحافظات..
وعدا هذا،رفضت منظمة الصحة العالمية الأفصاح عن صلة التشوهات الخلقية باليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض وغيرها من المواد السامة المستخدمة في أسلحة الحرب على العراق، بذريعة " أن إقامة صلة بين إنتشار العيوب الخلقية والتعرض لليورانيوم المنضب يحتاج الى مزيد من البحث من قبل الوكالات والمؤسسات المتخصصة"..ولم توضح المنظمة طبعاُ ما الذي منعها من القيام بالبحث المطلوب طيلة الأعوام المنصرمة. حيال هذا، رفض هذا التبرير العديد من العلماء من دول عديدة، وأعتبره محللون ومراقبون معنيون فضيحة تعري ما تتعرض له منظمة الصحة العالمية من ضغوط وتضع مصداقيتها العلمية على المحك من جديد إن رضخت وخنعت لها..
لو أنجزت التوجيهات الواردة في بيان الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتحديداً المسوحات الأشعاعية لكل المناطق المقصوفة، وإجراء فحوصات لنماذج المياه والتربة الملوثة، ومتابعة الحالات السرطانية والتشوهات الولادية، وإجراء تحاليل للمرضى الأحياء من المناطق المقصوفة بحثاً عن اليورانيوم المنضب والمعادن السامة الأخرى، وأعلان النتائج الكاملة على الملأ، فان الحكومة العراقية ستستجيب لحق ضحايا الأسلحة الأمريكية والبريطانية من أبناء وبنات شعبنا بمعرفة ذلك، وستوجه ضربة موجعة للمظللين والمتواطئين ولكل الأبواق الزاعمة بـ " عدم" وجود أضرار للأسلحة المستخدمة على الصحة.
فهل سيتحقق ذلك ؟

ثانياً- تجاهلت منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العراقية، ولا نعلم لمصلحة مَن، نتائج الأبحاث التي أجريت في العراق أو على ضحايا عراقيين، والتي أجراها علماء وخبراء وباحثون مختصون، معروفين عالمياً، مثل:العالم الأمريكي/ الكرواتي اساف دوراكوفيتش والعالم الكندي تيد ويمان والعالم الألماني سيغفرت-هورست غونتر والعالم العراقي محمد الشيخلي وغيرهم من خبراء مركز البحث الطبي لليورانيوم ( مركز دولي مستقل،مركزه في الولايات المتحدة وكندا، وله فروع في عدة دول أوربية)، الذي أجرى في أيلول 2003 دراسة إشعاعية علمية واسعة شملت بغداد وضواحيها وكافة مدن وسط وجنوب العراق ووجدت إنتشار التلوث الأشعاعي عقب توقف حرب عام 2003 بخمسة أشهر في أرجاء العراق وقد بلغت معدلاته في بعض المناطق أكثر من 10- 30 ألف مرة المعدلات الطبيعية.ورئيس المركز دوراكوفيتش هو أول من كشف الصلة بين "أعراض حرب الخليج" وذخائر اليورانيوم المنضب..
وقبل ذلك بعامين أجرى العالم الفنلندي كيث بافرستوك- كبير خبراء الأشعاع في منظمة الصحة العالمية سابقاً،وزملاؤه، دراسة علمية هامة حجبتها منظمة الصحة العالمية ومنعت نشرها بتوجيه من الأدارة الأمريكية،أثبتت بان استنشاق ذرات غبار اليورانيوم المنضب يولد آثارا سمية جينية على الحامض النووي في الخلية DNA، تنتشر من الرئة إلى أجزاء الجسم عن طريق الدم وتتسبب بأضرار بالغة في نخاع العظم والجهاز اللمفاوي والكلى. بسبب تواطئ المنظمة هذا ترك البرفسور بافرستوك العمل فيها..
وفيما بعد أجرى العالم البريطاني كريس باسبي- السكرتير العلمي للهيئة الأوربية للوقاية من الأشعاع، وعالمة الجينات الأيطالية باولا بانوكا، وخبيرة السموم البيئية بجامعة ميتشيغان الأمريكية مزهجان سافابي أصفهاني، وغيرهم ، دراسات هامة على ضحايا عراقيين.
وقبل الجميع نبه أطباء وباحثون عراقيون الى كارثة السرطانات والتشوهات الولادية ،منوهين الى صلتها بأسلحة اليورانيوم والفوسفور الأبيض والمخلفات الحربية المنتشرة في أرجاء العراق.وأجريت في العراق العديد من الدراسات العلمية الرصينة، وحذر علماء وخبراء من أن المناطق المقصوفة بتلك الأسلحة ستبقى ملوثة أعوام طويلة جداً، وأن آثارها وتأثيراتها الخطيرة على الإنسان والبيئة والحيوان ستتزايد باستمرار مع مرور الزمن ما لم تتخذ الإجراءات الخاصة بالتخلص من تلك النفايات المشعة ومصادرها.
تأكيداً لما مر، ندعو المعنيين الأطلاع على بحثنا في العدد القادم من مجلة " الثقافة الجديدة"،الذي سيصدر في تشرين الأول القادم، وأبحاثنا في الأعداد:353-354،تشرين الثاني 2012 و 340-341، تشرين الثاني 2010 و 336، اَذار 2010 من نفس المجلة،وعشرات المقالات المنشورة لنا في " الحوار المتمدن" و"الطريق" و "صوت العراق" و"الناس" و"الأخبار" وغيرها، وسيتعرفون فيها على كم من المعلومات الهامة بالأستناد الى دراسات علمية رصينة ذات علاقة باليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض والتلوث الأشعاعي والتداعيات الصحية، خاصة السرطان والتشوهات الخلقية في العراق،إضافة الى ما سيجده الباحثون فيها من مصادر علمية كثيرة، هامة ومفيدة لأبحاثهم.

ثالثاً- نصت التوجيهات الواردة في بيان الأمانة العامة لمجلس الوزراء على إتخاذ سلسلة إجراءات، ابرزها قيام الفرق الفنية لوزارة البيئة باجراء المسوحات الاشعاعية لجميع المواقع المتعرضة للقصف واحالة النتائج الى وزارة العلوم والتكنالوجيا باعتبارها الجهة التنفيذية, واجراء فحص نماذج المياه والتربة وتشكيل فريق من الوزارة لمتابعة الحالات المرضية السرطانية في المنطقة..
الصياغة مرتبكة، ومع هذا، فهي تؤكد بان وزارة البيئة لم تقم لحد الآن بإجراء مسوحات إشعاعية لجميع المواقع المتعرضة للقصف ..فأين كان مركز الوقاية من الأشعاع التابع لوزارة البيئة الذي تباهى ً مسؤولون متنفذون في قيادته وفي الوزارة مراراً وتكرا بأن فرقه مؤهلة ومجهزة بأحدث المعدات ؟ وماذا كان يعمل طيلة عقد كامل ؟ ولعل الأخطر: لماذا وعلى أي أساس أعلن المركز مراراً بان " العراق خالياً من التلوث الأشعاعي" ؟!!
ان المسؤولين المتنفذين في وزارة البيئة وفي مركز الوقاية من الأشعاع هم المسرولون عن التلكوء في مهمة المسح الأشعاعي وفي الترويج لمزاعم "خلو " العراق من التلوث الأشعاعي. وهم المسؤولون عن مفارقة مناكدة وزارة البيئة لوزارة العلوم والتكنولوجيا في العديد من القضايا المتعلقة بمناطق ملوثة وبمصادر الأشعاع.. نستطيع ان نسرد أمثلة عديدة، ولدى وزارة العلوم والتكنولوجيا، تفاصيل وافية..وكل هذا أفقد الوسط العلمي في العراق الثقة بمركز الوقاية من الأشعاع وبالنتائج التي يتوصل إليها.

رابعاً- قي ضوء تجربة العقد المنصرم وأحداثها وما شابها من تخبط وتشويه للحقائق،سببت فقدان الثقة، نعتبر إناطة مهمة إجراء المسوحات الأشعاعية بوزارة البيئة مهمة محكوم عليها بالفشل لأن النتائج التي سيقدمها مركز الوقاية من الأشعاع معروفة سلفاً. ولذا نطالب ان تقوم بالمهمة فرق مشتركة،يستبعد منها كل من شارك في فحوصات زعمت نتائجها " خلو" العراق من الأشعاع، وان يقود الفرق المشتركة خبراء من وزارة العلوم والتكنولوجيا، وطلب مساعدة برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومركز البحث الطبي لليورانيوم Uranium Medical Research Centre في هذا المضمار، لضمان مصداقية النتائج.. في عكسه، فان التحرك الحكومي المتأخر هذا سيعتبربمجمله مجرد دعاية إنتخابية أو أنه "عربون" ضمن المساعي الرامية لحصول المالكي على ولاية ثالثة لحكمه..

خامساً- ورد في بيان الأمانة العامة بأن وزارة الصحة أكدت على اهمية وجود مركز للكشف المبكر والتعامل مع حالات العيوب الولادية ضمن اقسام الاطفال في المستشفيات كافة واجرء الفحوصات الاختصاصية بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية بهذا الموضوع ..هنا نسأل وزارة الصحة:
لماذا ولمصلحة مًن تشارك في فضيحة منظمة الصحة العالمية بعدم التصريح بالأسباب الحقيقية للتشوهات الخلقية والسرطانات المنتشرة في العراق خلال العقدين المنصرمين ؟
ولماذا تواصل وزارة الصحة التعتيم على حجم الأصابات والوفيات الناجمة عن السرطان، مكررة بان معدلات السرطان في العراق " ضمن المعدلات الطبيعية"،وأنها " أقل المعدلات في العالم"، ضاربة عرض الحائط بكل الوقائع والحقائق ؟
وهذا ما سنفضحه في سلسلة مقالات لاحقة ..

* أكاديمي عراقي مقيم في السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال


.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب




.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر


.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس




.. آلاف الفلسطينيين يحاولون العودة إلى شمال غزة والجيش الإسرائي