الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى الشهيدين الدريدي وبلهواري

وديع السرغيني

2013 / 8 / 29
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في ذكرى الشهيدين الدريدي وبلهواري

وهي ذكرى أليمة تذكـّرنا بفقدان رفيقين من المستوى العالي والراقي، من حيث الأخلاق النضالية، ومن حيث الالتزام المبدئي، ومن حيث الصمود والثبات خلال معركة نضالية غير متكافئة، لم يكن لديهم إبّانها من سلاح، سوى سلاح الإضراب اللامحدود عن الطعام، الذي حوّلهم من أفراد معتقلين ضعاف ومعزولين عن بعضهم وعن عائلاتهم وعن رفاقهم وعن مجمل الرأي العام الوطني والدولي، إلى مجموعة مناضلة قوية، مجموعة يسارية مثـّلت الشباب التلاميذي التقدمي، وحركة الطلبة القاعديين، وبعض من أطر ومتعاطفي الحركة الماركسية اللينينية المغربية..
مجموعة تم الزّج بها في غياهب السجون، بعد أن مرّت من مراكز التعذيب الرهيبة، بكل من كوميسارية جامع الفنا، وفيلا جليز بمراكش، ثم درب مولاي الشريف بالبيضاء. وبعدها قـُدّمت جنائيا للمحاكمة بمراكش، حيث نال الرفاق أحكاما جائرة وقاسية من سنة إلى 15 سنة، نال خلالها الشهيدين 5 سنوات للدريدي، وعشرة سنوات لبلهواري.
كان الحكم نهائيا ولم يكن الحق للرفاق ومحاميهم استئناف الحكم آنذاك. وبعد التحاقهم بالسجن المحلي بولمهارز، صُدم الرفاق بواقع السجن وتعدد الحرمانات التي لا حدّ لها، كمنع زيارة الأقارب والرفاق والأصدقاء، ومنع الجرائد والراديو ثم المنع من الدراسة، بالإضافة لشروط الإقامة في السجن، حيث الاكتظاظ والأوساخ وانتشار الأمراض وسوء التغذية..الخ ولم يكن حينها من موضوع للنقاش كأولوية سوى البحث عن السبل الكفيلة بتحسين أوضاعهم السجنية، لتنطلق المعارك الصغيرة في شكل رسائل احتجاجية وبيانات، سواء بالنسبة للمعتقلين أو بالنسبة لذويهم وعائلاتهم ورفاقهم في إوطم.. لتتطور بعدها الاحتجاجات إلى وقفات وإضرابات عن الطعام، كان آخرها بالنسبة للشهيدين هو إضراب يوليوز 1984 والذي فاق الستين يوما، سقط خلالها الشهيدين بعد 57 و58 يوم من الإضراب، والذي توّج بحوار نال فيه الرفاق ومجموع المعتقلين السياسيين بالسجون الأخرى جل مطالبهم، وفي مقدمتها الحق في التمدرس، الحق في الزيارة المباشرة، ثم الحق في الإعلام.
كانت الحصيلة ثقيلة، شهيدين ومعطوبين كثر بسبب من مضاعفات الإضراب، ما زالت معاناتهم جارية لحد الآن، وما زال البعض منهم يعاني حالة التشرد أو السكن بالمستشفى كما هي حالة عبد الكريم البقاري، وإذا كان لزاما علينا التذكير بهذه المعركة وما خلـّفته من تضحيات من هذا الحجم، فليس ذلك سوى جزء بسيط من التزاماتهم النضالية تجاه الشهيدين ومجموع الرفاق الذين شاركوهم معاركهم الصغيرة والكبيرة.
فالمجموعة كما هو معروف، تم اعتقالها بعد الانتفاضة الشعبية والجماهيرية التي انطلقت شرارتها الأولى من مدينة مراكش، ابتداءا من يوم 5 يناير 1984، بعد التلويح بالزيادات في الأسعار، والإعلان عن رسوم نقدية لاجتياز الباكالوريا تضرب في الصميم مجانية التعليم.
لم تقف الانتفاضة في حدود المدينة، بل انتقل لهيبها كالنار في الهشيم إلى مدن أخرى، بني ملال وأبي الجعد والرباط وتيفلت ووزان والقصر الكبير والحسيمة والناظور وتطوان..الخ ولم تتوانى أجهزة القمع حينها عن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في أكثر من مدينة وبشكل خاص تطوان والحسيمة والناظور.. إضافة للاعتقالات العشوائية التي شملت إلى جانب المحتجين والمتظاهرين، العديد من أطر وقدماء الحركة القاعدية والحركة الماركسية اللينينية وبعض من مناضلين اليسار الاتحادي والمنشقين عن حزب القوات الشعبية.
فبالإضافة لكون الشهيدين ينتميان بدون شك لقافلة الشهداء الأحرار، شهداء الشعب المغربي الذي أبان في أكثر من تجربة عن استعداده للتضحية بخيرة أبناءه من أجل حريته وكرامته وكافة تطلعاته النضالية من أجل مغرب آخر يقطع مع الاستبداد والاستغلال واستعباد الناس لمصلحة الشركات ورؤوس الأموال وجميع المؤسسات المالية الإمبريالية.. انتما الشهيدين قيد حياتهما للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ولقوته الضاربة فصيل الطلبة القاعديين، حيث كان الشهيد مصطفى بلهواري من أحد مؤسسيه البارزين وأحد المشرفين على تشكيل أول وآخر تجربة للهيكلة المجالسية والقاعدية، 78/79، ليشارك بعدها الفصيل خلال تجربة المؤتمرين 16 و17، دون أن يكل من تحمل المسؤولية ومعاناة المتابعة البوليسية التي لازمته خلال الست سنوات السابقة عن اعتقاله، حين تحمّل مسؤولية الكتابة العامة لتعاضدية كلية العلوم بمراكش طيلة هذه المدة.
فما يحزّ في النفس هو عدم إعطاء هذه التجربة حقها داخل النقاش الدائر الآن في صفوف الحركة الطلابية، وهي تجربة غنية بدون شك وجب كذلك على كل المناضلين الذين عايشوا الشهيدين بأن يدلوا بدلوهم تطويرا لهذه السيرة، ووقوفا على كل الدروس الغنية التي يمكن استنتاجها واستلهامها من تجربة بلهواري الطلابية ومن تجربة الدريدي التلاميذية والطلابية، ومن تجربة الصمود في وجه آلة التعذيب الجهنمية، ومن تجربة الإضرابات عن الطعام، ومن تجربة الانتفاضة والدعوة للانتفاض، ومن تجربة الخلايا التنظيمية السرية..الخ
فبعد أن تفككت حركة الطلبة القاعديين إلى مجموعات وتيارات، وبعد أن أصبحت كل مجموعة تنازع الأخريات في هذا التراث النضالي المشترك.. وبعد أن أعدمت أية إمكانية لتنظيم ذكرى الشهيدين بمنازل العائلة، كان لا بد على كل من بقي وفيا لهذا التراث النضالي القاعدي العظيم، بأن يقدّم شيئا في هذا الاتجاه، لكي لا ننسى شهداءنا، ولكي لا نبخـّس عطاءاتهم وتضحياتهم التي تفوق جميع إسهاماتنا نحن الأحياء.
فتحية لجميع رفاق ورفيقات الشهيدين، تحية لجميع أفراد العائلات الصغيرة والكبيرة للشهيدين ولجميع شهداء الشعب المغربي المكافح، والمجد والخلود لذكرى جميع الشهداء.. عسى أن نكون جميعا أوفياء لطموحاتهم وتطلعاتهم الكبيرة من أجل مغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في أقصى درجاتها الاشتراكية.

وديع السرغيني
28 غشت 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي