الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا وراء الغضب الأمريكي على سورية؟

بلول عماد

2013 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيراً صحا العم سام غاضباً على مجزرة "كيماوي الغوطة" بعد أن نام على مثيلتها في "خان العسل"، ومع صحوته تلك صار فعل الكتابة عن الشأن السوري كاستنطاق العدم، فشتان ما بين خصومة مع سلطة ديكتاتورية فاسدة لإحداث تغيير جذري شامل، وبين خصومة مع البوارج والصواريخ المرتقبة على سورية وشعبها، نقول سورية وليس "النظام السوري" كما يتبنى سيد البيت الأبيض للرواية العقابية، ومن خلفه تتبنى وسائل إعلام عربية وغربية للرواية ذاتها، تثبيتاً لبراءة داعمي الحملة والمخططين لها من تهمة الشروع في تدمير دولة وشعب بلا أسباب تستوجب الوصول إلى هذه النهاية المخزية.
العقاب المزعوم يأتي في ظل انقسام جذري بين السوريين، ظل محصوراً لفترة طويلة في إطار الاتهامات المتبادلة، دون أن يرقى لدرجة الاستعانة العلنية بالأجنبي إلا في مراحل متقدمة، حيث سمعناه مباشرة وعلانية من قوى وشخصيات تستدعي حتى الصهاينة، واليوم تبارك ذات القوى والشخصيات الغضب الأمريكي الذي جاء ليلبي طموح المناديين فيه منذ تضخمت الأزمة ودخلت المجهول، أمام تشجيع بعض الغرب والعرب الذين لم يتغيروا حيال تعاملهم مع مستجدات كالتي نعيش، ولنا في العراق وليبيا خير دليل، أما بعض أبناء البلد "السوريين" الذين يرحبون بالضربة الأمريكية المرتقبة فلا كلام يختصر خطيئتهم التي لها فعل أكبر وأعظم من أي غزو، وسيندمون عليها وقت لا ينفع ندم.
بات المشهد يحتاج لوقفة فاصلة بعيداً عن فوضى الآراء والاستقطاب، فأن تقوم بمعارضة السلطة الديكتاتورية سابقاً ولاحقاً وتطالب برحيلها وفق الأدوات الذاتية، مختلف جوهرياً عن معارضتها بعقلية استدعاء الغرباء والمستعمرين، أو تبني خطاباتهم وسياساتهم التي خدمت في المقام الأول شعار "المؤامرة" الذي رفعته السلطة، فأوصلت البلاد إلى ما هي عليه، وما ضجيج الاعتداء الحالي إلا بعضاً من إفرازات ونتائج طريقة إدارتها الفاسدة للدولة والعاجزة للأزمة.
بعد أن لاحت بواكير الغضب الأمريكي، أطلت ابتسامة ماكرة لوليد المعلم، خلال مؤتمره الصحفي أول أمس، فبعد أن عبر عن أنه "متفائل سواء بوجود ضربة أو بعدم وجود ضربة"، قدم تنويهاً يختصر القضية كلها، حيث قال في ختام نفيه تقديم الحكومة لتنازلات سياسية هامة لمعارضة الخارج عبر الوسيط الروسي، قال: "أريد أن أنبه إلى نقطة، من خبرتي في الولايات المتحدة، أحياناً يدفعون الأمور باتجاه التوتر ليضعوا أمام أصدقائنا أحد خيارين، إما أن نواصل الضربة العسكرية أو أن توافقوا على كذا، هذه طريقة في الابتزاز معروفة، أنا أقول نفضل الضربة العسكرية على محاولات الابتزاز لأنه سوف يعيش شعبنا في ظل أي شي يفرض علينا، الضربة بتجي وبتروح، ونحنا كل يوم بنتلقى كذا هاون ومتعايشين معها"، قد تبدو روح الجزئية التي اقتبسناها متداولة حتى قبل مؤتمره، ويأخذ فيها العديد من المراقبين والمحللين لجهة الأهداف الأمريكية والغربية منها، لكن ما يهمنا فيها هو "خبرة المعلم بالأمريكان" فوفق منطقه وهو منطق السلطة، إذا لم تتم الضربة فأصدقاؤها تنازلوا وباعوا القضية، وبناءً عليه ستقدم تنازلات، يعني عدنا إلى نقطة الصفر التي كان بالإمكان تلافي ما بعدها من كوارث في الأساس وبالتالي اختصار دمار البلاد والعباد، أما في حال عدم قيام الضربة بداعي الخوف من رد صاعق أو اتصالات ترد في اللحظات الأخيرة لتقلب المعادلة، أو "هوبرة" إعلام السلطة وموظفيه فمجرد كلام للتسويق والاستهلاك وخداع الناس، سيؤدي حتماً لذات التنازلات، في الحالين نحن أمام النتيجة ذاتها.
في حال تمت الضربة لبعض المواقع الحيوية أياً كانت وفق رواية "بنك الأهداف"، -وهي أول طريق دمار سورية الشامل- تحت شعار كف يد السلطة، فباطن الأمر ليس سوى متابعة لسيناريو تدمير الجيش الذي بدأته السلطة منذ قررت زج القوات المسلحة في معركة مفتوحة مع الشعب قبل أن تصبح معركة الجيش مع إرهاب القاعدة والنصرة ومجاهدي العالم أجمع، ثم بدأت باستغلال دماء جنوده مثلما سرقت لعقود طعامهم وكرامتهم، إلى جانب سرقة كرامة وحق الإنسان السوري المدني بالحرية والعدالة، السيناريو هذا يتوافق مع ما كُشف عنه البيت الأبيض لجهة أن الهدف ليس إسقاط النظام، والذي رأى البعض فيه تطمينات تقدمها أمريكا إلى روسيا، وحقيقة الأمر لو تم ذلك –وهذا وارد- فيعني إعادة تأهيل السلطة، لا لإنقاذ سورية من براثن الإرهاب بل لمتابعة تدمير البلاد وارتهانها لدول معروفة، مقابل تمهيد الطريق أكثر أمام أنصار تحرير سورية لمتابعة معركتهم كطرف رئيس في استثارة عنف السلطة وتشجيعه تحت الستار الوطني، ولتستمر أعراس النصر المؤجل مع إضفاء فقرات انتصار على عدوان عجز بالأصالة وفق روايتها بعد أن عجز بالوكالة عن "إسقاط النظام"، فالقضية لدى السلطة وإعلامها الخشبي تكمن في بقاء النظام لا بقاء سورية، ولا نحتاج هنا لاسترجاع ملفات وأحداث تجاوزت العامين ونصف العام لإثبات ذلك.
ليس هناك اعتداء خارجي مقبول لتأديب نظام سياسي أو إحداث توازن قوى وحماية المدنيين، واعتداء غير مقبول بحجة احتلال وخراب ديار، الاعتداء واحد ما دام قادماً من خارج الحدود ويحمل توقيع قوى عظمى لها سوابق استعمارية، وعدوان أمريكا التأديبي كما تزعم مع حلفائها ليس سوى أول الغيث، لتصبح سورية عراق رقم 2 بشكل رسمي بعد تهيئة المناخ المناسب، أو يخترعون لها نموذجاً يليق بخصوصيتها.
تمنى ملايين السوريين سابقاً قيام المؤسسة العسكرية بحسم الموقف كي لا تنزلق سورية كلها إلى الجحيم، لكنها لم تفعل، فوصلنا إلى ما نحن فيه، وعلى ما يبدو الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت والمتغيرات التي قد تقلب الصورة رأساً على عقب، سواء لجهة الحرب أو لجهة الحل أو لجهة الوجهين معاً، لكن أياً كان جديد التحولات تلك، فالخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوري كله بلا استثناء، ومدعي الانتصار من طرفي الصراع مهزوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمجد فريد :-الحرب في السودان تجري بين طرفين يتفاوتان في السو


.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي




.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض


.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا




.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24