الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يقرر صواب المواقف؟

خالد صبيح

2013 / 9 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مع اقتراب الغيمة السوداء التي يريد أوباما نشرها فوق سماء سوريا عادت بي الذاكرة لزمن وتجربة مشابهة عشتها بمرارة اكبر حين كان العراق هو موْئل لغيمة أطلقها فوق سمائه حينها معتوه اسمه بوش. ولاني أحاول دائما أن أتحدث بصدق وأتخلص، أو أتحايل على مكر الخطاب الذي يتلبس عادة من يقول أي شيء، فاني أعلن بداية عن حيرة تلبستني وقتذاك، وما تزال عالقة في موقفي ورؤيتي لما حدث.

شخصيا لا أستطيع أن انظر لأي حدث في الدنيا بغير ما أجد له رابطا عاطفيا ونفسيا يؤثر في تحليل الحدث وفهم طبيعته. ودائما مايكون دافعي العاطفي أو النفسي يتعلق بتمثل حالة الناس الذين يعيشون التجربة، ولا أميل لإعلاء شان مطلقات أو تجريدات رومانسية؛ كالوطنية والوطن والقضية مالم اعثر لها على صلة ترتبط بالإنسان الفرد. فبغير هذا الإنسان وحريته وقيمته المطلقة لاقيمة لأي فكرة ولا لأرض أو قضية.

الإنسان عندي هو محور كل القضايا.

عندما ابتدأت التحضيرات للحرب على العراق في أواخر عام 2002 عشت تناقضا داخليا مستعصيا.

اعرف من البداية، حين تكون المواقف مريحة، أني أقف ضد نظام الاستبداد والدكتاتورية في العراق، وضد ممارسات أمريكا ونواياها ومخططاتها، ضد تجويع الأمريكان لشعبي وضد اضطهاد الدكتاتورية له. والموقف من الاثنين ينتظم في منطق مشترك بالنسبة لي لاني مع حرية الإنسان والشعوب. لكن حين دخل الطرفان في تناقض وصراع تناحري، وأعلنت النوايا وصارت الحرب تحمل معنى الخلاص للعراقيين أصبح للموقف بعدا آخر.
غدت حالة إما و أو ملحة.

لكن، وببساطة، قد يقول قائل، كما كنت أقول، يمكن للمرء ان يكون ضد الطرفين المتحاربين من غير ان يقع في اي تناقض، وهكذا كان موقفي،كنت ادين الطرفين، والأكيد إني ضد غزو بلدي كما أني ضد فكرة الغزو بالمطلق. وهذا ماحدث؛ فقد خرجت مظاهرات عمت كل عواصم أوربا تندد بالحرب وتريد منعها، وكنت ممن خرج في تظاهرة ستوكهولم. كان الجو باردا، فكما تذكرون كان الوقت شتاءا، وسماء ستوكهولم كانت، لحسن الحظ، صافية وشمسا تنعش النفس تنيرها، والهواء نقيا، ولمعان ونظافة يغطيان كل شيء. تناولت كوب قهوة وأنا أسير لابث الدفء في جسدي وأنشطه، صادف مسيري في التظاهرة مع حزب البيئة، (نظم التظاهرة ثلاثة أحزاب رئيسية هي : الاشتراكي الديمقراطي، وحزب اليسار، وحزب البيئة، بالإضافة إلى منظمات وأحزاب أخرى صغيرة، كالحزب الشيوعي السويدي.) هتفنا وضحكنا وغنينا، كانت اجواءً حماسية. وبعد أن بلغت المسيرة منتهاها ألقى ممثلو الأحزاب المشاركة كلمات نددت بالتحضيرات للغزو وبموقف الولايات المتحدة وتحالفها الدولي (كادت تحدث مشكلة بين المتظاهرين العراقيين، أتباع النظام والشيوعيين، وذلك حين اعتلى المنصة شاكر الدجيلي، ممثل الحزب الشيوعي العراقي (المفقود حاليا في معتقلات النظام السوري) ليلقي كلمة المعارضة العراقية المناهضة للحرب، عندها أراد أتباع النظام، بطريقة مشينة ووقحة، أن يشوشوا على صوته بهتافات باللغة العربية).

انتهت المظاهرة وعدنا إلى البيت. البيت دافئ، نظيف ومضاء. تناولنا عشاءا طيبا. وقضينا أمسية عادية، مريحة وممتعة. وهذا ليس امتيازا، فالحياة هنا هكذا، ويفترض أنها هكذا في كل مكان. لكنها في العراق،في يوم التظاهرة وفي الأيام الأخرى في زمن الحصار والدكتاتورية، لم تكن أبدا بهذا الشكل ألهني والمريح، بل كانت نوعا مستحيلا من الحياة يصعب تخيله لاسيما لأبناء الجنوب الذين انصبت عليهم المصائب مضاعفة، فقد عانى هؤلاء، بالإضافة إلى جوع وعوز الحصار وضغط الدكتاتورية وغطرستها، عانوا من إذلال متعمد مارسه النظام ضدهم وكانوا يتنفسونه مع الهواء بشكل يومي. تأكدت من هذا عند زيارتي الأولى للعراق بعد سقوط النظام ورأيت ماذا فعل الحصار وماذا فعلت بالناس هناك الحروب والاستبداد.
لم تٌمنع الحرب، فقد فشل ملايين المتظاهرين الذين جابوا شوارع العواصم الأوربية حينها في منعها. وسقطت بغداد وأٌحتل العراق.

وكما نذكر فقد كان يسود الساحة السياسية آنذاك موقفان، مطمئنان، ذهنيان تماما، يسندان احدهما الآخر. وينظران للواقع بتبسيطية مخلة ببعده الإنساني. واحد يجرم أمريكا ويصمت، وآخر يجرم نظام صدام ويصمت. و لكن السؤال المهم كان، برأيي، هو:
وماذا بعد؟

كيف تأخذ الصورة القها باحتضان الإنسان العراقي المقهور. الذي قهره نظام صدام وتريد أمريكا أن تحرره لكن بطريقتها وبأدواتها؟

وكان العراقيون، كدأبهم دائما، منقسمين على توصيف الغزو ـ التحرير.

منهم من يسمي ما وقع تحريرا، ومنطلقه القهر الذي عاشه والغيظ الذي عانى منه (قالت لي امرأة أنهم في يوم صيفي قائظ ورطب قد بكوا من فرط (القهر) لان الكهرباء كانت مقطوعة عنهم عقابا اكثر من 17 ساعة). ومالضير بالنسبة لهؤلاء إذا ما أثمر صراع بين شريرين على أن ينالوا هم حريتهم أو خلاصهم. وهناك، إلى جانب هؤلاء، مستفيدون من تحولات الوضع الجديد، وهم سراق ونهابون بالفطرة ومع سبق الترصد الأخلاقي. وكانت (الفوضى الخلاقة) التي أتى بها رامسفيلد وصاحبه المعتوه فرصة ثمينة لهم وان كان الوطن ثمنها... مالضير!!!..

وآخرون أسموه بإصرار غزوا واحتلالا، وهذا توصيفه الرسمي والقانوني، ومنطلقهم تقدير لطبيعة القادم والـ(محرر) ولكن بعضهم الآخر كان مستفيدا من النظام السابق أو مرتبطا به بطريقة عضوية، وخسر ما خسر في الحرب، ومن يخسر يحاول غريزيا أن يعطي لخسارته بعدا عاما يتخطى شعوره الشخصي لذا ماهى هؤلاء خسارتهم الشخصية بالوطن المهدور والخسران أصلا.

تساءلت حينها بشعور ممزوج بشيء من الخوف: ماذا كان يحصل لو أن جهودي وجهود الملايين الذين خرجوا في شوارع أوربا يطالبون بمنع الحرب قد نجحت؟

والإجابة المباشرة كانت: سنعود فرحين بفوزنا لحياتنا (المترفة) بينما سيبقى العراقيون يرزحون تحت ضغط اعتى دكتاتورية وأقسى طريقة عيش.

وتساءلت أيضا بحيرة، وماازال أتساءل: هل يحق لي، أنا المترف (نسبيا) أن أزايد على قناعات ورغبات العراقيين وأضاعف معاناتهم باسم مبادئ سياسية وقناعات لاتحفل بمعاناة الفرد العراقي وتعلي من شان أشياء هي بالنسبة لهم تجريدات لاتقدم لهم نفعا حياتيا.

هل كنت محقا في حيرتي وتساؤلاتي؟

والان، في ظل الوضع السوري المهدد، من سيقرر صواب المواقف؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صوابُ الموقفين بسيطٌ وصعبٌ: أهون الشرين
حميد خنجي ( 2013 / 9 / 2 - 21:06 )
صواب الموقف يقرره:أهون الشرين
الشر الأول هو:استمرارية نظامٌ فاشي أسود غير مسبوق، لايسقط بقوة الناس في الأفق المنظور (قد يورث ويستمر إلى عقود قادمة) إلا بقوة الغرب/اليانك
الشر الثاني هو:تحطيم الغرب/اليانك؛ للمؤسسات والبنية الاجتماعية والعمرانية كلها، كثمن للخلاص من جحيم لايُطاق (ما حدث بالفعل). والنتجة الأساس:سقوط ذلك الجحيم إلى الأبد! شخصياً حددتُ موقفي الفردي كأنسان متمدن (حتى لا أقول كشيوعي)، كما اليوم مع جزار الشام- مع الفارق الزمكاني بين البلدين- :اختيار الشر الثاني (أهون الشرين).المشكل يا زميل صبيح أنه يجري تناسي الفرقين في العراق! بمعنى أن الغزو(التحرير)الغربي/الامريكي للعراق، تسبب في خسارة الكل، خاصة الشعب العراقي -مؤقتا- بأمل الإصلاح التدريجي (الموقف الآن). وحتى خسارة أمريكا نفسها لاتعوض بعشرات السنين (الحديث يجري عن تريليونات عدة قد تفوق الخمسة!). نعم صحيحٌ أن الغرب في مصلحته -وقتئذٍ/ دائما- تحطيم البنية العراقية الشاملة لأمور ندركها جيدا. ولكن مهلاً.. من قال أن الغرب لم يتفاجأ (الكل تفاجأ) بدرجة تردي الوعي الاجتماعي لدى الجماهيرالعراقية بشكل غير مسبوق؟
كضريبة العهد البائد


2 - تحياتي عزيزي حميد
خالد صبيح ( 2013 / 9 / 3 - 18:58 )
بالنسبة لي صديقي العزيزي حميد خنجي اضع معاناة الناس في الدرجة الاولى، واتساءل الان فيما يتعلق بالمثال السوري: هل سيحق لمن فوق رأسه سقف وفراشه وثير أن يزايد على معاناة أطفال ينامون في خيام تسوطها الرياح الباردة وتبللها الأمطار؟ هل يحق لتاجر سياسة ممن يجلسون في ترف العيش ان يراهن على دماء الابرياء. ولكن المعضلة ان بعض الانظمة لاتسقط بفعل حركة جماهيرية كما حدث في بلدان عربية اخرى( مصر تونس..الخ) والنظام السوري احدها. كيف يكون خلاص السوريين إذاً.. المهم في النهاية هو ان يقرر السوريون مصيرهم بانفسهم وان لايصغوا لمزايدات خارج قناعاتهم وارادتهم. انت تلاحظ ان هناك من يبني قناعاته وفق شعار وبديهيات ايمانية لاتُراجع. وهؤلاء باغفالهم لمكانة الانسان يزيدون من هموم الحياة. هذه حدودهم ماذا نفعل


3 - لماذا مخالف
عمار علي ( 2013 / 9 / 3 - 21:39 )
لاافهم لماذا لم تنشر مساهمتي بالحوار؟
تحياتي


4 - تحياتي صديقي العزيز عمار
خالد صبيح ( 2013 / 9 / 4 - 17:01 )
انا في الحقيقة ايضا لااعرف لماذا منع تعليقك واستغرب الامر، وهو تعليق جيد ويضيف اضافة جوهرية لفكرة المقال.
تحياتي مرة اخرى..

اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو