الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدَعوَجي والفِصام بَين شَخصيّة رَجل الدولة وشَخصيّة الرَوزخون

مصطفى القرة داغي

2013 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مَساكين هُم الدَعوَجيّة وعلى رأسِهم كبيرُهم المالكي، طبعاً ليسَ لضُعف الحال وقِلة المال، فحالهُم اليوم فوك النَخَل (رؤساء وزارات ووزراء ومُدراء وضُباط الخ..)، وأموالهم خُرافية (فيلل وشاليهات وعِمارات وأبراج فندقية وحِسابات بَنكية)، وما الى ذلك مِن عِز وجاه لم يَكن الدَعوَجيّة ليَحلموا بعُشره في يَوم مِن الأيام. لكنهُم مَساكين وحالهُم يُرثى لها بسَبَب حالة الفِصام التي يَعيشونها اليوم نتيجة لوجودِهِم في كراسي سُلطة تفوق حَجمهم بكثير، وإضطِرارهم للظُهور بمَظهر رَجل الدولة الغريب عَليهم، والذي لا يَليق بهم ولا يَتناسَب مَع خلفيّاتهم الفِكرية.
فالجَماعة أغلبُهم إلا مارَحِمَ ربي رَوزخونية لا عِلاقة لهُم بالسياسة، تبَنوا باديء ذي بَدء فِكرة الدَعوة للدين لإصلاح المُجتمع الذي كانوا يَرونه فاسِداً،سُرعان ماتحَوّلوا الى مُقلدين مَفضوحين لدَولة مُجاورة مُحاولين إستِنساخ تَجرُبَتها الفاشِلة في الحُكم، ثم تطَرّفوا لتأخذ أفكارهم مَنحاً عُنفياً تمَثل بتنفيذ تفجيرات في دَوائر الدولة وجامِعاتها والمُشاركة في القِتال مَع جَيش دَولة عَدوّة ضِدّ جَيش بلدِهِم، ليَنتهي بهم الأمر بَين المَقابر والمُعتقلات والمَنافي التي أمتلأت بحُسينيّاتهم التي مَثلت مَراكز تجمّعِهم وتحَرّكِهم كمُعارضة ضِد النِظام السابق. نَعَم لقد كان الدَعوَجيّة جُزئاً مِما كان يُسَمّى بالمُعارضة العراقية لكنه جُزء غير فعّال على الصَعيد السياسي إقليمياً ودولياً، فهُم لم يَكونوا ضِمن تحالف المُعارضة الذي عَمل مَع أمريكا لإسقاط نِظام صَدام، لأنهم والحِزب الشيوعي كانا يَرفضان فكرة التغيير مِن الخارج وعلى يَد قوى أجنبية ويؤيّدان فكرة التغيير مِن الداخل. لقد كانت أغلب قيادات الدَعوة تعيش في الغرب بحالة سُبات يَوم كانَت قيادات المُعارضة الأخرى المُؤتلفة في المُؤتمر الوطني تتحَرّك كخليَة نَحل لإسقاط النِظام السابق، ومَن تبَقى مِنهُم في سوريا وعلى رَأسِهم المالكي كان يُخَطّط للحاق برفاقِه في الغَرب، لذا لم يَفكروا يَوماً بشَكل جدّي بمَسألة ومَرحلة ما بَعد التغيير وما يَترَتّب عَنها مِن أعباء إدارة الدَولة وتحَمّل مَسؤولياتها. لكن الغريب أنهم كانوا المُستفيد الأول والأبرز مِن هذا التَغيير، فهل إن ماحَدَث كان صُدفة ساقتها الأقدار لصَفاء نِيّة الدَعوَجيّة وتقواهُم! أم هو أمر دُبّر بليل، وما كان يَدّعيه حِزب الدَعوة لم يَكن سِوى مِن باب التقيّة!
فجأة وجَدَ الدَعوَجيّة الرَوزخونية أنفسَهُم رجال دَولة، ليسَ في الصُفوف الخلفية بل الأمامية وعلى قِمّة هَرَم السُلطة وبواجهة الأحداث، وإكتشفوا بأن هذه السُلطة التي كانوا يَسعون أليها مُنذ عُقود ليسَت لعبة، وأن عليهم التعامُل مَع مَلفاتها الخَطيرة التي تتجاوز نِطاق تنظيرهِم وخِبرَتهم التي لم تتَعدّى جُدران الحُسينيات. وهو ما يَدفعني هنا الى رواية هذه القصة التي أخبَرَني بها صَديق أثِق بكلامِه تعرف اليه في المَهجر، سَبَق أن كان مُنتميا لحزب الدَعوة في السَبعينات، وقد سُجن وضاعَت أحلى أيام شبابه حينها بسَبَب هذا الإنتماء، وهو اليوم رجل كاسِب مُستقل بَعيد عَن السياسة، لكن ما تزال تربُطه عِلاقات صَداقة مَع رفاقه في حزب الدعوة.. يَروي أنه كان جالساً في مَكتب حزب الدعوة في مَدينة طويريج بعد أشهُر مِن سُقوط نظام صَدام وكان المالكي حاضِراً، ولمَعرفته الشَخصية به (ومِن باب المَيّانة) عاتبه عَلى عَدَم رَفع الأوساخ التي كانَت مُتكدّسة بقطعة الأرض المُجاورة للمَكتب، يَقول أجابَني المالكي قائِلاً "أبو فلان.. هوّة آني صِرت قائمَقام ومَا شِلِتهة"، تصَوّروا أن أقصى أحلام هذا الرَجل الذي دَخل العراق حينَها بسَيارة إستعارها مِن البَرزاني وكان يُخَطط للجوء لأوروبا عام 2002 كانت أن يُصبح قائمَقام، فإذا به يَصحوا يَوماً ليَجد نفسَه وقد أصبَح بَين ليلة وضُحاها رَئيساً لوزراء العراق ومُتحَكِما بمَصيره وبميزانيته الضَخمة، ويأتَمِرُ بأمره عَشَرات الوزراء وآلاف الضُباط ومَلايين المُوظفين!
بالتأكيد لم يَستوعِب الدَعوَجيّة هذا الأمر في البداية، وكان صَدمة على عُقولهم المُنغلقة طائِفياً وشَخصِيّاتهُم المُتقولبة رَوزخونياً، وفِعلاً فشَل بَعضُهم كما حَدَث مَع الجَعفري، الذي أصبَح رَئيساً للوزراء لسِتة شُهور بَدَت كسِتة قرون كانت الأسوَء في تأريخ العراق الحَديث، فحينها أشتعَلت شَرارة الحرب الطائفية التي ما تزال تنخُر المُجتمَع العراقي لليوم، وعِند إنتهاء مُدته رَفضَ التخلي عَن السُلطة قائِلاً أن السَماء أختارَته لحُكم العراقيين! بَعده جاءَ المالكي الذي كان أوفَر حَظاً ليسَ لكونِه الأفضَل بَل لأن سوء الأوضاع كان قد وَصَل الذروة في زمَن الجَعفري، ويَوم جاءَ هو كانَت الأمور آخِذة بالتَحَسّن، وهو ما حُسِبَ له لدى عَوام الناس، كما شائَت الأقدار على أن يَتفق اللاعِبَين الرئيسيّين في الساحة العراقية أمريكا وإيران على وجودِه وبَقائه في السُلطة رَغم أنه ليسَ خيارَهما الأمثل لكنه كانَ أهوَن الشُرور لكليهما، وهو مافهمَه المالكي جَيداً وإستغله للتشَبّث برئاسة الوزراء لثمان سَنوات قابلة للزيادة أمام عَجز الشُركاء والأعداء عَن تغييره. لذا وفي نهاية ولايَته الأولى بَدأ وبمُساعَدة حُلفائه مِن داخِل العراق وخارجه بمُحاولة تعلم الظُهور والعَمل ورُبّما التفكير كرَجُل دَولة، لكنه لم يَنجَح في ذلك بشَكل كاف، فرغم مُحاولاته اليائِسة لتقمّص شَخصِيّة رَجُل الدَولة إلا إن الطَبع يَغلب التطَبّع، فتقاطيع العُبوس المَعروفة عَن المالكي تحديداً والإسلاميين عُموماً هي الغالبة على وُجه السَيّد رُئيس الوزراء، وشَخصِيّة الرَوزخون التي يُحاول قمعَها بَين حين وآخر هي الطاغية على تصَرّفاته، خُصوصاً إذا إضطر الى القيام بأمر لم يَقم به سابقاً، أو يُعتبر مِن المُحَرّمات وفق الرُؤية الطائِفية الرادكالية لحزبه، كمُصافَحة إمرأة أو حُضور حَفل فيه رَقص وغِناء، وهو ما حَدَث قبل أشهُر مَثلاً في إفتتاح فعالية بغداد عاصِمة للثقافة العربية، التي حَضَرها المالكي مَع بَعض أتباعِه كالأديب والخزاعي والفياض ومَسؤولين آخرين بالدَولة، فبَعد أن ألقى المالكي كلمَته المُستهلكة أمام الضُيوف بَدأت فقرات الفعّالية التي كان مِن الطبيعي أن تتضمّن لوحات رَقص وغِناء، فإذا به وبأتباعِه يتسَللون بهُدوء الى خارج القاعة تاركين المُطلك والدليمي والأتروشي مُمَثلين للدولة. السَبَب طَبعاً واضِح، وهو أن المالكي والدَعوَجيّة عُموما لم يَعتادوا الجلوس أمام فِرق راقِصة، أوالإستِماع لمُطربين ومُطربات، أوالتواصُل مَع مُثقفين ومُثقفات (مفرّعات) أي سافِرات حَسبَ ثقافة الجَهل التي يَتبَنوها، لذا ولكي لا يَقعوا في حَرَج مَع ضُيوفَهُم مِن جهة وقواعِدَهُم مِن جهة أخرى، ويُوفقوا بَين مَظهَرهِم كرجال دَولة وباطِنهم كرَوزخونيّة، أكتفوا بالحُضور لإلقاء كلمة والجلوس قليلاً حَتى إذا ماسَنَحت الفرصة للهَرب فرّوا شاردين مِن أجواء لم ولن يَندَمِجوا يَوماً فيها، لأنّهُم نَشأوا وترَبّوا بأجواء مُختلفة عَنها وترى فيها أجواء فِسق وفٌجور وخَلاعة. نعَم هكذا يَنظر الإسلاميون للثقافة وهكذا يَتحَدّثون عَنها في مَجالسِهم الخاصة، وهذه هي نظرَتهم الحقيقية ونظرة أمثالهم مِن المُترَيّفين لأجواء العَواصم والمُدُن الكبرى وأبنائِها، لذا لكم أن تتصَوروا حَجم مُصيبة العراق وهو يُحكم مِن قبل أمثال هؤلاء!!

مصطفى القرة داغي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah