الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التانغو الاخير لعاشق يكره الأسماء

نذير الماجد

2013 / 9 / 4
الادب والفن


من مشهده الذي اختزل القصة بعبثها وجنونها اكتملت رقصة "التانغو".. التانغو طقس.. هو يوحي بالسأم والضجر، شأن كل فن نبيل..

لم يتبق سوى رقص وكثير من ماء النسيان.. أخذ بطلنا أمام لجنة التحكيم بين أجساد النبلاء التي يسري في عروقها الدم الماسي والتي تتحرك على وقع رقصة التانغو، أخذ يرقص على وقع آخر من زمن ليس من هذا العالم.. وتحت تأثير عصير عنب محضر من الجنة أعاد صياغة موسيقى الجسد..

رقصة التانغو الأخيرة في مسلسل اليأس الذي بدأ بصرخة اللعنة وانتهى بغضب لجنة التحكيم.. اللجنة التي استشاطت غضبا من بهيمي صعلوك لوث حفلة الكبار.. إنها التانغو الأخير في باريس، المدينة التي تئن من غزو الفئران " الفئران أكثر من الناس في باريس" كما يقول البطل.. التانغو الأخير بعد جولات الحب التي تبدأ بعنف سادي وتنتهي بفأر ميت... والكل لا يعرف الكل.. إذ ما من شيء إلا وهو سائل.. هيولى.. متغير.. متحرك، ما عدا الموت..

البطل "بول" أرمل.. وجدت زوجته "روزا" في غرفة من غرف الفندق الذي بات فيه بدل الليلة خمس سنوات، وجدت مقتولة ودمها يلطخ الجدران والماء وكل شيء.. بدت الغرفة سابحة بالدم.. ذاك أن الموت في عالم بدأ باللعنة وانتهى برصاصة قاتلة هو الثابت الوحيد.. هو الحقيقي الصامد في وجه التقلبات والحركة المجنونة.. هو اللغة التي يفهمها جميع البشر.. جميع العاشقين.. وحده الموت يستدر الدموع ويمنح الحياة معناها وحقيقتها العبثية..

"التانغو الأخير في باريس" كئيب حد استحالة الحب إلى شقاء وردي.. شقاء كاذب وزائل هو الآخر.. الحب، العشق، الشهوة.. طبيعتنا البدائية.. هو التوحش الوحيد الذي يشهد على انسانيتنا الهشة.. انساننا بتعاسته المتأصلة ووحشه الكامن دائما...
أما البطل "باول" في فيلم "التانغو الأخير في باريس" فليس سوى وحش مائي انسكب في قالب رجل.. إنسان يعرف أن اللغة والأسماء والحب والحياة طقوس ينبغي أن تصاغ من جديد.. " إنني أكره الأسماء... لا أسماء في غرفتنا"... الغرفة التي شهدت لقاءه بصاحبته الحسناء دون تعارف.. دون اتصال.. حتى الجنس، هو مآل عنفي، أو هو كذلك، أو ينبغي أن يكون..

السادية ليست خيارا وإنما قيمة تسترد ما ضاع من بدائيتنا.. ما تبعثر من نقائنا الأول.. باول منذ البدء يصيح: اللعنة.. وهي البداية التي اختاراها المخرج لكي تصدم.. لكي توحي بالصدمة.. والسأم المتفجر منذ بودلير ورامبو وحتى الحركة الطلابية في 1968م.. في البدء كان العنف، الوحشة، انعدام البركة.. بول يصيح باللعنة قبل لقاءه السادي بفتاته الحسناء.. وهي الفتاة التي تتحرك على مدار الفيلم بازدواجية الشخصية.. لها شخصيتان: الأولى عشيقة في فيلم سينمائي لمخرج أحبها فأراد أن يتزوجها، والأخرى صديقة عابرة لشخصية البطل بول، فتاة تلعب دور المازوشية التي تهرب في الأخير من عذابها اللذيذ بعد آخر رقصة تانغو بقتل عشيقها البطل الذي لم ولن تعرفه.. وبعد أن خاضت معه معارك الجنس الموغل في ساديته..الجنس وسيلة لبقاء النوع وهو في الآن نفسه وسيلة ناجعة لتهشيم غشاء التصنع الإنسانوي..

الجنس بوصفه علاقة ينبغي أن يستفرغ من كل تواصل بشري.. ينبغي أن يوغل في بدائيته الكامنة...التانغو الأخير تفجير لهذه البدائية.. تفجير للتوحش الكامن في كل واحد فينا... وهو بالمثل إدانة للحضارة المتكئة على قمع وتزييف ومرض انساني مزمن.. وهو أخيرا عودة للأشياء في سديمها الأول.. عودة أو دعوة لأشياء تكره الأسماء.. تكره الثبات والقولبة.. إنها التانغو الأخير في بارييس، من إخراج بيرناردو بيرتولسي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في