الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزراء الدفاع،،، عن مصالحهم

وليد الحلبي

2013 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك أن المتتبع للتاريخ العربي المعاصر، لن يجد كبير عناء في إدراك الشبه الكبير بين الحركة التصحيحية التي قام بها وزير الدفاع السوري الفريق حافظ الأسد يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، والحركة التي قام بها وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي يوم 3 تموز/ يوليو 2013.
1- ففي الحالتين، كان اللذان قاما بالحركة التصحيحية هما وزيري دفاع سوريا ومصر، وكلاهما يحمل رتبة فريق في القوات المسلحة.
2- وإذا كان لتاريخ ميلاد الرجل علاقة بالحياة العامة، فإن حافظ الأسد ولد في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1930، أي قبل 43 عاماً بالضبط من بداية حرب أكتوبر 1973، والتي كرست ضياع الجولان، أما عبد الفتاح السيسي فقد ولد يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، أي قبل 23 عاماً بالضبط من زيارة السادات للقدس في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، وبالتالي ضياع القضية العربية. أما تاريخ ميلاد بشار الأسد في 11 أيلول/ سبتمبر 1965، أي بالضبط قبل 36 عاماً من أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، والتي كانت كارثة على العالم، فمصادفة لا تحتاج إلى تعليق.
3- ففي الحالة الأولى "السورية": انقلب حافظ الأسد على رئيسه، نور الدين الأتاسي، وأودعه السجن مع باقي أعدائه السياسيين. ولإلقاء بعض الضوء على ذلك الحدث، لا بد من العودة إلى كانون الثاني/ يناير 1968 عندما اتهمت القيادة القومية لحزب البعث، حافظ الأسد وزير الدفاع السوري، بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، وطردته من بين صفوفها، وذلك بعد سقوط مرتفعات الجولان بيد الإسرائيليين دون قتال، إلا أن تدخل أنصاره في اللجنة الخماسية العسكرية (محمد عمران – عبد الكريم الجندي – أحمد المير- صلاح جديد) التي شكلها في القاهرة أثناء الوحدة للعمل ضدها، ووصول البعث إلى السلطة بعد فصل سوريا عن مصر، هذا التدخل أرغم القيادة القومية على التراجع عن طرد الأسد، غير أن ذلك لم يجعله ينسى لها اتهامها له، فقام بحركته، والتي أسماها (تصحيحية)، بتشتيت شمل القيادة القومية، ففر من فر منها إلى العراق (ميشيل عفلق – شبلي العيسمي وغيرهما)، وفر البعض الآخر إلى أوربا (صلاح الدين البيطار إلى فرنسا)، أما محمد عمران الذي فر إلى لبنان،فقد اغتيل فيما بعد في طرابلس، واعتقل رئيس الدولة نور الدين الأتاسي وكذلك محمد عمران وصلاح جديد في سجن المزة حتى الموت، وبعد ذلك اغتيل عبد الكريم الجندي في دمشق بدعوى أنه انتحر. وقد نظم أنصار الأسد مظاهرات مؤيدة له في بعض المدن السورية، وطرح نفسه على استفتاء لرئاسة الجمهورية دون منافس، وفاز بها في آذار/ مارس 1971.
أما في الحالة الثانية "المصرية": فقد قام بحركة 3 تموز/يوليو وزير الدفاع المصري أيضاً، وكما سيناريو حافظ الأسد، فقد اعتقل السيسي رئيسه محمد مرسي، وإذا كانت حركة الأسد قد جاءت ضد جزء من حزب البعث، وهو القيادة القومية، فإن حركة السيسي قد جاءت لكي تكون في مواجهة حركة الإخوان المسلمين وحزبهم (الحرية والعدالة)، ولئن كانت القيادة القومية التي انقلب عليها حافظ الأسد قد وصلت إلى السلطة بانقلاب عسكري بعد 8 آذار/ مارس 1963، وأخذت شرعيتها من كونها جاءت في أعقاب حكم الانفصال، وبادعاءات – ثبت زيفها - لاستعادة الوحدة مع مصر، إلا أن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر قد جاء عن طريق عملية انتخابية شفافة. وكما شتت الأسد رفاق الأمس في الحزب واللجنة العسكرية، فكذلك يفعل السيسي هذه الأيام مع محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية الذي عينه السيسي بنفسه، وملاحقة عمرو حمزاوي وأيمن نور وغيرهم من رفاق الدرب، والباقي يتبع، وهذه جميعها تذكر بنفس أسلوب حافظ الأسد.
4- وكما في سوريا، كذلك في مصر، فقد عادى وزيرا الدفاع المذكورين حركة الإخوان المسلمين في بلديهما، ولئن راوح الأسد في علاقته بالإخوان السوريين بين شد وجذب انتهى بمجزرة حماة عام 82، وصدور القانون 49 الذي ينص على الحكم بالإعدام على كل من تثبت عليه تهمة الانتماء إلى حركة الإخوان المسلمين، فإن السيسي قد افتتح عهده بتخوين الإخوان المسلمين، واعتقال قياداتهم السياسية بطريقة فجة. وللمفارقة، فإن حافظ الأسد الذي كنا نعتقد أنه أسوأ دكتاتور في العصر الحديث، كان قد ألقى بمعارضيه في سجون معروفة العناوين، كسجون المزة وتدمر وصيدنايا، أما السيسي فقد اعتقل محمد مرسي بطريقة تخجل منها عتاة المافيات العالمية، (يذكرنا ذلك باختطاف الألوية الحمراء الإيطالية رئيس الوزراء الإيطالي آلدو مورو عام 1978 في مكان مجهول، ثم قتله)، وذلك عندما احتُجِزَ محمد مرسي في مكان مجهول لم يسمح حتى لعائلته وطبيبه معرفة عنوانه، وذلك بذريعة حمايته، فهل كانت زوجة محمد مرسي وأولاده وطبيبه يخططون لاغتياله؟.
5- ألغى حافظ الأسد جميع مظاهر الحياة الديمقراطية من أحزاب سياسية وصحافة حرة ونقابات مهنية، واقتصر الإعلام منذ عهده إلى الآن على 3 صحف حكومية (البعث – تشرين – الثورة)، وعلى قنوات فضائية تملكها الدولة، وتديرها أجهزة المخابرات، فكذلك أقفل السيسي جميع القنوات التلفزيونية التي يشتم منها رائحة المعارضة، كما طالت الاتهامات بالخيانة والعمالة للخارج الكثير من الصحفيين وأصحاب الرأي، وفي الوقت الذي كانت فيه مصر قبل حركة السيسي تعد من بين أفضل المجتمعات العربية في التجانس الاجتماعي، يجنح بعض الصحفيين والكتاب الموالين للعهد الجديد إلى إطلاق لقب (طائفة) على الإخوان المسلمين، غير مدركين بغباء لافت أن الطائفية تأخذ شكل العرقية (عربي – كردي)، أو الدينية (مسلم – مسيحي)، أو مذهبية (سني – شيعي)، وجميع هذه التصنيفات غير موجودة ضمن المجتمع المصري باستثناء (مسلم – قبطي) وهما عنصران اجتمعا معاً لأكثر من 14 قرناً دون مشاكل تذكر. وفي الحديث عن الإعلاميين المصريين هذه الأيام، فقد ساد الظن بأن الحرية الإعلامية النسبية التي أتاحها حكم مبارك لا بد قد أفرزت صحفيين ذوي مهنية عالية، لكن ما يبثه الإعلام المصري هذه الأيام يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذا الظن لم يكن في محله، ومتابعة الصحف والفضائيات المصرية الآن يبعث على الغثيان.
6- بعد الحركة التصحيحية بأربعة أشهر، وصل حافظ الأسد إلى رئاسة الدولة السورية، وعليه فإن السيسي يمكن أن يصبح رئيساً لمصر في شهر نوفمبر المقبل، هذا إذا اتفقت المصادفات بين الرجلين، وما الحملات الدعائية التي يقوم بها الإعلام المصري حالياً لتمجيد شخص السيسي، وتشبيهه بجمال عبد الناصر، سوى مقدمة لوصوله إلى رئاسة مصر، وبذا يكون الجيش المصري قد استعاد رئاسة البلاد من أيدي المدنيين (ولو كره الكافرون).
7- بعد وصوله إلى السلطة، فتح حافظ الأسد باب الصراع مع العراق على مصراعيه، وقدم العداء مع العراق على العداء مع إسرائيل، كذلك فعل السيسي عندما فجر العداء مع حركة حماس، متناسياً عداء مصر التاريخي مع إسرائيل.
8- لم يصل السوريون إلى ما وصلوا إليه اليوم من دمار للبلاد والعباد إلا بسكوتهم على حكم حافظ الأسد وابنه لما يزيد على الأربعين عاماً، وهذا ما يحاول المصريون هذه الأيام أن يأخذوا الدرس والعبرة منه، وتوقف المظاهرات المطالبة باستعادة الشرعية وطرد العسكر سوف يؤدي بالمصريين إلى ما أدى إليه سكوت السوريين على نظام حكم يشبه كثيراً نظام الحكم القائم حالياً في أرض الكنانة.
9- أخيراً: كنت أتمنى لو أن الفريق عبد الفتاح السيسي قد أطلق على انقلابه مصطلح (حركة تصحيحية)، إذاً لأراحني من عناء كتابة هذا المقال.
7 سبتمبر 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة