الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقات المفقودة

آکو کرکوکي

2013 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


تنشغل الأوساط السياسية في كوردستان ، بالتحضير للأنتخابات النيابية القادمة . وضمن الحرب النفسية المشتعلة بين هذه الاطراف ، تقوم وسائل الأعلام الحزبية ، والمسؤولين الحزبين بنشر توقعات مبالغ فيها ، حول نسبة الأصوات التي سيحصدونها في هذه الإنتخابات . وبطبيعة الحال يدعي كلٌ قناعتهِ بالفوز بغالبية الأصوات.

يدرك الجميع ، بإنهُ ليس بإمكان أي جهة من أن يتكهن بالسلوك الإنتخابي للناس ، حتى ولو في حدود الحد الأدنى من الدقة . لذا فلا مناص من دراسة كل الإحتمالات المُمكنة . وهنا لانريد أنْ نبحث في إحتمالية إستمرار بقاء السُلطة بأيدي الحزبين التقليدين ، وكما كان في السابق . فهذا الإحتمال ، وبالرغم مِن إمتلاكهِ للكثير من المبرارات القوية ، لحصولهِ فإنه إحتمال غير مثير للأهتمام حقاً . ولايستحق البحث ، والتأمل فيهِ . لأن نتيجتهُ ستكون واضحة ، ومعروفة ، فيبقى الحال كما كان عليه في الماضى ولن يتغير شئ يذكر . لكن الأحتمال الأكثرُ إثارةً ، سيكون فوز أحزاب المعارضة بعددٍ مقبولٍ من الأصوات . ما يمكنها من تشكيل الحكومة . فمالذي سيحصل في اليوم التالي لتشكيل هكذا حكومة ؟ وكيف سيسيّرون الأمور ؟

الأستاذ أمين يونس ، تناول في مقالة موسومة له بِعنوان "إفتراضات إنتخابية" ، هذا الأحتمالْ. وخَلُص الى إنهُ: من المُرجح أن يلجأ الحزبان التقليدان الى إستغلال نفوذهما على قوات الأمن ، والبيشمركة ، والمؤسسات الحكومية الأُخرى ، لخِلق مشاكل للحكومة الجديدة وبالتالي إفشالها . ولم يستبعد أن يلجأوا الى زعزعة الأوضاع الأمنية ، لخلق نوع من الفوضى.

أعتقدُ جازماً إنَّ هُناك الكثيرين -وأنا منهم- ممن سيتفقون جمُلةً وتفصيلاً مع هذه الخُلاصة ، والتي توصل أليها الأستاذ أمين . فهي حقيقة مدعومة بعدة شواهد ، وتلميحات ، ورسائل واضحة وصريحة أرسلها الحزبان وفي أكثر من مُناسبة الى أسماع وأذهان الناس في كوردستان .

وهذه الحقيقة المؤلمة ، تفتح باب التساؤلات ، والإستفهامات على مصراعيها ، حول عملية التغيير المنشودة ، مِن قبل الكثيرين في كوردستان . فهناك مثل الأستاذ أمين مَنْ يتسائل قائلاً: هل يستحق هذا التغيير كل هذهِ التضحيات؟ وماذا لو وجدنا أنفسنا في نهاية الأمر ، وقد تورطنا في الفوضى ، والتفجيرات ، والحرب الأهلية ، كما هي الحال في بغداد ، والقاهرة ، وليبيا ، وتونس مثلاً بعد أن حصل فيها تغييرٌ مفاجئ للنظام القائم منذ سنوات؟

رغم إنني لست مع جدوى التغيرات الراديكالية ، والمفاجئة في السياسة ، وأؤمنُ بالإصلاحات الجُزئية ، الطويلة الأمد ، والتي تأتي خطوة بعد خطوة إلا إنني أتلمس حقيقةٌ أخرى ، أعتقد إنها أكثرُ ألماً من السابقة ، ومفادها: إنَّ الحزبين التقليدين لم يعدا قابلين للأصلاح البتة.

فعملية الإصلاح الطويلة الأمد ، والتغيرات الجُزئية المَرجوة ، تفتقد الى حلقتين جِد مُهمتين . لكنهما وللأسف الشديد، مفقودتين ، ومغيبتين من النظام السياسي الحاكم في كوردستان . فهذا الكيان السياسي ، الذي من المؤمل –على الأقل من قبل الكوردستانين- أن يحظى في الفترة المقبلة ، بإعترافٍ دولي ، لإعلان نفسهِ كدولة ناشئة . تفتقر الى جيشٍ نظامي يبنيها ويحميها . فالجيوش وكما هو معروف هي اللبنة الأساسية ، لِبناء الدول . ويمكن إدراك تلك الحقيقة بسهولة ، لو راجعنا تأريخ كل الدول المُستحدثة تقريباً في المنطقة . فأول خطوة لِبناء هذه الدول أبتدء ببناء جيش نظامي له . فنرى كيف إنَّ هذه الجيوش لعبت ، ومازالت تلعبْ ، دوراً أساسياً في حكم ، وإدارة ، وحفظ هذه البلدن . وكيف إنَّ هذه الدول ، وبفقدانها لجيوشها قد شارفت على التفكك ، والضياع . ومُراجعةٌ بسيطة لتأريخ العراق ، ومصر ، وتركيا سيظهر بجلاء ، دقة هذه المعلومة.

غير إنَّ حُكم الجيوش والعسكر ، لوحدهم يكون مرفقاً وفي الأغلب ، بالسلبية ، والدكتاتورية ، والإستبداد . لذا فإنهُ وفي الدول الناشئة ، يستوجب أن يترافق مع وجود الجيش ، الذي يحمل على كاهلهِ حماية الدولة ، والدستور، وجود حزبٍ وطني ، ذي جماهيرية واسعة . جماهيرية لاتقف أمام التخوم المناطقية ، والعشائرية ، والدينية ، والمذهبية . بل يكون حزباً يشمل غالبية الشعب ، بِمُختلف طوائفهم ، ومناطقهم ، وعشائرهم ، وأديانهم . وهذا يُحتم عليه أن يكون حزباً ، علمانيا ً، مدنياً حديثاً . حزباً يحمل أيدولوجية وطنية ، وبرنامج عمل قومي واضح . يمكنهُ أن يجمع الناس على كلمة واحدة ، ويستغل هذه الشعبية ، والأستقرار السياسي ، في بناء المؤسسات ومنها الجيش . وعند هذه النقطة ، يمكننا أن نتحدث ، عن البدء ببرنامج إصلاح طويل الأمد . يهدف الى بناء حُكمٍ ديمقراطي ، ودولة مؤسساتية ، لاتتأثر بتغيير الحكومات . ولا تخشى من أستبداد الجيش أيضاً كالدول المتقدمة .

وبعد مضي عُمرٍ يناهز العقدين وأكثر ، فإنهُ من المؤلم حقاً ، أنْ نرى التجربة الكوردستانية ، وهي تفتقر الى هذين الحلقتين الأساسيتين . لذا فإن أي عملية أصلاح ستبقى مقطوعة ، ومبعثرة ، ومشلولة ، وواقفة في مكانها ، مالم تحتوي على تلك الحلقتين . فكوردستان لاتمتلك جيش نظامي ذو عقيدة عسكرية ، وطنية . بل فيها قوات مُسلحة حزبية ، وبتعبيرٍِ أكثرُ صراحةً فيها "ميليشيات حزبية" ، تأتمر بأوامر الحزب فقط ، ولديها أجندة حزبية بحتة . بل إنَّ الحزبين التقليدين ، يصّران على بقاء هذا الخلل مُستمراً . ولايبادران عمداً الى بناء جيشٌ نظامي ووطني . كذلك فإن كل الأحزاب الكوردستانية ، مُحددة بمناطق ، وعشائر ، وأديان مُحددة . فحولوا كوردستان الى مجموعة من مناطق النفوذ ، والأمارات ، والغيتوهات الصغيرة ، المحكومة من قبل حزبٍ مُعين. وليس كوطنٍ مُوحد يحكمها نفس القانون ، ونفس النظام ، ولاحتى نفس اللغة!

فالبارتي الذي يُهيمن على منطقة بهدينان ، ومحافظتي دهوك ، وأربيل نسبياً لمْ يتمكن قط من إختراق منطقة السليمانية ، وكرميان . في المقابل ، فإن حزب الإتحاد وحتى حركة التغيير لم يتمكنا لحد الآن ، من إختراق مناطق البارتي بشكلٍ جدي ، وظلا حبيسي مناطق السليمانية ، يتصارعان عليها . أما الأحزاب الأسلامية بشقيها السلفي ، والإخواني ، والتي تدعوان الى حُكمٍ إسلامي سُني . فلقد حبست أنفسها منذ البداية في تخوم المسلمين السّنة فقط ، ومنعت نفسها عن بقية الأديان ، والطوائف الكوردستانية الأُخرى.

إنَّ غياب الجيش النظامي ، ووجود القوات الحزبية ، لايضعان عمليات الإصلاح المرجوة ، تحت دائرة التساؤل والإستفهام وحسب . بل حتى "الإستقرار الأمني النسبي " ، والموجودة الآن ، تبقى تحت الشك وتحت أكثر من علامة إستفهام . فهذا "الأمان النسبي" ، والذي نخشى عليه من أن يضيع ، بسبب مطالبتنا بالتغيير ، هو في الأساس أمانٌ هش . ويمكن أن يضيع بسبب أي توترٍ مُحتمل بين الحزبين ، اللذان خاضا من قبل حربٌ أهلية وسخة مع بعضهما البعض . فهناك مايكفي من المُبررات التي يمكن أن يؤدي الى هكذا توتر . فلربما بسبب الإصطفافات الأقليمية أو بسبب خسارة الإتحاد ، وفقدهِ لحصتهِ من كعكة الحكم أوبسبب غياب الطالباني ، راعي ، ومهندس "الإتفاقية الإستراتيجية" أو غيرها من الأسباب سيندلع القتال مجدداً.

يمكننا أن نستخلص مما سبق : إنّ بادرة الأمل الوحيدة ، لِحصول التغيير المنشود ، يتمثل بظهور حزبٍ وطني ، ذات جماهيرية واسعة ، يمكنه أنْ يخترق التخوم المناطقية ، والعشائرية . حزبٌ يمكنهُ أن يخترق حتى القوات المسلحة ، ويجعلها تقف على الحياد ، وتعمل على تحويلها فيما بعد ، الى جيشٌ نظامي . فهل سيتمكن أحد من هذه الأحزاب الموجودة ، من أن يلعب هذا الدور المحوري؟

إنتخابات كوردستان المقبلة ستفرز لنا الإجابة على هكذا تساؤل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات