الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بارزان 1984

خالد صبيح

2013 / 9 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



هذه المادة تخص مجموعة سياسية معينة، هي أنصار الحزب الشيوعي العراقي فترة الثمانينات، فمن لا يعنيه أمر هذه المجموعة وتجربتها لا يتعب نفسه بالقراءة.

***
تعريفات أولية:

قرية بارزان: قرية مهجورة تقع على سفح جبل شيرين بنيت من قبل الحكومة بالاسمنت. تقع في مفترق طرق بين منطقتي سوران وبهدينان. اعتقد أنها بنيت على أنقاض قرية الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني وقبيلته. اتخذها قاطع اربيل التابع لحركة أنصار الحزب الشيوعي العراقي مقرا رئيسيا له بعد انسحابه من مناطقه في دشت (سهل) اربيل بعد الصدامات مع قوات( أوك) في أواخر عام 1983.

معركة بشتاشان: معركة وقعت بين أنصار الحزب الشيوعي العراقي وقوات أوك في آيار من عام 1983، هوجمت فيها مقرات الحزب الشيوعي الرئيسية (الإدارة، المكتب السياسي، المكتب العسكري.الخ) من قبل قوات أوك بالتنسيق مع نظام صدام حسين.. لمن يريد أن يطلع على تفاصيلها يمكنه متابعة ما كتب ونشر عنها في الانترنيت.

قاطع اربيل: القاطع هو تشكيل إداري وحزبي وعسكري ينقسم داخليا الى وحدات بحسب المناطق الجغرافية، والوحدات الإدارية؛ محافظة، قضاء.الخ... قسمت قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي الى أربعة قواطع هي: بهدينان، اربيل، السليمانية، هورمان. ومع أن القاطع هو تشكيل حزبي جغرافي إلا انه عسكريا يعادل لواء في الجيش النظامي لأنه يتكون من وحدات عسكرية أكبرها فوج.

***
مدخل

لايمكن لواقعة ما أن تنسى ولها شهود ورواة كثر. وكثير من تجارب الحياة تؤكد ان كشف الحقائق قد يتأخر لكن لابد أن يأتي يوم ويظهر فيه للعلن. غير أن كشف الحقائق يشترط جرأة وشجاعة ممن عاشها وعرفها لقول ما عرفه وما عاشه. من هنا ارتأيت أن أقدم شهادتي لحادثة تندرج ضمن الصراع الداخلي الذي عاشته الحركة المسلحة والحزب الشيوعي العراقي في كردستان العراق أواسط الثمانينات راح ضحيتها ثلاثة شبان في مقتبل العمر. ومع إني شاهد ثانوي رأيت الوقائع من زاوية بعيدة نسبيا إلا أن سرد ما اعرفه وعشته قد يفتح الباب لتدوين حقيقي وواقعي للحادثة التي يبقى، برأيي، الأجدر في روايتها هم الفاعلون الحقيقيون فيها من غير أن يقلل ذلك بطبيعة الحال من قيمة مايقوله ويشهد به أي شخص عاشها من أي موقع أو زاوية كانت.

يجدر التنبيه هنا الى أن هناك صمت رسمي من قبل الحزب الشيوعي العراقي عن الحادثة مع أنها ليست بالحادث العابر إن دققنا في تفاصيلها، وأمر التكتم والنكران بات للأسف امرأ معتادا من العقلية التي تتحكم في الحزب، وهي عقلية مترسخة لحد باتت تشكل فيه علامة فارقة له. والتكتم على الحقائق لم يعد أمرا مقبولا في ظل تطورات الحياة والتكنولوجيا اللذين يفترضان ويفرضان الانفتاح، ويبدو أن هذا التجاهل والصمت هو محاولة لنكران الحادثة، وأقول: إن الإنكار قد يكون طريقا سهلا، لكنه غبي. وبهذا المعنى يقول الكاتب والشاعر الهندي طاغور :(اذا أنت أغلقت بابك دون الزيف والضلال امتنعت عنك الحقيقة أيضا).

ينبغي معرفة أن لا أعداء يتربصون ولم يعد كشف العيب عيبا.

سأحاول في سردي للوقائع أن أتجنب التحليلات والاستنتاجات والتأويلات للموقف ومسببات الحادثة التي أريد أن اسرد وقائعها ، أولا لكي احقق رواية حيادية قدر المستطاع، وثانيا لكي أتجنب إيلام شخص ما. فإيلام الناس ليست مسالة هينة.
قبل أن أنسى: طاغور رسام أيضا تعلم الرسم ومارسه وأبدع به وهو في سن الستين.

***
للحادثة التي أريد سردها كما لكل حادث بداية افتراضية قد تختلف من زاوية نظر لأخرى. شخصيا أعيد اصل الواقعة للجو الذي ساد بعد معركة بشتاشان وما اثارته وفجرته من إشكالات داخلية. فقد ارتفعت اثر هذه المعركة - الهزيمة نبرة نقد ممزوجة بشيء من التحدي. وصارت قيادة الحزب محرجة في تقديم تفسير لما حدث وتحديد المسؤول عن الهزيمة والدماء التي سالت، وبدلا من إجراء مراجعة جدية لجأت القيادة لأسلوب القمع الذي أسمته كالعادة بالضبط الحزبي. وقد دشنت هذه السياسة أو التوجه بجولة الرفيق (كريم احمد) عضو المكتب السياسي، التي شرح فيها ملابسات أسره لدى الجلاليين وإصداره بيانا مشتركا مع قيادة أوك (وهذا خرق لمبادئ العمل الحزبي فلا يحق لأسير أو معتقل، كما هو معروف حزبيا، أن يفاوض باسم الحزب) وبدلا من نقد ذاتي حقيقي تحولت الجلسات التي قادها الى مناسبة للتذكير بالضبط الحزبي والتذكير بان الحزب سيضرب بقوة من يريد أن يمس بـ (أمن ووحدة ألحزب).

اما بداية الحادثة، كما عشتها، فأعيدها الى يوم كنت فيه في مقر القاطع، قاطع اربيل، لمهمة ما، (سريتي، سرية بشتاشان، التابعة للقاطع كان مقرها فوق جبل شيرين.) التقيت هناك بالصدفة بـ (أبو أحلام، نجم...) وكان هو أيضا في زيارة لأصدقائه في سرية (روست) الذين سيكونون محور الحادثة. هو كان بانتظار سيارة ليذهب الى مقر سريته في منطقة (آستا) القريبة حيث ترابط قوة أخرى للقاطع هناك. كنت عادة أمازحه مزاحا مفتوحا (مزاح ميانة) وهو يضحك كالعادة بضحكته المميزة لمزاحي. لفت انتباهي انه كان مضطربا للغاية، مرتبكا وشفتاه ترتعشان رغم ضحكه ومزاحه. وفي الحقيقة أنا لم أر هذا النوع من الاضطراب إلا في الأفلام والقصص التي اقرآ. افترقنا بعد قليل وكانت هذه المرة الأخيرة التي أراه فيها.

بعد أيام علمت بشكل منفرد وشخصي من قبل آمر السرية (أبو أحلام بولي) بمقتل الشهيد (آري) على يد (أبو أحلام، نجم..). فوجئت، بل بوغت بالخبر. بالمناسبة آمر السرية حصل على الخبر من خلال تسريباته الخاصة وهذا أمر مألوف في الحياة الحزبية في الجبل فيحدث أن بعض الأنصار يعرفون أشياء عن طريق التسريبات بطرق خاصة لايعرفها حزبيون. أنا أيضا، كما الآخرين، عندي من يسرب لي لكن يبدو أن من يسرب لي هو بحاجة الى من يسرب له.

جاء الى سريتنا، ربما في نفس اليوم أو في يوم آخر، مسؤول القاطع الحزبي ( أبو ربيع) والتقى بنا واخبرنا بما حدث من جريمة القتل وباعتقال خمسة من الرفاق، وتجريد مجموعة أخرى من السلاح على خلفية الحادث وطمأننا بان القضية بيد الحزب وانه، الحزب، سيقدم لنا نتائج التحقيق أول بأول ولاشيء يستوجب الخوف أو القلق، وان هذا الاعتقال هو إجراء إحترازي وتم بناء على اعترافات القاتل (أبو أحلام، نجم...) الخ...

المعتقلون هم خمسة رفاق (الشهيدان سامي ومنتصر، أمين، أبو تحرير، مهند.)

روى لاحقا رفاق في مقر (آستا)، مسرح حادثة القتل، بأنهم سمعوا وقت الضحى صوت إطلاقات نارية من موقع نقطة الحراسة الواقعة عند مرتفع قريب، فذهب نصيران ليستطلعا الأمر وحسبما روى هذان النصيران فإنهما فوجئا بـ (أبو أحلام، نجم...) جالسا بهدوء في موقع الحراسة، وحين استفسرا منه عن صوت الاطلاقات أجابهما ببرود ولامبالاة بأنه قد قتل (آري) لأنه اكتشف انه عميل للنظام. ثم لاحظ النصيران جثة الشهيد آري ملقاة على ارض الموقع. اعتقل النصيران (أبو أحلام، نجم...) واقتاداه الى مقر السرية. ومن هناك بدأت فصول الدراما. فقد بدأ كلامه بأنه يريد من الحزب أن يخرجه الى سورية كمكافأة على ما فعله، وبأنه قتل الشهيد (آري)،لأنه كان يشك بأنه عميل للنظام وانه، (آري)، قد اعترف له بذلك.

خاض (أبو أحلام، نجم..) بحسب اعترافاته، نقاشا عنيفا مع الشهيد (آري) لإرغامه على الاعتراف بأنه عميل للنظام ومندس. لكن الشهيد رفض ادعائه وانتهى الموقف بجريمة القتل البشعة.

***
التحق الشهيد (آري) مع ثلاثة شبان آخرين في حركة الأنصار بداية الثمانينات، اثنان منهم من العرب، بعثيَّن سابقين، غيرا أفكارهما والتحقا بالحزب الشيوعي عن قناعة فكرية، والثالث شاب كلداني من شقلاوة، وكانوا جميعا زملاء دراسة في هندسة بغداد، وقد تمت عملية التحاقهم بجهود الشهيد (آري) باعتباره كرديا وله معرفة وصلات بالمنطقة. كان هناك بعض الارتياب بهم، وهذا أمر طبيعي في حركة مسلحة وحزب سري لاسيما للذين يلتحقون بها عن غير الطريق الحزبي، جرى تحقيق دقيق معهم جميعا وقام به بطريقة مؤذية، كما روى هو شخصيا، احد الذين سيعتقلون على خلفية مقتل (آري). احد الثلاثة الآخرين، العربي، استشهد لاحقا في إحدى المعارك. وجميعهم زاولوا العمل الأنصاري كبقية الآخرين وكانت سيرتهم العسكرية والتنظيمية جيدة ولا شائبة فيها كما أثبتت الوقائع لاحقا.

***
اجتهد البعض في أسباب قتل (أبو أحلام، نجم...) للشهيد (آري) معتمدين على اعترافاته وتهويماته، وبالمناسبة، فقد كان مكان اعتقاله في مقر السرية وسط القاعة بين الرفاق وليس في مكان منفصل، لذا اخذ الأنصار يسمعون ما يقوله. وقال من عايش اعتقاله بأنه، لاسيما في المرحلة المتأخرة من فترة اعتقاله، اخذ يهذي بكلام غير معقول ولا منطقي كمن أصابته لوثة. قيل أيضا بأنه قتل الشهيد (آري) متصورا انه بذلك سيرضي أصدقائه أو بالأحرى من يحسب عليهم (جماعة سامي) لأنهم قد اختلفوا معه ونبذوه مما تسبب في توتره واختلال توازنه.

***
تستوقفني هنا ملاحظة، هي؛ إن تصوير الصراع آنذاك، كما يصوره أو يتصوره البعض، وكأنه انقسام بين القاعدة الحزبية والقيادة أمر غير دقيق ومبالغ فيه، فمن يعارض نهج وسياسة الحزب وممارساته، كما اقدر، هما مجموعتان صغيرتان، أقليتان، واحدة تؤمن بأنها يمكن أن تغير واقع الحزب من خلال تفعيل التنظيم وتطوير الأداء الحزبي وتعميق الطروحات السياسية (الثورية) فيه بترسيخ تقاليد عمل مناسبة لهذا النهج. وأخرى كانت ترى أن لا إمكانية ولا شفاء لوضع الحزب في ظل قيادته وتركيبته التنظيمية والسياسية. كما إن تلك المجاميع، كما هم مؤيدو نهج الحزب وسياسته، وهم أغلبية ساحقة، هي مجاميع متنوعة في تركيبتها ودوافع من يتبنى أفكارها (وينشط) في ظلها، بمعنى أنها ليست موحدة الاتجاه والنوايا والقدرات.

***
في اجتماع موسع عقده سكرتير الحزب عزيز محمد في قيادة القاطع ودعي اليه مجموعة من الانصار الحزبيين، تكلم الفقيد (حاجي جمال)، وهو كادر حزبي من محلية اربيل، مطولا وبنبرة مؤنبة وناقدة، لكن كلامه لم يكن واضحا، على الأقل بالنسبة لي، تحدث بعربية فصحى وكان يكرر عبارة (المياه تسري من تحتنا ونحن لا نعلم) استفسرت من مسؤول السرية الحزبي، وكان يجلس قربي، عما يقوله وما يعنيه بكلامه، فقال لي بأنه يتحدث عن مقتل احد مختاري القرى الذي مات خطأً بأيدي أنصار إحدى المفارز كانوا يشكون بتعاونه مع النظام ويريدون معرفة معلومات منه. وكان مسؤول السرية صادقا فيما قال، اقصد انه لم يكن يعلم بمقتل الشهيد منتصر، ولم يفهم كما يبدو، مثل كثير من الجالسين، كما أخمن، إن حديث (حاجي جمال) كان يدور عن مقتل رفيق تحت التعذيب. وفي الجلسة أيضا طرح احد الأنصار الخمسة المعتقلين والمطلق سراحه لتراجعه،كما أكد هو، عن أفكاره وإعلانه للمحققين التزامه بما يريده منه الحزب (قال انه شعر في موقفه وسلوكه الذي اعتقل بسببه، بأنه يقف في مواجهة مع الحزب الذي رهن حياته للعمل به ولنصرة قضيته. القصة طويلة وآنا أحاول أن اختصر ولا أقف عند كل التفاصيل). طرح هذا النصير طلب أن يطلق سراح الأنصار الآخرين المعتقلين، وان تصفى الأمور بطريقة مناسبة، وان تفتح صفحة جديدة مبنية على حسن النوايا. كان رد السكرتير فيه كلام مبهم، لكنه أكد أن المسالة خطيرة بلغت حد التهديد باستخدام السلاح لتصفية الخلافات، وهذه إشارة واضحة، كما سيفهم لاحقا، الى التهمة الرئيسية التي وجهتها لجنة التحقيق في القاطع للأنصار المعتقلين والتي اعتمدت أُسسها من اعترافات (أبو أحلام، نجم...) التي سمعها أنصار آخرون كما عرفت.

***
بعد هذا الاجتماع بأيام علمنا بنبأ مقتل الشهيد منتصر. ساد غضب من بعض الأنصار في السرية وتوتر الجو. ( علم هؤلاء الأنصار بمقتل الشهيد منتصر بطرقهم الخاصة. فلا تبليغات رسمية بهذا الخصوص، ويذكر أن قيادة القاطع كانت تندد بالتسريبات التي بلغت مدينة اربيل وتتهم أنصارا بعينهم على هذا، مع أنها هي الجهة الوحيدة، كما يفترض، العارفة بمجريات الأمور. من أين تسربت الأخبار إذن؟ هكذا تساءل احد الأنصار في احد الاجتماعات الحزبية الفرعية) ثم روجت وسربت رواية عن سبب (موت) الشهيد منتصر بأنه قد أصيب بسكتة قلبية حينما واجهه المحققون بانكشاف علاقته بالنظام أو بانتمائه السابق لاتحاد الطلبة ألبعثي.

ومع أني أحاول هنا أن أقدم رواية حيادية قدر ما أستطيع عن الحادثة، إلا انه لايمكنني إلا أن اصف هذه الرواية بأنها فرية ملفقة وخبيثة، فمروجوها لم يكتفوا بقتل الشهيد وإنما أرادوا تصفيته معنويا أيضا.

***
عرفنا أيضا إن كادرا حزبيا من التنظيم المحلي للفرات الأوسط (الحلة) اسمه (أبو جاسم) قد واجه سكرتير الحزب عزيز محمد واراه (كابلات) معدنية متساقطة من أعمدة كهرباء خربة تنتشر حول المكان، وقال له مؤنبا: ( بهذه صاروا يعذبون رفاق الحزب). وان عزيز محمد صمت ولم يجبه.

***
صمت اغلب الرفاق، إن لم يكن جميعهم، عن الحادثة ولم يطالب احد، بحدود علمي، بطريقة جدية بكشف حساب لما وقع وبأسبابه. فاعتقال أنصار وتعذيبهم ومقتل نصير تحت التعذيب وانفراد مجموعة صغيرة في التصرف بالأمر سابقة خطيرة، وأي كان سبب هذا الصمت؛ سواء أكان خوفا أم لامبالاة أو شماتة أو حتى قناعة بان الحزب يحمي نفسه بهذا الإجراء، أو أي سبب آخر، فانه، برأيي، موقف خاطئ. وهو صمت مدان. والإدانة هذه تنسحب علي شخصيا كما على غيري، مالم يقنعني احد بصورة أخرى للوقائع وبأسباب معقولة لهذا الصمت.

اعرف تماما، وأقول هذا استطرادا واستدراكا، أنه في سنة اعتقال الأنصار وما تلاها تصاعد القمع وكممت الأفواه بطريقة مؤذية، وعانى الكثير من الأنصار وبعضهم دفع ثمنا لهذا النهج المتشدد الذي توج لاحقا بقرارات اجتماع اللجنة المركزية في خريف 1984 التي ركزت على إتبّاع هذا النهج الذي كرسه بصورة نهائية المؤتمر الرابع الذي عقد بعد عام واحد.

***
إضافات:

في هذه الفترة كلفت بإدارة مفرزة صغيرة تحمل بريد القاطع الى مقر المكتب السياسي في بهدينان. واختاروا لمساعدتي رفيق كردي طيب القلب ومخلص، تربطني به علاقة مودة، اسمه حاجي دهام. مكثنا في بهدينان عدة أيام ساء خلالها الجو، هطل مطر غزير، فقد كان الوقت ربيعا وفي الربيع تفيض الينابيع، فقررت أن أؤخر العودة ليوم يكون الجو فيه مقبولا. لكن لفتني أن حاجي دهام كان يستعجلني بإلحاح، ثم طلب مني احد مسؤولي المقر أن استعجل بالعودة. حينما وصلت الى مقر قاطع اربيل فهمت سر التعجيل. فقد كنا نحمل في البريد قرار المكتب السياسي وحكمه على (أبو أحلام، نجم..). أنا لم أكن اعلم ما يحويه بريدنا، مع أني مسؤول المفرزة، بينما كان حاجي دهام يعرف مابه.

***
مرة كنا نسير خلف مقر القاطع أنا وأنصار آخرين وشاهدنا الشهيد سامي، المعتقل حينها، عائدا لسجنه يحمل على كتفه قطعة حطب، حيانا بصوت مرتفع مع ابتسامة:

شلونكم رفاق.

هممنا للقائه لكن الحرس، وهو نصير كردي شاب، منعنا بطريقة فيها بعض الفجاجة، وكادت أن تحدث مشادة بيننا وبينه.

وكانت تلك آخر مرة رأيت فيها الشهيد سامي.

***
واذكر في يوم صيفي جاء لزيارة السرية (دكتور صادق) الذي قاد كل عملية التحقيق والتعذيب، فاخذ بعض الأنصار يتندرون (حضّروا يطقاتكم، اجا الأمن.. كناية عما كان يفعله الشيوعيون القدامى حين يعلمون بقرب اعتقالهم).
اذكر أن الشهيد أبو تغريد انزعج وانفعل واخذ يشتم. لم يلق دكتور صادق ترحيبا كما يحدث حين يزور السرية رفيق محبوب، مثل الشهيد محمد الحلاق على سبيل المثال، ولم يستقبله ويجالسه غير مسؤولي السرية لان استقبال الضيوف من ضمن واجباتهم.

***

طرفة للختام:

كان قرار تجريد مجموعة من الأنصار من السلاح قد رافقه إجراء سخيف هو قطع المساعدة الشهرية عنهم (قدرها عشرة دنانير). واذكر أني أعطيت لصديق لي من بينهم، بيني وبينه طبعا، ثلث مبلغ مساعدتي. ومازحته قائلا: إن قرار حرمانهم من المساعدة يفيده كثيرا لان كل نصير في السرية سيعطيه، دون أن يعلن، ثلث مبلغ مساعدته، وبهذا يحصل على أضعاف مبلغ المساعدة الذي منع عنه.

***
كانت لجنة التحقيق مكونة من:

دكتور صادق. حميد، أبو ديما. بقيادة وإشراف عضو اللجنة المركزية ومسؤول القاطع الراحل يوسف حنا القس (أبو حكمت).

والاعتقال تم في مقر سرية اربيل وبحراسة أنصارها. لا اعرف اسم أحد ممن قاموا بالتعذيب. لكن أظن أنهم من الأنصار (البيشمركة) من غير الحزبيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شهادة رائعة .... ولكن ؟؟؟؟؟
خالد حسين سلطان ( 2013 / 9 / 15 - 22:15 )
العزيز خالد صبيح شكرا على تلك الشهادة الرائعة والشجاعة ولكن لماذا بالاسماء الحركية والحزبية والتي اسدلت على الشهادة غموض جديد بحاجة الى توضيح وكانما شهادة لاطلاع الاتصار فقط وليست للتاريخ مع مودتي واحترامي


2 - ملاحظة
كمال ( 2013 / 9 / 16 - 06:53 )
افلس الحزب الشيوعي سياسيا واجتماعيا في العراق وكوردستان حيث ليس له اي ثقل سياسي حاليا, لاينسى الشعب العراقي جبهة مع الفاشية البعثية ولاينسي الكورد تحالفه مع احزب ( الديمقراطي) الكردستاني وهي عميل للحكومة الايرانية. وان الحزب الشيوعي جزء من الحرب الداخلية في كوردستان انذاك بين الميليشيات المتناحرة


3 - تنويه
ناهدة جابر جاسم ( 2013 / 9 / 17 - 15:46 )
ورد في المقال مصطلح -قيادة أوك- المقصو هنا قوات الأتحاد الوطني الكردستاني - حزبا قوميا وكرديا كان ومازال بقيادة جلال الطالباني والذي شنَ حملة عسكرية وبالاتفاق مع الجيش الصدامي حينذاك على قوات الانصار الشيوعين.
مقالة وثائقية وموضوعية تؤرخ تجربة مهمة جدا في تاريخ الحركات والاحزاب السياسية والمؤامرت القذرة ضد مصالح الشعب العراقي.
طوبى لشهداء معركة بشت أشان والحركة اليسارية العراقية!


4 - شكرا
خالد صبيح ( 2013 / 9 / 18 - 18:29 )
شكرا جزيلا عزيزتي ناهدة
فاتني بسب هاجس الاختصار والتركيز ان اذكر اسم تنظيم الاتحاد الوطني الكردستاني وذكرته باسمه المختصر وهي تسميات دابنا عليها ويعرفها كثيرون لكن الدقة ضرورية..
مع المودة

اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال