الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار والإسلام السياسي

فؤاد سلامة

2013 / 9 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


السجال المحتدم داخل اليسار العربي(والعالمي) بين مؤيدي الثورة السورية ومؤيدي النظام السوري المعلنين منهم والمستترين, هذا السجال يعيدنا إلى المربع الأول: الموقف من الدكتاتورية ومن الإسلام السياسي. ثمة أسئلة قد يكون من الضروري الإجابة عليها أولاً. هل أن الإسلام السياسي بوجهه "السني", والسعودي استطراداً, هو إسلام رجعي, ظلامي واستبدادي بالطبيعة والفطرة؟ هل أن الإسلام الشيعي, والإيراني استطراداً, هو إسلام تقدمي تنويري وتحرري؟ هل أن اليسار هو واحد موحد في موقفه من الربيع العربي ومن الثورة السورية بالأخص؟

نحن نعرف أن أكثر المهتمين بالسجالات الفكرية السياسية هم اليساريون بمختلف مشاربهم ومنابتهم الستالينية, والبوتينية اسنطراداً, من جهة, والليبرالية بوشائجها الغربية والسعودية من جهة أخرى. يجتمع اليساريون على موقفهم النظري الناقد للتطرف الديني وللفكر "الظلامي". ولكنهم يختلفون في موقفهم من الأصوليات مثلاً. إذ يعتبر البعض منهم أن الأصولية هي خاصية للإسلام السني. وهذا الموقف يجد جذوره عند اليسار الأوروبي في الحساسية الثقافية الغربية تجاه الإسلام الذي كان عدواً تاريخياً للمسيحيين منذ الحملات الصليبية وتجدد هذا العداء خلال الحقبة الناصرية, ومن ثم تعمق العداء بسبب الثورة الجزائرية وتغذى فيما بعد بانعكاسات الصدمة النفطية التي قادتها السعودية. وأضيف إلى التراث السلبي بين الإسلام والغرب تداعيات الحرب الأفغانية بمجاهديها وقاعدة بن لادن بكل ما أفرزته من إرهاب وتعميم للنظرة السلبية تجاه الإسلام السني بالأخص.

اليسار الليبرالي العربي لا يجد فارقاً نوعياً بين الإسلام السني الأصولي والإسلام الشيعي الأصولي رغم اعترافه السابق بالدور الإيجابي المحدود الذي لعبته إيران في الصراع العربي ـ الإسرائيلي, ومن خلال دعمها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية. هذا الإعتراف بدأ يتزعزع بل وانقلب إلى نفور من الدور الإيراني الذي انزلق في الموقف من الثورة السورية إلى دعم مطلق وشامل للدكتاتورية ذات الطابع الطائفي الأقلوي المكشوف. وأما في الموقف من نظام الولي الفقيه فلا شيء يميز في نظر اليساري الليبرالي هذا النظام عن سائر الأنظمة الأوتوقراطية ـ التيوقراطية الإسلامية والعربية, رغم وجود "انتخابات" أقل ما يقال أنها مقننة وموجهة ومعروفة النتائج سلفاً سواءً انتصر فيها الإصلاحيون أو المحافظون, الذين يلعبون تحت عباءة القائد الروحي ـ الزمني غير المنتخب.

في السؤال حول درجة التقدمية والتنويرية لكل من الإسلام السياسي السني والشيعي, كما في درجة التقدمية والتنويرية للنظام "الجمهوري" السوري والنظام الملكي السعودي, تختلف الإجابات طبعاً حسب زاوية النظر. الخلفية الطائفية للناظر والمحلل والمراقب والمؤيد والناقد تلعب دوراً رغم كل الإنكارات التي تأتي من ذات اليمين وذات اليسار. ولكن تلك الخلفية لا تلعب دوراً عندما يكون الموقف السياسي متعارضاً مع الانتماء الطائفي. المقرر في هذه الحالة غالباً ما يكون "الحساسية" الفكرية الشخصية, أو المنفعة المادية, وقد يكون الإثنين معاً وإن بشكل خفي. وفي المقارنة فإن النتائج هي التي تحدد درجة التقدمية والرجعية والدكتاتورية في النظام القائم. المقارنة بين السعودية وإيران في الموقف من الحريات ومن الرفاه الشعبي ليست حاسمة وربما يقول البعض إنها لمصلحة السعودية (أو العكس), والمقارنة بين النظام السوري القائم والنظام الإخواني الذي استمر في مصر حوالي السنة, حاسمة في نتائجها الكارثية لمصلحة النظام الإخواني الذي لم يعمر طويلاً.

يبقى المعيار القومي ـ الأممي لليسار: الموقف من الأمبريالية والغرب وحركات التحرر الوطني. اليسار التقليدي العربي لم يتطور موقفه منذ ستالين "أبو الشعوب".. لا زال العداء لأمريكا والغرب راسخاً صلباً لديه رغم كل ما حصل منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي. الغرب هو مصدر الشر, وهو الناهب الأكبر, وهو محرك المؤامرات ضد الأنظمة "الوطنية", وهو طبعاً وأولاً داعم إسرائيل سبب البلاء في العالم العربي ( علماً بأنه في الموقف من إسرائيل ثمة إجماع بين الشرق والغرب على حمايتها). وهذا الموقف لا شيء سيغيره بعد مائة عام ولو واصل انحدار اليسار التقليدي في الغرب والشرق من نسبة تأييد كانت تقارب العشرين بالمائة في بعض أوروبا (والعالم العربي) إلى ما يقارب الثلاثة بالمائة أو أقل. وأما اليسار الليبرالي فهو يعطي الأولوية في السياسة للموقف من مسألة الحرية والديمقراطية والمواطنة, وليس للشعارات والبروباغندا الإعلامية.

في التجربة المصرية حصل اختلاط كبير في موقف اليساريين هناك, ما أعطى انطباعاً خاطئاً أن اليسارين التقليدي والليبرالي عادا واجتمعا في موقف موحد داعم للعسكريتاريا ورافض للإسلام السياسي الذي وصل إلى السلطة عبر صندوق الإقتراع. في اعتقادي أن هذا الموقف كان اضطرارياً ولا شيء يبرر استمراره غير التأزم الكبير في الوضع الاجتماعي ومخاطر الحرب الأهلية في أكبر بلد عربي. في سوريا كان يمكن لليسار الليبرالي أن يواصل دعمه للحراك السلمي للثورة السورية لو لم يلجأ الدكتاتور إلى استعمال كل طاقته التدميرية ضد الانتفاضة السلمية, محولاً إياها عن سابق قصد وتصميم إلى ثورة مسلحة تسودها الفوضى. في المحصلة فإن النظام السوري بوصفه آلة قتل وإرهاب وتلفيق متمرسة في السلطة منذ عقود, هو المنتج الأول للمجازر والدمار والعنف الذي عم سوريا وما انفك يتغذى من العقلية الشمولية الإمتلاكية التي تحكم سوريا وتولد ردود الفعل المتناسلة. وهنا نكرر أن المعيار الأساسي لليسار الليبرالي ليس الخطاب الديماغوجي "المعادي" لإسرائيل ولأمريكا, كما أتقنته الدكتاتوريات العربية "الجمهورية" واغفلته الدكتاتوريات الملكية.. ليس هذا الخطاب صادقاً كان أم كاذباً هو "بوصلة" الموقف السياسي, بل مسألة الحريات والمساواة الحقيقية بين المواطنين والديمقراطية في الخطاب والممارسة, في الكلام والتطبيق.. وهذا الموقف ينبغي أن يتكرر في كل ظرف ومكان, من عراق صدام إلى ليبيا القذافي إلى سوريا الأسد, إلى كل بلد عربي وإسلامي تقوم فيه انتفاضة ضد الدكتاتورية, أو تستقر فيه سلطة استبدادية دموية, إسلامية "ظلامية" كانت, أم علمانية "حداثية"..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير