الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعرض الفني -إليك أيها العامل- صوت العمال في الأول من مايو

إبراهيم القصاب

2005 / 5 / 23
الحركة العمالية والنقابية


أثبت عمالنا في البحرين هذا العام في الاحتفالات بالأول من مايو عيد العمال العالمي أنهم طليعة المجتمع المدني ومنظماته، وأنهم صناع التاريخ الحديث، وأعمدة الإصلاح الديمقراطي في المملكة، فعلى سواعدهم تقوم النهضة الحضارية والاقتصادية والاجتماعية للمملكة، وعلى سواعدهم أيضا تقوم النهضة الثقافية والفنية، وأثبتوا أن لا غنى عنهم في الحراك الاجتماعي والسياسي في البلاد، مؤكدين على ما جاء في حديث جلالة الملك التاريخي بمناسبة عيد العمال العالمي، فكانت مسيرة الأول من مايو هذا العام مسيرة عمالية حضارية عبرت عن وحدة الصف العمالي والنقابي، بالرغم من المحاولات لبعض الأقلام الصحفية في إثارة الغبار حولها.

لم يكن احتفال عمالنا هذا العام بعيد العمال العالمي تقليديا كما تعودنا عليه كل عام، بل أنه تميز وأخذ مظهرا حضاريا، حين قام مجموعة من النقابيين المنتمين لثلاث نقابات عمالية بإقامة معرض فني يربط بين تاريخ نضال الطبقة العاملة في عهود القمع والإرهاب وظروف نضالها الحالي في عهد الديمقراطية والانفتاح، وإقرار حق التشكيل النقابي، وبروز نقابات عمالية تحت راية الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين .. ظروف أفسحت المجال للعمال بتنظيم أنفسهم في منظمات نقابية والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم، وبالتعبير عن معاناتهم ورؤاهم في التحولات الديمقراطية الجارية في المملكة.

لقد شكل المعرض الفني الذي أقيم في مقر جمعية البحرين للفنون التشكيلية في الفترة بين 3 و11 مايو 2005م، ظاهرة يجب الاهتمام بها من قبل الجمعيات والمؤسسات الفنية، ومنظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين والنقابات العمالية المنضوية تحت مظلته، كونها تشكل انطلاقة لحركة فنية عمالية يجب أن تتسع لتشمل مختلف جوانب الثقافة والفنون والرياضة. فالحركة النقابية بمقدورها، بل يجب عليها، أن تؤسس لمسرح عمالي يعالج القضايا العمالية والنقابية، وأن تؤسس نوادي رياضية وفنية تستقطب المواهب العمالية وتطويرها، وأن تؤسس ملتقى أدبي يهتم بالشعر والقصة والرواية ومختلف جوانب الأدب، يغني مكتبتنا بالأعمال الفنية والأدبية العمالية.

أن المبادرة التي قام بها هؤلاء النقابيون في إقامة المعرض الفني والمخصص للقضايا العمالية والنقابية وتاريخ الحركة العمالية في البحرين، يبعث على التفاؤل ويعطينا الثقة في أن الطبقة العاملة حقا هي طليعة المجتمع المدني، وهي قادرة على العطاء ليس في عملية الإنتاج، بل يتعداه إلى مختلف جوانب الحياة، إذا ما أفسح لها المجال وحصلت على الدعم المادي والمعنوي والتشجيع في إقامة مثل هذه الفعاليات التي تطلق طاقاتها الإبداعية والفنية وتفسح المجال لأخذ دورها الريادي في عملية التحولات الديمقراطية التي تشهدها المملكة.

يقول الفنان علي محمد عضو نقابة المصرفيين أحد المشاركين في هذا المعرض، مع الانفتاح السياسي والديمقراطي في المملكة، راودتنا أنا ومجموعة من النقابيين، فكرة تنظيم معرض فني عمالي، وبدأت تختمر وتتبلور إلى أن بادرنا بالخطوات العملية لتنفيذها، وبتفهم ودعم من إدارة جمعية البحرين للفنون التشكيلية و وزارة الإعلام أخذت الفكرة طريقها إلى التنفيذ.

ويضيف علي محمد أن الفكرة من إقامة هذا المعرض هي إبراز الشيء اليسير من تاريخ نضال الطبقة العاملة البحرينية، وذلك تقديرا لها على تضحياتها عبر هذا التاريخ النضالي الطويل، ونتمنى أن نكون قد وفقنا في ذلك. كما أننا نهدف من هذا العمل أن يكون بادرة لأعمال أخرى تقيمها الحركة النقابية لتأخذ دورها لاستكمال بناء العمل النقابي بكل جوانبه المطلبي و الاجتماعي والفني والثقافي والرياضي.

ويشاركه الرأي علي أحمد عضو نقابة ألبا، مشارك آخر في المعرض في أن الفكرة وراء إقامة هذا المعرض هي إبراز المظاهر الحضارية الأخرى بالاحتفال بالأول من مايو عيد العمال العالمي، فهي لا تنحصر في المسيرات والندوات فقط، بل يتعداه إلى فعاليات ثقافية وفنية وأدبية واجتماعية ورياضية، تهدف إلى تقوية وترسيخ الروابط الأسرية للعمال وتعريف الفئات الأخرى من الشعب البحريني بالإنجازات والمكتسبات العمالية التي تحققت، وكسب الرأي العام العمالي والشعبي للتضامن معها في نضالها من أجل انتزاع المزيد من المكاسب، مؤكدا على أن التعبير بالريشة والصور والألوان والخطوط قد يكون أكثر فعالية من الكلمة ومن الكتاب، وأنها مجالات مفتوحة ولا تحدها حدود والتعبير فيها يكون أكثر تأثيرا ووصولا للجماهير.

أما ياسر محمد عضو مجلس إدارة نقابة العاملين في السفر والسياحة والمشارك في المعرض، فقد أبدى استيائه من عدم اهتمام الحركة النقابية بالجانب الروحي للاحتفال بعيد العمال، وحصرها على حفل رسمي لا يستقطب جماهير العمال وفي مسيرة عمالية فقط، حيث أن مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة تأخذ أبعادا، هي من التنوع والسعة، تتعدى هذه الأنماط من الاحتفال وتأخذ الطابع الجماهيري الشعبي، وتشمل الجوانب الأخرى الفنية والاجتماعية التي تمس حياة العمال مباشرة. وأضاف ياسر أن المعرض "إليك أيها العامل" جاء ليغطي أحد هذه الجوانب المهمة، وليكون منطلق لفعاليات أخرى مستقبلية ترسخ مع مرور الوقت تقاليد ترتقي بالاحتفاء بمناسبة عيد العمال العالمي في إبراز دور الحركة النقابية واستقطاب جماهير العمال إليها.

وتضمن المعرض لوحات فنية متنوعة تحكي جوانب مختلفة من حياة العامل وتضحياته. تتصدر المعرض لوحة فنية للفقيد العامل الشاب محمد راشد الذي توفي في حادث أليم في شركة ألبا بتاريخ 13 أغسطس 2003م، واعتمد الفنانين أسلوب راقي في التعبير المؤثر، حيث استخدم ملابس الفقيد التي كان يلبسها أثناء وقوع الحادث، وباللمسات الفنية جعل اللوحة تنطق بحجم المأساة التي تعرض لها. وفي لوحة أخرى لفقيد عمال ألبا "عبادي" الذي توفي إثر حادث أليم في 6 أغسطس 2003م، قبل وفات محمد راشد بأسبوع، اعتمد الفنانون التعبير بعطاء العامل "عبادي" بالنخلة التي تزخر بالعطاء من غير مقابل، وكذا الحال بالنسبة للفقيد الذي أفنى زهرة شبابه في التفاني في العمل مضحيا بحياته من أجل زيادة أرباح الشركة والنهوض بالاقتصاد والدخل الوطني للبلاد.


اللوحة الرئيسية في المعرض هي عبارة عن مجموعة من الرايات والشعارات والصور التي رفعت في أول مسيرة عمالية حاشدة نظمت، بعد الانفتاح السياسي والديمقراطي، في عام 2002م احتفالا بالأول من مايو عيد العمال العالمي، وقد صممت في تناسق وترابط الألوان والصور والخطوط، مشكلة لوحة فنية تمتزج فيها الروح النضالية لاحتفالات عمالنا بأيار المجيد، وتعبر عن المطالب العمالية الأساسية في ذلك الوقت، خاصة مطلب إصدار قانون يقر حق التنظيم النقابي، واعتبار الأول من مايو عطلة رسمية، وهو ما تحقق على أرض الواقع بعدها بأربعة أشهر من المسيرة. وقد أحيطت اللوحة من الجانبين بعلم البحرين في لفتة فنية عمالية تقدمية تؤكد على أن الانتماء للوطن يأتي فوق كل اعتبارات طائفية ومذهبية ودينية. كما لم ينس الفنانين مخاطبة العمال الأجانب حين أدخل الشعارات باللغة الإنجليزية، في نظرة متقدمة للمساواة وعدم التمييز في الجنسية و اللون والمعتقد.

وفي مقابل هذه الانجازات التي تحققت للطبقة العاملة في مرحلة الانفتاح، تأتي اللوحة الثالثة، لتعكس حجم الهجمة على المكتسبات العمالية خاصة الانتهاكات للحقوق والحريات النقابية التي طالت مجموعة من النقابيين وتعرضوا للفصل من العمل بسبب نشاطهم النقابي ومطالبتهم بحقوق العمال، واللوحة ترسم المسار لهذه الانتهاكات والمصير المحتوم الذي ينتظر النقابيين الآخرين إذا لم تتصدى الحركة النقابية لها ولم تتحرك الجهات الرسمية في اتجاه تطبيق مواد قانون النقابات العمالية وإلزام الأطراف بها، وإصدار قانون التفرغ النقابي. والفنانون في تصميمهم لهذه اللوحة تبنوا شعار "لا لكاتم الصوت" للفنان التقدمي ناجي العلي الذي اغتيل برصاص كاتم للصوت، معبرا بشكل فني راق عن أن محاربة النقابيين لن تخمد صوتهم ولن تقوض العمل النقابي.

ومباشرة بعد تلك اللوحة التي تكشف صورة معتمة لمصير النقابيين والحركة النقابية، تأتي لوحة فنية معبرة عن نظرة عمالنا للمستقبل، وتفاؤلهم بغد مشرق وتطلعهم لتحقيق المزيد من المكاسب والحقوق العمالية وإصرارهم على المضي قدما في مواصلة طريق النضال العمالي والنقابي، واللوحة "الطريق إلى ..."، تمثل عامل يقف في العتمة رافعا رأسه ويده في اتجاه نقطة الضوء القادمة من المستقبل، في إشارة إلى أن طريق النضال متواصل، بالرغم من كل المعوقات المصطنعة، وأن الغد للعمال، بناة المستقبل والحضارة.

في لوحة "بورتريه عامل بناء" يوجه الفنانين، الأنظار إلى شريحة عريضة من العمال الذين على أيديهم تقوم البنية التحتية للمملكة وتأخذ شكلها الحضاري، وهم عمال البناء والإنشاء الذين يكدحون طوال نهارهم في ظروف عمل قاسية وخطرة، وساعات عمل طويلة، دون أن يلتفت إليهم أحد أو يعيرهم أدنى اهتمام، والفنانون بهذه اللوحة استطاعوا أن يبرزوا معاناة هذه الشريحة بشكل فني راق.

وأخيرا تضمن المعرض لوحة تستعرض تاريخ نضال الطبقة العاملة من خلال استنطاق تاريخ الانتفاضات العمالية منذ 1919م إلى 1974م التي كانت محطات نضالية لطبقتنا العاملة حققت خلالها الكثير من الانجازات والمكاسب، واللوحة في تصميمها وتسلسل الأحداث التاريخية، تعبر عن استمرارية النضال العمالي وترابطه عبر كل مراحله في خط تصاعدي بالرغم من الانقطاع الذي استمر لثلاثة عقود، وهي الفترة الممتدة بين 1974م إلى 2002م، العام الذي تكللت فيه هذه النضالات بصدور المرسوم الملكي رقم (33) بشأن قانون النقابات العمالية وإطلاق حق التشكيل النقابي، واعتبار الأول من مايو عطلة رسمية للاحتفال بعيد العمال العالمي. واللوحة في إطارها العام تبرز الجانب المشرق لهذه النضالات وتبدد النظرة التشاؤمية، وتضفي النظرة التفاؤلية على الواقع العمالي والنقابي الراهن وأفاق عملها المستقبلي، وتشهد "أن تاريخ الطبقة العاملة البحرينية قد مر بأيام مشرقة في النضال من أجل غد أفضل".

الفنانون على أحمد، علي محمد وياسر محمد نقابيون وفنانون تقدميون، سخروا ريشتهم وأدواتهم ومخيلتهم لخدمة قضية الطبقة العاملة وحركتها النقابية، يحملون هموم عمال البحرين وينظرون للمستقبل نظرة مشرقة لثقتهم في إرادة الطبقة العاملة وقدرتها على تجاوز التحديات والصعاب، وإيمانهم بالإمكانيات والطاقات التي يملكها عمالنا وإصرارهم على البقاء والعطاء والتحدي، وهم بهذا العمل الفني يرسمون نقطة مضيئة في مسار العمل النقابي ويتطلعون لاتساعها وانتشارها في مختلف مجالاته. فتحية لهم وللمزيد من الأعمال الفنية الجادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. وقفة احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراح رئيس منظمة ال


.. عدد المستفيدين من التأمين الصحي الشامل.. #معلومة_ع_السريع




.. مظاهرة بمطار أيرلندي احتجاجا على استخدامه في رحلات عسكرية لإ


.. متظاهرون مناصرون لفلسطين يدعون إلى إضراب في جامعة ميشيغان بس




.. مظاهرة في تل أبيب احتجاجا على حكومة نتنياهو وللمطالبة بإجراء