الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية..خوف ينتج خوف

عادل أسعد

2013 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في وسط التلاطم في التصريحات و المواقف السياسية فيما يخص الأزمة السورية برز موقف سياسي غريب و هو رفض البرلمان البريطاني بالأغلبية للعرض الذي قدمه رئيس الحكومة للمشاركة مع أميركا في ضرب سورية . بالنظر إلى أن بريطانيا لم تتوانى قط عن مشاركة زميلتها أميركا في أي ضربة موجهة ضد بلد في منطقتنا ، و بالنظر إلى أن التاريخ الحديث لا يذكر لنا متى كانت آخر مرة رفض فيها البرلمان البريطاني طلب مثل هذا مقدم من رئيس الحكومة ، نستطيع القول بأنه لمن المستغرب أن لا تتوقف المعارضة السورية و من ورائها عند هذه الحادثة لمعرفة أسبابها و حيثياتها أقله لتجنب نفس الأخطاء السياسية و العسكرية الميدانية التي أفضت إلى هذا الاستثناء لدى بريطانيا مملكة الدهاء السياسي و صاحبة النظرة البعيدة جداً في تفادي الأخطاء القاتلة في عالم الاستراتيجيات الكبرى .
ما كان ليقمع قلمي عن الكتابة عن الشأن السوري طوال المدة التي فاتت أي أمر سوى تلك العطالة الغريبة التي تسبغ طريقة تفكير جمهور المعارضة السورية . و اعذروني هنا على التعميم فالخطاب الذي يصدر عن ما يعرف بالمثقف المعارض لا يختلف برأيي إلا في البذلة و ربطة العنق عن خطاب ذاك الذي امتشق سيفه قبل بندقيته و ذهب ليفرش طريق حريته من النظام في سوريا برؤوس و أوصال من طالته يداه . فالاثنان ، ذاك بقلمه الفارغ إلا من الحبر و الآخر بسيفه المنتصب يسببان لك ذلك الاحساس بأنك ساذج قليل الخبرة في قراءة خصمك و مجرد مبتدئ متحمس عندما تأخذك الحمية و تنزل إلى ساحة السجال معهم لتقارع تبريراتهم بالحجة و لترد على تناقضاتهم بالمنطق متوهماً الوصول إلى بر صلب من التفاهم العقلاني معهم لتتفاجئ في نهاية المطاف بأن الأمر ليس كما ظننته أبداً ، فأنت لم تكن تجادل أخ لك قاسمك نفس الوطن و تمتزج ثقافته بثقافتك بما يؤدي بكما إلى أن تلتقيا في الثوابت الوطنية التي لا جدل حولها ، بل كنت تناطح قلاع شاهقة من المسلمات المنزهة و من موروثات السيادة الشوفينية ، و تصارع تنانين من العواطف الثائرة التي تلتهب تحت سياط خطاب انفعالي غير قابل للكساد أو للاهتراء !! فأنا ما زلت أذكر دهشتي من تصريح الممثلة السورية المعارضة واحة الراهب زوجة المخرج مأمون البني في مقابلة لها عندما قالت بكل ثقة و ايمان بأن العالم كله يقف ضد ثورتها السورية ناسفة بعرض الحائط كل ما قد قدمته أميركا سياسياً و ما وفرته أقمارها الصناعية من تسهيلات عسكرية و مخابراتية و كل الدعم المادي و اللوجستي للمعارضة السورية المقدم من دول الخليج و من الأردن و تركيا و كل تلك الطائرات التي أقلت عشرات الألاف من المقاتلين العرب و الأجانب إلى سورية ليقاتلوا متطوعين ضد نظامها القائم . كما أذكر بوضوح ذاك التصريح البليد من مسؤول ميداني مهم في المعارضة السورية و هو بسام الدادا عندما صرح على الهواء مباشرة لقناة الميادين بأنه هو و رجاله انما يقاتلون النظام السوري و اسرائيل و اوروبا و أميركا مما دفع بمعد البرنامج سامي كليب ليرد عليه بلباقة قائلاً لو كان كل هؤلاء ضدكم كما تدعي فمن المؤكد بأن مهمتكم صعبة جداً .
كان أحد المعارضين قد نشر مقالاً منذ عدة شهور مضت يحلل فيه ، بمنهج يفترض فيه أنه علمي و هادئ ، نفسية الفرد السوري المؤيد للنظام . لكن المحتوى و الأسلوب يدلا على أن المقال عبارة عن تأملات تقليدية لقارئ معارض تقليدي ، و الغريب في الأمر أن هذا اللامقال و اللادراسة قد نال شعبية غير مفهومة بين المعارضين و استمر منشوراً على مواقع المعارضة لفترة طويلة مما فتح شهيتي للرد عليه فأنا ضعيف جداً عندما يتمادى الخطأ و تتداخل التشوهات مع المنطق و تغيب الحقيقة في ثنايا الخطابات و صف الكلام . و لكن عندما بدأت بالبحث لكتابة مقال نقدي عن سلوك و ذهنية المعارض السوري وجدت نفسي أغوص تدريجياً في بئر نفساني متعرج و عميق ، مملوء بصخور من الموروثات الشرقية المتشعبة و بأكوام من أشواك العاطفة المشوهة التي نبتت و نمت على مدى قرون وقرون و قد ألبسها الخطاب الصحراوي الفضائي مؤخراً رؤوساً معدنية حادة لتمسي حراباً فتاكة تأكل الجسد السوري دون أي شعور بالأسف . وهكذا أمسيت خلال بحثي في مواجهة مباشرة مع أصول قبلية بعيدة للمشاكل المزمنة في الشرق مما يعني أن الأمر يحتاج لأكثر من مجرد مقال بل إلى دراسة موسعة و مفصلة تنتهي إلى وضع كتاب يتم فيه اجراء نقد ثقافي و تحليل مفصل للذهنية العربية بشكل عام ، و تفكيك لبنائها السلوكي القائم بالدرجة الاولى على نمط تفكير يرتكز على ايجاد تبريرات عامة و شاملة عندما تمتلئ ثوابته بالثقوب ، كما و تتحكم به عاطفة تُستثار بكل سلاسة و دون مقاومة بمؤثرات خارجية صنعية مثل الخطابة في الأيام الغابرة و الاعلام الممنهج في الحاضر . و لكن ، و على عكس الخطابة في الماضي ، لا يعرف الاعلام الفضائي الراحة ، و لا يهادن ، فيطرق عواطف المعارضة من كل حدب و في كل وقت فيلتهم ضحاياه كما تلتهم النار القش اليابس فلا تبقي على قشة واحدة نتعلق بها كي نستطيع الادعاء بأن التعميم مرفوض عند الحكم على جماعة المعارضة .
بالنظر إلى سلوك كل من الطرفين فأن أكثر ما يُلاحظ على جمهور المعارضة السورية طوال فترة الأزمة هو عدم الثبات في سلوكه ، و التخبط في اسقاطاته العاطفية وان كان بدرجة أقل من تذبذب سلوكه . فبالمقارنة مع جمهور الموالاة نرى بأن هذا الأخير يتمتع بتكتل ملفت للنظر يضاف إليه ثبات في المواقف طوال المدة التي فاتت ، فنرى الموالي المدني يمارس نشاطه السياسي ان كان على الأرض أو على شبكة الانترنت بانضباط يضاهي العسكر به مما يعيدني إلى تشبيه كنت قد استخدمته في احدى مقالاتي لوصف تراص الموالين و هو (الشبيبة الألمانيةّ) ولا أدل على ذلك كمية الحملات الناجحة التي نظمتها المواقع الموالية للنظام على الانترنت و التي كانت آخرها تلك التي توجهت إلى أعضاء الكونغرس الأميركي عندما كانت حاملات طائراتهم تتقاطر إلى الشرق من البحر المتوسط .
تتجلى التناقضات الفكرية و العاطفية لجمهور المعارضة في نظرته المشوشة إلى مختلف المسائل السياسية ، مثل رؤيته المؤامراتية للدور الاسرائيلي في الأزمة السورية ، و مواقفه المرتبكة من قياداته السياسية المختلفة و تصوراته الغير مكتملة عن مستقبل سورية . و قد سببت هذه التناقضات الفكرية عجز لدى المعارضة عن قراءة الصورة السياسية العامة و ومكانها فيها ، بل لقد فقدت القدرة على التحليل السليم و قراءة المؤشرات المميزة ، ففي ما يخص موقف البرلمان البريطاني من الضربة على سورية لم نرى من المعارضة من فكر ، مجرد تفكير عابر و لوهلة ، بأن الساسة البريطانيون ما كانوا ليضعوا رئيس حكومتهم عن قصد في هذا الموقف العلني لولا أن بريطانيا أرادت الانسحاب بأي شكل من لعبة خطرة ، فلربما كان الأمر أنها قد اشتمت بدهائها المعروف رائحة تحقيق كيميائي كان يجهز بهدوء و تربط خيوطه مع بعضها البعض بتأني و تجمع أدلته بروية لينفجر في الوقت المناسب مسبباً لأكبر فضيحة سياسية في التاريخ لن تستطيع أي وسيلة اعلامية أو تقرير استخباراتي مزور طمس أثارها أو ازالة وزرها لأجيال قادمة .
لكن أكثر ما قد يعطي صورة بانورامية عن أزمة المعارضة السورية الفكرية و عن تناقضاتها الذاتية الداخلية هو موقفها المتسامح و التبريري من التصرفات الراديكالية التي صدرت عن المعارضة المسلحة و الحركات الأصولية التي تقاتل ضد النظام السوري . فقد بدأت اولى التناقضات بالتجلي في بدايات العمل المسلح ضد الدولة السورية عندما استماتت المعارضة لنكران وجود جماعات مسلحة محسوبة عليها تمارس الاغتيالات و الخطف لمدنيين من الطرف الآخر ، ثم تطورت المفارقة عندما بدأت هذه الجماعات المسلحة بانزال أفلام عن عمليات تصفياتها على اليوتيوب مما حدا بالمعارضة للجوء إلى تكتيك تراثي للحفاظ قدر الامكان على صورة رومانسية لثورتها و هو ‌(التبرئة بالتشكيك) كونه الوسيلة الأرخص سايكولوجياً و إلا فما كان على المعارض إلا أن يتواجه مباشرة مع كامل بناءه الفكري و هنا يكمن... كل الخوف . و هكذا ظهرت للعلن بشكل اوتوماتيكي بدعة قديمة جديدة تقول أن مخابرات النظام هي من دست هذه الأفلام التوثيقية المشكوك فيها لضرب نزاهة الثورة ليتأسس عند المعارضة مبدأ الشك اخلاقياً و فكرياً ،و بشكل شرعي، في كل ما لا يتوافق مع الأخلاقيات العامة من ممارسات مما يحقق توازن للارباك الأخلاقي عند المعارض يمكنه من اسناد رأسه ليلاً على المخدة واغماض عينيه لينام قريراً هانئاً.
لم يظهر حتى اللحظة على أي فرد من المعارضة أي شكل من الخوف العفوي أو أي ميل للرهبة من ممارسات الجماعات الأصولية العنيفة مثل الذبح و قطع الرؤوس و سحل الجثث و افتراس قلوب الضحايا ، و هذا الأمر يحمل في طياته دلالات عدة أولها دلالة على خوف عميق لدى المعارض من قوات النظام تدفعه لمباركة العنف المفرط ضدها و ليس أخرها دلالة على أن ثقافة المعارض لا تنبذ هذه الممارسات بالرغم من وحشيتها مادامت تصدر عن مصدر يتقاطع مع المعارض بالقبيلة و بالتالي بالعدو المشترك و بنوعية العقاب الذي يجب أن تطبق عليه . بل لقد وصل الأمر ببعض ما يعرف بمثقفي الثورة لأن يندد بالاسلامفوبيا الناتجة عن هكذا سلوكيات معتبرين أن الرهبة منها هو أمر مبالغ فيه !! بل هو نتيجة لمؤامرة اعلامية ركزت على هذه الجرائم مما زاد من تأثيرها على المتابع !؟ لكن مثقفينا هؤلاء قد فاتهم دون أن يدروا انهم بدفاعهم المبطن هذا عن الأيادي التي مارست هذا العنف انما قد برروه و شرعنوه بنفيهم لوجود أي داع للنفور أو للرهبة منه ، كما و قد أثبتوا بطريقة غير مباشرة قربهم الثقافي و السايكولوجي من الفاعلين لأن الانسان يميل في العادة لتقبل أبناء جلدته بأريحية فلا ينفر منهم بسهولة كما يفعل الأخرون الأكثر بعداً .
عندما بدأ اسم جبهة النصرة بالبروز هلل القسم الأكبر من المعارضة لها كونها تتمتع بنظام داخلي صارم و عملياتها فعالة جداً ضد قوى الأمن و الجيش السوري مما حدا بالاعلام السوري لشن هجوماً مركزاً على هذا التنظيم متهماً اياه بأنه صنيعة المخابرات الأميركية كي يخلق شرخاً بينه و بين جمهور المعارضة الأمر الذي لم يتم بل قد قوي التصاق هذا الجمهور بجبهة النصرة و زاد من انخراطه في صفوفها بالرغم من طروحاتها الأصولية حتى تجاوزت عملياتها ضد القوات النظامية السورية المائة و عشرين عملية فيها الكثير من السيارات المفخخة و العمليات الانتحارية . و استمر هذا الحال بالتصاعد حتى ابتدأ ما قد كانوا قد حذروا منه "الاسلامفوبيين" و جمهور الموالاة بالحدوث حيث قامت مجموعة من جبهة النصرة باغتصاب عدة أطفال في ريف ادلب فاندلعت على أثر ذلك مواجهات دامية انتهت بذبح عدداً من عناصر الجيش الحر الأدالبة و رمي جثثهم في القمامة . و أمام هذه الصدمة انكفأت المعارضة سايكولوجياً و التجأت إلى موروثها المنقذ في الأزمات الأخلاقية الفجة (التبرئة بالتشكيك) و افترضت لاهثة بأن جبهة النصرة هي صنيعة النظام السوري!!؟؟ و قد لاقى هذا المخرج استحساناً كالعادة فانتشر في جمهور المعارضة بسرعة غريبة كأنه أكسير الشفاء بين مرضى في مراحلهم الأخيرة ... و الأن تتكرر نفس الصيرورة ، و تتشكل نفس الدائرة المغلقة مع ما يعرف بتنظيم داعش لتدور نفس الحكاية و يدور معها جمهور المعارضة حول ساقيته مجتراً خوفه من مفاجأت أبطاله و خشيته من مجهوله دون أن يرى ما كان قد رأوه "الاسلامفوبيون" منذ بداية زمنهم و هو : أن (هذا) هو نتيجة حتمية (لذاك) و (ذاك) هو (هذا) في الأصل و لكن ... ببذلة و ربطة عنق .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية