الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المرأة في تحقيق الوفاق والتلاحم الوطني

بتول قاسم ناصر

2013 / 10 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


يتكون العراق من كيانات متعددة وثقافات ولغات مختلفة كانت على امتداد تاريخه متآخية متعايشة مع بعضها. وكان هذا التنوع والتعدد عامل إثراء وقوة للمجتمع العراقي وللفكر والثقافة للعراقيين ، وهو يستمد من هوية وطنية يشترك فيها ويتمسك بها كل العراقيين. ولم يمنع الولاء لهذه الهوية الواحدة من أن تتعدد الولاءات الأخرى للقومية والطائفة والقبيلة والمكان ، لكن هذا لم يهدد يوما الهوية الوطنية والوجود الاجتماعي والاستقرار السياسي للعراق. وظل الولاء المطلق للعراق عاملا على تضييق شقة الخلاف ميسرا لعملية التشابك الاجتماعي معززا لروح الأخوة ومحققا للاستقرار.
ولقد مر العراق في عهد النظام السابق بفترة مظلمة عانى فيها ويلات وكوارث ما مر بها شعب من الشعوب ، وعرف نمطا من السلطة الغاشمة التي أخضعت الشعب بالبطش والعنف وتركته متخلفا فقيرا مقهورا. وبالرغم من أن النظام البائد كان يدعم بعض مكونات الشعب ويؤثرها بالرعاية ويخصها بالامتيازات إلا إن هذه السياسة العنصرية المتعصبة الضيقة لم تكن عاملا في إقامة فجوة واسعة وتفرقة مؤثرة بين أبناء الشعب الذين كانوا يشخصون مصدر الخلل بالنظام القائم ويتوجهون إليه جميعا بكراهيتهم. وبعد أن أثمرت تضحيات الشعب الكبيرة بإزاحة النظام الظالم كنا نتوقع أن تتعزز أواصر الوحدة والتلاحم بين أفراد الشعب بعد زوال مسببات الفتنة والخلاف إلا إن ما رأيناه من ألوان الخلاف والصراع راح ينذر بتهديم الوجود الاجتماعي وعوامل الاستقرار ويهدد الهوية الوطنية بالتمزق ويضعها أمام تحديات تهدد التلاحم الوطني فأصبحت الولاءات الخاصة تجتذب الجماعات إليها ولا تصغي إلا إليها والى تأثيراتها الداعية إلى الكراهية والتنابذ والحرب الطائفية والعرقية والسياسية. وهكذا انتفت الرغبة الى التفاهم والحوار والسعي الى التسامح والتصالح وشاعت حالة من التوتر أسفرت عن انفجار الأوضاع والعلاقات الاجتماعية وانهيار البنية الأخلاقية . وبسبب كل ذلك لم يعد العراق بلدا موحدا ولم يعد العراقيون شعباً منسجماً متآخياً وأصبحوا جماعات منعزلة عن بعضها يعبرون عن أنفسهم من خلال الطوائف والمذاهب والقبائل والأعراق التي لا تتحدث الا من خلال لغة العدوان والفرقة مما جعل الدولة غير قادرة على إقناعها بالتمسك بروح المواطنة والإخوة ، ولم تعد عوامل التوحيد قادرة على دمجها .
وأدى هذا الحال إلى الإبطاء في عملية التحول الديمقراطي وتأخير تكون مؤسسات المجتمع المدني وضعف نضج الدولة واستكمال بناء مؤسسات الأمن والدفاع القادرة على الوقوف بوجه الفوضى الضاربة في كل الأنحاء والعنف والإرهاب المدمر للحياة. وبالرغم من تمتع بلدنا بالثروات الكبيرة والإمكانات المادية والبشرية لم تستطع الحكومة أن ترمم البنية التحتية وان تؤسس قاعدة صناعية وزراعية وتجارية ولم تقض على البطالة ولا أزمة النازحين والمهجرين قسراً والمهمشين والمعدمين الذين ينظرون إلى المستقبل بنظرة مظلمة ويتساءلون عن معنى الديمقراطية والحرية والتغيير والإنقاذ والتعمير والاستقلال. وبهذا باتت الأزمة خانقة تضيق على كل الناس ، وهي في جوهرها أزمة وعي منحرف وثقافة تعمل جهات مخربة على بثها ، جهات طامعة بخيرات بلدنا فوجهت الأمور إلى ما فيه مصلحتها وعملت على إضعاف روح المواطنة وقتل الإخوة وقيم التسامح والرغبة في العيش المشترك فاندفعت قوى الإرهاب وأعوان النظام السابق لتستخدم كل وسائل العنف الدموي لإعاقة بناء الدولة العراقية الجديدة وتعطيل كل مبادرة لإحلال السلام .
ولدفع حالة الفوضى والعنف ولإحلال السلام سعت الحكومة إلى تبني مشروع المصالحة الوطنية إيمانا منها بأن الصراعات التي تنشب بين الأفراد والجماعات تستدعي البحث عن تسوية وحلول سلمية تبعد شبح الإرهاب والعدوان لأن الإرهاب والعنف لا يأتي من فراغ بل لغياب التفاهم والعجز عن إيجاد لغة للحوار. والحلول السلمية للصراع يجب أن تكون مقبولة من كل الأطراف المتنازعة وضامنة لحقوقها لكي تؤمن بعملية المصالحة. وبدون هذا الإيمان لا يمكن إقامة أية مصالحة . وكما أن المصالحة لا تكون بقرارات عليا إنما بإيمان ووعي بها ، كذلك فإنها لا تكون من أملاءات خارجية تحاول أن تضغط باتجاه تنفيذ توصيات تعبر عن رؤيتها ومصالحها . وهي توصيات لا تعبر عن رغبة أبناء الشعب ومصالحهم . وهم غير مؤمنين بما توصي لأنها تنحاز إلى الجهات التي تمارس القمع وهي بهذا لا تعبر عن رضا ومصالح كل الأطراف الداخلة في عملية المصالحة إنما تعبر عن مصلحة أحدها وهذه عبارة عن عملية إخضاع إلى صيغة مصالحة إجبارية تعرض الشعب مرة أخرى إلى التعجيز وعدم الرجوع إلى خياراته الحرة .
ولقد راهنت هذه الدعوات على استفحال حالة الإرهاب وانطلقت من لغة الإملاءات مستغلة ما يتعرض له الشعب من قتل وما يعانيه من هواجس الخوف والقلق واضمحلال الأمل لكي توحي بتوقع تزايد حدة عمليات الإرهاب إن لم تتم الاستجابة إلى توصياتها والتنازل عن الحقوق والدفع إلى التكيف والتحول إلى السلوك الطوعي والسكوت والإقرار بالواقع وإسباغ الشرعية عليه . وهكذا تبقى ثقافة التسلط والخضوع وفرض الإملاءات واستغلال نقاط الضعف لإخضاع الشعب إلى عملية مصالحة غير عادلة وهذا لا يعني حرية هي قرينة للديمقراطية بل يعني استلابا وانتهاكا للحقوق . صحيح أن المصالحة قد تستدعي بعض التنازلات ولكنها لا تكون تنازلا عن الكرامة ثم إنها لا تكون على حساب الفئة المظلومة لصالح الفئة الباغية .
إن عملية المصالحة تعني تعلم الثقافة الديمقراطية وممارستها والعمل على ترسيخ التفاهم والحوار العقلاني بدل العنف الذي يمثل تعديا على الآخر ، وإعادة الاعتبار إلى الإنسان العراقي المكسور وبناء الثقة بنفسه . وبهذا يمكن تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الممزق وإقامة روابط ثابتة من المشاعر المشتركة في محاولة لتشكيل شعب عراقي خال من التكتلات والتكوينات التي تحكمها اعتبارات غير وطنية ومرتبطة بالأباطيل الطائفية والعرقية .
ولأن عملية المصالحة وتحقيق الوفاق الوطني مبادرة تخص جميع أفراد المجتمع العراقي برجاله ونسائه فإننا نتحدث عن دور المرأة باعتبارها نصف المجتمع ومدرسة المجتمع كله وبوصفها أما ومربية وقائدة في المجتمع. لقد كان دور المرأة دائما فاعلا في حركة الحياة في العراق وكانت لها مواقف ثابتة ومشرفة مرتكزة على قاعدة الفكر والأيمان والوعي الكامل المنفتح على القضايا الكبرى التي مرت بها التجربة العراقية. ولقد أثبتت نجاحها في المهمات التي تصدت لها وأكدت مستوى الطاقات المتميزة التي تمتلكها والمعرفة الواسعة ولم تكتف بممارسة دورها الكبير في مؤسستها الصغيرة في رعاية أسرتها ، بل أكدت نجاحها في أكثر من صعيد وبرهنت أنها تمتلك من صلابة الإرادة وقوة الموقف والوعي الشيء الكثير مؤمنة بأن تخليها عن دورها الجهادي في اتجاه خط التغيير وابتعادها عن ذلك يؤدي بالمجتمع الى التدهور. وإن التزامها بدورها الإنساني الأصيل في بيتها لا يمنعها من القيام بأي دور آخر على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي.
وبعد سقوط النظام البائد أكدت مشاركتها في الحياة السياسية مما دلل على وعيها السياسي والاجتماعي وإن كان هناك من يذهب إلى أن دورها الحاضر لم يكن بمستوى ما هو مطلوب منها وأنه بلا فاعلية ويعبر عن ضعف في الأداء فلم يكن بمستوى التحديات وأنها على العموم بقيت بعيدة عن التحولات العامة للحياة التي تمر بمنعطفات كبيرة . وقد يلتمس آخرون لها العذر من الظروف المعوقة المحيطة بها. فلقد هدد الوضع الأمني حياتها وحياة أسرتها فأصبحت هدفا للأعمال الإرهابية وللتهجير مما دفعها إلى الانسحاب بعض الشى من الحياة العامة. ولكن دور المرأة الفاعل والمنتظر منها أن تؤديه في هذه الأزمة والذي لا يقل عن دور الرجل يحتم عليها أن تتخطى كل الصعوبات وأن تخوض غمار هذه المهمة الخطيرة وأن تحاول تفهم هذه الأزمة الوطنية وأن تحللها بعيدا عن الأحكام المسبقة حتى لا تكون الحلول غير مرتبطة بالواقع. وتستطيع المرأة أن تمارس دورها في مجالين : المجال الخاص البيتي الأسري والمجال الحياتي العام. والمجالين يكمل أحدهما الآخر ويؤكد فاعلية دورها في أحدهما فاعليته وحجمه في الآخر. فمن واجب المرأة بوصفها مدرسة المجتمع أن تربي النشئ على قيم التسامح والسلام ونبذ العنف وأن تعطي هذا العمل أولوية إنسانية وحضارية، وأن تعمل على مجابهة القيم السلبية التي تشيع في المجتمع بقيم أخرى تغرسها في نفوس أولادها وأن تربيهم على احترام الآخرين وقبولهم والاعتراف لهم بحقهم في الاختلاف في الرأي والاعتقاد وأسلوب الحياة، وأن تعمد في تيسير هذه المهمة الى كل الوسائل التربوية لتلقينهم نبذ العدوان والعنصرية وإفهامهم أن عدم السعي الى التسامح والتصالح هو تأكيد لأخلاقية التعالي والتسلط والسيطرة والصدور عن أخلاقية الحقد والكراهية التي تعمل على تمزيق وحدة الناس. إن هذا الدور التربوي المهم الذي تمارسه المرأة في بيتها وعلى أولادها إنما هو دور خطير في إنجاز مهمة المصالحة الوطنية لأن هذه المهمة لا تكون بأوامر يلقيها القائمون على المجتمع من الساسة فهذه تبقى مجرد دعوات إن لم يقابلها وعي في النفوس تبذره المرأة في أفراد عائلتها وهي تمارس دورها في البيت أماً مربية. وتستطيع المرأة مواصلة عملها التربوي وأن تمتد على مساحة أكبر في المجتمع من خلال عملها في المؤسسات التربوية العامة كالمدارس فتعلم الناشئة على ضرورة احترام غيرهم وتحدد رغباتهم في حدود احترام رغبات غيرهم بعيدا عن أشكال العدوان والأنانية والمركزية الذاتية وغير ذلك من القيم. ويأتي دور المرأة في التربية المدرسية كبيرا في صقل وتهذيب النفوس وإقامة علاقات أخوة وصداقة مع الآخرين والتأسيس لقيم التسامح والتعايش المشترك ونبذ الفرقة. وهكذا تستطيع التربية أن تكون أداة فاعلة في إعداد قاعدة مكينة قوامها هذه الأجيال الصاعدة القادرة على التصدي للقيم غير القويمة وتأصيل قيم السلام والديمقراطية وتستطيع أن تبني قيماً مناهضة لقيم التعصب والكراهية وإلغاء الآخر . وهي بذلك إنما تنجز مشروعاً تربوياً وطنياً يؤكد الهوية الوطنية أساسا لصد كل مشاريع التفرقة والتمييز القائمة على الطائفة والدين والجنس والعرق ، وبناء الإنسان المتسامح الحر الذي يرفض كل أشكال التعصب وتعزيز الوعي بحقوق الإنسان وواجباته بما تتطلبه الحياة وتقوم على أساسه وهكذا تنهض المرأة المربية بمهمة أعداد وترسيخ الغايات الوطنية التربوية الكبرى.
وتستطيع المرأة العراقية أن تؤدي دورها المهم هذا في تحقيق الوفاق الوطني وإنجاز مشروع المصالحة الوطنية من خلال وجودها في مواقع صنع القرار واحتلالها لمناصب رفيعة في الدولة. وكذلك من خلال الانخراط في العمل التطوعي والإسهام في تأسيس منظمات المجتمع المدني والمشاركة من خلالها في أداء هذه المهمة الوطنية. وعليها أن تسعى الى أن لا تنسب هذه المنظمات إلى أية تسمية طائفية أو قومية أو ما شاكل ذلك، وأن تكون لهذه المنظمات فروع في مختلف محافظات العراق تضم نساء سياسيات ومثقفات وناشطات في مجال العمل المدني المجتمعي. وتقوم هذه المنظمات بتقديم توصيات وتصورات لإنجاز هذه المهمة وأن تسهم من خلال عملها في هذه المنظمات على إعادة بناء المجتمع الذي يتعرض لانقسامات وطنية كبيرة من أجل بناء جبهة وطنية واسعة لمواجهة التحديات ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب